بيت المدى يحتفي بمئويّة العلاّمة علي جواد الطاهر

حوالي ٥ سنوات فى المدى

 متابعة المدى  عدسة/ سلام صبري
أُستاذ الأجيال ، ومعلم النقد الأدبي في العراق هكذا أجمع الحاضرون على وصف العلامة الراحل علي جواد الطاهر الذي قدم للادب العراقي والعربي العديد من الكتب المهمة في مجال النقد والتراث ودراسة القصة والشعر والرواية حتى أنه أصبح علامة متميزة من علامات الثقافة العراقية في الستينيات والسبعينيات وحتى لحظة وفاته عام 1996 ، علي جواد الطاهر الذي تمر ذكرى مرور مئة عام على ولادته أقام له بيت المدى للثقافة والفنون ضمن منهاجه الأسبوعي حفل استذكار شارك فيه عدد كبير من تلامذته من النقاد والأدباء الذين تذكروا السيرة الوضاءة للراحل
مدرسة النقد الأدبيالباحث رفعت عبد الرزاق الذي قدم الفعالية استذكر محطات مهمة من حياة الطاهر، مؤكداً أن الراحل قدم للمكتبة العربية العديد من المؤلفات التي أصبحت أشبه بالمناهج في النقد الأدبي والتراثي ."وأضاف عبد الرزاق : "إن من أهم ما قدمه الطاهر هو تعقيباته التراثية واستدراكاته على عمل المحققين الكبار ، وأيضا اهتمامه بالقصة القصيرة حيث كان الطاهر أحد أهم الذين أرخوا للقصة العراقية وكتب عنها الكثير ، وكتب ايضا عن قصاصين معاصرين ، والحديث عنه طويل كما يقول عبد الرزاق الذي تحدث عن البواكير الاولى لنشأة الطاهر في مدينة الحلة ودراسته في بغداد والقاهرة وفرنسا.
ستظلّ ذكراه ذات دلالات عميقة وكبيرة أول المتحدثين كانت الدكتورة نادية العزاوي وهي من أبرز تلامذة الطاهر ، التي تحدثت في كلمة قصيرة عن الجوانب الإنسانية والعلمية للراحل ، حيث وصفته " بعفة اللسان واليد ، وبزهد النفس وترفعها عن الصغائر ، وبالإيمان بطاقة الكلمة على التصحيح والبناء والتنوير " واضافت العزاوي أن الطاهر تميز بالصبر على مشاق البحث والتأليف وكان يكره الاستسهال ، وامتازت مقالاته بالعذوبة حيث أودعها عصارة إحساسه وفكره ، وأكدت الدكتورة نادية أن الطاهر نموذج للأستاذ والمثقف الرصين الذي ستظل تتذكره الأجيال بعد عشرات السنين ، فسحر الطاهر عمرمتصل لاينقطع .
يمتلك حساسيّة شعريّةالناقد المعروف والأستاذ الجامعي الدكتور شجاع العاني تحدث عن علاقة التلميذ بأستاذه الذي أخذ بيده ، وعن أهمية الطاهر باعتباره مُعلّماً للعديد من النقاد على مدى أجيال، ولفت العاني : "أنهى الطاهر دراسته في الأدب والتراث الأدبي القديم ، وكانت رسالته عن الأدب في العصر السلجوقي، ثم بدأ يعالج في مقالاته التي كان ينشرها في الخمسينيات موضوع القصة ويتابع مرجعيات فرنسية في دراسة القصة . لذلك تردد المصطلح الفرنسي كثيراً لديه ."كما أن الطاهر من أوائل من كتبوا في نقد القصة، واستمر في معالجة ونقد الأدب القصصي كما يذكر العاني، ويضيف "إضافة إلى نقده، كتب القليل عن نقد الشعر وذلك لوجود الكثير من نُقاد الشعر ، وأول من كتب في نقدهم هو محمود أحمد السيد في كتابه "محمود أحمد السيد رائد القصة في العراق" وتلاه جمعه أعمال السيد، وبعدها تناول الكتابة عن أكبر قصاصي العراق من بينهم فؤاد التكرلي."أما عن نشاطه فيذكر العاني :"إن للطاهر نشاطاً غريباً ، حيث كان نشطاً في مجال الصحافة وكتب كثيراً في مجلات وصحف كثيرة ويتابع كل ما هو جديد خاصة في فن القصة وكتب في النقد المسرحي . علي جواد الطاهر شغل مكاناً مهماً وسد شاغراً كبيراً في مجال النقد الأدبي وخاصة القصصي ، وصار يدرّس في الجامعات العراقية وثم في الجامعات السعودية ."وأكد العاني أن معظم المقالات التي كان ينشرها الطاهر في الصحافة العراقية والعربية تحولت الى كتب نقدية مهمة ، أشرت وجود ناقد تطبيقي من الطراز الاول ،اضافة الى اهتمامه بطلبته الذين أصبح الكثير منهم يعملون في مجال الأدب والثقافة .
