مدحت نافع يكتب الميتافيزيتا! تعلّمنا فى المدرسة، أن الميتافيزيتا هى علم ما وراء الطبيعة، هكذا وبدون الكثير من التفاصيل، ومن المطالعات اللاحقة لأيام الدراسة الثانوية بدا مدلول تلك الكلمة معبراً عن مختلف الغيبيات التى تشغل بال الكثيرين. اليوم أتعلم معنى جديداً لزيارة الطبيب ولمهنة الطب، هذا المعنى يمكن تلخيصه فى كلمة «الميتافيزيتا»، ولربما أمكن تأسيس علم جديد يبحث فيما وراء فيزيتا (أى تكلفة زيارة) الطبيب. هذا العلم سيكون مشغولاً بالطبع بالبحث فى كيفية تحوّل بعض الأطباء إلى رجال أعمال ونجوم مجتمع تكلّف مجرد رؤيتهم مئات الجنيهات فى بضع دقائق، ولربما انشغل هذا العلم بالبحث فى طبيعة الخدمات التى يمكن أن يقدمها الطبيب فى تلك الدقائق بما يتجاوز قيمته الراتب الأسبوعى لبعض مرضاه!. ترى هل يجب أن يتضمن قسم «أبقراط» الجديد تعهداً بقبول الدفع المؤجل للحالات الحرجة، التى يقتلها جشع بعض المؤسسات الاستثمارية التى تضع لافتة المستشفى أو المركز الطبى أو عيادة الطبيب؟!. زيارة الطبيب فى ذاتها صارت سبباً لتطور المرض وتعقيداته إذا ما كانت تكلفتها قاسمة للظهر ومتلفة للجيب! مدلول الميتافيزيتا يمكن أيضاً أن يتطور ليعبّر عن حالة المريض النفسية بعد دفع قيمة الزيارة، حينها يقدم النصف الأول من الكلمة «ميتا» وصفاً دقيقاً لوضع هذا المريض البائس، ما يقرب من ٥٠٠ جنيه يمكن أن تدفعها صاغراً فى مركز للعيون كى يتفضل أحد «صغار» الأطباء بفحص عين ابنتك التى أصابها احمرار على أثر دخول منظف فيها عن طريق الخطأ!. الفحص فقط، حتى التشخيص له تكلفة مستقلة تتوقف على زيارات لاحقة، وفى حالات أخرى على التحاليل والأشعة، الدولة لا تحصل على حقها كاملاً من قيمة ما يتقاضاه المركز فى صورة ضرائب على المهن الحرة، لمجرد أن المريض المسكين قد يهمل فى حقه الحصول على فاتورة تثبت ما دفعه للطبيب أو للمركز الطبى غير منقوص. تكلفة الخدمات الصحية يجب أن تناسب مستويات المعيشة والقدرة الشرائية للمواطنين، كما يجب أن تقيم وزناً للجانب الإنسانى والعنصر النفسى، الذى ربما بتسبب فى أزمة ثقة بين المرضى فى مصر ومختلف مقدّمى الخدمات الطبية، بما يعود بالسلب على الصحة العامة والإنتاجية، خاصة إذا تسبب فى مقاطعة المرضى لتلك الخدمات ولو بصورة جزئية. الميتافيزيتا تفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة عن مصير التأمين الصحى الحكومى فى بلادنا، موقف المشرّع والجهات التنفيذية من معاناة المواطنين مع خدمات التأمين الصحى من حيث الجودة ومدى الإتاحة والانتشار. التأمين الصحى الخاص صار تجارياً بشكل مزعج، ويهدف إلى التخلى عن أى مسئولية تجاه المرضى كلما أمكن ذلك، تماماً، كما تفعل بعض شركات التأمين على الأصول حينما تلجأ إلى إعادة تقييم الأصل طوال الوقت لزيادة أقساط التأمين من ناحية، ولزيادة تحميل المؤمَّن عليه بنِسَب أكبر من قيمة البوليصة من ناحية أخرى. فى دول أمريكا اللاتينية يعانى كثير من المواطنين من أعباء برامج الإصلاح والتحوّل الاقتصادى، لكن مواطنى تلك البلاد يحصلون على رعاية صحية استثنائية، وينعمون بحقهم فى العلاج والدواء كاملين، الأمر الذى يهوّن عليهم جميع المصاعب، خاصة مع تلبية الدولة للحاجات الأساسية من نقل ومواصلات ومرافق. مصر وهى تتطلّع إلى إقامة المدن وتطوير القرى وتشييد المصانع واستصلاح الأراضى وتنمية الثروات… تنظر إلى ثروتها البشرية بعين الأمل فى فرص رفع مؤشرات التنمية البشرية إلى مستويات جديدة، تعكس تحسّن صحة البشر ومهاراتهم المعرفية، ومستويات دخولهم، هذه هى المهمة الأصعب التى أراها سوف تواجه الرئيس السيسى فى فترة رئاسته الثانية بإذن الله أكثر من ٦ سنوات فى البورصة