مدى مصر

بعد تعدّيل قانون «القومي لحقوق الإنسان» .. مخاوف بشأن أداء المجلس مستقبلًا كتب مصطفى محيي ٩ أغسطس ٢٠١٧ أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، أول أغسطس الجاري، القانون رقم ١٩٧ لسنة ٢٠١٧ بتعديل بعض أحكام القانون رقم ٩٤ لسنة ٢٠٠٣ بإنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان. وقد أدت التعديلات إلى تزايد المخاوف بشأن الأداء الخاص به مستقبلًا؛ ففي حين اعتبر عضو المجلس جورج إسحاق أن التعديلات في مجملها متوزانة، قال ناصر أمين، المحامي الحقوقي والعضو بالمجلس أيضًا، لـ «مدى مصر» أن القانون سيؤدي إلى الانتقاص من استقلالية «القومي لحقوق الإنسان». وقال جورج إسحاق لـ «مدى مصر» إنه «بالمقارنة بقانون تأسيس المجلس رقم ٩٤ لسنة ٢٠٠٣، تعيد التعديلات الاستقلالية للمجلس مرة أخرى». ويأخذ إسحاق على التعديلات الأخيرة أنها لم تُتح لأعضاء المجلس زيارة السجون وأقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز بالإخطار. وإبقاء الأمر على ما هو عليه، بما يجعل الزيارات تُنظم بعد استئذان النيابة العامة والتنسيق مع وزارة الداخلية، وهو ما يؤدي لأن تكون غير ذات قيمة، بحسب إسحاق. بينما اعتبر ناصر أمين أن التعديلات تمسَّ استقلال المجلس بدرجة كبيرة لعدة أسباب من بينها طريقة اختيار أعضاء المجلس. وتنص المادة الثانية مكرر «أ» من التعديلات على أن يبدأ مجلس النواب عن طريق اللجنة العامة باختيار المرشحين لعضوية «مجلس حقوق الإنسان» في ضوء ترشيحات المجالس القومية والمجلس الأعلى للجامعات والمجلس الأعلى للثقافة والنقابات المهنية وغيرها من الجهات. ويُختار الأعضاء بموافقة أغلبية أعضاء البرلمان، ويصدر رئيس الجمهورية قرارًا بتعيينهم. واعتبر أمين أن ذلك يُخضع المجلس لرقابة البرلمان بشكل مباشر، والعكس هو ما يجب أن يحدث. وأوضح أن لجان البرلمان بقراراتها يجب أن تكون خاضعة لرقابة المجلس القومي لحقوق الإنسان. وأضاف أمين أن التعديلات الجديدة تُخضع المجلس لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، في حين لا تمنحه التعديلات صلاحيات أكبر لممارسة مهام عمله، وعلى رأسها زيارة أماكن الاحتجاز بشكل مفاجئ، وهي النقطة التي طالب بها أعضاء المجلس أكثر من مرة. وتابع أمين قائلًا «رغم أن قانون تأسيس المجلس كان سيئًا مما أدى إلى حصوله على تقييم B من اللجنة التنسيقية للمؤسسات الوطنية لدعم وحماية حقوق الإنسان في الفترة السابقة على ثورة ٢٥ يناير إلا أنه رغم تقييد القانون له حَصَلَ على تقييم A من الهيئة نفسه لأن أداء المجلس في عامي ٢٠١١ و٢٠١٢ كان مُستقلًا إلى حد كبير وقتها». وأضاف أمين أن التعديلات الأخيرة قد تؤدي إلى انخفاض التقييم مرة أخرى بنهاية هذا العام، في حين توقع إسحاق ألا يتأثر تقييم المجلس. وتعمل اللجنة التنسيقية الدولية للمؤسسات الوطنية لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، بشكل مستقل عن الأمم المتحدة. وقد أسست، في ١٩٩٣، باعتبارها كيانًا قانونيًا بموجب القانون السويسري. وتضم في عضويتها عدد من المؤسسات الوطنية والإقليمية، من ضمنها المجلس القومي لحقوق الإنسان المصري فضلًا عن عضوية مؤسسات أخرى بأفريقيا والأمريكتين وآسيا وأوروبا والمحيط الهادي. في حين تدعم المفوضية السامية لحقوق الإنسان المؤسسات الوطنية والإقليمية، وتُعمل على تركيز عمل هذه المؤسسات على قضايا الحماية الأساسية مثل منع التعذيب، والمعاملة المهينة، وحالات الإعدام بإجراءات موجزة، والاحتجاز والاختفاء التعسفيين، أو حماية المدافعين عن حقوق الإنسان. وذلك من خلال قسم المؤسسات الوطنية والآليات الإقليمية بالمفوضية السامية. وتعتمد «اللجنة التنسيقية» على للمبادئ المتعلقة بمركز المؤسسات الوطنية، والمعروفة باسم مبادئ باريس لسنة ١٩٩٣ في تقييم أداء أعضائها. ويعني التقييم A لأي من المؤسسات الوطنية في اللجنة الامتثال التام لمبادئ باريس، وتحصل تلك المؤسسة على حق الحديث والمشاركة في هيئات حقوق الإنسان الأخرى. ومن المنتظر أن يبدأ مجلس النواب في إجراءات تشكيل إعادة تشكيل مجلس جديد خلال ٣٠ يومًا من تاريخ العمل بالتعديلات الجديدة على القانون أو من تاريخ أول انعقاد للبرلمان إذا لم يكن منعقدًا، وذلك وفقًا لما ينص القانون الصادر في أول الشهر الجاري. فيما أشار إسحاق إلى أن المجلس، بتشكيله الحالي، سيُعد تقريرًا خاصًا عن أعماله، ومن المنتظر أن يُنشر بنهاية الشهر الحالي. في حين سينشر تقريرًا عامًا عن أعماله طوال السنوات الماضية في شهر أكتوبر المقبل.
كامل الوزير يلتقي «أهالي الوراق».. والسيسي يطمئنهم هاتفيًا «لا يمكن تهجيركم.. نريد تطوير الجزيرة» كتب مدى مصر ٩ أغسطس ٢٠١٧ عَقَدَ رئيس الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة اللواء كامل الوزير لقاءً أمس، الثلاثاء، مع وفد من أهالي جزيرة الوراق بمقر الهيئة. وصَرَّح، خلال لقائه مع الأهالي، أنه لا توجد أي مخططات لتهجير الأهالي من الجزيرة، وأوضح أن المطروح هو مشروع لتطويرها وتنميتها دون تهجير للسكان، حسبما قال مسعد حامد، أحد سكان الذين حضروا اللقاء، لـ «مدى مصر». وأوضح حامد أن الوزير أكّد على أن القوات المسلحة هي المسؤولة عن مشروع تطوير الجزيرة لـ«صالح أهلها»، حسبما قال في اللقاء. وسيتمّ الحفاظ على الكتلة السكنية داخل الجزيرة كما هي، مع إزالة بعض المنازل المتناثرة على أطرافها، وتعويضهم بمساكن بديلة داخل الكتلة السكنية، وذلك بغرض تجميع السكان في منطقة واحدة لتطويرها، حسبما أكّد حامد لـ «مدى مصر». وقد أوضح أن الهيئة الهندسية ستكون مسؤولة عن شَقَّ طرق جديدة بالجزيرة وتطوير البنية التحتية وإنشاء مدارس جديدة. فيما أشار حامد إلى أن رئيس الهيئة الهندسية كان قد ألمح إلى وجود إمكانية لطرح جزء من أراضٍ على الجزيرة لمشاريع استثمارية. وخلال لقاء أمس، أجرى الوزير اتصالًا تليفونيًا مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقد تحدث الأخير إلى الأهالي مُباشرة عبر مُكبر الصوت في الهاتف. وقال السيسي، بحسب حامد، «إحنا هنا لخدمتكم ولسنا ضدكم. وأنتم أولادنا وأهلنا ولا يمكن تهجيركم. لكننا نريد تطوير الجزيرة». وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد طالب الحكومة، في شهر مايو الماضي، بضرورة استعادة أراضٍ مملوكة للدولة التي تم التعدي عليها. وأشار، في خطابه الشهر الماضي، إلى جزر النيل، ومن بينها جزيرة الوراق على وجه التحديد، بقوله «جزيرة موجودة في وسط النيل، مساحتها أكتر من ١٢٥٠ فدان مش هذكر اسمها وابتدت العشوائيات تبقى جواها والناس تبني وضع يد. لو فيه ٥٠ ألف بيت هيصرفوا فين؟ في النيل اللي إحنا بنشرب فيه؟». وأضاف «الجزر الموجودة دي تاخد أولوية في التعامل معاها». وقال مسعود حامد لـ «مدى مصر» « إن الوزير قال لنا إنه سيتم الحفاظ على الأراضي الزراعية، وستشتري القوات المسلحة ممَن يريد البيع، وكذلك ستعوّض مَن يريد الخروج من الجزيرة بوحدات سكنية بديلة خارجها». وأضاف حامد أن ما طُرح، في اجتماع أمس، كان بمثابة عرض سريع لما تعتزمه الدولة، وأن المخطط التفصيلي لتطوير الجزيرة لم يُعرض على السكان حتى الآن. وكانت صحيفة الوطن قد نشرت، أمس، صورة من مجموعة المطالب التي تقدّم بها الأهالي للواء كامل الوزير. وتضمنت المطالب ضرورة الإفراج عن الشباب المحبوسين على ذمة المظاهرات الرافضة لإزالة بعض المساكن من «الوراق». وكانت الشرطة قد ألقت القبض على ١٧ من أهالي الجزيرة خلال مظاهرات شهدتها الجزيرة الشهر الماضي، ومازالت النيابة تجدد حبسهم حتى الآن. وأصرّ الأهالي خلال اللقاء بتمسكهم بالتواجد على الجزيرة ورفضهم التفاوض بشأن ذلك، والمطالبة بتعويض أسرة سيد حسن الجيزاوي، الذي لقي مصرعه أثناء اشتباك الأمن مع أهالي الجزيرة منتصف الشهر الماضي، بحسب صحيفة «الوطن». كما أكّد الأهالي أن جميعهم يقيمون على الجزيرة وفقًا للقانون، وفي حالة أن الدولة أرادت استرداد الأراضي التي طرحها النهر، والمشغولة بالسكان بموجب حق الانتفاع منذ أكثر من ٥٠ عامًا، فمن الضروري تعويضهم بأراضٍ بديلة داخل الجزيرة وليس خارجها، وكذلك تعويضهم ماديًا عن المباني. كانت قوة من الشرطة مع مسؤولين من وزارات الأوقاف والري والزراعة قد شرعوا في تنفيذ ٧٠٠ قرار إزالة لتعديات على أراض الدولة، في ١٦ يوليو الماضي، حسب بيان صادر عن وزارة الداخلية وقتها. ونشبت اشتباكات بين قوات الأمن والأهالي الذين اعترضوا على أعمال الإزالة. وأدت الاشتباكات إلى مقتل مواطن وإصابة ١٩ آخرين بحسب تصريحات وزارة الصحة وقتها، في حين أُصيب ٣٧ من أفراد الشرطة، بحسب بيان الداخلية. وأعلن محافظ الجيزة، اللواء كمال الدالي، في ١٧ يوليو الماضي، أن الدولة نجحت في تنفيذ ٣٠ من قرارات الإزالة، مضيفًا أن المحافظة ستجتمع مع الأهالي قريبًا لتوضيح أنه لا توجد خطط لإزالة مساكن الجزيرة بأكملها وأن القرارات اتخص التعديات على أراضي الدولة فحسب.
