كثر في الآونة الأخيرة نقاشات حول مفهوم "الخروج المألوف"، وذلك في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، والنقاش الهادف في عمومه يثري العقل الصومالي وينميه، وهو أمر جيّد، وإذا كانت مخاطبة الرأي العام وتأثيره من الأهمية بمكان فلا بدّ من الإدلاء بالدَّلو في تأصيله، حتى لا نقع في مستنقع الخلافات والكراهية، وبين أمواج الأفكار المتلاطمة التي لا هدف سامية لها. في الأصل أن الإنسان يسعى إلى التجديد والإبداع، ويرفض التقليد والتبعية الأعمى، فالله سبحانه عندما أراد خلق آدم أعلم ملائكته بأنه سيخلق مخلوقا جديدا يجعله في الأرض خليفة، فاستغربت الملائكة لهذا الخروج عن المألوف، وقالت للرب عز وجل أتجعل فيها من يفسد في الأرض ويسفك الدماء، قال الرب إني أعلم ما لا تعلمون، وعلم آدم الأسماء كلها، وجعله مخلوقا مبدعا. وهكذا الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه أتَوْا للتجديد وكسر التبعية بالباطل، بدءًا من نبي الله نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وموسى وعيسى وانتهاء بآخر الأنبياء وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم، فالقرآن أيَّـد هذا الفكر {وإذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون}، يعني هل يتبعونهم؟!. في الأصل أن الإنسان يبحث عن الحقائق بالأدلة العقلية والنقلية والحجج ويدعمها، وهذا ما يدعو إليه القرآن الكريم {قل من يرزقكم من السموات والأرض قل الله وإنّا أو إياكم لعلى هُدًى أو في ضلال مبين}، {قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة}، {أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين * أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأيّ حديث بعده يؤمنون}، والقرآن مليء بهذا النقاش التجديدي، فنِعْم هو المصدر، ونعم الهادي. هؤلاء التجديدون خرجوا عن مألوف تلك العادات المتوارثة، ودعوا الناس إلى تجديد المفهوم، لكن باحترام العقول، احترام المجتمع، فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، هو أكبر مجدِّد على وجه الأرض، وخارج عن المألوف، ومصحح للمفاهيم والتقاليد، لم يدعُ إلى السبّ والشتم، لم يدع إلى الاستفزاز، بل كان يتبع قواعد كتاب ربه {ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبُّوا الله عدوا بغير علم كذلك زيّنّا لكل أمة عملهم}، {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}. نعم .. نحتاج إلى التجديد في الفهم، نحتاج إلى النقد لموروثنا، نحتاج إلى البحث والاستقصاء، نحتاج أن نخرج عن كثير من المألوفات في عاداتنا، لكن بالطرق العلمية لا بالخطب النارية، هناك كثير مما ينبغي تركه، في كل أسبوع نكتب في صحفاتنا ظواهر سلبية ينبغي تركها في مجتمعنا المسكين المغلوب على أمره!، هناك قصور كبير في السياسة، فساد في الحكم، خلل في الإدارة، تراكمات كثيرة تحتاج إلى تسليط الضوء عليها، لكن ماذا؟! بالاحترام والتقدير، بالرفق والحكمة، أنت تخاطب شعوبا، وقبائل، تخاطب براميل بارود، حتما ستكون مصنَّفا، منبوذًا، ستكون قبليًّا مناطقيا. عندنا هناك خارجون عن المألف (صحيح) ولكنهم منبوذون،!! برز هناك في الولايات المتحدة يلعن قبائل بعينها في تسجيلات ويصرخ!، ويتكلم عن أشخاص بالشتم والسبّ، له جماهير، لكنه منبوذ!!، في أوروبا هناك صومالي منبوذ، خرج عن المألوف، يتكلّم على الهواء في الإنترنت، لا يبقى ولا يذر، شركة، حكومة، شيخ، تاجر، سياسي، يحرّض القبائل على بعضها من غير استحياء، يهاجم الناس بغير حق!. هناك امرأة كبيرة تتكلم عن الجنس وغرائب أخرى في الإنترنت على الهواء، هي في نظر المعجبين بها خارجة عن المألوف وناشطة ومربية بل ومجدّدة، لكنها منبوذة وتافهة في مضمون كلامها!، تصرخ وتصرخ وتلقى إعجابات، هذا هو كل شيء.!! في الإقليم الصومالي بإثيوبيا خرج هذا الشيخ الصومالي يلعن معاوية ابن أبي سفيان رضوان ربي عليه على الملأ، ويعتبر ذلك دينا وتقرّبا إلى الله وشجاعة وخروجا عن المألوف!!، نعم خرج عن المألوف، لكن بماذا؟!،، أنا كشخص (أنور) إذا أنا كتبت عن موضوع اختلاف الصحابة وبداية الفتن في بحث علمي، حتما سأتوصل إلى نتيجة علمية مفادها أن معاوية أخطأ خطأ كبيرًا بكذا كذا، لأجل هذا ولهذا، من دون تجريح وشتم ولعن، وباحترام الصحابة كلهم رضي الله عنهم. هناك شخص يسجل تسجيلات عن الإمام أحمد بن حنيل وأصحابه، وأن أصل التشدد والتطرف بدأ منه، طيّب، هذا خروج عن المألوف، لكن بدلا من هذا التحريض على الملأ كان يكفيك قول الإمام مالك (كلّ منّا راد ومرود إلا صاحب هذا القبر)، كلنا نعلم أن كل إمام من السلف عنده خطأ،، ولكن هل يقبل منك المجتمع والعامة أن أصل مشكلة التطرف والغلوّ من إمام أهل السنة وأحد الأئمة الأربعة؟!، وهل هذا الكلام كلام علمي ونتيجة علمية؟!. إن مجتمعنا الصومالي مرّ بأزمات متراكمة، وهو مقبل على تلك الهالات من الجدال العقيم، وإذا لم نقم نحن المثقفون بالدور الإيجابي، الذي يلملم المجتمع ويرشده، فإننا حتمًا سنزيد الطين بلّة، والأمر سوءًا، ونعمّق من جراحاتنا، وأمراض قلوبنا وما أكثرها! فلماذا نساهم في التفريق والانقسام، ولماذا لا نميز بين نقد المألوف، وتصحيح الخطأ، والحفاظ على الاحترام ومراعاة الحساسية!. نعَمْ، الإنسان بطبعة لا يقبل النقد، ويسعى أن يصنّفك ويجعلك مُعديًا مهما ظهرتَ وسطا ومحايدا، هذا مألوف، ولكن لتكن رسالتك رسالة عامة ومفيدة، النقَّاد لا بد وأن يتصف بصفات حميدة، تجعله ملائما مع بيئته، ومتفاهما معهم، وأن يبتعد عن السخرية والاستهزاء واستفزاز المشاعر وغير ذلك، فالناقد الساخر لن يجد القبول التام في المجتمع مهما كانت منزلته، إلا قبولا جانبيا بمعجبيه، وغدا يسخطون عليه، وهذا النهج مغاير لنهج التجديد الذي تحدثتُ عنه في وسط المقال. أكثر من ٦ سنوات فى صومالى تايمز