مدى مصر

إعلانات الدولة التطور الطبيعي لـ«المواطن الصالح» ليلى أرمن ٢٥ يونيو ٢٠١٧ في بداية شهر رمضان، أطلت علينا إسعاد يونس بإعلان مبهم، ترتدي فيه عباءة سوداء مطرزة وتسير في غرفة مرايا، في أجواء تشبه الفيديو كليب، تتفوه بكلام غريب عن علاقتها بنفسها وكونها منقسمة ذاتيًا إلى اثنتين، كل منهما تقول كلامًا يناقض الأخرى، ماجعلها تتوه وتتخبط، ولكن أمرًا ما اكتشفته فأنار طريقها، وساعدها على الخروج من هذا الفخ، وهو «المنتج المصري»، فقررت تعريف الناس به، فهم إذا عرفوا فهموا وقدروا المسؤولية. يتلاشى صوتها ليدخل صوت المعلق بنبرة من يسرد حقيقة وجودية «كل واحد فينا جواه اتنين ماشيين عكس بعض، لإن ماحدش فيهم عارف الحقيقة»، ثم يُذيَّل الإعلان بإمضاء حملة «الحق في المعرفة». هذا الإعلان تبعه إعلان آخر لشخص، للمفارقة، جرى حجب برنامجه التلفزيوني العام الماضي بقرار حكومي، وانشغلت مواقع التواصل الاجتماعي بقضية التضامن معه من عدمه، وهو إبراهيم عيسى، جالسًا على كرسي وثير في نفس الديكور الغرائبي، حيث تتكرر صورته عشرات المرات في المرايا، ويتبع كلماته صدى صوت يضخم من أهميتها. يتحدث عيسى بدوره عن الانقسام ذاتيًا «صوت بيقول لي صدّق، وصوت بيقول ما تصدقش، صوت بيقول لي عدي يا عم إبراهيم ما تبقاش حمَقي قوي كده، وصوت بيقفش ويقول لي اوعى تفوّت حاجة». ولكن لأنه في النهاية صحفي، أخذ قراره بأن «يشتغل للبلد دي»، فهو يطالب بـ«المعلومة » ويناشد المسؤولين، في استجداء آمر «نوّرني، عرّفني، ما تسيبنيش عديم المعلومة»، لماذا؟ لأننا حين نعرف نقدر المسؤولية. ومرة أخرى يدخل المعلق الحكيم ليقرر حقيقة أن كلًا منا منقسم ذاتيًا. حتى هنا، يبدو الموضوع، على غرابته، طبيعيًا، فيونس وعيسى من نجوم التلفزيون الذين يدعون التنوير والثقافة، ومن المتوقع أن يصدر منهم كلام تأملي مثل هذا، ولكن في الإعلان الثالث يطل عصام الحضري، مرتديًا بذلة ويسير بإصرار وسط نفس الديكور، مطرقًا رأسه في خشوع، على خلفية موسيقية توحي بأن أمرًا ما جللًا يحدث، متحدثًا عن أنه، هو أيضًا، بداخله «اتنين حضري»، أحدهما يوسوس له بالاعتزال والآخر يقول «لسا المشوار طويل». ولأنه سمع كلام النصف المتفائل، وقرر أن يفعل شيئًا من أجل «البلد»، فقد أكرمه الله في كأس افريقيا، وأفرح الشباب، الذين توجه إليهم بنصيحته «لازم تعرف انت عايز إيه ورايح فين»، ثم يكرر كلمة «لازم تعرف»، والتي تتضخم بفعل صدى الصوت. بعد مرور بضعة أيام نعرف أن تلك التأملات الفلسفية كانت إعلانًا تشويقيًا لحملة دعائية تهدف لتبييض وجه الدولة، تستخدم الممثل الكوميدي أحمد فهمي، في طريقة أليفة للتذاكي، وهي استعراض الرأي المعارض للدولة، والإقرار أنه ليس خاطئًا تمامًا، ثم الالتفاف والرد عليه ردًا مفحمًا يبين أنه، بالعكس، عارٍمن الصحة. يتطور التذاكي باستخدام مناقشات تبدو «واقعية» جدًا، ومن قلب المجتمع، وتشبه ما يدور على المقاهي والفيس بوك، مطالبة الناس اللي «بتكلم نفسها» بأن تسمع الكلام العاقل الموزون بعيدًا عن مغالاة «المطبلاتية» أو تثبيط «المقللاتية». التكنيك هو أن يظهر المعارض أحمد فهمي ليسب أداء