بيتان من زجاج من قتل ياسين؟ عن «صنايعية مصر» لعمر طاهر و«بيت الزجاج» لبريان ألكسندر هديل غنيم ٩ أغسطس ٢٠١٧ كتابان صدرا في توقيت واحد تقريبًا، الأول بعنوان «صنايعية مصر»، واشتريته أثناء زيارتي للقاهرة في يناير الماضي، والثاني بعنوان «بيت الزجاج»، واستمعت إلى حوار مع مؤلفه بريان ألكسندر في الراديو، فذكرني بفصل محدد من كتاب عمر طاهر. استعرت كتاب ألكسندر من المكتبة العامة، ووجدته يتناول قصة بلدته الصغيرة لانكاستر بولاية أوهايو الأمريكية، والتي اعتبرت بعد الحرب العالمية الثانية نموذجًا للمدينة الأمريكية المثالية، ثم أصبحت الآن نموذجًا للتعاسة التي تعيشها ولايات كثيرة في الوسط الأمريكي، حيث تفشى إدمان الهيروين بين سكانها البيض الذين تراجعت أوضاعهم الاقتصادية وسقطوا من الوعي الأمريكي في الخطاب العام المتمركز حول المدن الأمريكية الكبرى على الساحلين الشرقي والغربي. إلى أن جاءت الانتخابات الرئاسية الأخيرة وانتخب أغلب هؤلاء المنسيون ترامب. ومن خلال مقابلاته مع عدد كبير متنوع الأعمار من سكان لانكاستر، ومن خلال تتبع تاريخ مصنع الزجاج الشهير بها، يرصد المؤلف التحول المأساوي الذي أصاب المدينة عبر عدة عقود. أما كتاب عمر طاهر، فرغم أنه لا يدعي بأنه يقوم بأكثر من استعراض «مشاهد من حياة بعض بناة مصر في العصر الحديث»، إلا أنه من الصعب قراءته والإفلات من الشعور بالمأساة العامة التي أصابت تطور الحياة في مصر أيضًا. يتناول الكتاب عددًا من رجال الصناعة في مصر، ومن بينهم محمد سيد ياسين الذي أسس أول مصنع حديث للزجاج في مصر عام ١٩٣٣، بدعم من طلعت حرب، فحقق نجاحًا كبيرًا وتفوقت منتجاته المحلية على منافسة الواردات الأجنبية، بل وصارت تُصدَّر خارج مصر أيضًا. وبينما يفرد ألكسندر أكثر من ٣٠٠ صفحة لمناقشة أثر مصنع الزجاج على أحوال مواطني المدينة الصناعية المُشيّد بها، فلا يتعدى الفصل المخصص لزجاج ياسين في كتاب عمر طاهر أكثر من بضع صفحات يتعلق أكثرها بمسيرة «ملك الزجاج ضد الكسر» نفسه. رغم اختلاف طبيعة الكتابين، إلا أن تجربة المصنعين تثير أسئلة أوسع، فقد قام مجتمع لانكستر بأسره حول مصنع «أنكورهوكنج» للزجاج، الذي كان الأكبر والأشهر والأعرق في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان يوظف ما لا يقل عن خمسة آلاف من العمال والموظفين الذين يعيشون في حالة من التوازن والوئام الاجتماعي، حيث يرتاد نائب رئيس الشركة والمديرون نفس البارات التي يرتادها العمال ويلعبون البلياردو سويًا، وتنخرط زوجاتهم في العمل الأهلي والمدني؛ في حملات التوعية الصحية وتحسين الخدمات التعليمية والمرورية وإصلاح الأرصفة، وما إلى ذلك. وبينما يختم عمر طاهر فقرته عن مظاهر ازدهار زجاج ياسين بجملة واحدة هي «ثم قامت الثورة»، قاصدًا ثورة ١٩٥٢، ليوحي بها للقارئ أن النهاية الدرامية لهذا النجاح كانت بتأميم الدولة للمصنع وتحويله إلى «شركة النصر لصناعة الزجاج والبلور»، فقد توصل بريان ألكسندر إلى أن الشرخ الذي أصاب بلدته بدأ عام ١٩٨٧، حين اشترت شركة «نيويل» العملاقة مصنع الزجاج في عملية استحواذ تجارية. وكان من ضمن القرارات التي اتخذتها الشركة المالكة الجديدة فصل طاقم المديرين التنفيذيين بأكمله، ونقل المقر الرئيسي من مدينة لانكاستر إلى مدينة كولمبس عاصمة أوهايو. صحيح أن العمال وغيرهم من الموظفين لم يشعروا بتأثير مادي مباشر من جراء هذا القرار، إلا أنهم فقدوا شعور العائلة الواحدة الذي كان يميز المصنع والبلدة أيضًا، فقد خسرت لانكاستر النشاط الأهلي والمدني الذي كان يقوده ويساهم به قطاع مهم من نخبتها، لأن أعضاء طاقم الإدارة الجديد أقاموا في مدينة كولمبس، ولم تعد لانكاستر أبدًا لما كانت عليه في ذلك العهد. يخبرنا «صنايعية مصر» أن التأميم كان قاسيًا على محمد بك ياسين، حتى أنه مرض وتوفي عام ١٩٧١، ولا نعرف بالتحديد أثر قرار التأميم على حياة عمّال المصنع. فقط يمكننا، كما فعل المؤلف، القفز إلى وعينا المعاصر كمواطنين ومستهلكين لمنتجات مصانع وشركات القطاع العام، لنلاحظ غياب أكواب ياسين من بيوتنا، وتدهور أحوال سائر الشركات المماثلة بسبب ضعف الكفاءة الاقتصادية، أو الفساد الإداري الذي أدى لتكبدها خسائر طائلة. ولكن يبدو من التجربة الأمريكية أن الكفاءة الاقتصادية وتحقيق الأرباح لم يمنعا تدهور أحوال المدينة وانهيار مستوى المعيشة بين سكانها. فقد تعاقبت على ملكية مصنع «أنكور هوكنج» شركاتُ الأسهم الخاصة، التي لم تهتم سوى بتحقيق أعلى الأرباح على المدى القصير، واستمر العمل ربما بكفاءة أكبر، وارتفعت العوائد المالية، ولكنها عوائد وأرباح تكافئ المستثمرين والمديرين ولا تبالي بالعمال والموظفين وسكان المدينة، بل ولا تبالي بالمنتَج ذاته. يقول ألكسندر إن الرأسمالية «الأبوية» التي تأسست عليها مدينته اختفت وحلت محلها رأسمالية الهندسة المالية. لذلك كان العنوان الفرعي لكتابه «بيت الزجاج» هو «اقتصاد الـ١٪ وانهيار مدينة أمريكية نموذجية». وفي ظل ذلك التطور الرأسمالي تراجعت أجور عمال المصنع من ٢١ دولارًا في الساعة في الثمانينيات إلى ١٢ دولارًا في الساعة حاليًا، وتراجع عددهم من خمسة آلاف إلى أقل من ألف عامل. ومع تفشي الإحباط غياب الترابط المجتمعي انتشر الإدمان بنسب مفزعة، وارتفع عدد الموتى كل يوم بسبب الإفراط في التعاطي، تاركين أطفالهم ما بين الجدود ودور الرعاية. كيف نحكم إذن على تجربة مصنع ياسين في مصر وغيره من المشروعات الاسنثمارية من هذا المنظور المجتمعي؟ لا بالنظر له كمبنى ومنتج وأرقام تصدير ومعدلات ربح، وإنما بحساب تأثيره في حياة العاملين فيه وأثره في المجتمع المقام به. يحتوي ملحق الصور بكتاب «صنايعية مصر» على صورة لواجهة المصنع مع لافتة مكتوب عليها «مصانع الزجاج الأهلية.. محمد بك ياسين وشركاه». لم يكن ملك الزجاج المصري يهدف فقط لتحقيق الربح، وإنما كانت لديه رؤية مجتمعية ورغبة في بناء مؤسسة. يحكي عمر طاهر كيف انتقل ياسين من مجال المقاولات إلى مجال الصناعة، وكيف وجد الفكرة في «لمبة الجاز»، يحكي عن اهتمامه بنقل التكنولوجيا الأوروبية والاستعانة بالخبرات الأجنبية لحين اكتمال تدريب العمال المصريين، ثم كيف جعل من مصنع الزجاج بشبرا الخيمة مؤسسة ملحقة بها ملاعب وحمامات سباحة ، بل ومسرحًا لعمال المصنع يضم فرقة تمثيلية من بينهم. كما يشير مصدر آخر لمدرسة فنية كانت ملحقة أيضًا بالمصنع، ولا أدري إن كانت بُنيت في عهده أو في عهد ملكية الدولة، وهي على أي حال مغلقة الآن، كما أُغلق المصنع نفسه لعدة سنوات عندما كان على وشك البيع والخصخصة، قبل أن تعيد الدولة فتحه من عام ونصف تقريباً، بعد أن خصصت له ٢٥٠ مليون جنيهًا، حسب ما جاء في حوار مع المدير العام للشركة. جرى تسريح جميع العمال الذي عارضوا قرار بيع المصنع ضمن سياسة الخصخصة في عهد مبارك، وعُيّن مكانهم ٤٠٠ شابًا هم كل القوة العاملة حاليًا. ومع حقيقة أن المصنع لا يزال خاسرًا بنسبة ٥٠%، فإن هذا يثير التساؤلات عن الأسباب الحقيقية لإصرار الدولة على امتلاك المصنع وإدراته وضخ الأموال العامة فيه من صندوق «تحيا مصر». لسنا في حاجة لدفاعات أيديولوجية عن مزايا الرأسمالية ومزايا الاشتراكية وملكية الدولة، فقد ثبت أن المجتمعات تنكسر في ظل أي نظام اقتصادي يخدم مصلحة فئة معينة ولا يرعى المصلحة العامة، سواء كانت فئة رجال المال والأعمال، أو فئة ضباط الثورة وكبار موظفي القطاع العام. لكننا في حاجة إلى تحقيق على غرار دراسة بريان ألكسندر، يبحث في تاريخ مصنع ياسين وشركة النصر للزجاج، عبر الإدارات المختلفة التي تعاقبت عليهما، لتقييم السياسات الناجحة والفاشلة في سياقنا المجتمعي. ما هي القرارات التي أدت لتراكم الخسائر وغضب العمال وتدهور مستوى الإنتاج؟ وما هي الرؤية التي كانت مطروحة وراء بيع المصنع للقطاع الخاص؟ هناك تحقيقات صحفية منشورة منذ عام ٢٠٠٦ تتحدث عن فضائح بيع أرض المصنع بأسعار زهيدة للغاية، وبيع الماكينات بالمجّان دون تقديم ضمانات للمشتري ليزاول النشاط الصناعي. أي أن مصنع ياسين كان عرضة لأن يتحول إلى فندق أو مطعم ياسين السياحي. نريد معرفة قصص عمّال وموظفي مصنع ياسين وشركة النصر، كيف انعكس ما حدث بالمصنع على حياتهم وحياة أسرهم؟ خبرونا عن صنايعية مصر من سكانها الحاليين، عن ياسين الصنايعي الصغير، عن ياسين الذي قُتل ولا يعرف أحد من قتله. أما ياسين بك فيكفيه ارتباط اسمه بالزجاج الجيد في أذهان المصريين للأبد، لسبب بسيط لا علاقة له بمصير مصنعه، وإنما بفضل «مسحراتي» فؤاد حداد وسيد مكاوي «بافطر معاكم وأسمع دعاكم آمين آمين، ما إشربش إلا الماء وإلا في إزاز ياسين».
«المهندسين» تطالب بالكشف عن مكان احتجاز ٧ من أعضائها متهمين في «انقطاع الكهرباء بمطار القاهرة» مدى مصر ٩ أغسطس ٢٠١٧ تقدمت نقابة المهندسين، الإثنين الماضي، ببلاغ للنائب العام في واقعة إلقاء القبض على سبعة من أعضائها متهمين بالتورط في قطع التيار الكهربائي بمطار القاهرة الدولي في ٢٧ يوليو الماضي. وقالت النقابة في بلاغها، الذي نشرت نسخة منه على صفحتها بفيسبوك إنها لم تستطع الوقوف على أسباب القبض أو طبيعة التهم الموجهة لهم أو معرفة مكان احتجازهم حتى الآن. وطالبت النقابة النائب العام بسرعة الكشف عن مجريات التحقيقات مع المهندسين السبع، بالإضافة إلى معرفة التهم الموجهة إليهم. وأوردت النقابة شكاوى من أهالي المهندسين المقبوض عليهم تفيد بتعرضهم للإكراه خلال التحقيقات، بالإضافة إلى عدم حضور محامين للدفاع عنهم. وقال محمد الروبي، المستشار الإعلامي للنقابة، لـ«مدى مصر»، إن المهندسين سيمثلون أمام نيابة النزهة غدًا، الخميس، في العاشرة صباحًا. كانت النقابة قد أفادت في بيان سابق أن التهم الموجهة للمهندسين «سياسية» واصفة إياها بالخطيرة. وأضاف البيان إن النقابة «إذ تجدد استنكارها للأسلوب الذي تم التعامل به مع واقعة ميناء القاهرة الجوى، تعلن أنها لن تتوانى عن الوقوف خلف زملائها المهندسين، مطالبة بإجراء تحقيق عادل وسريع يشمل الجوانب الهندسية والفنية لأسباب انقطاع التيار الكهربائي، ويبتعد عن استسهال إلقاء التهم السياسية في واقعة نصفها بالخطيرة ويجدر الاهتمام بها على نحو علمي». ويشير بيان النقابة إلى التصريحات الصادرة عن الإعلامية لميس الحديدي مقدمة برنامج «هنا العاصمة» على قناة «سي بي سي» الفضائية، حيث أشارت إلى خطورة انقطاع التيار الكهربائي عن منشأة حيوية بأهمية مطار القاهرة الدولي. وأضافت «أي حد ممكن يحط قنبلة أو متفجرات ويعمل اللي هو عايزة، لأن الكهرباء قاطعة وكاميرات المراقبة واقفة، وسير الشنط واقف، ما حدث هو فشل أو اختراق وعبث عن عمد وإفساد وكلا الأمرين أسوأ من الآخر». وأفادت جريدة اليوم السابع في ٣٠ يوليو الماضي أن النائب العام، نبيل صادق، قد أمر بإلقاء القبض على ١١ من مسئولي الصيانة بمطار القاهرة الدولي ١٥ يومًا على ذمة التحقيقات بسبب انقطاع التيار الكهربائي عن صالة ٣ بالمطار، وذلك بعد يوم واحد من تصريحات الحديدي.
تحرير سعر دقيق الخبز المدعم.. ما الجديد؟ عثمان الشرنوبي ٩ أغسطس ٢٠١٧ «مبروك لمصر ومبروك لنا جميعا إن احنا استطعنا أن نضع منظومة قابلة للإدارة وقابلة للرقابة»، هكذا عبر وزير التموين، علي مصيلحي، في مؤتمر صحفي، عن تفاؤله بالنظام الجديد لإنتاج الخبز المدعم الذي بدأت الوزارة تطبيقه الأسبوع الماضي. تقوم المنظومة الجديدة لإنتاج الخبز المدعّم على تحرير أسعار القمح والدقيق في عملية البيع والشراء بين الأطراف الثلاث لعملية الإنتاج (الحكومة والمطاحن والمخابز)، بهدف القضاء على عمليات التهريب التي كانت تحدث في المنظومة السابقة. وقال مسؤولو الوزارة إن النظام الجديد يعفي الحكومة من مسؤولية مراقبة جميع مراحل إنتاج الخبز المدعّم، وإنه سيرفع من جودة الخبز، بعد أن حظيت المنظومة السابقة بانتقادات واسعة أعقبت اتهامات بالفساد وعدم الكفاءة في السنوات الماضية. في المقابل، شكا بعض أصحاب المخابز من اشتراط المنظومة الجديدة دفع ثمن الدقيق بسعر السوق الحر مقدمًا في وقت تتقاعس فيه وزارة التموين عن دفع مستحقات متأخرة للمخابز، وشكى البعض الآخر من صعوبة تدبير النقود اللازمة لتسديد ثمن الدقيق، وعدم صرف حصصهم نتيجة لذلك، مما أثّر على توفير الخبز للمواطنين. يعرض «مدى مصر» أهم ملامح النظام الجديد لشراء وبيع قمح ودقيق الخبز المدعم؛ الهدف منه، وأثره في الأيام الأولى لتطبيقه. النظام الجديد الدفع مقدمًا بأسعار السوق تمر عملية إنتاج رغيف الخبز المدعم عبر المسار التالي وزارة التموين (ممثلة في هيئة السلع التموينية) توفر القمح سواء المحلي بشرائه من الفلاحين أو المستورد. تورد الوزارة الأقماح إلى المطاحن (العامة والخاصة) لطحنها وتحويلها إلى دقيق. يحصل المخبز على الدقيق من المطحن بحصة محددة (تختلف من مخبز لآخر حسب الطاقة الإنتاجية). يحصل أصحاب البطاقات التموينية على الخبز من المخابز بحصة محددة (خمسة أرغفة للفرد في اليوم). في منظومة الخبز المدعم السابقة، كان حصول المطاحن على الأقماح والمخابز على الدقيق تتم وفقًا لنظام «بضاعة الأمانة»، أي أن الوزارة تبيع للمطحن حصته من القمح وتدفع له مقابل نظير عملية الطحن، دون أن يدفع المطحن للوزارة شيء. بدوره يشتري المخبز حصته المقررة من الدقيق دون أي مقابل نقدي. يقول ممدوح رمضان، أحد المتحدثين باسم وزارة التموين، لـ «مدى مصر» إن عملية توريد القمح للمطاحن وبيع الدقيق للمخابز كانت في المنظومة القديمة تتم وفق عملية محاسبية تتم على الورق فقط، دون أن تدفع المطاحن أو المخابز أي مبالغ نقدية. يُفصل محمد سويد، متحدث آخر لوزارة التموين، في تصريحات لـ «مدى مصر» إن الوزارة كانت تحسب ثمن طن القمح المباع للمطحن بألفي جنيه، فيما كان سعر طن الدقيق المباع للمخبز بـ٢٦٠٠ جنيه، في حين أن سعره في السوق الحر نحو ٤٧٠٠ جنيه. يوضح سويد أن إجمالي تكلفة إنتاج رغيف الخبز المدعم تقدر بنحو ٦٥ قرشًا، يدفع المواطن منها خمسة قروش، وتدعمه الدولة بـ٦٠ قرشًا، ويتضمن هذا الدعم ٥٠.