صحفي إسرائيلي في «وسط البلد» كي تبقى حيا بالقاهرة تحتاج مهارة خاصة

ما يقرب من ٨ سنوات فى التحرير

هل تتخيل وأنت تسير في شوارع العاصمة غير مهتم بأبرز تفاصيلها، أن يكن بجانبك إسرائيليًا جاء خصيصًا من تل أبيب لرصد هذه التفاصيل، والتعرف عليها، لينقلها إلى المجتمع الإسرائيلي؟
هذا ما فعله آساف جفور، مراسل صحيفة معاريف الإسرائيلية، الذي نشر تقريرًا مطولًا عن مظاهر الحياة في القاهرة، تحدث فيه عن مقابلاته مع ماسحي الأحذية والمرشدين السياحيين والمواطنين المصريين، وزيارته لعدد من الأماكن الشهيرة بالقاهرة؛ لمعرفة آرائهم السياسية والاقتصادية.

ويستهل جفور تقريره بقوله: «توطيد العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل لا ينعكس بالضرورة على مواقف المواطن المصري البسيط، الفقر والبطالة والسياحة المنهارة تضاف للكراهية الشديدة من قبل المصريين لتل أبيب ولا تعطي أي أمل في المستقبل».

26 يوليو.. شارع مليئ بالبشر والسيارات

شارع 26 يوليو الشهير يصل لميدان التحرير ويستمر في إتجاه كوبري 6 أكتوبر الذي يرمز لما يسمى "الانتصار الكبير" لمصر على إسرائيل في حرب 1973، شوارع وسط البلد تبدأ في الامتلاء بالبشر في ساعات الصباح المتأخرة، كلما ارتفعت درجات الحرارة ونسب الرطوبة، كلما زاد الاكتظاظ بالشوارع والطرق والتي تتحول إلى شيء لا يمكن تحمله.

كي تبقى حيًا بالقاهرة عليك أن تتمتع بالمهارة

أعداد لا تحصى من السيارات تتحول في لحظة معينة إلى سبب للضوضاء، الاختناقات المروية لـ20 مليون نسمة يعيشون في العاصمة أمر معروف للسكان المحليين مثلها مثل الأهرامات الثلاثة، عبور الطريق أمر يعرض الحياة للخطر، ولكي تبقى حيًا في هذه المدينة الكبيرة عليك أن تتمتع بمهارات إيجابية؛ خاصة بالنسبة للسيدات اللاتي يغطين وجوههن بالنقاب الأسود في درجات حرارة تصل للـ40 مئوية.

العلاقات بين إسرائيل ومصر في ازدهار، بعد فترة طويلة من التعاون الأمني تنظيمات الإرهاب الجهادي بسيناء، جاء وزير الخارجية المصري، سامح شكري، لزيارة إسرائيل، وأنهى عقدًا من الجمود الدبلوماسي، هذه الزيارة سبقها عدد من الأحداث التي كانت مؤشرًا على نضج العلاقات وتحولها لخطوات فعلية، الرئيس عبد الفتاح السيسي أعلن نيته الحفاظ على الاتفاقات الموقعة مع الدول المختفلة، في إشارة لإسرائيل، ولأول مرة منذ 3 سنوات تم تعيين سفير دائم في تل أبيب، حازم خيرت، كما عينت الأخيرة سفيرًا لها هو دافيد جوفرين، كمبعوث لها بالقاهرة.

كتب مزيفة ومعادية لإسرائيل تملأ شوارع العاصمة

المكتبات المصرية المنتشرة في كل ركن وزاوية بالقاهرة مكدسة بكتب مطبوعة بجودة منخفضة، جزء منها مزيف وليس له علاقة بالأصل، نظرة عميقة في هذا المشهد تكشف الصورة القاتمة لما هي عليه العلاقات بين القاهرة وتل أبيب؛ فبجانب الترجمة العربية لكتاب (كفاحي) الخاص بالزعيم النازي، أدولف هتلر، سنجد كتاب (بروتوكولات حكماء صهيون)، كما ستعثر على نجمة داوود وهي تزين عددًا من الكتب التي تهاجم الصهيونية، ستقابل أيضًا مذكرات دافيد بن جوريون وجولدا مائير وعزرا فايتسمان باللغة العربية، إلى جانب مذكرات هيلاري كلينتون وأوباما.

