١. عرض السنة النبوية على ضوء القرآن الكريم إذا نظرنا إلى اعتراضات عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما على كثير من المرويات النبويّة نجد أنها جاءت بناء على مخالفتها لظاهر القرآن الكريم وسياقه العام، فكانت تحاول أن توفّق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وبين ما فهمته من كتاب الله عز وجل، لا عتقادها أن السنة الصحيحة لا تعارض القرآن وإنما هي مبيّنة له، كما قال تعالى {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}. ولا شك أن القرآن الكريم هو المصدر الأوّل للتشريع الإسلامي، المحفوظ من التبديل والتغيير، المحفوظ في الصدور والورقات، الذي تكفل الله بحفظه، وهو الأصل المتين، وهو المنطلق الأساسي للمفاهيم الإسلامية في الحياة كلها. يقول الإمام الشيخ يوسف القرضاوي "من الواجب كي نفهم السنة فهما صحيحا بعيدا عن التحريف وسوء التأويل أن تُفْهَم في ضوء القرآن وفي دائرة توجيهاته الربانية المقطوع بصدقها إذا أخبرت، وعدلها إذا حكمت، {وتمَّت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدّل لكلماته وهو السميع العليم}، فالقرآن هو روح الوجود الإسلامي، وأساس بنياته، وهو بمثابة الدستور الأصلي الذي ترجع إليه كل القوانين في الإسلام، فهو أبوها وموئلها. والسنة النبوية هي شارحة هذا الدستور ومفصلته فهي البيان النظري، والتطبيق العملي للقرآن، ومهمة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبين للناس ما نزل إليهم، وما كان للبيان أن يناقض المبيَّن، ولا الفرع أن يعارض الأصل، فالبيان النبوي يدور أبدا في فلك الكتاب العزيز، ولذلك لا توجد سنة صحيحة ثابتة تعارض محكمات القرآن وبيانه الواضحة"(١). اهتمام عائشة بالقرآن اهتمت عائشة بالقرآن وتعلقت به منذ نعمومة أظفارها وعاصرت أسباب نزول الآيات مع ما حباها الله من الحفظ التام والذكاء، حتى أصبحت من كبار مفسري القرآن الكريم في الصحابة، وكانت لها معرفة تامة به، بل كانت تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أشكل في فهمها لبعض الآيات القرآنية، وأورد لذلك مثالين عن عائشة رضي الله عنها قالت سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ " لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُمْ {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}(٢). عائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَتْ لا تَسْمَعُ شيئًا لا تَعْرِفُهُ إِلَّا راجَعَتْ فِيهِ حتَّىَ تَعْرِفَهُ، وأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ «مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ» وفي رواية "من نوقش الحساب عذّب" قالتْ فقلتُ أَوَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعالَىَ {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} فقالَ النبي صلى الله عليه وسلم «إِنَّما ذلكِ العَرْضُ، وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الحِسابَ يَهْلِكْ"(٣). ولذلك كانت عائشة تهتم بالقرآن حفظا وتدوينا وعناية تامة فعن أبي يونسَ مولى عائشةَ أنه قال أمرتْني عائشةُ أن أكتبَ لها مُصحفًا، وقالت إذا بلغتَ هذه الآيةَ فآذِنِّي {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَة والْوُسطَى}، فلما بلغتُها آذنتُها، فأملتْ عليَّ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَصَلاَةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ" قالت عائشةُ سمعتُها من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم(٤). وبناء على ما ذكر اتخذت السيدة عائشة رضي الله عنها القرآن الكريم المصدر الأول التي ترد إليه الأحكام الفقهية ولا تعدل إلى غيره إلا إذا لم تجد الحكم الذي تريد الاستدلال به، وفهمت ما بين القرآن والسنة من صلات المعاني، فكانت في إنكارها الرواية على الصحابة تبني حكمها على أن معني الحديث برواية الصحابي مخالف للقرآن(٥). ونشير إلى بعض الأحاديث التي ردّتها عائشة لمخالفتها للقرآن الحديث الأول عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربّه(٦). ردّت عائشة هذا الحديث لمخالفته للقرآن الكريم، فعن ‏عن ‏ ‏مسروق‏ ‏قال قلت ‏‏لعائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏يا ‏‏أمتاه هل رأى ‏ ‏محمد ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ربه؟ فقالت لقد ‏‏ قف ‏‏ شَعْري مما قلتَ، من حدثك أن ‏ ‏محمدا ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت {لا تُدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو ‏ ‏اللطيف ‏ ‏الخبير}‏، {وما كان لبشر أن يكلّمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب}(٧). وهناك آية ثالثة تجعل رؤية الله في الدنيا مستحيلة، وهي قوله تعالى {ولمَّا جاء موسى لميقاتنا وكلَّمَه ربُّه قال ربّ أَرِني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظُرْ إلى الجبل فإن استقرَّ مكانه فسوف تراني فلما تجلَّى ربُّه للجبل جعله دكًّا وخرَّ موسى صعقا}. وفي رواية أخرى قال مسروق لعائشة ألم يقل الله {ولقد رآه بالأفق المبين}، {ولقد رآه نزلة أخرى}، قالت أنا أول من سأل من هذه الأمة رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال " إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خلق الله عليها غير هاتين المرتين". ووافق عائشة في نفي الرؤية في الدينا وأنه رأى جبريل ابن مسعود وأبوذر رضي الله عنها، فقال ابن مسعود في قوله {ولقد رآه} إنما رأى جبريل في صورته مرتين، وعن أبي ذر قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ فقال " نور أنّى أراه "، رواه مسلم. تقول الباحثة جيهان رفعت "احتكمت السيدة عائشة في رفضها لرواية ابن عباس إلى القرآن الكريم في أن رؤية الله ممتنعة عن المؤمنين في الدنيا كما ارتكزت في رفضها على مقياس آخر وهو عرض السنة على السنة التي وثقت بها وسمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم".(٨) أقول ورؤية الله في الدار الآخرة للمؤمنين ثابتة بالقرآن الكريم والسنة الصحيحة، قال تعالى {وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة}، وقال {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون}، وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضاهون في رؤيته"، وهو إجماع المسلمين من أهل السنة والجماعة. الهوامش (١) "كيف نتعامل مع السنة النبوية" ص ١١٣. (٢) أخرجه الترمذي في التفسير من جامعه. (٣) أخرجه البخاري في صحيحه. (٤) أخرجه مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده. (٥) توثيق عائشة للسنة، جيهان رفعت فوزي. (٦) رواه الحاكم في المستدرك من طرق عنه وصححه. (٧) أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما. (٨) "توثيق السيدة عائشة للسنة" ص ١٣٧ ١٣٨ أكثر من ٦ سنوات فى صومالى تايمز