٦ قرش تذهب للمطحن، و٩.٤ قرش تذهب للمخبز نظير هامش الربح وتغطية تكاليف الإنتاج بعد خصم ثمن الدقيق. في المنظومة الجديدة، أصبح لزامًا على المطاحن دفع ثمن الأقماح التي تتلقاها من الوزارة نقدًا بسعر السوق الحر (٤ آلاف جنيه للطن)، في المقابل تحصل المطاحن من الوزارة على ٥٠٠ جنيه للمطاحن العامة و٤٨٠ جنيه للخاصة، نظير طحن كل طن قمح. كذلك المخابز أصبحت ملزمة بتسديد ثمن الدقيق الذي تحصل عليه من المطاحن نقدًا بسعر السوق الحر (٤٧٠٠ جنيه للطن)، في المقابل تحصل المخابز من الوزارة على ١٨٠٠ جنيه مقابل كل طن دقيق تنتج منه الخبز المباع، نظير تكاليف الإنتاج وهامش الربح. يقول سويد إن هذه الأسعار ستتم مراجعتها كل ثلاثة أشهر لمواكبة حركة السوق، ويفسر الفارق في سعر الطحن بين المطاحن العامة والخاصة بانخفاض تكلفة العمالة لدى الأخيرة. بعد مرور ثلاثة أيام من إنتاج المطحن للدقيق بالكمية والمواصفات المتفق عليها يمكنه الحصول على حصته التالية من القمح مقابل المبلغ المدفوع سابقًا للوزارة. كذلك المخبز، يمكنه الحصول على حصته الجديدة من الدقيق بعد ثلاثة أيام من إنتاجه للخبز بالكميات والمواصفات المتفق عليها نظير المبلغ المدفوع سابقًا للوزارة، وهو ما يعرف باسم «نظام الاستعاضة»، كما يقول سويد. ووفقاً للمنظومة الجديدة، «سوف تحصل المطاحن والمخابز على تكاليف إنتاجها وأرباحها يوميًا بشكل أتوماتيكي، بمجرد أن يبيع المخبز رغيف خبز للمواطن من خلال الكارت الذكي، فإن الـ٥ قروش ستتحول للحساب البنكي للمخبز، بالإضافة إلى ٩.٤ قرش، ويمثل إجمالي هذا المبلغ (١٤.٤ قرش) التكلفة التي تحملها المخبز لإنتاج الرغيف بالإضافة إلى هامش ربحه»، كما يوضح سويد، الذي أضاف أن الأمر نفسه يحدث مع المطحن «بمجرد أن يبيع المخبز رغيف الخبز تتحول ٥٠.٦ قرش إلى الحساب البنكي للمطحن، ويمثل هذا المبلغ تكلفة إنتاج المطحن للدقيق بالإضافة إلى هامش ربحه». ويستهلك إنتاج طن الدقيق ١.٢ طن قمح، وينتج طن الدقيق ١٢ ألف و٥٠٠ رغيف خبز، طبقا لوزارة التموين. وتعد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم. ويتطلّب توفير الخبز المدعّم من الدولة شراءها ما يزيد على ٩.٥ مليون طن من القمح في السنة، تستورد منهم نحو خمسة ملايين طن وتشتري ٤.٥ مليون طن محليًا، بحسب البيان المالي لمشروع موازنة العام المالي ٢٠١٧ ٢٠١٨. يشير سويد إلى تغيير آخر في نظام دعم الخبز، وهو أنه «لأول مرة لن تكون المخابز مربوطة بمطحن محدد، فإن لم يكن الدقيق مطابقًا للمواصفات من حقها اللجوء لمطحن آخر»، موضحًا أن ذلك جاء بعد مشاورات مع أصحاب المخابز الذين فضّلوا هذا النظام. المخابز اشتكت يقول سويد إن «النظام الجديد سيحدّ من إهدار الدقيق والقمح لأنه سيغيّر من طريقة تعامل المنتجين مع السلعة لأنهم سيقومون بدفع ثمنها نقدًا». «عندما يحصل المُنتِج على مدخلات الإنتاج دون أن يدفع مقابل لها، فهو لا يحافظ عليها ويستفيد منها بطرق غير مشروعة، مما يؤدي إلى هدر كبير فيها لأسباب كسوء التخزين أو التهريب لتحقيق أرباح زائدة»، على حد قول سويد. واعتبر سويد أن النظام الجديد «سيجبر المطاحن والمخابز على التعامل مع بضاعتهم بطريقة مختلفة لأنهم سيشترونها بمالهم الخاص، وبالتالي سيكونون مضطرّون للحفاظ على جودة منتجاتهم لأنهم هم من سيتحمّلون أي خسارة ناتجة عن سوء جودة بضاعتهم الآن». «المخبز مثلًا عندما يشتري الدقيق من المطحن بنقوده الخاصة، سيصر على أن تكون جودة الدقيق جيدة، خلافا لما كان يحدث من قبل، حيث لم يهتم بذلك لأنه لم يكن يتحمّل الخسارة»، يقول سويد، معتبراً أن «المطاحن والمخابز أصبحوا شركاء بعد أن كانوا وسطاء». يتفق جودة عبد الخالق، وزير التموين الأسبق (مارس ٢٠١١ يوليو ٢٠١٢) وأستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، مع مسؤولي الوزارة في أن هذا النظام سيخفض من مسؤولية الوزارة للرقابة على مراحل الإنتاج المختلفة. وقال عبد الخالق لـ«مدى مصر» «منظومة الإنتاج شديدة التعقيد وتستيف الورق يصعب السيطرة عليه، ومفتشو الوزارة أنفسهم يتم استقطابهم من قبل المتلاعبين»، مؤكدًا أن إجبار المطاحن والمخابز على شراء القمح والدقيق بالسعر الحر سيقضي على هذه الظاهرة. يوضح عبد الخالق أن الوزارة خلال فترة توليه كانت قد أعدت دراسة تحرير سلسلة بيع القمح بهدف القضاء على ازدواجية الأسعار التي أحدثتها «بضاعة الأمانة» للقمح والدقيق، مشيرًا إلى أن في النظام المتّبع وقت توليه الوزارة «كانت هيئة السلع التموينية توّرد القمح للمطاحن العامة والخاصة كبضاعة أمانة، وتدفع لها عمولة طحن ٤٠٠ جنيه للطن، وكان المخبز يشتري نقدًا طن الدقيق من المطحن بسعر ١٦٠ جنيهًا، بينما كان سعره الحر يصل إلى ٢٦٠٠ جنيه». «خلقت ازدواجية الأسعار حافزًا لتهريب الدقيق من المطاحن والمخابز والتلاعب في ورق ما يتم حصره من إنتاجها، ولذلك كان من الضروري استحداث نظام يقضي على ازدواجية الأسعار، وتوصلت الدراسة إلى أن تحرير الأسعار في سلسلة الإنتاج سيحقق ذلك الهدف»، وفقًا لعبد الخالق. من جانبه، يقول عبد الله غراب، رئيس الشعبة العامة للمخابز بالاتحاد العام للغرف التجارية، لـ«مدى مصر» إن تحرير سعر الدقيق طلب لأصحاب المخابز منذ فترة طويلة، مؤكدًا أن النظام الجديد سيمنع «اللغط والمشاكل» التي كانت تحدث بين الأجهزة الرقابية وأصحاب المخابز، وهو نفس رأي عطية حماد، رئيس شعبة مخابز القاهرة. رغم تصريحات غراب، فقد احتجت آلاف المخابز في أنحاء مختلفة من مصر مع بدء التطبيق مطلع الأسبوع الماضي، نظرًا لعدم توفّر الأموال المطلوبة من الوزارة لصرف حصصهم من الدقيق. إثر الاحتجاج، اجتمع رؤساء الشعب النوعية للمخابز في عدّة محافظات، الثلاثاء الماضي، لمناقشة الوضع. تركزت شكاوى المخابز في صعوبة سداد ثمن الدقيق نقدًا مسبقا كشرط للحصول على حصصها، ما اضطر الوزارة لتأجيل مواعيد الدفع عدة مرات، في الأولى أجلّت الموعد من أول أغسطس، وهو تاريخ بدء العمل بالمنظومة الجديدة، إلى آخر الأسبوع، والمرة الثانية كانت في الخميس اللاحق، حين أعلنت الوزارة مدّ المهلة إلى الأحد اللاحق، وأخيرًا أتى الإعلان عن مدها يومين، إلى أمس، الثلاثاء. يقول عبد الخالق إن تلك الشكاوى تعدّ شواهد لعدم توفير الحكومة التمويل اللازم لنجاح المنظومة الجديدة، مضيفًا أن تطبيق هذا النظام يعدّ جزءًا واحدًا من التحرك تجاه خلق منظومة دعم ناجحة، فهناك محاور أخرى تستوجب التطوير، مثل ضرورة إحكام الرقابة على المخابز، وخلق حوافز مادية تمكّن المخابز من تحقيق عوائد جيدة تثنيهم عن التلاعب، وإنشاء مجمعات مخابز لتوفير تكاليف الإنتاج وتسهيل الرقابة، على حد قوله. وأضاف « في اجتماع مع [الرئيس السابق] محمد مرسي في ٢٠١٢ تحدّثنا عن خطته لحل مشكلات الخبز المدعم ضمن خطة الـ١٠٠ يوم. من يعتقد أن ذلك ممكن لديه شيء من إثنين، إما جهل بالمنظومة، أو أنه تظاهر بالجهل. منظومة دعم الخبز في غاية التعقيد وضبطها ليس بالأمر السهل».
النيابة تؤجل التحقيق مع رئيسي تحرير «المصريون» إلى السبت المقبل مصطفى محيي ٨ أغسطس ٢٠١٧ أجّلت نيابة أمن الدولة التحقيق مع جمال سلطان، رئيس تحرير جريدة «المصريون» الأسبوعية، وشقيقه محمود سلطان رئيس التحرير التنفيذي إلى يوم السبت المقبل، بعدما التقى محامو «سلطان» بممثل النيابة صباح اليوم، الثلاثاء، لاستطلاع أسباب التحقيق وطبيعة الاتهامات الموجهة له. وقال جمال سلطان لـ«مدى مصر» إن ممثل النيابة رفض إطلاع المحامين على أي تفاصيل تخص الاتهامات الموجهة لهما، ووافق على تأجيل التحقيق حتى يوم السبت المقبل. كانت نيابة أمن الدولة أرسلت أمس الإثنين، فاكس إلى نقابة الصحفيين لإخطارها باستدعاء «سلطان» وشقيقه محمود، للتحقيق معهما في القضية رقم ٨٠٣ لسنة ٢٠١٧، حصر أمن دولة. وأخطرت النقابة الزميلين بطلب التحقيق، وقال عضو مجلس النقابة عمرو بدر لـ«مدى مصر» إن محامي النقابة وأحد أعضاء مجلسها سيحضران التحقيق مع الزميلين. وأضاف «سلطان» أن «استدعائه للتحقيق يأتي في سياق عمليات تحرش متصاعدة بمؤسسته الصحفية، بدأت بحجب موقع المصريون، وتعطيل الطباعة أسبوعيًا اعتراضًا على بعض المواد المنشورة، وصولًا إلى وقف طباعة العدد الأسبوعي برمته هذا الأسبوع». كان سلطان أعلن يوم الأحد الماضي امتناع مطبعة الأهرام عن طباعة العدد الأسبوعي من صحيفة المصريون بناء على أوامر من «جهات أمنية مجهولة»، حسب وصفه. كانت السلطات المصرية بدأت في حجب عدد من المواقع الإلكترونية بداية من ٢٤ مايو الماضي. وبلغ عدد المواقع المحجوبة ١٣٣ موقعًا بحسب إحصاء مؤسسة حرية الفكر والتعبير. وضمن المواقع الصحفية المحجوبة مدى مصر والبداية ومصر العربية والمنصة ومصريات وبوابة يناير ومدد وموقع المصريون ودايلي نيوز إيجيبت والبورصة، والمواقع الثلاثة الأخيرة مملوكة لصحف ورقية ذات ترخيص ومازالت تصدر حتى الآن. كما انضم إلى قائمة الحجب عدد من المواقع الحقوقية أهمها موقع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وكذلك موقع مؤسسة التحرير للدراسات ومقرها واشنطن، بالإضافة إلى عدد كبير من المواقع القطرية والتركية ومواقع أخرى مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس.
«١٤ يومًا في العاصفة».. ذِكر ما جَرى في العريش الثلاثاء، ٨ أغسطس ٢٠١٧ مراد حجازي بدءًا من صباح الإثنين، ١٧ يوليو الماضي، ولساعات، حاول خالد نور الاتصال بذويه في مدينة العريش، للاطمئنان على والدته المريضة التي كانت تنتظر الخضوع لعملية جراحية في مستشفى العريش. يعمل خالد، ابن مدينة العريش، في القاهرة، مثل كثير من أبناء سيناء الذين هجروا مسقط رأسهم بحثًا عن لقمة العيش بعيدًا عن الحرب التي تشهدها شبه الجزيرة منذ سنوات، والبطش اﻷمني المرتبط بها. حين فشل خالد في التواصل مع أهله، اعتقد أن شبكات الاتصال تم فصلها في ساعات الصباح كما هو الحال يوميًا منذ أربع سنوات هي عمر حرب الدولة على الإرهاب في شمال سيناء، لكن مع استمرار فشله في التواصل مع اﻷهل بحلول الليل، بدأ القلق يساوره أكثر، قبل أن يعرف عبر حساب أحد أصدقائه على فيسبوك أن اﻷوضاع في العريش ليست على ما يرام، وأن شبكات الاتصال مقطوعة منذ الصباح. لم يتمكن خالد من الاتصال بأسرته إلا في العاشرة من مساء اليوم التالي؛ ١٨ يوليو، حين عادت الاتصالات، ليسمع صوت والدته ويطمئن عليها، يقول «وكأن روحي رجعتلي». قبل أن يتم فصل الشبكات من جديد بعد أقل من ٤٥ دقيقة. *** مدينة العريش هي عاصمة محافظة شمال سيناء، وتضم المدينة ١٥ حيًا سكنيًا وأربع قرى، يقطن بها قرابة ١٨٠ ألف نسمة. ومنذ أكتوبر ٢٠١٤ تعيش المدينة، ومدن أخرى في المحافظة، ظروفًا استثنائية، بعد فرض حالة الطوارئ وحظر التجوال بها، ضمن إجراءات أخرى اتخذتها الدولة في حربها على الإرهاب، ويعيش سكان المدينة منذ ذلك التاريخ وسط حالة حرب بين القوات المسلحة وبين ما يُعرف بتنظيم «ولاية سيناء». وكان آخر تجديد لحظر التجوال هو قرار رئيس الوزراء شريف إسماعيل في ٩ يوليو الماضي، بإعلان حظر التجول في عدد من أماكن شمال سيناء بداية من ١٠ يوليو، وحتى سبتمبر المقبل، على أن يكون الحظر من السابعة مساءً وحتى السادسة من صباح اليوم التالي، على أن تكون ساعات الحظر في العريش بداية من الواحدة بعد منتصف الليل وحتى الخامسة صباحًا، وأتى قرار إسماعيل بعد أيام من الهجوم الذي استهدف ارتكاز أمني في الشيخ زويد، والذي أسفر عن مقتل ٣٠ من ضباط وأفراد القوات المسلحة. ولكن خلال الشهر المنقضي، وتحديدًا بداية من ١٧ يوليو، وحتى نهاية الشهر، عاشت العريش وأهلها ما هو أكثر من الاستثناء، بعد أن تقطعت كل وسائل الاتصال بينهم وبين العالم الخارجي ﻷيام كاملة، فيما كانت تعود لساعة واحدة أو أقل في بعض اﻷيام، بجودة سيئة تزيد من صعوبة محاولات اﻷهالي إجراء مكالمات أو اتصالات إلكترونية. *** قبل أيام من منتصف شهر يوليو توقف عمل جميع مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي داخل العريش، ومنها «فيسبوك، وواتس آب، وجميع أنواع الإيميلات»، بحسب عدد من مواطني المدينة، الذين قالوا إنهم تواصلوا هاتفيًا مع شركات الإنترنت، دون أن يتلقوا حلولًا أكثر من «اطفي الراوتر وشَغَلُه تاني»، أما من تواصلوا مع فروع تلك الشركات في العريش، فقيل لهم إن اﻷزمة ربما يكون سببها «الضغط على السيرفرات بسبب نتيجة الثانوية العامة». ولكن استمرار حجب تلك المواقع الإلكترونية دفع المواطنين للشك في كونها محجوبة عن المدينة بشكل عمدي، خاصة مع تمكن بعضهم من استخدامها عبر تطبيقات وبرامج تخطي الحجب. وهي الشكوك التي رجح مصدر، يعمل في فرع إحدى شركات الإنترنت بالعريش، صحتها، قائلًا إن «جميع مواقع التواصل الاجتماعي والإيميلات حُجبت بشكل كامل عن محافظة شمال