الدعاة في الميدان أنواع و طباع وأشكال وأحجام، والأفكار أمزجة وأمتعة، وكما قال بعضهم، بل إنهم بمثابة الأقلام، كل يكتب في صحيفته و بمداد محبرته، فهناك قلمٌ يحرِّر.. وآخر يِقرّر.. وآخر يغرّر.. وآخر يبرّر، وآخر يحاول جاِهداً أن يمرّر وآخر .. وهناك قلمٌ أمير و قلمٌ أجير و قلمٌ أسير.. كما يوجد قلم حرٌ حذر وآخر غِرٌ قذر. وهناك فِكر "متَسرّب" وآخَر "متَغرّب.. وآخر "مجِرّب" وآخر "مقَرِّب.. وآخرَ "مهرِّب" وآخر "معرِّب" وآخر "مخرِّب .. ، وهناك فكر قوي وآخر غيَر سوي، هكذا هِي سنَة الحياة، للحق أتباع وللجيف ضباع، فقِلةٌ فيِ إنصِياعْ والأكثرَون فيِ ضياع.. تلك هي حياتنا على حد تعبير أحد الاخوة الدعاة. الأفكار تتغير بفعل الزمان والمكان، وحتى المبادئ تتغير وإذا أردنا تلطيف العبارة نقول أنها ترمم، لكن لما يقفز بعض الدعاة على ما كان يقولونه لبني قومهم بالجملة والمفرق، ويتعدوا الحواجز الكثيرة من غير أن ينتبه بعضهم للزاد المعرفي الذي يمتلكه وحلبة الصراع التي تنتظره، متناسيا أنه عندما يختار بإرادته أن يكون شخصية عامة؛ سيكون عليه التخلي عن جزء كبير من حريته الشخصية، سواء في أفعاله أمام العامة أو في التعبير عن رأيه في بعض القضايا، خاصة إن كان شخصية تمثل ديانة سماوية فما بالكم برجل الرسالة الخاتمة؟. أين دعاتنا من شعار" تعالوا نحب بعض .. تعالوا نحضن بعض" عن هذه الأقوام والأقلام، نشرت يومية الحوار الجزائرية منذ أزيد من شهر مقالا مطولا بعنوان "حقائق وأسرار عن زيارة عمرو خالد للجزائر.."، حيث تأسف فيه الكاتب محمد يعقوبي عن مواقف استعلائية لداعية مسلم تجرد فيها عن التواضع والأخوة التي كثيرا ما كان يدعو بها ويلوكها حد الاجترار يوميا كقوله " تعالوا نحب بعض .. تعالوا نحضن بعض".. إذ إشترط عمرو خالد تصريحا لا تلميحا على مضيفيه، "أن ينزل ضيفا على الجزائر بشروط منها أن تأتيه دعوة رسمية من هيئة حكومية، ويتم استقباله رسميا من كبار المسؤولين في الجزائر".. كما حجز لإقامته في فندق الأوراسي الفخم بالعاصمة الجزائرية، وخصص له جناحان، أحدهما للإقامة، والآخر للاستقبالات، كأنه رئيس دولة!! وقد كان حينها “مصروعا” باستقبال أسطوري خصه به الملك عبد الله في الأردن، فأراد أن يكون له استقبال مماثل من طرف الجزائر، على حد تعبير الإعلامي محمد يعقوبي في مقاله آنف الذكر هليكوبتر لعمرو خالد ليتنقل من مدينة إلى أخرى! والعبد لله، من خلال معرفته "البعيدة" بعمرو خالد، لا يستغرب أن يتصرف الرجل بهذا الطيش، لا لشيء إلا لأنه في ذلك الوقت تحديدا أو قبله بأشهر، لما رغب بعض الأخوة في أوروبا استضافته عندنا في سويسرا، طلب منا شروطا تعجز الدول المبذرة عن تلبيتها فما بالكم بجمعيات ومراكز إسلامية تقتات من فتات رواتب أعضائها، ومن هذه الشروط الخيالية طلب ضيفنا أي عمرو خالد أن يحجز له جناح أو غرف له ولمرافقيه في أفخم الفنادق السويسرية، أي خمسة نجوم فما فوق على حد تعبير ممثله الشخصي والأدهى والأمر أنه طلب حجز طائرة هليكوبتر ليتنقل بها من مدينة إلى أخرى!! نعم.. طلب كراء هليكوبتر في بلد صغير الحجم مثل سويسرا يتنقل فيها رئيس الدولة ووزرائه بالقطار العمومي مع الشعب؟؟ بين عبد الاله بن كيران وعمرو خالد، شتان بين الثرى و الثريا! هكذا أخبرني أحد الإخوة المشرفين على استضافة الداعية المصري فلما سمعت بهذا الكلام، تأسفت لحال عمرو خالد وحال دعوته الشابة الناشئة، ولما أُخبِر أحد المشايخ بـ"السالفة"، قال "هذا إجرام في حق الإسلام وفي حق الدعوة، إن أحضرتموه لسويسرا، بل يجب فضحه قبل أن يحتال على آخرين في دول أخرى"، فنهرت هذا الأخ وقلت له " أستر، ما ستر الله"، مذكرا إياه، بقصة داعية مغربي نقيضة لذلك تماما، حكاها لنا أحد الاخوة، أن الأستاذ عبد الاله بنكيران قبل أن يصبح وزيرا في الحكومة المغربية، دعاه إخوة من أوروبا لإلقاء محاضرات بمناسبة رمضان في النمسا، فرفض " الشيخ" بن كيران المبيت في الفنادق وفضل الإقامة مع الطلبة واللاجئين، وقال "أنا آتيكم للدعوة فلا بأس أن أنام في سدة المسجد، أو أتقاسم غرفة مع أحد الطلبة، وثمن كراء غرفتي في الفندق ادخروه لتسديد مصاريف مسجدكم"، فشتان بين الثرى والثريا، وأين بنكيران من عمرو خالد ؟؟.. وقد استفسرت شخصيا من الأستاذ عبد الاله بنكيران منذ أشهر فقط على هامش ندوة بالمدينة المنورة عن قصة إقامته في فيينا وأكد لي صحتها، بل ويذكرها ويذكر أصحابها واصفا إياها بأنها كانت أيام مباركات.. ولا يزال بتواضعه الإسلامي حتى وهو في سدة الحكم بطريقة أو بأخرى. "إرحموا عزيز قوم ذل" أو زل بالتعبير المصري و كلاهما يؤدي المعنى بصراحة لا يداخلها شك، أني لم أكن أنوي الكتابة عن عمرو خالد بعد كل ما قيل و يقال عن شخص الداعية المغلوب على أمره، ليس من باب "لكل جواد كبوة" ولا من باب "تلك الأيام نداولها بين الناس"، ولا حتى "إرحموا عزيز قوم ذل"، أو زل بالتعبير المصري و كلاهما يؤدي المعنى، بل من باب " أذكروا موتاكم بخير".. بالنسبة لي الرجل انتهى، حتى لما نسمع عن عمرو خالد والمسجد الأقصى محاصر هذه الأيام وتمنع فيه الجمعة من طرف إسرائيل، يدعو هو الشباب من جهته للابتعاد عن السياسة و الاكتفاء بترديد قراءة سورة العصر عدد من المرات لرد العدوان الإسرائيلي .. أي ضحك على الأذقان هذا؟؟".. ثم لماذا لم يدعو أيضا هذا الأسبوع حكومة بلاده للسماح بمرور قافلة الادوية الجزائرية الى غلابة فلسطين، عبر معبر رفح، وهذا عمل إنساني وليس سياسي؟؟ هنا لم يبقى مجال للتزكية ولا متسع للمجاملة، خاصة أن القارئ الكريم يذكر جيدا، إني كنت من أكبر المدافعين عن عمرو خالد في بداية مشوار نشر كتيباته وتداول أشرطته منذ أزيد من ١٥ سنة خلت، وقد كتبت يومها ردا صريحا عن افتراءات وتدليس بعض منتقديه كالذي نشرته مجلة جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية اللبنانية " الهرارية "، إذ خصصت مجلة "منار الهدى" في عددها الـ ١٠٦، خمس صفحات للتشهير بعمرو خالد ووصفه بأوصاف لا تليق بمسلم، إذ حاول أصحاب المقال تلمس عثرات الرجل في العديد من أشرطته وإبرازها على أن الرجل جاهل وضال إلخ..، علما أن كل التعاليق الواردة في المقال محل نقاش وخلاف بين أهل العلم والفضل منذ قرون. لذلك أذكر أني كتبت يومها مقالي "دفاعا عن عمرو خالد"، لأن أصحاب المجلة ذهبوا بعيدا إلى حد النبش في أمور تافهة للغاية، كقولهم أن عمرو خالد حليق الذقن وتخصصه محاسبة بعيدا عن الشريعة الإسلامية ولم يدرس عن شيوخ.. مع الإشارة إلى أن عمرو خالد نفسه اعترف بأنه لم يتتلمذ على يد أحد من المشايخ، إنما تأثر ببعضهم، كما اعترف بأنه ليس أهلا للفتوى ولا متخصصا فيها. "حَلُمتُ أن الرئيس السيسي بيوزع تفاح وعنب في الجنة" أما اليوم وهذه الأسابيع الأخيرة فإن فيديوهات تتداول أثارت جدلا واسعا عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، تصريحات منسوبة لعمرو خالد بشأن الرئيس المصري السيسي، منها قوله "حَلُمتُ أن الرئيس السيسي