بائعو الكتب يساومون على أسعارها لا مضمونها

من يسير في شوارع القاهرة ومكتباتها سيعثر أيضًا على كتاب يعرض ما قالته الصحف العبرية عن الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، الذي ينظر إليه المصريون كشخصية فاسدة، كما سيجد موسوعة للتاريخ اليهودي وعليها علم إسرائيل وهو يحترق، ردود فعل بائعي الكتب على أي محاولة لفهم معنى هذه الكتب التي تقدم اليهود وإسرائيل بصورة سلبية، هذه الردود تأتي للمساومة على سعر الكتاب لا مضمونه.

المصريون يكرهوننا عكس الدبلوماسيون

كراهية المصريين لليهود وإسرائيل تغلغلت داخل المواطنين المصريين على مدار سنوات طويلة، في الوقت الذي شهد دفء العلاقات الأمنية والدبلوماسية بين الدولتين، التحدي المتمثل في تغيير وجهات النظر الخاصة بهؤلاء المواطنين يمكن أن يستمر سنوات، خطوة خطوة ومن تحت السطح يحاول الدبلوماسيون القيام بتحركات صغيرة آملين في أن تؤدي إلى تغيرات أكبر.

عندما تغرب الشمس تبدأ حياة الليل العاصفة في القاهرة؛ ويشرع عمال المقاهي في الشوارع بإخراج الموائد والمقاعد البلاستيكية وتقريبًا يجبرون المارة بالشوارع على الجلوس وتناول القهوة وتدخين الأرجيلة بكل النكهات.

النيل، شريان الحياة المصري، له دور هام في هذه الليالي العاصفة؛ على طول النهر تسبح القوارب المزينة بفوانيس ملونة وتصدر موسيقى صاخبة، المطاعم المطلة على ضفتي النهر عرفت أيام رائعة جدًا حينما كان السائحون يصلون إلى هناك في حشود غفيرة، أحد المباني التي تطل على النهر تضم 5 مطاعم؛ قال لي محمود أحد العمال بأحد مطاعم الأسماك: "إنني أتذكر أن الموائد كانت تمتلأ للدرجة التي لا يكون هناك متسع بالمكان، عندي ثقة وأؤمن أن هذه الأيام ستعود".

ماسح أحذية: لدينا رئيس طيب وحان وقت التقدم

الرياح التي تهب من الصحارى تنثر التراب والغبار طوال الوقت، ماسحو الأحذية بشوارع القاهرة هم أكثر المستفيدين من هذه الظاهرة، مقابل مبلغ يتراوح بين 3 إلى 5 جنيهات مصرية يحظى الزبون بحذاء ناصع لامع، كما يستمع لآراء من أشخاص يعرفون ما يحدث بالبلاد، الزبون يمد رجله على كرسي صغير ليبدأ العرض، قال لي يوسف، ماسح الأحذية المصري: "نحن نمر بمرحلة إصلاح، لقد مر علينا الكثير من التراب والغبار خلال السنوات الأخيرة، غيرنا أنظمة حكم وتلقينا ضربات لكن الوضع الآن أفضل كثيرًا، لدينا رئيس طيب يهتم بمصر ونحن نؤمن به، لقد قمنا بثورات والآن حان الوقت من أجل التقدم".

يوسف: أسكن قريبا من المدافن.. ومليون يعيشون دون مستقبل

في محاولة مني لمعرفة رأيه في العلاقات المصرية الإسرائيلية، أجاب يوسف برد دبلوماسي: "الشعب المصري يحب كل الشعوب، نحن ملزمون بأن نعيش الحياة، وعدم التفكير كثيرًا في السياسة"، لقد فهمت ما يلمح إليه ماسح الأحذية، وسألت سؤالًا عامًا جدًا وهو كيف يرى مستقبل مصر، أجاب: "لدينا ضوائق كثيرة، نسبة فقر مرتفعة علاوة على العاطلين والمشردين بلا منزل، إنني أسكن بالقرب من منطقة المدافن المكتظة؛ هناك أكثر من مليون شخص يعيشون في حجرات صغيرة دون أي مستقبل فعلي، أتمنى أن يكون لابني مستقبل أفضل مني".

مطعم "فلفلة" هو أكثر المطاعم المعروفة بالقاهرة، هذا المطعم الفاخر يزوره زبائن من رجال الأعمال والدبلوماسيين، قانون هذا المطعم الشعبي هو أن تأكل واقفًا وبسرعة، الحرارة المرتفعة تقنع الزبائن بالإسراع في التهام الوجبة وإخلاء المكان لآخرين؛ وقفت في المطعم مع الأشخاص المرافقين لي وفجأة دخل المكان فتاتان لهما ملامح آسيوية، طلبا وجباتهما واحتضنتا شابين آخرين، فارس، 20 عامًا، من تركيا، وريتشل، 18 عامًا، من الهند، الأربعة جاءوا لمصر في إطار برنامج دراسي.