سيناء بداية من ١٠ يوليو الماضي». طوال أسبوعين، كانت ياسمين محمد تنتظر تحسن خدمة شبكات الإنترنت في العريش، لتتمكن من إرسال حوالة ضرورية لإحدى صديقاتها خارج المحافظة، فيما تتذكر يوم ٣١ يوليو قائلة إن الصالة الرئيسية لمكتب البريد الرئيسي بالمدينة كان بها زحام شديد في ذلك اليوم، «الناس كانت فوق بعضها، الكل عايز يلحق يخلص مصلحته قبل ما تفصل الشبكات، وكل دقيقتين خناقة بين الناس وبعضها أو مع موظفين البريد، والناس بتحكي عن همومها مع بعض فى الطوابير قدام الشبابيك، اللي ما دفعش الإيجار، واللي بنته في المستشفى ومحتاج فلوس عشان يعالجها بعد ما استلف من الناس اللي حواليه، وفجأة وبدون مقدمات واحد من الموظفين رفع صوته عشان يسمع الصالة كلها وقال «الشبكات فصلت»، الصمت خيم على المكان، والكل مشي في هدوء وصمت». توقف خدمات البريد كان يعني أن على اﻷهالي السفر أكثر من ٤٠ كيلومترًا إلى مدينة بئر العبد ليتمكنوا من إتمام عمليات الإيداع وسحب الحوالات، لكن تلك لم تكن المشكلة الوحيدة. انقطاع الاتصالات أصاب المدينة بالشلل، توقفت خدمات الجهات الرسمية التي تستخدم الإنترنت، لتلحق خدمات جهات مثل مصلحة الجوازات، والسجل المدني، وخدمة صرف المعاشات، بخدمة مصلحة البريد المتوقفة. كما لم يستطع طلاب الثانوية العامة التقديم إلكترونيًا خلال المرحلة الأولى والثانية للتنسيق من داخل العريش. في الوقت نفسه تأكدت الشكوك المرتبطة بالقطع العمدي لخدمات عدد من المواقع والتطبيقات الإلكترونية بعد تواتر أنباء عن تنفيذ القوات المسلحة حملة مكبرة على مناطق مختلفة جنوب مدينة العريش. بحسب أهالي المدينة، تنتهج سلطات الأمن في شمال سيناء استراتيجية فصل شبكات الاتصال عن مدن المحافظة؛ رفح والشيخ زويد والعريش، في أوقات العمليات العسكرية التي غالبًا ما تكون في ساعات النهار، بدعوى منع الجماعات المسلحة من استخدام تلك الشبكات في تفجير عبواتها الناسفة عن بعد في آليات الأمن. فيما كان انقطاع الاتصالات شبه المستمر مجرد خلفية لواقع أكثر قسوة وبطشًا بالمواطن العريشي، في حرب وجد نفسه فيها ما بين قوات الأمن والمتطرفين المسلحين. مع بداية الحملة اﻷمنية الجديدة، فرضت قوات اﻷمن حالة حظر تجوال على مدار اليوم في جنوب المدينة القريب من الطريق الدائري، المار ببعض الأحياء السكنية والقرى المأهولة بالسكان. ولم يكن وسط المدينة أو طرقها الرئيسية أفضل حظًا من أطرافها، وتحديدًا في محيط الارتكازات اﻷمنية في تلك المناطق. تم إغلاق محيط ارتكاز قسم ثالث العريش بالكامل، والذي يربط عدة طرق رئيسية، منها شارع أسيوط وشارع النافورة، وكذلك أغلق ارتكاز كنيسة العريش، على شارع ٢٣ يوليو الرئيسي وسط المدينة، بالحواجز الحديدية ما أسفر عن شلل تام وسط المدينة، والحال نفسه مع ارتكاز مجلس المدينة والسنترال. كان على جميع السيارات سلك طرق أخرى ضيقة ملتوية، ما أصاب الأهالي بالضيق الشديد. فيما كان اﻷكثر إرهاقًا لهم هو إغلاق الطريق المؤدي إلى مستودع اسطوانات البوتاجاز القريب من المنطقة الصناعية، لأنه يدفعهم للسفر إلى مدينة بئر العبد ليتمكنوا من الحصول على الاسطوانات، التي ارتفعت تكلفتها إلى ٦٠ جنيهًا في الوقت نفسه. *** مع ساعات فجر ١٧ يوليو، حلقت المقاتلات الحربية بكثافة لافتة على ارتفاع منخفض في سماء العريش، كان وقتًا عصيبًا على أهالي المدينة، في ليلة سيطر خلالها الذعر على الجميع، وساءت من بعدها اﻷحوال أكثر داخل المدينة. في الخامسة صباحًا، ومع انتهاء ساعات حظر التجوال اليومي داخل المدينة، استقل حاتم محمد سيارته منتويًا السفر إلى الإسماعيلية لقضاء بعض المصالح هناك. بالقرب من منطقة المساعيد جنوبي العريش فوجئ بعدد كبير من الدبابات والمدرعات العسكرية تغلق الطريق وتمنع السير في المنطقة. حاول سلك طرق أخرى، لكن عند وصوله إلى ارتكاز الميدان، الذي يعتبر بوابة الدخول والخروج من مدينة العريش، اكتشف أنه مغلق وأن الخروج من المدينة ممنوع، وكذلك الدخول إليها، فيما تكدست أعداد كبيرة جدًا من السيارات على جانبي الطريق في الاتجاهين. يتذكر حاتم أن عددًا من المواطنين ممن كانوا يريدون الخروج من العريش قرروا البقاء؛ أملًا في السماح لهم بالمرور، في حين بدأت اﻷمور تسوء بحلول الثانية عشرة ظهرًا، علت أصوات الانفجارات ودوي زخات الرصاص، والتي كانت تُسمع بوضوح قادمة من الجهة الجنوبية؛ فقرر الجميع العودة إلى قلب المدينة. لم تنقطع زخات الرصاص الاحترازي ودوي الانفجارات القوي في كل الأرجاء، وخاصة في محيط الارتكازات الأمنية بالمدينة طوال الوقت، ولكن مع الساعة الثالثة والنصف عصرًا كان من الواضح أن هناك تطورًا أسوأ يحدث. في ذلك الوقت، كان عاطف محمد في طريقه إلى منزله القريب من فندق «سويس إن» على الطريق الساحلي. «كنت دائمًا أسمع عن أفراد مسلحين بيقتلوا أفراد الأمن، لكن لأول مرة أشوفهم قدامي وجهًا لوجه»، بهذه الجملة بدأ عاطف حديثه لـ «مدى مصر»، ليسرد بعد ذلك تفاصيل ما رآه «اللي بيستخدموا الطريق الساحلي متعودين إن مدرعة أمنية تابعة للشرطة بتقف عند نهاية سور الفندق في الجهة الغربية. فجأة جاءت سيارة ربع نقل فيها عددًا من الأفراد المسلحين، وبدون مقدمات فتحوا نيران أسلحتهم الآلية على أفراد الأمن، وكانوا بيكبّروا في نفس الوقت». يتابع عاطف «المشهد الأكثر رعبًا، كان صعود أحد المسلحين فوق المدرعة عشان يرفع علم التنظيم الأسود، وكان في مسلح تاني بيصوره. بعدها المسلحين جمعوا جثث أفراد الأمن المقتولين وحطوهم جوّا المدرعة ورموا جواها قنبلة حارقة». حاول اﻷهالي إطفاء النيران المشتعلة في المدرعة لفترة طويلة، قبل أن يتمكنوا من إخراج جثث الجنود منها، والتي كانت محترقة ومشوهة بفعل النيران، فيما أبدى البعض دهشته من عدم حضور نجدة، حسبما يقول عاطف، خاصة أن كمين «النافورة» الموجود في نهاية شارع البحر يعد قريبًا جدًا من مكان الحادث، كما احتاجت سيارات الإسعاف وقتًا طويلًا للحضور. في النهاية أسفر الحادث عن استشهاد ضابط و٤ جنود وإصابة ٥ آخرين. *** في صباح اﻷربعاء ١٩ يوليو، خرج سليمان محمد من منزله في وسط العريش قاصدًا المدرسة التي يعمل بها جنوبي المدينة. والتي يضطر لاجتياز حاجز المحاجر الأمني للوصل إليها، ولكن في ذلك اليوم لم تجر الأمور بطريقة اعتيادية. «كان يوم مشؤوم» يصف سليمان اليوم، ويتذكر «بمجرد وصولي للحاجز الأمني الساعة ٨ الصبح، انفجرت عبوة ناسفة في عدد من مدرعات الشرطة قُرب أحد المساجد، بعدها انطلقت الرصاصات التحذيرية من كل اتجاه، وسيطر الرعب على كل المواطنين المنتظرين». يستكمل «قوات اﻷمن اضطرت تقفل الحاجز أمام الأهالي، وحضرت سيارات الإسعاف لإجلاء المصابين والقتلي من أفراد الأمن، واستنينا ساعات لحد ما سمحوا لنا بالعبور، سيرًا على الأقدام بدون سيارات، في الوقت ده قررت العودة لمنزلي، لكن مكالمة من مديري أجبرتني على اجتياز الحاجز الأمني والوصول للمدرسة». ويتابع «مجرد ما وصلت لبوابة المدرسة حصل انفجار كبير هز أركان المنطقة، كلنا انبطحنا على الأرض والأسوار منعت الرصاص المتطاير من الوصول إلى أجسادنا، وبعد ساعات، عرفنا إن سيارة مفخخة حاولت اقتحام الحاجز». مصدر داخل مستشفى العريش، أكد لـ «مدى مصر» أن ٣٠ شخصًا من المدنيين وصلوا إلى المستشفي في ذلك اليوم، بين قتيل ومصاب، منهم جثث عبارة عن أشلاء وأخرى محروقة، أما الإصابات فكانت جميعها حروق في جميع أنحاء الجسد. بعد خمسة أيام كاملة، وفي ٢٤ يوليو، نشر المتحدث الرسمي للقوات المسلحة بيانًا بخصوص الحادث، تحت عنوان «إحباط محاولة كبرى لاستهداف أحد الارتكازات الأمنية»، وأرفق مع البيان مقطع مصور لدبابة تدهس سيارة، قبل أن تنفجر اﻷخيرة، التي قال إنها كانت تحمل أفرادًا مسلحين، وقال البيان إن الانفجار نتج عنه «إستشهاد عدد (٧) من أهالى سيناء الشرفاء (ثلاث رجال وسيدتان وطفلان) تصادف تواجدهم بالمنطقة أمام الكمين أثناء وقوع الإنفجار». *** خلال الفترة التي استغرقتها الحملة، وتحديدًا من الثامن عشر حتى الثاني والعشرين من يوليو، تحول حي الزهور شرق مدينة العريش، الذي كان قريبًا جدًا من تمركز الحملة، إلى ساحة حرب، واقتحم الرصاص المتطاير والقذائف مباني الحي ومساكن اﻷهالي. يطل الحي من الناحية الجنوبية على الطريق الدائري ومناطق زراعات الزيتون وصحاري العريش وقرية «المسمي»، التي تعتبر أحد مناطق نشاط تنظيم «ولاية سيناء» فى المدينة. «كنا نسمع أصوات ارتطام الرصاص بأسوار منزلنا من الخارج، والجميع في الداخل في حالة رعب»، هكذا وصف وليد محمد، أحد سكان الحي، «أيام الرعب» كما يسميها، وأضاف «معظم العمارات السكنية في المنطقة عليها آثار فجوات ونقرات نتيجة ارتطام الرصاص بها، خصوصًا القريبة من مدرسة الزهور، والقريبة من مدرسة المعمارية الصناعية»، وتابع «أهالي كتير اضطروا يسيبوا منازلهم لحد يوم ٣٠ يوليو، خاصة بعد اختراق قذيفة شقة بإحدى العمارات»، واختتم قائلًا «الحمد لله ربنا سلم والقذيفة ما انفجرتش، لكن الشقة اتضررت جدا». لم تكن حظوظ قاطني حي الزهور واحدة خلال تلك الفترة، ففي مساء يوم الإثنين ١٧ يوليو، احتفل جاسم الطحاوي بزفافه، وسط أقاربه وأصدقائه. وبعد مرور يومين على حفل الزفاف، وأثناء وجوده داخل شقته أصيب جاسم بطلق ناري طائش مجهول المصدر، ولم تفلح جهود أطباء مستشفى العريش التي تم نقله إليها في إسعافه، ليودع الحياة بأكملها. *** مع نهاية شهر يوليو المنقضي، أنهت القوات المسلحة حملتها اﻷمنية اﻷخيرة، التي وصفتها بأنها المرحلة الرابعة من عملية حق الشهيد، وعادت شبكات الاتصال والإنترنت للعمل بشكل جزئي، كما فتحت الارتكازات الأمنية محيطها لمرور السيارات، معلنة انتهاء اﻷيام العاصفة التي عاشها سكان المدينة، وفيما تستمر الهجمات الإرهابية على قوات اﻷمن في المدينة، وإن كانت بوتيرة أقل، تشهد المدينة حاليًا هدوءًا حذرًا، يخشى «العرايشية» أن يكون هدوءًا يسبق عاصفة جديدة، لا يقطع قلقهم من انتظارها، سوى تذكر تفاصيل ساعات الرعب التي عاشوها الشهر الماضي، وما خلفته ورائها من دماء.
«العفو الدولية» تدين إخفاء مدرس قسريًا وقتله «خارج إطار القانون» مدى مصر ٨ أغسطس ٢٠١٧ أدانت منظمة العفو الدولية، اليوم الثلاثاء،ما وصفته بـ«القتل خارج القانون» لواقعة مقتل مدرس على يد قوات الأمن المصرية بعد اختفائه قسريًا لمدة ٢٧ يوماً. وذكرت المنظمة في بيان صدر اليوم، أن المدرس، ويدعى محمد عبدالستار، أُعلن عن مقتله في بيان رسمي لوزارة الداخلية في ٦ مايو الماضي، حيث أكد البيان مقتله خلال تبادل لإطلاق النيران مع قوات الأمن التي شنت حملة لإلقاء القبض عليه مع شخص آخر يدعى عبدالله رجب علي، وأن الاثنين من مسؤولى تصنيع ونقل العبوات الناسفة للحركات المسلحة التابعة لتنظيم الإخوان الإرهابى (حسم، لواء الثورة). إلا أن أدلة أخرى، قالت العفو الدولية إنها عثرت عليها، أثبتت أن عبدالستار قد أُلقي القبض عليه من المدرسة التي يعمل بها في محافظة البحيرة في ٩ أبريل، أي قبل ٢٧ يوماً من إعلان وزارة الداخلية مقتله. وأضافت المنظمة أن هذه الأدلة شملت شهادات زملاء لـ «عبدالستار» داخل المعهد الأزهري الذي يعمل به تفيد بحضور مجموعة من الأشخاص يرتدون الملابس المدنية ويستقلون سيارة حمراء لإلقاء القبض عليه من محل عمله. كما اطلعت «المنظمة» أيضاً على دفتر الحضور والانصراف الخاص بالمدرسة والذي يثبت حضور المدرس لأداء عمله صباحاً، بينما كُتب في خانة الانصراف أنه تم إلقاء القبض عليه. كما اطلعت على دفتر تحضير الدروس الخاص بـ«عبدالستار»، والذي ورد فيه أن يوم ٩ أبريل هو اليوم الأخير الذي حضر فيه عبدالستار إلى عمله. كما شملت المستندات أيضاً خطابًا رسميًا من إدارة «معهد عبدالسميع سلومة الأزهري» تفيد بإلقاء القبض عليه من داخل محل عمله، وهي المستندات التي ضمت للعديد من البلاغات التي تقدمت بها أسرة «عبدالستار» للسلطات المعنية للإبلاغ عن اختفائه قسريًا. وقالت نجية بونعيم، مديرة الحملات لشمال إفريقيا بمكتب تونس الإقليمي لمنظمة العفو الدولية، إن «اختفاء محمد عبدالستار ثم وفاته وهو رهن الاحتجاز، هو أحدث واقعة في سلسلة عمليات الإعدام المروِّعة خارج نطاق القضاء في مصر. وعادةً ما يتم الاحتفاء بأعمال القتل غير القانونية هذه باعتبارها دليلاً على نجاح الشرطة في «تصفية الإرهابيين»، ويظل أفراد الشرطة بمأمن لعلمهم أنه ليس هناك ما يدعوهم للخوف من التحقيق في جرائمهم». وتكررت اتهامات متعددة لأجهزة الأمن بإخفاء مشتبه بهم قسريًا قبل الإعلان عن مقتلهم في مواجهات مع الأمن أو اتهامهم في قضايا متعلقة بالإرهاب. ففي حالة مشابهة، قالت «التنسيقية المصرية للحقوق والحريات» أن قوات الأمن قد ألقت القبض على صبري محمد سعيد، في مدينة ٦ أكتوبر يوم ١٨ مايو الماضي، كما نشرت ابنة القتيل على صفحتها الشخصية بموقع فيسبوك بتاريخ ٧ يونيو ما يفيد استمرار البحث عن والدها المختفي قسريًا، إلا أن وزارة الداخلية أعلنت عن مقتل سعيد في مواجهة مع قوات الأمن في ٢٠ يونيو الماضي. وأثارت ممارسات شبيهة غضب الأهالي بمدينة العريش بشمال سيناء في يناير ٢٠١٧، حينما أعلنت وزارة الداخلية في بيان لها عن مقتل عشرة شباب من المدينة في تبادل لإطلاق النيران مع قوات الأمن، فيما أفاد الأهالي أن ستة أشخاص من هذه القائمة على الأقل قد أُلقي القبض عليهم من قبل قوات الأمن من منازلهم قبل فترة كبيرة سبقت مقتلهم.