وزارة معينة، متأففًا من الأوضاع السيئة ولاعنًا العيشة، ثم، ومن حيثُ لا نحتسب، يقفز لنا أحمد فهمي الآخر، الدولجي، من مرآة موجودة في الديكور، محاولًا إثناء الأول عن موقفه، باستعراض إنجازات وهمية للحكومة سمع عنها من ابن خالته أو ابن أخته الذي يعمل داخل الوزارة، وذلك بشكل خفيف الدم بالطبع. بعد ذلك يدخل المعلق الحكيم، ليعلمنا –بحياد ظاهري ألا هذا ولا ذاك على حق، ثم يبدأ في سرد إنجازات ضخمة للوزارة بمعلومات لا يمكن التيقن منها. لكن ورغم ادعاء الموضوعية، فالغرض هو محو تعاطف الجمهور مع «المقللاتي»؛ هو المطلوب إثباته. فالسيناريو المكتوب لـ«المطبلاتي» يستخدم لغة شديدة المغالاة تجعل منه شخصية كاريكاتورية لا تهدف إلا لإكمال الإفيه، مما يجعل الجمهور يتعامل معه في إطار النكتة، لا الواقع، أما لغة «المقللاتي» فمعقولة، ومتداولة بالفعل بين الشرائح المعارضة، ما يدفع المشاهد لأخذها على محمل الجد. المواطن الصالح ينقسم ذاتيًا ويقتل نسخته المعارضة بيديه تهدف سلسلة إعلانات « الحق في المعرفة» لعقلنة حالات تأييد الدولة؛ أن تُظهر النظام، والذي استخدم لعبة المشاعر والعواطف والتعبئة والتجييش في طاقتها القصوى، كنظام هادئ ومتزن، يعرف ماذا يفعل، لا وجود للانفعالات من قاموسه، يفكر بأدوات علمية، ولا يتكلم إلا بالورقة والقلم والحسابات، مستخدمًا أداة العقلنة الأولى، وهي المعلومة التي تلعب دور الحَكَم الرشيد المنزه عن المصلحة. تنفرد كل وزارة بإعلان في هذه السلسلة، فهناك إعلان لوزارة الإسكان، وآخر للنقل، بجانب الكهرباء والتعليم، والأخير هو الأكثر طرافة، لأنه يدعي مثلًا في فقرته الختامية، فقرة المعلومة الحقيقة، أنه بصدد «إنشاء بنك المعرفة المصري الذي يشتمل على محتوى علمي يفوق ما في مكتبة الكونجرس». تطالبنا سلسلة «إعلانات الحق في المعرفة»، دومًا بالرجوع لـ«المعلومة» والاحتكام لها. ولسخرية الأقدار، فهي تأتي بالتزامن مع أول حملة حكومية لحجب عدد كبير من المواقع الإخبارية التي تهدف لتقديم «المعلومة». لكن المفارقة غير موجودة بالنسبة لصناع الإعلان، لأن الهدف أصلًا هو أن يكف المواطن عن الشكوى، عن مشاركة همه، عن الكلام مع الآخرين، وبدلًا من ذلك، يأمره الإعلان بالدخول لغرفته بهدوء والنظر في المرآة ليكلّم نفسه. هذا هو ملخص الإعلان كلّم نفسك! ويبدو أن فكرة المرآة والانشطار الذاتي، لاقت استحسانًا كبير من قبل الدولة، فكرّرتها في إعلانات الرقابة الإدارية، والتي خصصت لها أغنيتين، مستخدمة مطربين من طبقتين متفاوتتين يغنيان نفس الكلمات بألحان مختلفة، إمعانًا في الحصار المطبق على المشاهد، فهناك حكيم الشعبي وهناك «شادي حمزة»، ويتحدث كلاهما عن ضرورة أن تكون إيجابيًا وأن تبدأ بنفسك. في الحقيقة يمكن بلع الأغنيتين، كأي إسفاف عابر في التلفزيون، إلا أن كل شيء يتحول لكابوس بمجرد الوصول للفقرة الختامية وسماعنا «شخطة» إسعاد يونس «لو بصينا في المراية تبقى دي البداية». تستعرض الحملة نماذج سيئة للمواطن الفاسد الذي يهمل عمله، مثل المدرس الذي لا يهتم بالشرح لتلاميذ المدرسة ليجبرهم على الدروس الخصوصية، أو الموظف الذي يعطل مصالح