قال ريتشل بلكنة هندية: "أنا هنا منذ أكثر من 40 يومًا، في البداية خشيت من التجول بالمكان، لكن تدريجيًا نعتاد الأمر وندرك أن القصص والصور التي يبثها الإعلام لا تعكس الواقع، أنا أدرس الكيمياء وأتمتع بالوجود في مصر، نحن نتعلم مع نظرائنا المصريين، وهم يعاملوننا بلطف".

المصريون لا يتحدثون في السياسة ويشربون الكحوليات بعد رمضان

سألت ريتشل: هل يتحدث الطلاب المصريون معكم في السياسي، رد بالنفي: "كل ما يهمهم الثقافات الأخرى والموسيقى والفتيات، أنت ملزم بأن تعرف كيف تكون الحياة الليلية بمصر، لا أحد يتحدث في الإعلام عن هذا الأمر، في فترة شهر رمضان يبقى الشباب مستيقظين حتى الساعة الـ4 صباحًا، تكون الشوارع ممتلئة والمطاعم مفتوحة للذين صاموا، بعد انتهاء الشهر يعود الشباب لنشاطاتهم الترفيهية المعتادة، يلتقون مجددًا، يدخنون الأرجيلة ويشربون الكحوليات، ويرقصون حتى الساعة الثانية ليلًا في النوادي، فتيان وفتيات".

فارس، صديقه التركي، أمامه أسبوع لقضائه بالقاهرة، قال لي: "والداي حاولا منعي من السفر لمصر، قالا لي إنه من الخطر الوجود هنا وأن أزور بلدًا أخرًا، لكن كنت مصممًا على زيارة القاهرة وها أنا هنا، في الأيام الأولى لوجودي بمصر كنت خائفًا بسبب والدي، لكنني الآن أكثر حرية، أنظر كم هو الأمر سخيف، والداي كانا خائفين أن أكون في مصر، وتركيا هي التي شهدت حالة من الفوضى مؤخرًا".

فتى يرتدي نظارة كان يقف من أجل وجبة الفول والفلافل الخاصة به، نظر إلينا ونحن نتحدث وأراد المشاركة، توجه إلى ريتشل وبدأ في إطلاق شتائم باللغة الهندية، أبلغني الشاب أن اسمه حسين، 21 عامًا، من القاهرة، يدرس الطب في أوكرانيا، قال لي: "معرفة الشتائم بكل اللغات هوايتي المفضلة".

الشاب حسين: شاهدت ثورتين و3 أنظمة حكم

حسين أضاف: "عليكم أن تفهوا، عمري 21 عامًا وشاهدت ثورتين و3 أنظمة للحكم، لقد أصيب أصدقائي عندما كانوا يحاربون من أحل حلم العيش بكرامة، رأيت كيف يتعاملون مع مصر في أماكن أخرى، وكيف يستعبدون المصريين في دول الخليج، إنني أنوي مغادرة البلاد، بعد أن أتخطى اختبارات الجامعة الأوكرانية، أتمنى أن يتحقق حلمي، لا أحب الحديث في السياسة واعتذر إن كنت عكرت الأجواء، إنني اعترف أنني اخترت الطريق الأقصر؛ ببساطة المغاردة وألا أكون جزءا من هذا".

ملايين السياح اختفوا وبقوا بمنازلهم

السياحة كانت أحد مصادر الدخل الأساسية التي تضررت جدًا منذ الثورتين اللتين شهدتهما مصر؛ اختفى ملايين السائحين الذين كانوا يملأون كل المواقع الأثرية المعروفة عالميًا، مثل الأهرامات ومعابد الأقصر والإسكندرية والنيل، الوضع الأمني المزعزع أقنع السائحين بالبقاء في منازلهم، وحتى الروس الذين كانوا يزورون الفنادق في شرم الشيخ بسيناء، توقفوا عن القيام بذلك في أعقاب الحادث الإرهابي الذي سقطت فيه طائرة روسية العام الماضي.

أمريكي: لم أندم على زيارة القاهرة وسأطالب أصدقائي بالمجئ

متحف القاهرة، أحد المواقع الأثرية المعروفة عالميًا، يعاني أيضًا من ثورة 2011؛ منتهكو القانون اقتحموا المتحف الذي يضم قطع تاريخية لها آلاف السنوات وسرقوها وباعوها في السوق السوداء، تم إصلاح المتحف والتقيت هناك زوار أجانب، جيرالد، شاب أمريكي من لوس أنجلوس، يعتقد أن شئ رائع ألا يكون هناك سائحين، قال لي: "الميزة أنه لم تعد هناك طوابير ولسنا ملزمين بالانتظار كثيرًا، في البداية خشيت من زيارة القاهرة، لكنني لم أندم على قرار المجيء، بالأمس زرت الأهرامات ولم يكن هناك أي شخص، كانت متعة، في المساء أبقى بالفندق ولا أتجول بأي مكان، لكنني حينما أغادر سأقول لأصدقائي أن يزوروا مصر".