«نقطة بيضا» لـ«كايروكي» ألبوم جيد لو طُرح قبل الثورة شريف حسن ٧ أغسطس ٢٠١٧ يضع قالب الأغنية السياسية صانعه في أزمة كبيرة، لأن عمله يُقيّم على أساس سياسي قبل تقييمه على أساس موسيقي. هذا ينطبق بالتحديد على الأغنية السياسية المعارضة، وبالأخص عندما تُمنع أو يمارَس التضييق عليها، فلا يجب الاكتفاء بتضمين الأغنية بآراء سياسية إشكالية، وإنما يجب أيضًا تقديم موسيقى وكلمات جيدة ومختلفة عما سبق تقديمها. بعد أن أكدت الصفحة الرسمية لفريق «كايروكي» أن ألبومهم الجديد مُنع ورُفض من الهيئة العامة للرقابة على المصنفات الفنية، وتأكيدهم على أنهم سينشرونه على الإنترنت، طرح الفريق بالفعل، منذ أسابيع قليلة، ألبومه الجديد «نقطة بيضا» على موقع «يوتيوب». أستمع لكايروكي من قبل الثورة، وكانت أغانيهم، كأغلب تيار «الأندرجراوند» وقتها، تحوي رفضًا للمجتمع بتابوهاته وعاداته وتقاليده، بجانب الشق السياسي بالطبع، مثل الأغاني التي تتناول وضع الوطن حاليًا كأغنية «إخناتون»، أو إعادة تقديم أغنية «على المحطة» للشيخ إمام مثلًا. مع اندلاع الثورة وتغير الشكل العام للدولة وللمعارضة، وانتشار تيارات «الأندرجراوند» خارج حيزها الضيق، اختار «كايروكي» تقديم أغان سياسية واضحة مثل «مطلوب زعيم» و«اثبت مكانك» و«إحنا الشعب» أو «السكة شمال»، وغيرها الكثير مما حقق نجاحًا كبيرًا، مستفيدًا من تأثير الثورة والمشاعر المرتبطة بها. والآن، وبعد الفشل السياسي الثورة، وخروجنا من الحالة العاطفية لها، لا يزال كايروكي يقدم لنا ألبومًا يحمل طابع المعارضة والثورة السياسية، كما يتجلى في كلمات الأغاني والتي كتبها كلها مطرب الفريق أمير عيد، باستثناء أغنيتين، هما «اضحك» وكتبتها دعاء عبد الوهاب، و«عم غريب» لحازم ويفي. *** بجانب الأغاني السياسية، قدم الألبوم أغاني اجتماعية وإنسانية، مثل الأغنية العاطفية «ليلى»، وأغنية «اضحك» التي تحمل بعض التفاؤل، و«كنت فاكر» والتي تتكلم عن الأم. في محاولة لتقديم أغنية عن حال الشعب المصري، بصحبة وائل الفشني، جاءت أغنية «عم غريب»، بكلمات مستهلكة تقدّم تصورًا مثاليًا عن الشعب «عم غريب ده أبويا وجدي، عم غريب تسعين مليون، الصبر معلم في قلوبهم مليون خط بمليون لون، وقت الشدة تشوفهم سد، ولا خافوا أبدًا من حد، وأما الدنيا تقسى عليهم، واقفين دايمًا زي أسد»، مع محاولة إضفاء الطابع الشعبي على اللحن الذي لم يحسن استغلال مساحات صوت الفشني بشكل كاف، مكتفيًا بمجرد حضوره، كنوع من أنواع استغلال نجاحه في شهر رمضان، بعد غنائه لتتر مسلسل «واحة الغروب». لا نزال مع محاولات تقديم الشكل الشعبي، ولكن هنا بصحبة طارق الشيخ وأغنية «الكيف»، وهي أغنية تكتفي بتقديم نصائح عن أضرار المخدرات، واللعب على وجود مطرب شعبي شهير، كما فعلها الفريق سابقًا مع عبد الباسط حمودة في أغنية «غريب في بلاد غريبة»، دون تقديم جديد لما يُسمى بـ«الموسيقى الشعبية»، ودون أدنى محاولة لإخراجها خارج إطارها من حيث اللحن والكلمات. موسيقى الألبوم جميلة، في حال سماعها دون الكلام، لكنها جاءت في أغلب الأوقات كخلفية للغناء، أو بمعنى أدق كخلفية لكلمات أمير عيد، الذي واصل تقديم أدائه الغنائي البعيد عن الشكل التقليدي لـ«التطريب»؛ موسيقى جميلة جرى تركيب الكلمات عليها، كل شيء صُنع بمعزل عن الآخر، أو هكذا بدت النتيجة النهائية. *** أغنية «نقطة بيضا»، التي حصدت نسبة مشاهدة تجاوزت المليون ونصف مشاهدة، وجاءت بمشاركة من المطرب عبد الرحمن رشدي، تتحدث عن التخبط الداخلي للإنسان، وعن وجود صوتين متناقضين داخله، فيما يذكّرك بأغنية بلاك تيما «أنا مش فارس ولا فتى أحلام»، ولكن بكلمات طغى فيها الوزن والقافية على معنى الكلام، ومع موسيقى طغت على صوت المغني، فلم أميّز أيًا من كلمات الأغنية إلا بعد قراءتها «فيه صوت جوايا بيناديني من بعيد، سامعه وعارفه كويس بس أنا عامل عبيط، نقطة بيضا ف وسط سواد، إنسان بينادي جماد». وفي نهاية الأغنية يأتينا صوت عبد الرحمن بمقطع لا علاقة له بباقي الأغنية، يخاطب فيه الزمن بعد أن كان يتحدث بضمير «الأنا» عن نفسه في البداية «عجبي عليك يا زمن، فينا مش سائل، وانا اللي أستاهل صدقتك، ومشيت وراك لحد ما سبقتك، بصيت ورايا لقيتني وحيد في وش المدفع مش عارف أرجع». وعلى غرار «نقطة بيضا»، أتت أغنية «هدنة»، ولكن بنطاق أوسع؛ نطاق المجتمع وعاداته وتقاليده. واستكمالًا لأغنية «السكة شمال» التي قدمها الفريق في ٢٠١٤، نجد أغنية «السكة شمال في شمال»، وتتحدث عن الوضع السياسي والمشي «جنب الحيط» والخوف من إبداء الرأي، ولكن على خلاف سابقتها، فقد حاولت ملائمة تصورات ما عن «المزاج الشعبي». يختم كايروكي الألبوم بأغنية «آخر أغنية»، وهي أغنية خطابية وهتافية، تنادي بالحرية بالطبع، وتبدو كما لو كانت كُتبت وقت الثورة، رغم أنها قُدمت للمرة الأولى في ٢٠١٦. بشكل عام، كانت الأغاني السياسية والمعارضة والثورية في الألبوم، أقرب إلى حالة «ما قبل الثورة»؛ رفض عام، خطاب شامل ومطالب واسعة التأويل، وحتى تابوهات المجتمع التي حاول الفريق كسرها، ينتمي أغلبها لتابوهات ما قبل الثورة. فيما كان من المنتظر، بعد مرور كل هذه المدة، أغان أكثر تحديدًا، وأكثر اشتباكًا مع المشاكل والأسئلة السياسية الشائكة التي صادفتنا في الفترة الأخيرة، بداية من الوضع الاقتصادي وحتى مسألة السيادة، كما تبدت مثلًا في قضية الجزيرتين. ورغم منع الألبوم من الطرح في الأسواق، ما أرجعه البعض لأسباب سياسية، إلا أننا لم نجد فيه أغاني عن مواقف سياسية بعينها، وإنما كان الاشتباك السياسي ناعمًا وظاهريًا فقط، حتى النداءات التوعوية، لم تطرح قضايا هامة. اكتفى الألبوم مثلًا بترديد كلمة «الحرية»، مفضلًا البقاء في المنطقة الآمنة، باستخدام الشعار دون مناقشة لتطبيقاته على كافة مستويات الحياة اليومية، مثل الحرية الجنسية والدينية، وغيرها، وكلها مشاكل شائكة وهادمة بحق لتابهوات المجتمع. كل هذا مع استثناء أغنية «ديناصور»، والمذاعة بعد أسبوعين من نزول الألبوم، ويستدعي فيها الفريق «أبو الهول»، ليشهد على ما وصل بنا إليه الحال. وفي الأغنية يجري التشويش على أهم ثلاث كلمات؛ «أراضينا» و«كفتة» و«تحيا مصر»، ربما لسبب أمني، أو في محاولة من «كايروكي» للسخرية من منع المصنفات لبعض أغاني الألبوم، خاصة أن الألبوم موجود على قناتهم الخاصة على يوتيوب. في كل الأحوال يبقى هذا المقطع هو الاشتباك الحقيقي الوحيد مع مشاكل سياسية واضحة، حتى لو كان مجرد اشتباك سريع «بيجيبوا اللي فيهم فينا، بعد ما باعوا أراضينا، قال إيه بيقولوا علينا، شباب ما عندوش انتماء، والمذيع بيقول ماء، ونفس الاسكتش بيتعاد، والكفتة يا ناس بقت علاج، وتحيا مصر تلات مرات.» *** في آخر اتصال لي بديلر للحشيش، وجدت أنه يضع أغنية «الكيف» كرنّة لتليفونه. يدلنا هذا على مدى انتشار الأغنية أولًا، ولكن أيضًا على كون الأغاني التوعوية من هذا النوع لا تغير شيئًا لدى مستمعيها، فأغنية «الكيف» يُغنّى مثلها الكثير في التراث الشعبي، ولم يتغير شيء، تبقى الأغنية في حيز الأغاني الساذجة، مثلها مثل أغاني التوعية على القناة الثالثة في التلفزيون المصري. أعتقد أنه الآن، وبعد أكثر من ست سنوات من الفشل في إيجاد أي بريق أمل، وبعد كل هذه الدماء، وبعد برود الأذهان من الحماس الثوري، فعليك إذا كنت تريد إقناعي بأنك لا تزال واقفًا في أرض المعركة، أن تقدّم لي قضايا حقيقية، وألا تكتفي بالشعارات والجمل العامة واسعة التأويل، فكل ذلك لم يعد مناسبًا الآن. كما أن هناك خلطًا في المفاهيم لدى الفريق، فمن غير المفهوم أن تنادي بالمساواة بين الرجل والأنثى، منتقدًا قبول خطأ الرجل وعدم قبوله من المرأة، كما ورد في أغنية «هدنة» «هي تغلط يدبحوها وتتّاوى، وهو يغلط يقولوا معلش دي شقاوة» بينما تتبنى، في «آخر أغنية»، مجازات ذكورية من عينة «قال ايه بيقولوا عليا خايف! اركن ياض على جنب، وحط أحمر شفايف». الانتشار لا يعني أن المنتج جيد بالشكل الكافي، أو أنه يقدم جديدا في شكل أغنية «الأندرجراوند» والأغنية السياسية والشبابية. كان «نقطة بيضا» ليصبح ألبومًا جميلًا ومهًما، لو كان قد طرح قبل الثورة، أو في بداياتها، لكن ليس الآن، وبعد كل ما حدث.
«جراف» إيرادات قناة السويس تنخفض في السنتين التاليتين لافتتاح تفريعتها الجديدة عثمان الشرنوبي ٧ أغسطس ٢٠١٧ مر عامان على افتتاح تفريعة قناة السويس الجديدة، التي روجت لها الدولة باعتبارها أكبر مشروع تنفذه إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد عام واحد من توليه منصبه، بتكلفة إجمالية وصلت إلى ثمانية مليارات دولار، تم جمعها بالعملة المحلية من المصريين من خلال طرح شهادات استثمار بفائدة ١٢% لمدة خمس سنوات، وفقا لما قاله مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس. وبينما أكّد السيسي العام الماضي أن التفريعة قد أتت ثمارها، وأن عدد السفن المارة بالقناة قد زاد، إلا أن إحصائيات هيئة قناة السويس تُبين أن عدد السفن التي مرت بالقناة العام الماضي انخفض مقارنة بالعام السابق، من ١٧ ألف و٤٨٣ سفينة في ٢٠١٥ إلى ١٦ ألف و٩٣٣ في ٢٠١٦. أما من حيث إيرادات القناة، فبالرغم من الآمال التي عقدتها الحكومة على المشروع، فقد انخفضت منذ افتتاح التفريعة الجديدة، وفقا لبيانات بوابة معلومات مصر التابعة لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، كما هو موضّح في الرسم البياني. وقد صرح مسؤولون وقت الافتتاح أن القناة ستسهم في مُضاعفة عائدات قناة السويس لتصل إلى ١٣.٥ مليار دولار أمريك بحلول عام ٢٠٢٣، مقارنة بمتوسط يزيد قليلًا على خمسة مليارات دولار سنويًا خلال اﻷعوام الماضية. وأعدت مصر حفلًا كبيرًا في أغسطس ٢٠١٥ بمناسبة افتتاح مشروع شق تفريعة جديدة من قناة السويس، والمعروف إعلاميًا بـ«قناة السويس الجديدة»، وسط تغطية إعلامية صاخبة من ناحية، وجدل حول مدى جدواها من ناحية أخرى. تضمن المشروع حفر مجرى ملاحي (تفريعة) موازٍ لقناة السويس بطول ٣٥ كيلومترًا وبعرض ٣١٧ مترًا وبعمق ٢٤ مترًا ليسمح بعبور سفن بغاطس يصل إلى ٦٦ قدمًا، كما يقع المجرى الملاحي الجديد من الكيلو ٦٠ إلى الكيلو ٩٥ من القناة القديمة. كما تضمن المشروع توسيع وتعميق تفريعة البحيرات الكبرى بطول حوالي ٢٧ كيلومترًا وتفريعة البلاح بطول نحو عشرة كيلومترات ليصل إجمالي طول مشروع القناة الجديدة إلى ٧٢ كيلومترًا. وتعد قناة السويس أكبر مصدر لدخل مصر بالعملة الصعبة إلى جانب السياحة وصادرات النفط والغاز وتحويلات العاملين في الخارج. وكانت القناة الأم قد افتتحت عام ١٨٦٩. ويبلغ طولها نحو ١٦٠ كيلومترًا، وهي أقصر طريق بحري بين آسيا وأوروبا، إذ تختصر ١٥ يومًا من زمن الرحلة في المتوسط. ويتأثّر حجم الملاحة في القناة بعدة عوامل، منها حجم التجارة العالمية ومعدل نموها، ومعدلات أسعار الشحن البحري وأسعار الوقود. تقول ريهام الدسوقي، كبيرة محللي الاقتصاد ببنك استثمار «أرقام كابيتال» إن انخفاض أسعار الوقود في السنة الماضية أدى إلى لجوء بعض الخطوط الملاحية لسلك طرقًا أطول، تجنبًا للتعريفات المكلفة لعبور قناة السويس، وكذلك قناة بنما، وهو اﻷمر الذي قد يتغير مع ارتفاع أسعار الوقود مجددًا. بالإضافة إلى ذلك، تقول الدسوقي إن انخفاض معدلات التجارة والنمو العالميين ألقيا بظلالهما على حركة الشحن والتبادل التجاري بين الشرق والدول الغربية. وكانت معدلات نمو التجارة العالمية منخفضة في السنتين الماضيتين. فبحسب منظمة التجارة العالمية، شهد عام ٢٠١٦ تباطؤًا في حجم التجارة السلعية لتنخفض إلى ١.٣% مقارنة بـ٢.٦% في ٢٠١٥. ويقول تقرير المنظمة لعام ٢٠١٦ إن قيمة هذا التبادل التجاري مقارنة بحجمه قد انخفضت فعليًا بمعدّل ٣.٣% جراء انخفاض أسعار الصادرات والواردات العالمية في ذلك العام. وتقول الدسوقي إن الوقت ما زال مبكرًا لتقييم جدوى المشروع لأن إقامته قد تكون وفقًا لرؤية مستقبلية تتعلق بزيادة التجارة العالمية ونمو الاقتصاد العالمي، مضيفة أن الهيئة تتخذ تدابير لجذب السفن إليها في أوقات الركود. كانت هيئة قناة السويس قد أعلنت في الشهور الماضية عن تخفيضات في الرسوم بشروط محددة؛ لتشجيع شركات الحاويات على المرور عبر القناة، تضمنت الإعلان في ديسمبر الماضي عن خفض ٣% أو ٥% من قيمة الاشتراك السنوي للشركات المشتركة مقدمًا لمدد ثلاث أو خمس سنوات. كما أعلنت في أبريل الماضي عن تخفيض آخر لحاويات محددة من وجهات معينة جذبًا للمزيد من السفن إليها. في المقابل، شدّد طارق حسنين، المتحدث الرسمي لهيئة قناة السويس، على أن الإيرادات في السبعة شهور الماضية تعدّت ثلاثة مليارات دولار. وقال حسنين، في حوار مع قناة «دي إم سي»، السبت الماضي، إن تلك الإيرادات «مؤشر جيد جدًا… ومن شهر مارس بدأت تظهر زيادة كبيرة جدًا في حجم البضائع العابرة وفي عدد السفن»، مضيفًا أنه لا يوجد مجالًا للتشكيك في جدوى التفريعة الجديدة.