المواطنين ولا يعمل إلا بالرشوة، وتطلب الحملة من هذه النماذج السيئة أن تنظر في المرآة وتخجل ممن نفسها، كما تطلب من المواطنين الإبلاغ عنهم، على الخط الساخن لمحاربة الفساد. المواطن الصالح لا يثقل على الدولة البداية وأيام ماسبيرو ورغم أن الحملة هي الأولى من نوعها في استخدام الأسلوب المباشر للدفاع عن الدولة، والأوقح من حيثُ اللعب على المكشوف، إلا أن تكنيك «إشعار المواطن بالذنب» هو صلب الحملات الإعلانية للدولة المصرية منذ قديم الأزل، وإن ظلت النبرة تتصاعد بمرور الوقت، مبلورة في كل فترة تعريفًا ضمنيًا لـ«المواطن الصالح». في البداية كانت النبرة خفيفة وطلبات الدولة بسيطة متواضعة، كأن تطلب من المواطن ألا يثقل عليها، ألا يكون عبئًا، فالمواطن الصالح ضيف خفيف، لا ينجب الكثير من الأولاد تضطر لأن توفر لهم خدمات تعليمية وصحية، ولا يستحم في الترعة فيصاب بالبلهارسيا ويدخل المستشفى. مثلًا، بدأت حملة تنظيم الأسرة في مصر عبر إعلانات رسوم متحركة خفيفة الظل للأخوين حسام وعلي مهيب، تنصح الأزواج باستخدام موانع الحمل، والطريف أنها لم تقتصر في البداية على النساء، وإنما توجهت للرجال أيضًا ناصحة إياهم باستخدام الواقي الذكري. ويمكن اعتبار الحملة الأطول في امتدادها الزمني، حيث تتابعت عليها الكثير من الشعارات والكثير من الوجوه، ربما كان أشهرها سلسلة «الراجل مش بس بكلمته» بمشاركة الفنان أحمد ماهر، وسلسلة «اسأل استشير». الحملة مستمرة حتى الآن، وانطلقت آخر نسخة منها عام ٢٠١٥تحت شعار «من حقك تختار ومسؤوليتك القرار». بجانب هذه الحملة، انتشرت في نفس الفترة حملات التوعية من وزارة الصحة مثل حملة «ادي ضهرك للترعة» بمشاركة الفنانين محمد رضا وعبد السلام محمد لمكافحة البلهارسيا، والحملة القومية للقضاء على الجفاف التي اختارت كريمة مختار لنشر الوعي بين الأمهات. كل هذا كان في فترة السطوة المطلقة للتلفزيون المصري قبل ظهور الفضائيات. كانت الإعلانات وقتها بسيطة؛ تطلب فقط من المواطن ألا يرهق كاهلها، وأن «يتمدن» لأن مشاكله كثرت، كما هدفت لتلميع صورة الدولة كدولة متنورة حضارية، وارتبط توغل سوزان مبارك في الشؤون العامة بهذا الهدف تحديدًا، فبعد أن عمّدت نفسها رائدة للكفاح النسوي وحرية المرأة، انطلقت حملات تنويرية خاصة بوضع المرأة، كحملات مناهضة ختان الإناث الممولة من الأمم المتحدة. المواطن الصالح يدفع للدولة فلوسها بالذوق ما بعد الألفية وقبل الثورة بعد هذا العهد المسالم نسبيًا، دخلت إعلانات الدولة في طور جديد أواخر عهد حسني مبارك، مستخدمة نبرة أكثر حدة، وعازمة على ترويج القوانين الجديدة كقانوني المرور والضرائب. كانت حملة الضرائب من الحملات الكبيرة الممتدة زمنيًا، والتي حملت على عاتقها التحذير من التهرب الضريبي و محاربة جشع التجار الذين لا يفكرون إلا في مصلحتهم، كما جاء مثلاً في إعلان «عبد القوي تاجر فهلوي لا عنده دفتر ولا بيفوتر»، كما استخدمت عددًا من الممثلين كمحمد شومان و«هشام إسماعيل»، في الحملة الشهيرة التي أخذت عنوان«الضرائب .. مصلحتك أولًا». انقطعت هذه الإعلانات لفترة، لتعود في رمضان ٢٠١٧ مع «حمدي