في غرفة المجوهرات الخاصة بتوت عنخ أمون، الذي أصبح ملكًا على مصر في عمر التاسعة فقط، التقيت جيني، من أستراليا، قالت لي: "وصلت إلى هنا مع زوجي، قال لي الجميع ألا أذهب إلى مصر، لكنني لم أنصت لهم، اعتقدت أن هذه فرصة جيدة؛ لاستغلال حقيقة عدم وجود سائحين كثيرين وزيارة مصر".

شاب مصري : لا أتحدث في السياسة مع السائحين

خارج الغرفة التقيت المحبوب، شاب مصري، 23 عامًا، أنهى دراساته الخاصة بالإرشاد السياحي، تحدثت معه عن عدد السائحين القليل في مصر وطلبت منه أن ينظر على الغرف الفارغة، قال لي: "إنني أحب التاريخ المصري، والداي أرادا أن أدرس القانون وأعمل محاميًا، تشاجرت معهما، أعلم أن السياحة في مصر ليست في وضع جيد الآن، ولهذا درست اللغة البولندية، إذا لم أنجح في العمل بالسياحة سأستغل اللغة للعمل بأوروبا"، عندما حاولت أن أعرف موقفه السياسي أجاب بعبارة معتادة على لسان المصريين "أنا لا أحب الحديث في السياسة مع السائحين".

شينز، مرشدة سياحية مصرية، كانت تنتظر عائلة أمريكية تقوم بمرافقتها، قالت لي وجهة نظرها فيما يتعلق بالوضع: "بسبب الطائرة الروسية التي أسقطت في سيناء، وحظر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على السياح الروس زيارة مصر، أدركت أن القرار ستغير وسنعود لرؤية السائحين الروس والإيطاليين والهولنديين والأمريكيين، عندي أمل في أن يتغير الوضع".

«شينز» اندهشت حينما عرفت أني إسرائيلي

عندما قلت لشينز إنني إسرائيلي، أصابتها الدهشة وبعد أن تعافت قالت لي إن الإسرائليين يعودون تدريجيًا لمصر، أضافت: "أنا لا أعتقد أن الإسرائيليين مختلفون، هم مثل كل سائح يحتاجون تأمين كي يشعروا بحرية التجول هنا، قمنا بتغييرات كثيرة فيما يتعلق بالتأمين، شرطة السياح لا تترك مكانًا دون تأمين، مصر ترى في حماية السائحين واجبًا، أريد منك كما أريد من كل مجموعة سياحية أقوم بمرافقتها: عندما تعود لبلدك قل للآخرين أن مصر آمنة وأنه من الممكن التنزه هنا دون خوف".

حرب على السائحين في الأهرامات

في الأهرامات، موقع السياحة المركزي بمصر، تدار حرب فعلية على السائحين القليلين الذي يأتون للمكان، عندما سمعوا أنني إسرائيلي، غنى بائعو التذاكر بالعبرية وطلبوا مني إيصال رسالة للمواطنين الإسرائليين: "نحن نحب إسرائيل والإسرائليين، كل شيء آمن، لا داعي للقلق، ننتظر رؤيتكم في الأهرامات".

المركز الأكاديمي الإسرائيلي في القاهرة، الذي افتتح كجزء من اتفاق السلام بين الجانبين، يدفع التعاون الأكاديمي بينهما، حوالي 7000 مصري يتعلمون العبرية سنويًا في 17 جامعة مصرية، يقول البرفيسور جابي روزنباوم، رئيس المركز: "المركز يساعد المحاضرين والطلبة المصريين في مجالات البحث الخاصة بهم، في الماضي كان هناك محاضرات لأكاديميين إسرائيليين أمام الطلاب المصريين، اللقاءات في المركز أدت للتقارب وإسقاط الحواجز، كل جانب يرى في الطرف الآخر أشخاص مشابهين له يمكن إجراء حوار معهم وعلاقات ودية، نتمنى بعد سنوات من النشاطات المقلصة بسبب الثورات المصرية، أن يعود الهدوء ونستأنف أعمالنا كما كانت في السابق".

شارك الخبر على