أهالي منشأة ناصر يطالبون بمساكن بديلة في «الأسمرات» قبل إزالة منازلهم كتب مصطفى محيي ٦ أغسطس ٢٠١٧ تجمع العشرات من أهالي مُنشأة ناصر اليوم، الأحد، أمام مقر الحي طلبًا لخطابات رسمية تُفيد بحقهم في مساكن بديلة بحي الأسمرات في منطقة المقطم عوضًا عن منازلهم التي ستُزيلها محافظة القاهرة. وكان عدد من الأهالي الذين شاركوا في تجمع اليوم قد وقّعَوا، الأربعاء الماضي، على مستندات تُثبت إقامتهم في منازل تريد المحافظة إزالتها، دون أن يحصلوا على خطابات تضمن لهم وجود مساكن بديلة عن منازلهم التي ستُزال. فيما تواجد أمام المقر، اليوم، بعض الأهالي الذين ينتظرون تنفيذ قرارات إزالة جديدة أيضًا، وذلك حسبما أوضح أشرف رمضان، أحد سكان الحي، لـ «مدى مصر». وقال رمضان إن نحو ١٩ أسرة في شارع الأحمدية، المُتفرع من شارع الحرية بمنطقة الدويقة في حي مُنشأة ناصر، كانوا قد وقّعَوا على المستندات التي تُثبت إقامتهم في المنازل المطلوب إزالتها، دون أن يحصلوا على خطابات تُفيد حقهم في وحدات سكنية جديدة في حي الأسمرات. وذلك بخلاف المتبع، منذ العام الماضي مع المتضررين من قرارات الإزالة. وقد أغلق مقر الحي الأبواب في وجوه السكان، اليوم، ولم يخرج أي مسؤول لمقابلتهم. مما دفع الأهالي إلى طرق البوابة الخارجية للمقر، حتى فَتَحَها الموظفون، ثم بدأ الأهالي في الدخول إلى «الحي»، حسبما أوضح رمضان. وتابع موضحًا أنه التقى بمحمد علي عبد الجليل، القائم بأعمال رئيس الحي، وقد أخبره الأخير بأنه ما زال يحتاج إلى مُهلة لدراسة ملفات الأهالي، حسبما أكد رمضان لـ «مدى مصر». ولاحقًا طلب مأمور قسم شرطة مُنشأة ناصر، والذي يقع مكتبه أمام مبنى الحي، من الأهالي الخروج من المقر مؤقتًا، وذلك قبل أن يعودوا مرة أخرى لدراسة ملفاتهم واحدًا بعد الآخر. أُسر تبحث عن حقوقها في السكن كانت محافظة القاهرة قد بدأت حملات الإزالة في منطقة مُنشأة ناصر منذ عام ٢٠٠٩، غير أن وتيرتها تسارعت مؤخرًا، خاصة بعد بناء حي الأسمرات، بمنطقة المقطم، في مايو من العام الماضي، والذي تعتزم الدولة نقل سكان المناطق غير المخططة أو الآمنة إليه. وتدافع محافظة القاهرة عن حملات الإزالة التي تقوم بها في مُنشأة ناصر بأن المناطق المُراد إخلاؤها تُشكل خطورة على حياة ساكنيها، بحسب تصريحات المتحدث باسم المحافظة خالد مصطفى لـ«مدى مصر»، في وقتٍ سابق. وكان رمضان، الذي يعمل ضمن مجموعة روابط العدالة الاجتماعية، قد أوضح أن الإجراءات المتبعة عادة هي قيام لجنة حصر بزيارة المنازل المُراد إخلائها، وتقوم الأسر بتقديم الأوراق التي تُثبت إقامتهم في ذلك المكان. وتدرس لجنة الإسكان بالمحافظة الأوراق المُقدمة، لتقرر إذا كانت الأسر تستحق وحدات سكنية بديلة أو لا تستحق. ويبلغ الحي الأُسر المستحقة لتقوم بالتوقيع على الأوراق المُقدمة منهم تمهيدًا لتسليمهم «خطابات» بحقهم في مساكن بديلة ونقلهم إليها. في حين تشكو ١٩ أسرة من عدم تسلم خطابات تضمن توافر منازل بديلة تسكنها بحسب الخطوات الواجب إجرائها. وتضم روابط العدالة الاجتماعية مجموعة من الأفراد داخل المناطق الفقيرة والمُهمشة، وتعمل على دعم ملفات الحق في السكن والصحة والتعليم في ثلاث مناطق بالعاصمة وهي عزبة خير الله، ومصر القديمة، ومنشأة ناصر. وحدة سكنية وليس عُشّة وقد تجمع الأهالي، اليوم، أمام مقر حي مُنشأة ناصر بسبب وجود العشرات من المنازل التي تمّ هدمها خلال الشهور الماضية دون تعويض ساكنيها بوحدات بديلة. فيما قالت أم هاجر، إحدى سكان شارع أحمد محمد هاشم بالدويقة، لـ «مدى مصر» إن أسرتها تبيت في خيمة بالشارع منذ ٨ أشهر بسبب إزالة منزلها. كانت أم هاجر تسكن في عقار سكني به ٨ أُسر، وتقول إن ٣ منهم فقط تسلموا وحدات بديلة بحي الأسمرات، والباقي يعيشون في خيام مجاورة لأطلال منزلهم المتهدم. وأضافت أم هاجر «زارت لجنة الحصر بيتي، واستلمت صورًا من بطاقتي وبطاقة زوجي وشهادات ميلاد أبنائي الأربعة، وجميعها مسجل بها عنوان مسكننا في الدويقة. ورغم ذلك لم نتسلم جوابًا بشقة بديلة». وتابعت «من ٤ سنوات تعاقد معنا الحي على ترك منزلنا والانتقال إلى مساكن عثمان في ٦ أكتوبر. ودفعنا وقتها نحو ٤٠٠ جنيه. ومعنا صورة التعاقد وقمنا بتسليمها للجنة الحصر، ورغم ذلك لم نتسلم أي وحدات سكنية». وأشارت أم هاجر إلى كونها تقيم في الشارع منذ ثمانية أشهر، وأوضحت «أخدنا الشتا والمطرة وعيّدنا في الخيمة، ولسه عايزين يدرسوا ملفاتنا». وكانت وفاء محمد، التي تسكن شارع الرزاز، قد مَرّت بظروف مشابهة، وقالت إن لجنة الحصر زارتها ثلاثة مرات، وكانت الأخيرة في يونيو الماضي. وقد تسلموا البطاقات الشخصية للأسرة فضلًا عن عقد الإيجار للوحدة السكنية التي يسكنونها، وأوراق مدارس الأبناء في منشأة ناصر، وبطاقة التموين الخاصة بالأسرة، وذلك من أجل أن تثبت سكن الأسرة بمنشأة ناصر. وأوضحت وفاء قائلة إن «الحي هدم بيتي من شهر ونصف تقريبًا. وقالوا لي إعملي عشّة يومين تلاتة وهتستلمي شقة بعدها»، وحتى الآن لم تستلم وحدة سكنية بديلة. من جانبها تطرح عبير جمال مشكلة أخرى، فهي تسكن في شارع عامر المتفرع من شارع الرزاز بمُنشأة ناصر. ومنذ قامت بشراء بيتها، في عام ٢٠١٣، لم تتمكن من تسجيل البيع أو عنوان بيتها في أي أوراق رسمية خاصة بها أو أسرتها مما يجعلها غير قادرة على إثبات سكنها في المنزل. وأضافت عبير أن محاولاتها المستمرة لتسجيل عنوانها الرسمي في أي من الأوراق الخاصة بالأسرة باءت بالفشل، وهو الأمر الذي جعلها غير قادرة على تقديم أي أوراق للجنة الحصر تتيح لها الحصول على وحدة سكنية بديلة. وكانت لجنة فنية قد أوصت بإخلاء عدد من المناطق في المقطم بعد انهيار صخرة الدويقة في عام ٢٠٠٧. وسلمت تقريرها الفني، بعدها بعامين، الذي حدد عدد من المناطق غير الآمنة بالمقطم. إلا أن عددًا من الأهالي نظموا مؤتمرًا صحفيًا في شهر مايو الماضي، وقال فيه ياسر عرفات، أحد سكان المنطقة، إن «حل مشكلة المناطق الخطرة لا يكون فقط بإزالة المنازل، فهناك ٢١ حلًا اقترحتها اللجان الفنّية التي درست المنطقة وقدمت تقريرها للحي في ٢٠٠٩، إلا أن الحكومة تريد فقط هدم المنازل». ورد المتحدث باسم المحافظة خالد مصطفى، وقتها، في تصريحاته لـ«مدى مصر» قائلًا «هذه البيوت مبنيّة على أراضٍ غير مُستقرة بسبب تسرب المياه إليها مما يجعلها قابلة للانهيار، وهذا تقدير اللجنة الفنية». وأضاف «هذه المناطق لن تستخدم للسكن. ستتم صيانتها فقط، وإجراء «تدبيس للجبل» لمنع انهياره، وستُترك أرض فضاء دون مبانٍ لأن صيانتها بغرض البناء عليها مرة أخرى ستكون مُكلفة بشكل أكبر من بناء مساكن جديدة في مناطق أخرى». وأكد مصطفى لـ «مدى مصر» أن هناك مناطق أخرى يتم إخلاؤها من السكان، ثم صيانة تربتها وتثبيتها، قبل أن تُبنى منازل أخرى عليها للسكان الذين تمّ إجلاؤهم. وقد ضرب مصطفى مثالًا بمنطقتَي «الشهبة وفرعون» اللتين أُخليتا، ومن المنتظر معالجة التربة بهما قبل إعادة الأهالي وبناء منازل لهم. وقال مصطفى موضحًا «رحب الأهالي في البداية بالانتقال إلى حي الأسمرات الذي تفصله كيلومترات قليلة عن شارعي الرزاز والنور، إلا أنهم بعد الإعلان عن مشروع تطوير منطقتَي الشهبة وفرعون أرادوا السكن بذلك المشروع حتى لا يغادروا المنطقة». وكان السيسي قد أعلن، خلال افتتاحه مشروع حي الأسمرات، في مايو من العام الماضي، عن عزمه القضاء على العشوائيات والمناطق الخطرة خلال سنتين فقط. وأكد محافظ القاهرة عاطف عبد الحميد، في سبتمبر الماضي، أن مشروع الأسمرات سيستوعب نحو ثُلثي عشوائيات القاهرة. وكان المشروع قد أُسس بتمويل مشترك بين محافظة القاهرة وصندوقي تطوير العشوائيات وتحيا مصر.