الميرغني» للترويج لضريبة القيمة المضافة تحت شعار جديد بنفس المعنى «احسبها براحتك.. تلاقيها في مصلحتك». المواطن الصالح يثق في دولته بعد ٢٠١١ وفترة حكم المجلس العسكري أما سلسلة الإعلانات الأغرب على الإطلاق، فقد خرجت من الدولة المرتبكة بعد تنحي مبارك وتصدع وزارة الداخلية التي نزلت وقتها بأغنية «اطمن»، في محاولة لرد هيبتها وتذكير المشاهدين بأهمية دورها، وفيها تُستعرض «وظيفة الشرطي» كأننا نقرأها في كتاب أطفال؛ يقبض على المجرمين، ينظم لنا المرور، ينقذنا من الحرائق، وهكذا. أما عام ٢٠١٢ فكان موعدنا مع الإعلانات الأكثر طرافة، وهي إعلانات التحذير من الأجانب المندسين بيننا، واشتهرت باسم «ريلي! » في أحد الإعلانات نجد شبابًا يجلسون على المقهي ويشتكون من أحوال البلد ويبدو عليهم الانزعاج، ثم يندس أجنبي وسطهم وينصت باهتمام لما يقولونه، ويمسك هاتفه لينقل لرؤسائه ما سمعه.هنا يدخل المعلق ليحذرنا من العواقب الوخيمة للشكوى من الحكومة «بتشتكي لمين؟! وليه تفتح له قلب البلد؟!» المواطن الصالح يعيش عيشة أهله ولا يصدع رؤوسنا عهد السيسي بعد انفضاض فترة الحراك السياسي، ومآل الحكم للسيسي في انتخابات ٢٠١٤، دخلت إعلانات الدولة في طور التوحش، وبنبرة حادة وحاسمة أخذت، وبشكل مبطن، تحمّل المواطن ذنب الانهيار الاقتصادي. ففي رمضان ٢٠١٤، ومع استمرار أزمة انقطاع التيار الكهربائي، انطلقت حملة «بالمعقول» برعاية «المبادرة المصرية للحفاظ على الطاقة»، وهي كيان مكون من اتحاد عدد من الوزرات الحكومية، كالكهرباء والبترول وشؤون البيئة، مع عدد من الشركات الخاصة مثل شِل، وبي جي إيجيبت، وجي دي إف سويس. حثّت الحملة على ترشيد استهلاك الكهرباء، في استخدام الأجهزة المنزلية كالتلفزيون والغسالة، كما روّجت لاستخدام اللمبات الموفرة، معتبرة أن هذه التوصيات كفيلة بإنهاء الأزمة، واضعة الكرة في ملعب المواطن. في ٢٠١٦ أكملت الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس» المسيرة، بإطلاق حملة «وفّر لنفسك»، وهي سلسلة إعلانية يظهر فيها كل مرة بيومي فؤاد الذي يفاجئه ارتفاع أسعار المنتجات، فيبدأ في إلقاء اللوم على شخص معين بعيد تمامًا عن الموضوع، مثل «أم كوكي» التي استهلكت الكثير من الإضاءة في عيد ميلاد ابنها، ما تسبب في ارتفاع الحاجة لاستيراد الغاز الطبيعي، الذي يدخل في صناعات كثيرة، ما أدى بدوره لارتفاع سعر العملة الصعبة، ومعها أسعار باقي المنتجات، لينتهي الإعلان بصوت طارق نور قائلًا «كلّه له علاقة بتوفير الطاقة.. وفر لنفسك». في نفس العام أيضًا، ومع بداية أزمة ارتفاع سعر الدولار، كنا على موعد مع سلسلة إعلانية أخرى من طارق نور، جاءت هذه المرة برعاية البنك الأهلي المصري، وتسخر من الغضب من ارتفاع أسعار استيراد المنتجات الأجنبية، وترمي لحل الأزمة بتشجيع المنتج المصري، فضيق المواطن ليس نابعًا إلا من «عقدة الخواجة»، التي تجعله يفضل صناعة الأجانب على صناعة أولاد بلده. وتطلب السلسلة من المواطن التخلص من النبرة السلبية ومساعدة الدولة بشراء المنتجات التي تحمل ختم «بكل فخر صنع في مصر»، والذي سيجري صكه على كل المنتجات المصرية