قيمة الطاهر الثقافيّة البعض الآخر لم يتتلمذ على يد الطاهر إلا أنه تعلم منه الكثير، أمثال الدكتور علي حداد الذي ذكر :" لم أتتلمذ على يد الطاهر مباشرة ولكني حين دخلت مجال النقد الادبي والتراثي كان نموذجي هو الدكتور على جواد الطاهر الذي اقتنيت جميع مؤلفاته ولاتزال تأخذ ركناً مهماً في مكتبتي ، وأضاف حداد ، كما أنني كنت معجباً بشخصيته وهو يتابع بدأب وحرص جميع أنواع الانشطة الثقافية :جلسات نقدية ، مهرجانات شعرية ، عروض مسرحية ، أمسيات موسيقية ، ونجده يكتب عنها بحرص الناقد والمعلم . وأضاف حداد إن قيمة علي جواد الطاهر في الثقافة العراقية مرتبط بعمق عطائه وأهمية هذا العطاء ، وأيضا لتنوع كتبه ، فهو أبدع في كل فنون الادب ، وكان له آراء نقدية مهمة وضعت الأسس لمدرسة النقد الأدبي الحديث في العراق
جيل من الأساتذة الكبار يتّصف علي جواد الطاهر بأنه معلم لأجيال كبيرة من الادباء والنقاد، هو وجيل ضم مهدي المخزومي وجلال الخياط كانوا يحرصون على توجيه طلبتهم نحو القراءة ثم القراءة ، ، هذا ما ابتدأ به تلميذه الشاعر الدكتور محمد حسين آل ياسين قائلاً :"الطاهر أستاذي في ثلاث مراحل دراسية "البكالوريوس والماجستير والدكتوراه" ، وفي كل مرحلة من المراحل هو غيره في المرحلة الاخرى، وهذا أول تميز له عن الاساتذة فجميعهم يتكررون مع تكرر المراحل، إلا أن علي جواد الطاهر كان يعطي لكل مرحلة حقها من حيث المستوى والموضوعية ."ويضيف آل ياسين :"الطاهر أستاذ لا يتكرر حيث مرّ علينا الكثير من المستنسَخين وليست لديهم بصمة تفرقهم عن زملائهم ، كان يحاضر بسرعة وأسلوب شيق ، ولا يشعرنا بمرور الوقت ويمتعنا بالدرس وكان بعد كل 5 دقائق يذكر عددا من المراجع ، وكنا نسجل أسماء الكتب لظننا أننا يجب أن نحفظها ونقرأها ونمتحن بها وتكونت لنا بسببه مكتبة نقدية جيدة، وبعد انتهاء الفصل قال : حان وقت الامتحان الفصلي وقال عندي نصيحة لكم أن لا تقرأوا شيئاً للامتحان ، وقال إن الكتب التي اقترحتها كانت مجرد نصيحة لكم ." وتابع آل ياسين قائلاً " في الامتحان أملى علينا سؤالين لا جواب لهما في أي من الكتب التي قرأناها وأخذ الاوراق وعاد بها مصححة وجلس على المنصة وقال :هذه مجموعة ممن لم يأخذ بنصيحتي وهم نسخة عن قدامة بن جعفر والجاحظ وغيرهم فأين هم من هؤلاء الذين أخذوا بالنصيحة ودونوا بخزينهم وروحهم وثقافتهم ، وقد أراد الطاهر منا أن نجد هويتنا كنقاد بإثبات الروحية والأسلوب والخزين المعرفي."بعدها قرأ آل ياسين قصيدته التي كتبها بعنوان إلى الطاهر وجاء فيها: ياعليّ الحرف الشريف جواد الـكفء والروح طاهر الردان هل وعي جيل من الشباب كسول كيف تُجلى السبعون من عنفوان كيف أن اليراع أخرس إن لم ينغمس قبلُ في أسى الإنسان واختتمها بالقول : عشتَ تبني ما الدهر يهدم فانظر حاشداً لا يطيق هدماً وباني