تعديلات «الإجراءات الجنائية».. ما بين العدالة الناجزة وتهديد ضمانات العدالة رنا ممدوح ٦ أغسطس ٢٠١٧ منذ اغتيال النائب العام السابق، هشام بركات، في يونيو ٢٠١٥ حتى الآن، وقانون الإجراءات الجنائية هو الملام الأبرز من مسؤولي الدولة على غالبية الحوادث الإرهابية التي وقعت في مصر، فدائمًا ما تُكال له الاتهامات المتعلقة ببطء التقاضي وتأجيل تنفيذ أحكام الإعدام في حق كثير من المتهمين في قضايا الإرهاب. وخلال تلك الفترة ، عبر الرئيس عبد الفتاح السيسي أكثر من مرة عن عدم رضاه عن مسار العدالة الناجزة، معتبرًا أن القضاء لن يستطيع التعامل بالحسم اللازم في ظل القوانين الحالية. كانت المرة الأولى خلال مشاركته في جنازة النائب العام في ٣٠ يونيو عام ٢٠١٥، حين قال «يد العدالة الناجزة مغلولة بالقوانين»، وجدد طلبه بتعديل القانون خلال مشاركته في تشييع جنازة ضحايا تفجير الكنيسة البطرسية في ١٢ ديسمبر الماضي، وشاركه الرأي حينها مجلس النواب، بإمهال الحكومة وقتها شهرًا لإعداد قانون جديد. كان مجلس النواب أسرع استجابةً من الحكومة لطلبات السيسي المتكررة، حين وافق على مقترح النائب صلاح حسب الله عضو ائتلاف «دعم مصر» الموالي للدولة، بتعديل أربع مواد بالقانون في أبريل الماضي، وصدّق عليه الرئيس السيسي في الشهر نفسه، فيما جاءت استجابة الحكومة بعد ذلك بأربعة أشهر، ولكن بأكبر تعديل تشريعي يطول القانون منذ ٤٧ سنة، حيث انتهت لجنة الإصلاح التشريعي برئاسة المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء مؤخرًا من إعداد مسودة جديدة للقانون تتضمن تعديل نحو ٢٧٠ مادة من مواده الـ٥٦٠، وعرضتها الحكومة على مجلس النواب الذي بدأ في ٢ أغسطس الجاري جلسات الحوار المجتمعي حول مواد القانون الجديدة، تمهيدًا لإصدارها في بداية دور الانعقاد الثالث للبرلمان في أكتوبر المقبل. التعديلات التي أقرت واتجاه الحكومة لتعديلات جديدة أوسع تثير التساؤلات عن موقف التعديلات كلها من ضمانات المحاكمات العادلة التي كفلها الدستور ومدى فاعليتها في تسريع وتيرة التقاضي وتحقيق العدالة الناجزة. التعديلات الجديدة تلغي القديمة منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي حكم البلاد في ٨ يونيو عام ٢٠١٤ وحتى الآن، أدخل بمعاونة المحكمة الدستورية العليا والبرلمان أربعة تعديلات على قانون الإجراءات الجنائية رقم ١٥٠ لسنة ١٩٥٠، أولها بتاريخ ١٢ نوفمبر عام ٢٠١٤، حين صدر قرار بقانون باستبدال المواد أرقام ٦٤ و٦٥ و٧٤ من القانون بمواد جديدة تعطي للنيابة العامة ولوزير العدل الحق في طلب ندب قضاة من المحكمة الابتدائية للأولي ومن محكمة الاستئناف للثاني، للتحقيق بالقضايا التي يقدر أن لها ظروفًا خاصة، إلى جانب إضافة مادة برقم ٦٦ للقانون تلزم قاضي التحقيق المنتدب بإنجاز القضية المنتدب لأجلها خلال ستة أشهر. وعقب هذا التعديل، أصدر الرئيس في ١٢ مارس عام ٢٠١٥ تعديلًا ثانيًا للقانون تزامن مع إصدار قانون الاستثمار الأول قبل انعقاد المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ بـ٢٤ ساعة، تضمن استبدال الفقرة الثالثة من المادة ١٥ من القانون بفقرة تحسب مدة إقامة الدعوى الجنائية ضد المسؤول الذي يرتكب جريمة إهدار للمال العام من تاريخ انتهاء خدمته أو تركه لوظيفته وليس من تاريخ ارتكاب الجريمة، وإضافة مادتين برقمي ١٨ مكرر«ب» و٢٠٨ مكرر «هـ» تسمحان بالتصالح في جرائم اختلاس المال العام والاستيلاء عليه بغير حق أو تسهيل ذلك للغير. وفي ٥ مارس من عام ٢٠١٦ قضت المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار عدلي منصور بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (٣٩٨) من القانون، فيما تضمنته من قصر قبول المعارضة فى الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح على تلك المعاقب عليها بعقوبة مقيدة للحرية، دون المعاقب عليها بعقوبة الغرامة. وفي ٢٧ أبريل الماضي صدق الرئيس السيسي على مقترح بقانون مقدم من النائب صلاح حسب الله، تضمن تعديل المواد ١٢ و٢٧٧ و٣٨٤ و٣٩٥ من القانون لتتمكن المحكمة من الاستغناء عن شهادة أحد الشهود الذي يستعين بهم المتهم للتدليل على براءته، إذا لم تر جدوى لشهادته، فضلًا عن تحويل محكمة النقض إلى محكمة موضوع، بحيث إذا عرض عليها طعن في حكم صادر عن محكمة الجنايات، ورأت المحكمة أن الحكم به أخطاء تستوجب الطعن تفصل فيه النقض مباشرة ولا تعيده إلى محكمة الجنايات مرة ثانية وفقًا لقاعدة التقاضي على درجتين المعمول بها في مصر. التعديلات السابقة وصفها النائب عفيفي كامل، عضو اللجنة التشريعية بالبرلمان وأستاذ القانون الدستوري بأكاديمية الشرطة، بـ «المتسرعة التي سيُجبها التعديل الجديد»، مضيفًا لـ «مدى مصر» أن الحكومة والبرلمان أدخلا خلال الفترة الماضية تعديلات متسرعة على قانون الإجراءات الجنائية تحت ضغط الحوادث الإرهابية التي تتعرض لها البلاد، ولكن غالبية تلك التعديلات يتوفر في شأنها شبهات مخالفة الدستور وإخلالها بضمانات المحاكمة العادلة التي حدد الدستور ضوابطها في مواده أرقام ٥٤ و٥٥ و٩٦ و٩٧ و٩٨. وأوضح «كامل» أن مشروع القانون الجديد يتضمن كثير من الإيجابيات، خاصة أنه تضمن تصحيحًا للتعديل الذي أقره البرلمان في شهر أبريل الماضي، المتضمن اختصار درجة من درجات التقاضي أمام محكمة الجنايات وتحويل محكمة النقض إلى محكمة موضوع، لأن مشروع القانون الجديد تضمن بحسب «كامل» اعتماد نظام التقاضي على درجتين في الجنايات، فتشكل في كل دائرة استئناف محكمة أو أكثر لنظر قضايا الجنايات، وتؤلف كل منها من ثلاثة قضاة برئاسة أحد نواب رئيس محكمة الاستئناف على الأقل، وتُستأنف الأحكام الصادرة من دوائر الجنايات أول درجة مع إتاحة الطعن على أحكام محاكم جنايات الدرجة الثانية عن طريق محكمة النقض. المشروع السابق له سلبياته أيضًا حسب «كامل»، الذي قال إن هذا التعديل يتعارض عمليًا مع نقص عدد القضاة، وأنه إذا لم يبحث البرلمان مع مجلس القضاء الأعلى آليات مواجهة هذا النقص سواء بتفعيل مواد القانون الخاصة بالاستعانة بالمحامين أو أساتذة القانون للعمل إلى جانب القضاة فسيساهم النظام الجديد في تكدس القضايا أمام محاكم الجنايات واستمرار الوضع كما هو عليه. مقترحات في الميزان خلال جلسة الاستماع الأولى التي عقدتها اللجنة التشريعية بمجلس النواب، يوم الأربعاء الماضي، قال رئيس اللجنة، المستشار بهاء أبو شقة، إن قانون الإجراءات الجنائية الجديد يتضمن استبدال ١٥٠ مادة متعلقة بمواد التحقيق بمعرفة النيابة وقاضي التحقيق، وإلغاء ٢١ مادة واستحداث ٤٤ مادة جديدة. من جانبه، رأى المستشار أحمد عبد الرحمن، نائب رئيس محكمة النقض الأسبق، أن التعديلات الجديدة «متوازنة»، قائلًا لـ «مدى مصر» إن لجنة الإصلاح التشريعي قدمت حلولًا عملية لكثير من المشاكل المسؤولة عن بطء التقاضي في مشروع القانون الحالي، لافتًا إلى أنه قرأ المشروع بعناية، وعاب على قسم التشريع بمجلس الدولة تعطيله لإصدار القانون، لافتًا إلى أن الحكومة عرضت المسودة على قسم التشريع منذ أكثر من شهرين وحتى الآن لم ينته القسم من مراجعتها وإبداء ملاحظاته عليها، بسبب تعيين المستشار أحمد أبو العزم رئيسًا للمجلس، وعدم تسمية رئيس جديد للقسم. وأضاف عبد الرحمن أن نصوص مواد القانون الجديد كان يجب تفعيلها قبل بداية العام القضائي في أول أكتوبر بوقت كافٍ ليستطيع مجلس القضاء الأعلى الاستعداد للدوائر الاستئنافية الجديدة، التي نص القانون على إنشائها بمحكمة الجنايات. وتوقع أن يُقر البرلمان القانون الجديد للإجراءات الجنائية قبل يناير ٢٠١٨ من جهته، قال المستشار عادل الشوربجي، عضو مجلس القضاء الأعلى، إنه لم يطلع على مشروع القانون المقترح من وزارة العدل، موضحًا لـ «مدى مصر» أن المعروض الآن على اللجنة التشريعية بالبرلمان ليس مشروع قانون، ولكن مجرد مقترحات وأفكار سيتم إعادة بلورتها، مضيفًا أن البرلمان ما زال في مرحلة جلسات الاستماع وتبادل الآراء. وعن موقف مجلس القضاء الأعلى، قال «الشوربجي» إن المجلس لن يقول رأيه إلا بعد وجود مشروع قانون حائز على موافقة مبدئية من البرلمان. فيما قال نبيل الجمل، وكيل اللجنة التشريعية بالبرلمان، إن رئيس البرلمان، علي عبد العال، وافق على قطع اللجنة التشريعية للإجازة البرلمانية، وعقد اجتماعات دورية لتحضير قانون الإجراءات الجنائية قبل بداية دور الانعقاد الثالث، مضيفًا أن اللجنة بدأت عملها يوم الأربعاء الماضي بدعوة ممثلين عن النيابة العامة ومحاكم النقض والاستئناف لعرض التعديلات عليهم، ومطالبتهم بإمداد اللجنة بآرائهم وملاحظاتهم حولها، وستكرر الأمر نفسه يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين، ٧ و٨ أغسطس الجاري، للاستماع إلى آراء أساتذة القانون بالجامعات والمحامين، وبعدها تنعقد اللجنة أسبوعيًا لدراسة المقترحات والملاحظات استعدادًا للوصول إلى مسودة أولية لقانون الإجراءات الجنائية، للعرض على البرلمان في أولى جلساته في شهر أكتوبر المقبل. وفي السياق نفسه، اعتبر المحامي ناصر أمين، رئيس المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، أن التعديلات الحكومية الأخيرة لقانون الإجراءات الجنائية تضم النقيضين؛ إذ تجمع بين تفعيل مواد الدستور والاستجابة لمطالب منظمات المجتمع المدني، وبين مخالفة الدستور والتحايل على مواده من ناحية أخرى، موضحا لـ «مدى مصر» أن مشروع القانون تضمن استحداث نظام التقاضي على درجتين في الجنايات استجابة للمادة ٩٦ من الدستور ولمناشدات منظمات المجتمع المدني خلال السنوات الماضية، وهي أبرز إيجابيات القانون. في المقابل، رأى أمين أن التعديلات الجديدة تضمنت مخالفة صريحة لمواد الدستور الخاصة بحماية الشهود والمبلغين من ناحية، وحق المواطنين في إقامة دعاوى مباشرة ضد الموظفين العموميين، لافتًا إلى أن القانون لم يرع برامج حماية الشهود والمبلغين المعروفة على مستوى العالم من حيث ضمان سلامة الشاهد جنبًا إلى جنب مع إجراءات تحقيق عادلة وشفافة، حيث تتضمن التعديلات إخفاء اسم الشاهد، وهو أمر يتعارض مع أبسط مبادئ المحاكمة العادلة. ويتخوف عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان من أن تستغل التعديلات الخاصة بحماية الشهود في القانون، جنبًا إلى جنب مع التعديلات الأخيرة، التي أعطت للمحكمة سلطة اختيار الشهود كقرينة لعدم استماع المحكمة لشهود الإثبات والنفي بزعم حماية الشهود، وهو ما يضر العدالة، بحسب أمين. وأضاف أنه في الوقت الذي يسمح فيه الدستور للمواطنين بإقامة دعوى مباشرة ضد أي موظف عمومي، صادرت التعديلات هذا الحق، ونصت على عدم جواز رفع الدعوى الجنائية ضد موظف عام أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجنحة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها إلا من رئيس نيابة على الأقل، موضحًا أن هذه المادة تمثل حماية للجناة في القضايا المتعلقة بالتعذيب. واعتبر أمين أن المواد المتعلقة بالحبس الاحتياطي جيدة، لكن فيما يتعلق بإعطاء النيابة العامة سلطة اتخاذ تدابير معينة، منها تحديد إقامة المتهم أو منعه من ارتياد أماكن معينة، تمثل مصادرة على حقوق المتهم وإخلال بقواعد المحاكمة العادلة ومبدأ البراءة، لكون المحكمة هي الوحيدة المختصة بإصدار تلك التدابير لاطلاعها على جميع ملابسات وأوراق ومستندات القضية. وأوضح أن التعديلات المقترحة للقانون الآن لم تأت من أجل عدالة ناجزة، وإنما لإجراء محاكمات سريعة تفتقر إلى ضمانات المحاكمات العادلة، خصوصًا وأن الحكومة تعد تعديلات من أجل الظرف الراهن، رغم أننا في مرحلة انتقالية لا يجب أن تعدل منظومة الإجراءات الجنائية من أجلها، لافتًا إلى أن إدخال هذا التعديل الضخم على قانون الإجراءات الجنائية في الوقت الحالي يشوه منظومة الإجراءات في البلاد ويؤثر على مدى مصداقية محاكم الجنايات واستقلالية القضاء في مصر.