عالية الجودة. دخلت إسعاد يونس (الصوت الذي جرى تصديره بكثافة في السنوات الماضية ليصبح أشبه بـ«صوت الدولة») على الخط، لتكرّس حلقات من برنامجها «صاحبة السعادة » للدعاية لـ«المنتج المصري»، وفيها استضافت عددًا من مديري المصانع كاللواء هاني مدحت رئيس مجلس إدارة شركة قها. وتبعها عمرو أديب الذي خصص جزءًا من برنامجه للدعاية لإنتاج المصانع الحربية، بحجة أننا «تربينا علي هذه الأجهزة»، ومن الغريب أن نشكو الآن من ارتفاع الأسعار مع وجود مثل هذه المنتجات عالية الجودة. تواصلت الحملة هذا العام، بإلحاق ختم «بكل فخر صنع في مصر» بعدد من إعلانات المنتجات والتي جاء معظمها، للمفارقة، توكيلات منتجات عالمية مثل كوكاكولا ونيسان ونستله، وليس صناعة مصرية خالصة، وإن لم تنس منح مباركتها لعدد من الشركات المصرية الضخمة مثل حديد عز وأسمنت السويدي. المواطن الصالح هو رجل الأعمال كل العهود بجانب الحملات المباشرة، وعن طريق إعلانات البنوك التابعة لها، كالبنك الأهلي المصري وبنك مصر، شجعت الدولة المواطن على أن يخرجها من رأسه، ويبدأ في فتح «مشروع صغير» خاص به، بدلًا من أن يجلس واضعًا يده على خده. توالت الحملات الإعلانية لكل من البنكين، حاملة نفس الرسالة، بدءًا من الفترة الأخيرة من عهد حسني مبارك. في ٢٠١٠ مثلًا أطلق بنك مصر حملة يعلن فيها استعداده لمساعدة الشباب على تمويل المشروعات الصغيرة، ويظهر في الإعلان شاب مكتئب يعلم بالخبر السعيد، فيذهب للبنك حيثُ يلاقيه الموظفون بالترحاب ويعجبون بفكرته ويمنحونه قرضًا ليبدأ حلمه. أما البنك الأهلي المصري، فقد اعتمد على طارق نور عام ٢٠١٢ لإطلاق حملة تقترح على المواطن ترك وظيفته التي لا يحبها، ليفتح مشروعًا صغيرًا يمارس فيه مهنته المحببة، ثم تواصلت الحملة في ٢٠١٦ بسلسلة إعلانية تشجع على التجارة في «الحاجات الصغيرة» لإن «فلوسها حلوة». أما في العام الحالي، وقبل رمضان، انتشرت في القاهرة لافتات إعلانية مجهولة المصدر، مكتوب عليها «طلعت حرب راجع»، لنعرف فيما بعد أنها الحملة الإعلانية لبنك مصر، وهي كذلك عن تمويل المشروعات الصغيرة، ولكن هذه المرة بأسلوب جاف ومتوعد. فبعد أن كانت النبرة متفائلة ومرحة في السنوات السابقة «افتح مشروع صغير واكسب فلوس كتير»، تحولت إلى ما معناه «أنت الذنب في كونك فقير. لماذا لا تفتح مصنعًا للمكرونة؟!» تقوم فكرة السلسلة على المقارنة بين حالتين، إحداهما إيجابية والأخرى سلبية. الإيجابي لا يضيع وقته على الكنبة ولا يجلس أمام التلفزيون طوال النهار ينتظر الفرج، بل يفتتح مشروعًا. ضربت السلسلة مثلًا بحسنين ومحمدين، وهم أولاد عم، وظروفهم متشابهة، إلا أن حسنين اختار الطريق الخطأ بالهجرة غير الشرعية (ويستخدم الإعلان هنا مشاهد حقيقية من فيديو غرق مركب هجرة)، أما محمدين فقد «عمل الصح» بذهابه إلى بنك مصر المفتوح أمام الجميع، وأخذ قرضًا بكل سهولة وفتح مصنعًا للمكرونة، وأخذ ينجح وينجح في حين انتهى الأمر بحسنين إلى غسل الأطباق في أوروبا. مثال «حسنين ومحمدين» ليس غريبًا على تاريخ إعلانات الدولة المصرية، ومن ثيماتها المفضلة المقارنة بين المواطن ثقيل الهم