التراث مدخلاً للحداثة الجلسة تخللها حضور كبيرمن المثقفين وطلبة الراحل الطاهر وعشاق كتبه ، وشهدت أحاديث وذكريات كثيرة كان من ضمنها ما تحدث به تلميذه شكيب كاظم الذي تحدث عن إنتاج الطاهر الناقد الذي قال عنه أنه جاء للنقد الأدبي من الدراسة الأدبية التراثية حيث أكد كاظم أن دراسة الطاهر في باريس كانت عن شعر الغزل العربي ، ولهذا كما يقول كاظم إن الطاهر وجد في نفسه مقدرة على دراسة النصوص فكان أن أصدر كتابه الاول عن القصة القصيرة عام 1967 وههو نقد ومختارات ، وكان خاصاً بالكثير من مؤلفات الكتّاب العراقيين ، وقد وجد الطاهر أن قراءته لجيل الرواد غير مكتملة لهذا أردفها بقراءات ودراسة لمنجز نزار سليم بشكل نقدي لمجموعته المعنونة " أشياء تافهة "، ثم لعبد الملك نوري ." ويذكر كاظم انه "على الرغم من أن رسالته في السوربون هي تراثية عن الادب والشعر في العراق وبلاد العجم في العصر السلجوقي فضلاً عن كتاب درة التاج في شعر ابن الحجاج، ورغم أن توجهاته كانت تراثية إلا أنه صرح عن توجهاته الادبية أيضا، وكان الطاهر فارساً من فرسان النقد وتحقيق المخطوطات وكتابة المقالات النقدية الأدبية الرصينة وكتابة الاستدراكات وواصل كتابة مقاله الأسبوعي في بداية السبعينيات وعنوانه "وراء الأفق" في الصفحة الاولى لجريدة الجمهورية." وعن لسان الناقد شكيب كاظم يذكر أن الطاهر حين كان يشعر بشبه ضعف كان يتوقف عن الكتابة لأنه ليس من أؤلئك الذيم يكتبون ويتحدثون لغواً.الباحث التراثي والمفهرس حسن عريبي قال إنها السنة المباركة التي سارت عليها مؤسسة المدى في الاحتفاء بأساطين هذا الوطن ، وتحدث عريبي عن الدور الذي لعبه الطاهر في الدراسات التراثية وبحثه الدقيق عن مخطوطاته ودراساته لتصويب المحققين وخصوصا ملاحظاته على كتاب وفيات الاعيان التي تعد واحدة من أهم الدراسات في مجال تحقيق التراث . آخر المتحدثين كان الدكتور داود العنبكي الذي سلط الضوء على عمل علي جواد الطاهر في مجلة المعلم الجديد ، وكيف استطاع الطاهر أن يجعل من المجلة للقراء المتخصصين وغير المتخصصين . وأضاف العنبكي الذي قدم رسائل ومقالات بخط الطاهر ، إن الراحل استطاع أن يجعل من المقالة الأدبية فناً متميزاً لايقل أهمية عن الشعر والقصة والرواية .

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على