صناعة القراءة

حوالي ٥ سنوات فى المدى

علي حسن الفواز
من يقرأ؟ من يكتب؟ مَن يمارس عادة شراء الكتاب؟أسئلة تملك شرعيتها في لحظتنا المعاصرة الشاحبة جداً، وربما تؤشر خللاً عميقاً في ستراتيجيات مستقبل البناء الثقافي، لأن هذا البناء لايأتي من فراغ ولايؤسس على أوهام، وأحسب إن السعي الى صناعة عادات للقراءة والكتابة وشراء الكتب وبناء المكتبات هو مقدمة تجاوز التصحر الثقافي، التماس أسباب تكريس هذه العادات في البنيات العميقة للوعي الإنساني، وبالتالي تأمين شروط تحويلها الى ممارسات وبرامج يمكن أن تتبناها الدولة الرسمية في سياق تخطيطها للعمران الثقافي، فضلاً عن ضرورة تفعيلها من قبل مؤسسات المجتمع المدني، إذ ترتبط هذه التبديات الرسمية والمدنية من خلال ماتعكسه من فاعلية على مستوى تنمية وعي الرأي العام، وعلى مستوى تنمية الوعي داخل المدارس والأسر والمنتديات وغيرها من الحلقات المجتمعية.التشكيك بإهمال ظاهرة القراءة وانحسار الكثير من آثارها، تؤشره مجموعة كبيرة من الاستبيانات ومجموعة أخرى من الظواهر التي ترتبط بأعداد طبع الكتب ومحدودية اقتناء هذه الكتب خاصة الكتب التي تعنى بالثقافات المعرفية والفكرية والأدبية والسياسية. قد يقول البعض إن هذه الظاهرة أصبحت شائعة وإن أنماط تلقي الثقافات باتت مختلفة وغير خاضعة لقياس معين، والبعض الآخر يقول إن تأثير الفضائيات وتأثير(الميديا) بات واسع الأثر أيضاً في إعادة إنتاج علاقة المتلقي بمصادر ثقافاته ومعلوماته. والبعض قد يتهم مصادر إنتاج الكتاب وانحيازها الى إشاعة أنماط معينة تحت ضغط توجهات تجارية أو اجتماعية أو ربما سياسية!! مقابل إهمالها نشر الكتاب الثقافي وتعزيز طرائق إعلانه والتقليل من أسعاره الباهظة ليتمكن العديد من الناس من شرائه بسهولة. والبعض الآخر أيضاً يتهم جهات رسمية بضعف سياستها الثقافية وإهمالها جوانب مهمة تتعلق بانتاج الكتاب وتسويقه وعقد الاتفاقيات الدولية والإقليمية والعربية التي يمكن أن توفر مصادر إضافية لتوريد الكتاب الجديد، وبالتالي التعرف على مصادر معرفية جديدة، وربما هناك بعض آخر يتهم الجهات الحكومية في إهمالها للمناهج الدراسية التي تشكل اللبنة الأولى لتعريف الطفل بمصادر القراءة والمعرفة، وضرورة الحرص على أن تكون هذه المناهج ذات فعالية تربوية وثقافية وتعليمية في آن واحد وبالطريقة التي تسهم في تعزيز الوعي المبكر للطالب، فضلاً عن إهمال المدارس ذاتها لتكريس عادات ثقافية كانت مألوفة، مثل المكتبة المدرسية والحرص على إدامتها، والمسرح المدرسي والعمل على تنشيطه وإيجاد فرص حقيقية لمنافسات سنوية بين المدارس وتقديم مكافآت مجزية للفائزين، تنمية النشاط المدرسي بعيداً عن أنماطه التقليدية ووضع سياقات فاعلة للنهوض به، وكذلك التنسيق مع وزارات مثل الثقافة والسياحة والآثار لإعداد برامج واسعة تبدأ من تأمين نشاطات ثقافية مشتركة الى تأمين الكتب ولاتنتهي عند القيام بزيارات منظمة للآثار لتعريف الطلاب بهويتهم التاريخية.إن تبرير تدني ظاهرة القراءة لايمكن قبولها تحت أية حجج كانت، لأنها تعكس خللاً في أصول البناء الحضاري أساساً، مثلما تعكس وعياً قاصراً في التعاطي مع شروط وديناميات صناعة المستقبل، إذ هذا المستقبل يبدأ من المعرفة، والمجتمعات التي تنمو فيها المعارف والثقافات الحرة تتدنى فيها مظاهر التخلف والعنف والحروب، مقابل صعود قيم الوعي والنماء والرفاهية وتكريس قيم المواطنة والحقوق والعدل والمساواة. وأحسب إن هذه الصورة تضعنا جميعا أمام مسؤولياتنا، وأهمية أن نضع صناعة الثقافة في سياق إنتاج عالم جديد تنهض فيه الممارسات والبرامج التي ترفع من شأن المعرفة والثقافة وأهمية تعلمهما، وهذه الصناعة تبدأ من التشريع الذي يعطي للبرنامج قوة القانون، وانتهاء بالجهد التنفيذي الذي ينبغي أن تنهض به المؤسسات الرسمية لتشييد أطر جديدة فاعلة تسهم في خلق تنميات حقيقية، ووعي جديد، ومسؤوليات جديدة تكون الثقافة الانسانية المنفتحة على الحياة وقيمها مصدرها الأساس الذي يقف بوجه ثقافات الموت والإرهاب والعنف والخراب..

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على