بيوزع تفاح وعنب في الجنة، وده يعني إن خير قادم لمصر إن شاء الله." كما أنه تم تداول فيديو لعمرو خالد، يظهر فيه وهو يصافح شابا خليجيا ويتودد إليه متبسما، ولكنه فور علمه أنه من دولة قطر، سارع بتركه والانصراف عنه؟!. وبما أن الأمور وصلت إلى هذا الحد فإن الكتابة في هذا الصدد تعتبر من الفروض، ويتحتم علينا أن نقول كلمتنا، ولو كان عمرو خالد من أعز الناس لدى بعض أتباعه، لأنه من غير المقبول أن يسهم في خلخلة الجدار الذي أراده المسلمون أن يبنوه ليس عزلة ولكن كرامة، وأنفة، وحتى يتعلم الآخرون بأن هذه الأمة تمرض لكن لا تموت.. " المصري، لا ينطق سبعة أحرف أساسية من اللغة، كالقاف والجيم والثاء و الذال و.." ما فهمته ولا أحسبه يدخل ضمن دائرة "اجتنبوا كثيرا من الظن فإن بعض الظن إثم" أن عمرو خالد تعود على الأضواء ولا يستطيع أن يعمل شيئا دون أن يوازنه بميزان الفضائيات، واعتماده على قدراته العلمية وهي ضحلة، وزاد من تحريفها بلهجته المصرية التي لا أدري لماذا يريد أن يقحم نفسه بها دائما، علما ان العالم العربي بأسره يفهم اللغة العربية الفصحى، وإني أتصور لو أن داعية مثل عمرو خالد يطلع من المغرب أو الجزائر، ويتحدث بلهجة مغاربية فهل سيفهم عمرو خالد ما يقول، وقس على ذلك من اللهجات التي تزخر بها دولنا العربية التي من الصعب فك طلاسمها. وهنا أذكر أن العلامة الشيخ محمود بوزوزو رغم احترامه الشديد للأشقاء في مصر، ومن أعز أحبابه الأوائل الشيخ محمد الغزالي والدكتور توفيق الشاوي والدكتور سعيد رمضان وقد تتلمذ على كتب محمد عبده و سيد قطب و محمد عمارة وغيرهم من أهل مصر، إذ كان كثيرا ما يشيد بعلمهم، رغم ذلك كان يوصينا بقوله " لا تتركوا المصري يدرس الأطفال أبجديات اللغة العربية في مسجدنا، لأن أهل أم الدنيا، لا ينطقون سبعة أحرف أساسية من اللغة العربية، كالقاف والجيم والثاء و الذال و.."، فهل آن الأوان لعمرو خالد والدعاة أمثاله أن يتركوا ركاكة لهجاتهم ويحدثوننا بلسان عربي مبين؟. الخسائر نتحملها جميعا، سواء كانت الأقاويل حقيقة أم مجرد إشاعات والأمر الأكثر خطورة، هو كثرة تواجد عمرو خالد و أمثاله من دعاة مصر والخليج على صفحات الجرائد ومواقع التواصل الإعلامي، واسم الواحد منهم يجاور كلمة «فضيحة»؛ تلك الكلمة التي تخشاها أية شخصية عامة، وسواء كانت هذه الأقاويل حقيقة أم مجرد إشاعات؛ فيجب القول إن الأخبار الكاذبة لها خسائر ايضًا، ولأن المعني داعية إسلام، فمجرد تواجده في مكان عام مع فتاة غير محجبة؛ يظهر الود بينهما، أو يلعب مع فتيات في حديقة عامة؛ في نظر بعض محبيه؛ قد تكون تلك المواقف بالرغم من صِغر شأنها تعتبر «فضيحة» بالنسبة لقطاع كبير من جمهوره. أما تملق بعض الدعاة و المشايخ انقلاباتهم الأخيرة ١٨٠ درجة، في أزمة الخليج الأخيرة فحدث عن البحر ولا حرج، لذلك أنا لا أطالب دعاتنا بدول المشرق و المغرب بالتوقف عن عملهم وهجر الأضواء التلفزية التي لا يقتاتون إلا بأنوارها، لكن من باب"سددوا و قاربوا"، واضعا نقدنا الاخوي هذا للأبرياء منهم، ضمن حكمة الامام الشافعي التي يقول فيها "من يظن إنه يسلم من كلام الناس فهو مجنون، قالوا عن الله ثالث ثلاثة وقالوا عن حبيبنا محمد ساحر ومجنون، فما ظنك بمن هو دونهما ؟"” فكلام الناس مثل الصخور، إمّا أن تحملها على ظهرك، "فينكسر"، أو تبني بها برجًا تحت أقدامك فتعلو وتنتصر”!! والله يقول الحق وهو الهادي إلى سواء السبيل.. أكثر من ٦ سنوات فى صومالى تايمز