بين «سيد الخواتم» و«أغنية الجليد والنار» كيف رأى چورچ مارتن «العائدين من الموت»؟ هشام فهمي ٨ أغسطس ٢٠١٧ «وكيف أطيلُ التفكير في ما لا أكادُ أذكره؟ أعرفُ أني كنتُ أملكُ قلعة في (التُّخوم) من قبل، وكانت هناك امرأة يفترَض أن أتزوَّجها، لكني لا أستطيعُ أن أجد تلك القلعة اليوم، ولا أن أقول لك لون شعر تلك المرأة. من نصَّبني فارسًا يا صديقي القديم؟ ماذا كان طعامي المفضل؟ ذكرياتي كلها تذوي، لدرجة أني أحسبُ أحيانًا أنني ولدتُ على العشب الدامي في بستان الدردار إياه، في فمي مذاق النار وفي صدري فجوة». اللورد بريك دونداريون، «عاصفة السيوف»، الرواية الثالثة من سلسلة «أغنية الجليد والنار» هكذا تكلم الرجل الذي عاد من الموت ست مرات كاملة. لا يدري القارئ كيف حدث هذا بالضبط، وليس هناك ما يؤكد إن كان من يفعل هذا شيطانًا أم مخلوقًا خارقًا، أم إلهًا حقًّا كما يزعم الراهب الذي يعيده. حتى الآن ترك چورچ ر. ر. مارتن، مؤلف سلسلة روايات «أغنية الجليد والنار»، المأخوذ عنها مسلسل «Game of Thrones.. لعبة العروش»، هذه النقطة محفوفة بالغموض، وربما لا ينوي الإفصاح إلا عن النزر اليسير بصددها، أما الواضح جدًّا فهو التبدل الشديد في شخصية العائد من الموت، وكيف تؤثِّر تجربة كتلك في نفسه، وهو النهج الذي التزم به «مارتن» دائمًا في أعماله، سواء روايات الخيال العلمي والرعب أو عالم الجليد والنار. في حالة بريك دونداريون نلاحظ مع تكرار تجربة الموت والبعث فقده جزءًا كبيرًا من ذاته القديمة، بحيثُ أضحى أغلب ذكرياته ضبابيًّا، ويلازمه دائمًا طابع من الكآبة والحزن، على خلاف الشخصية التي شهدناها في بداية تعرفنا إليها؛ محارب شهير دائم الابتسام، على قدر من الغرور، تقع الفتيات في غرامه. يتجلى صراع بريك النفسي في تساؤلاته المستمرة عن علَّة عودته كلما مات، وعن وجود هدف من كل هذا، وما إن كانت هناك مهمة ما يتوجب عليه تنفيذها قبل أن يموت بلا رجعة. في مسلسل «لعبة العروش» لا تزال الإجابة مجهولة، وإن كان كثيرون قد خمنوها بالفعل، على الأقل بناءً على تطور الأحداث في روايات «أغنية الجليد والنار» المقتبس عنها المسلسل. من يموت ويُبعث، يفقد شيئًا عودة شخصية ما من الموت منطقة شائكة، لا ينبغي أن يخوضها الكاتب إلا إذا كانت لها أهمية درامية لا تقل عن موتها. وفي الأدب عدة أمثلة على شخصيات كتلك، منها ملكياديس في «مئة عام من العزلة»، وهربرت وايت في قصة «مخلب القرد»، وأصلان في «حكايات نارنيا»، ولورا مون في «آلهة أمريكية»، وبالطبع جاندلف في «سيِّد الخواتم». كل هذه الشخصيات عادت من الموت بوسيلةٍ أو بأخرى، ولسببٍ أو غيره، وكل منهم خدمت عودته الحبكة بشكلٍ أو آخر، لكن لـ«مارتن» نظرة مختلفة في هذه الخبرة، إذ يرى أن عودة أحدهم من موته أقوى مما كان، تُشعره بالخديعة كقارئ، فالموت في رأيه يفعل العكس بالمرء، فلن يعود الشخص كما كان بالضبط، خاصةً إذا كانت الميتة عنيفة وصادمة. يقول مارتن في حوار مع مجلة تايم الأمريكية عن تجربته في قراءة ثلاثية «سيِّد الخواتم» للكاتب چ. ر. ر. تولكين «لطالما شعرتُ بالضيق لعودة جاندلف من الموت. بالنسبة لي كانت مناجم موريا هي الزفاف الأحمر لـ’سيِّد الخواتم’، وكانت لحظة رهيبة عندما سقط جاندلف! كنتُ في الثالثة عشرة من العمر وقتها، ولم أتوقع ذلك على الإطلاق، وأخذتني المفاجأة كاملة. لا يمكن أن يموت جاندلف! إنه الرجل الذي يعرف كل شيء عما يحدث! إنه أحد الأبطال الأساسيِّين! رباه، ماذا سيفعلون دونه؟ ليس هناك الآن إلا الهوبيت وبورومير وأراجورن؟ ثم يعود جاندلف في الكتاب التالي. ستة شهور فقط فصلت بين نشر الكتابيْن في أمريكا، ولكنها مرت عليَّ كمليون عام. كنتُ أحسبُ أن جاندلف ميت طيلة هذا الوقت، لكنه عاد، والآن هو جاندلف الأبيض، بلا اختلافٍ كبير عما كان من قبل، باستثناء أنه أقوى». كثيرًا ما أبدى مارتن إعجابه بتولكين، مؤلف «سيِّد الخواتم»، وأعرب عن تأثره الشديد به في كتاباته الفانتازية، بلا شك فهناك ملامح من عالم أرض تولكين الوسطى تتبدَّى في عالم الجليد والنار، كما أن مارتن قال صراحةً إنه استوحى شخصية سام تارلي من شخصية سام جامچي، بل واختار أن يتوسَّط حرف الـ«آر» المكرر اسمه، تيمنًا بتولكين، الذي قال عنه «إنني أعبدُ تولكين! إنه أبو الفانتازيا الحديثة كلها، وما كان عالمي ليوجَد لولا أنه أتى أولًا! ومع ذلك أنا لستُ تولكين، وأفعلُ ما أفعله بطريقةٍ مختلفة عنه، رغم حقيقة أن ‘سيِّد الخواتم’ من أعظم الكُتب في القرن العشرين كله، لكن هناك ذلك الحوار القائم بيني وبين تولكين وبعض من يحذون حذوه، وهو حوار دائم». الفانتازيا الفائقة هذا الحوار مستمر بين أجيال كتّاب الفانتازيا والخيال العلمي، يؤكد مارتن، لأنهم كلهم جزء من هذه الثقافة الفرعية، وعندما يقرأ أعمالًا فانتازية لمؤلفين آخرين، خصوصًا تولكين وبعض من تبعوه، فهناك دائمًا رغبة كامنة في مؤخرة عقله تدفعه لأن يقول «هذا جيِّد، لكني كنتُ لأنفِّذ هذا الجزء بطريقة مختلفة»، أو «لا، أعتقدُ أنك أخطأت في هذا». لا يعدُّ مارتن هذا انتقادًا لتولكين، وإن صرح مرارًا بأنه أخذ عليه تصويره لعوالم الخير المطلق والشر المطلق، مع إغفال المنطقة الرمادية التي يسكنها البشر جميعًا. لكن على الناحية الأخرى، فمحبو كل من العالمين يتفقون على أن هناك طابعًا ونكهة مميزيْن في وصف وتقديم كل منهما، تتجلى بهما عبقرية كاتبيهما، وما دام هناك عشاق لأدب الفانتازيا فلن ينقطع الكلام عنهما، ولا المقارنة بينهما. أما النقد الآخر الذي وجهه مارتن لتولكين بخصوص الشخصيات العائدة، فلا يخصه فقط، وإنما يشمل أيضًا من حذوا حذوه، فصحيح أن تولكين هو أول من قدم الجنس الأدبي المعروف بـ«الفانتازيا الفائقة»، الذي خلق فيه عالمًا كاملًا من خياله بأدق تفاصيله، عالمًا كل شيء فيه جديد على القارئ، بما في ذلك عودة الشخصية من الموت بالطبع، لكن سرعان ما ازدحم هذا الجنس الأدبي الذي لم يتجاوز عمره القرن، بالكليشيهات المحفوظة والمكررة بسبب من حاولوا تقليد تولكين. كان موت جاندلف مهمًّا لأحداث «سيِّد الخواتم»، فهو المعلم العجوز الحكيم الذي يعرف أشياء كثيرة، وغيابه يضع الأبطال في خطر حقيقي، هو على غرار أوبي وان كنوبي في «حروب النجوم»، وأصلان في «نارنيا» ودمبلدور في «هاري پوتر»، وعودته بنفس أهمية عودتهم. في أحد فصول الكتاب الثاني من «سيِّد الخواتم»، والذي أخذ عنوان «البُرجان»، نعرف أنه لولا عودته لاستطاع ساورون تحديد مكان فرودو واستعادة الخاتم قرب نهاية الكتاب الأول، أي أن مهمة حماية العالم من الظلام الأبدي كانت لتنتهي بعد بدايتها بفترةٍ قصيرة للغاية، ناهيك أنه بتدخله في معركة «هلمز ديپ»، تمكن من إنقاذ مملكة كاملة من الهلاك في اللحظة الأخيرة، وغير ذلك من الأحداث المحورية. كاتلين ستارك، قلب الحجر كان تحفُّظ مارتن على عودة جاندلف منصبًا على كونه عاد بمعارف وقوى لم يكن يملكها قبل موته، وعلى غياب أي تغيرات ملحوظة في شخصيته باستثناء أنه صار أقصر فتيلًا نوعًا. لكن من ناحية أخرى، فقد كانت عودته بأمر من إيرو، الإله في عالم الأرض الوسطى، لاستكمال المهمة التي بدأها، بينما في روايات «الجليد والنار» نجهل أسباب ووسائل العودة من الموت، كما نرى تغيرًا جذريًا في شخصية العائد من الموت، ولا يتعلق الأمر بدونداريون فقط، بل أيضًا بكاتلين ستارك التي عادت حاملة لقب «الليدي ستونهارت» أو «قلب الحجر». «أخفت ياقة معطفها الشِّق الذي صنعه نصل أخيه في حلقها، لكن وجهها كان أسوأ مما يذكر، جعله الماء طريًّا كالعجين وصار لونه كالحليب المخثر، واختفى نصف شعرها فيما شاب الباقي وتقصَّف جاعلًا إياها كالعجوز الشمطاء، وأسفل فروة رأسها الخربة كان وجهها جلدًا مهترئًا ودمًا أسود حيث مزقته بأظفارها، أما عيناها فكانتا أسوأ ما في الأمر، عيناها رأتاه وامتلأتا كراهية». الخاتمة، «عاصفة السيوف»، الرواية الثالثة من «أغنية الجليد والنار» قبل موتها، لم يكن يحرك كاتلين ستارك إلا حبها لأطفالها، ارتكبت عدة أخطاء في الطريق، لكنها بذلت دائمًا أقصى جهدها لحمايتهم من الخطر، قبل أن تلقَى نهاية بشعة وترى ابنها البكر يُقتل أمام عينيها ومعه أهم حلفائه في مذبحة الزفاف الأحمر، لتعود بعدها خالية تمامًا من أية مشاعر سوى الرغبة في الانتقام من كل من خانوا عائلتها، بشخصية مختلفة تمامًا عمن عرفناها، وبقلب حجري لا يعرف الحب. يوضح مارتن أن دونداريون وكاتلين ليسا حيين الآن بالمعنى المعروف، فالقلب لا ينبض، والدماء لا تتدفق في العروق، والأحرى أنهما جثتان حيتان، وإن كانت النار تحرِّكهما بدلًا من الجليد. ويضيف أن حذف الخط الخاص بـ«الليدي ستونهارت»، أو «كاتلين» سابقًا، من المسلسل، كان أكبر خلافاته مع مؤلفيْه، دي بي وايس وديڤيد بنيوف، ما يلقي ضوءًا على أهمية الشخصية للأحداث في الروايتين القادمتين، بشكل قد لا يقل عن چون سنو، الشخصية التي يفترض بها العودة للحياة هي الأخرى. أنت لا تعرف شيئًا، چون سنو! «سقط چون على ركبتيه، ومدَّ يده إلى مقبض الخنجر وانتزعه من بطنه ليتصاعد الدخان من الجرح في هواء الليل البارد، وهمسَ باسم جوست والألم يكتسح جسده كله، وعندما انغرسَ الخنجر الثالث بين لوحي كتفه أطلق أنينًا وهوى على وجهه في الثلج، ولم يشعر بالطعنة الرابعة، فقط بالبرد...». جون ١٣، «رقصة مع التنانين»، الرواية الخامسة من «أغنية الجليد والنار» شهور طويلة فصلت بين نهاية الموسم الخامس وبداية السادس، دارت خلالها حوارات عديدة، حاول فيها الجمهور تخمين عودة چون سنو للحياة من عدمها، منذ أن شاهدوه يسقط ودماء الحياة تتسرب منه في اللحظات الأخيرة من الموسم الخامس، بعد أن تلقى عددًا من الطعنات لا يمكن أن يظل حيًّا بعدها من إخوته في «حرس الليل»، لتنطفىء لمعة الحياة في عينيه. نفس التساؤل طرحه قراء سلسلة «أغنية الجليد والنار» في فترة أسبق، فآخر لقاء لهم بچون سنو كان أيضًا في الفصول الأخيرة للرواية الخامسة، والصادرة في ٢٠١١، أي بعد شهر تقريبًا من نهاية عرض موسم المسلسل الأول، وقد تركوه في نفس الموقف باختلافات طفيفة عن المسلسل، كعدد الطعنات، ومحاولته الدفاع عن نفسه، وكلمته الأخيرة، لكن النتيجة تظل واحدة. لم يكن السؤال إن كان «چون سنو» ميتًا، فالكل أكد هذا، من كيت هارينجتون، مُمثِّل الشخصية، لمؤلفي المسلسل لكبار المسؤولين في شبكة HBO، الذين دعموا الإجابة بطرحهم سيناريو المشهد الأخير من الموسم الخامس على الإنترنت، وورد في نهايته أننا «نرى السكين في يد أولي عندما ينغرس في قلب چون مباشرةً»، ثم «ينسحب الإخوة تاركين چون ليموت وحيدًا على الأرض ودماؤه تسيل منه بغزارة. ينطفئ النور في عينيه المفتوحتين بينما نُسدِل الستار على الموسم الخامس». لذا كان السؤال كيف سيعود چون إلى الحياة؟ الإجابة كانت في الحلقة الثانية من الموسم السادس، فيما لم يصدر الكتاب السادس من سلسلة مارتن بعد ليجيب عليه بدوره، وإن كان بإمكاننا تخمين أن عودة چون ستختلف في الكتاب حتى إذا تشابهت الوسيلة. ورغم أن عودة سنو في المسلسل كانت حدثًا سعيدًا لمحبيه، فإن كثيرين أبدوا اعتراضهم على غياب المنطق عنها، بدايةً باختلاف الطقوس التي مارستها الراهبة الحمراء مليساندرا عن «قُبلة الحياة» التي يعيد بها الراهب الأحمر «ثوروس» بريك دونداريون كل مرة، مع أن المفترض أن تكون الطقوس مماثلة لأنهما من ديانة واحدة. لكن الأهم كان عدم وجود تغير ملحوظ في شخصية چون بعد عودته، حيث نراه يتصرف كما كان بالضبط، ويبتسم أكثر ويبدو ألا شيء تبدل في داخله، ويؤكد هذا أنه قال إنه لم ير عالمًا آخر عندما مات، بل لم ير شيئًا على الإطلاق. الأدهى أن موضوع عودته من الموت لم يُطرح بعدها إلا مرة واحدة فقط ثم أصبح كأنه لم يكن، ما جعل عددًا كبيرًا من المشاهدين يعتبر المسألة كلها مجرد حيلة درامية لتخليصه من قسمه لـ«حرس الليل»، الذي يُلزمه بالخدمة «حتى الموت»، تمهيدًا لأن يصبح ملكًا في الشمال، لكن فيما عدا هذا يغيب المنطق عن الأمر كله. يرجع هذا طبعًا لعدم منطقية سبب موته نفسه في المسلسل، فحجة مغتاليه هي أنه سمح للهمج الأعداء بالمرور من الجِدار، ما يجعل المشاهد يتساءل عن سبب انتظارهم له حتى ذهب وأتى بهم بالفعل قبل أن يقتلوه؟ ولماذا لم يفعلوها قبل عودته وقبل أن يحاصرهم بالهمج الذين يؤمنون بأنهم سينقلبون عليهم؟ في الرواية يفعل چون هذا بأمر من الملك ستانيس باراثيون، وبلا حيلة منه، أما ما يجعل إخوته ينقلبون عليه فهو إعلانه أنه سيحنث بقسمه ويذهب جنوبًا لقتال رامزي بولتون، وهو سبب أكثر منطقية. ومن الواضح تمامًا أن مارتن نفسه غير راضٍ عن الوسيلة التي عولجت بها عودة چون في المسلسل، فعندما طُرح عليه الأمر في الحوار مع مجلة تايم، اكتفى بإجابة مقتضبة للغاية ناقلًا الحديث إلى بريك دونداريون وكاتلين ستارك في رواياته، موضحًا أنه لا بد من تبعات نفسية وجسدية للعودة من موت صادم عنيف. ننتظر إذن لنرى كيف سيعود چون سنو من الموت في رواية «رياح الشتاء»، الكتاب السادس المنتظَر من السلسلة، لكننا نتطلع أكثر لأن نرى أثر هذه التجربة في شخصيته، وكيف ستؤثر على الأحداث القادمة.
جنايات القاهرة تؤجل «فض اعتصام رابعة» إلى ١٢ أغسطس لنظر طلب رد المحكمة كتب مدى مصر ٥ أغسطس ٢٠١٧ قررت محكمة جنايات القاهرة في جلستها اليوم، السبت، تأجيل محاكمة ٧٣٩ متهمًا في قضية «فَضّ اعتصام رابعة» إلى جلسة ١٢ أغسطس الجاري، وذلك بعدما طلب أحد المحامين عن إثنين من المتهمين برد المحكمة برئاسة المستشار حسن فريد. وأوضح المحامي كريم عبد الراضي، عضو فريق الدفاع بالقضية عن المصور الصحفي محمود أبو زيد (الشهير بشوكان)، لـ «مدى مصر» أن طلب الرد المُقدم من جانب الدفاع أشار إلى «وجود خصومة مسبقة بين رئيس هيئة المحكمة والمتهمين، ظهرت في كلماته في الجلسات المقبلة». وكانت جلسة اليوم، المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة، مخصصة لاستكمال الاستماع إلى شهود الإثبات في القضية. وكان من المفترض أن تستمع المحكمة إلى شهادة اللواء أسامة الصغير، مدير أمن القاهرة الأسبق، إلا أنه بمجرد طلب الرد توقفت المحكمة عن مباشرة الدعوى لحين نظر الطلب أمام محكمة الاستئناف. ويسمح القانون للمتهمين أو لهيئة الدفاع عنهم بأن يتقدموا بطلب لتغيير هيئة المحكمة إذا ما وجدوا ما يُثبت الخصومة بين القاضي والمتهم. وينظر الطلب دائرة مدنية ضمن محكمة استئناف القاهرة. وفي حالة قبول الطلب، تحدد محكمة الاستئناف دائرة جنايات جديد لنظر الدعوى، التي تُعاد جميع إجراءاتها أمام هيئة المحكمة الجديدة. أما في حالة الرفض، فتستمر الجلسات أمام نفس الدائرة. ولعقود طويلة لم يُقبل أي من طلبات الرد، غير أن العام الماضي كانت محكمة الاستئناف قد قبلت رد المستشار محمد ناجي شحاتة، الشهير بـ «قاضي الإعدامات»، مرتَين في إحدى قضايا لجان العمليات النوعية في الجيزة، وقضية «خلية أوسيم». وقبل تقديم طلب الرد، في جلسة اليوم، كانت النيابة قد سلمت لهيئة المحكمة تقريرًا طبيًا بالحالة الصحية الخاصة بالمتهمين إبراهيم قطب وعمرو عبد الباسط. وأفاد التقرير أن الإثنين مصابان بتليف كبدي، ويعاني عبد الباسط من انزلاق غضروفي. وأمرت المحكمة بإخلاء سبيلهما لأسباب صحية، بحسب صحيفة «الوطن». وتحاكم «جنايات القاهرة» في هذه الدعوى ٧٣٩ متهمًا، بينهم أكثر من ٤٠٠ محبوسين بتهم من بينها التجمهر غير القانوني، ومقاومة الشرطة والقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، والإتلاف العمدي للممتلكات العامة. وانعقدت أول جلساتها في ١٢ ديسمبر ٢٠١٥. وشملت قائمة المتهمين في القضية عددًا من قيادات الإخوان المسلمين، من بينهم المرشد العام محمد بديع، وعصام العريان، وعاصم عبد الماجد، وعبد الرحمن البر، ومحمد البلتاجي، وصفوت حجازي، وأسامة ياسين، وباسم عودة، وطارق الزمر، وعصام سلطان، وأسامة محمد مرسي، ووجدي غنيم. كما أُلحق المصور الصحفي محمود أبو زيد «شوكان» إلى قائمة المتهمين بعد قضائه أكثر من عامين من الحبس الاحتياطي. الصورة من جلسة ٣١ ديسمبر ٢٠١٦ المصور إبراهيم عزت