والمواطن الصالح الذي لا يتعب الدولة. واسم «حسنين ومحمدين» نفسه ورد في أغنية فاطمة عيد لتنظيم النسل، والمنفذّة بطلب من وزارة الصحة والإسكان، وفيها تقارن عيد بين حسنين الذي أنجب الكثير من الأطفال، ما جعل حاله لا يسر عدوًا ولا حبيبًا، وبين محمدين الذي اكتفي باثنين فقط، ما جعله يعيش في هناء وسعادة. بجانب الإعلانات التكتيكية التي تهدف للترويج لخدمات بنكية بعينها، فهناك إعلانات أخرى للبنوك التابعة للدولة، يمكن اعتبارها محض أغاني وطنية، و كلها تدور حول ضرورة أن نكون إيجابيين، مثلما يقول عمرو مصطفى في الأغنية الرئيسية لحملة طلعت حرب راجع «اتحرك اعمل أي خطوة في حياتك، ما تسيبش نفسك للظروف». اتهام الشعب بالكسل والتراخي، ودعوته للعمل والإنتاج، أسلوب قديم ومحبب للدولة، التي تلجأ للدفاع عن نفسها عند أي هجوم، بطريقة «العيب فيكم»، كما جاء ببساطة وبشكل مباشر في حملتها الإعلانية التي نفذها استديو مهيب وغناها محمد منير في الثمانينات، وتُستنكر فيها تصرفات الشعب الخامل الذي يستعذب قول كلمات معطلة لـ«مسيرتنا»، مثل «معلش» و«زي بعضه»، وفيها يغني منير «شعب عايز يتقدم.. لازم يحطم معلش». الاستنهاض لأن نفعل «شيئًا» هو عماد دعاية الدولة المصرية. ما هو هذا الشيء؟ لا أحد يعرف. المهم أنك يجب أن تتصرف في نفسك، لأن الدولة مش ناقصاك.
عن أي ألف ليلة وليلة نحكي؟ أحمد وائل ٢٤ يونيو ٢٠١٧ بالتأكيد لم أقرأ «ألف ليلة وليلة» كاملة، لكن أتخيل أنني فعلت. كل فترة يتأكد لي أنها أهم حكاياتنا، نحن مشاهدي الدراما وقراء الأدب، بلا مبالغة؛ تلخّص، سواء بنسخها المكتوبة أو المصوّرة أو المسموعة، نظرتنا لأنفسنا وعلاقتنا الشائكة بتصوراتنا عن الحياة وممارستها كذلك. يجسد هذا النص هروبنا الدائم من تاريخنا وثِقَله، ويجسّد في الوقت نفسه سبل التحايل على الوصاية والرقابة الأخلاقيتين، وعلى التوجيه السياسي كذلك. كلما دخلتُ في حديث مع صديق عن ألف وليلة غالبًا يتحوّل الكلام إلى حوار متشعب، لا أحد يمكنه الإمساك بتلابيبه. كلما حكيتُ لأحد حكاية، رد عليّ بحكاية أخرى، دون أن تعرف عن أي حكاية يتحدث. ألف ليلة عبارة عن كتاب لحكايات مجمعة، قد تُحكى إحداها دون أن يحتاج مَن يحكي لتوضيح السياق لمُحدثه. قد أتوقف، خلال الحديث، لأسأله عن أي ألف ليلة وليلة تتحدث؟ بدلًا من أن أطرح السؤال الذي يشغلني بالفعل هل قرأت الكتاب بالفعل؟ في حالة النص الأدبي، تختلف النسخ والطبعات وترتيب الحكايات داخلها، كما تختلف مساحة التحرر في الأوصاف. هل كان شهريار تاريخًا أم خيالًا؟ في كتاب «مروج الذهب ومعادن الجوهر» لأبي الحسن علي المسعودي، يجمع المؤلف الأخبار والحكايات عن غزوات الإسكندر المقدوني للشرق، مع ذِكْر لبحار العالم وأعراق البشر. كما يحكي للقارئ عن مخطوط فارسي عنوانه «ألف خرافة». لا يخبرنا المسعودي بطريقة دخول هذه الحكايات الخيالية إلى ثقافتنا عبر الترجمة، ولا يربطها كذلك بمؤلف محدد، رغم أنه يكتب عن أحد ملوك فارس، وهو الملك شهريار الذي حكم البلاد لشهرين، ثم يشكك المسعودي في المدة بقوله إنها لم تزد عن عشرين يومًا، حتى «اغتالته ابنة لكسرى أبرويز يُقال لها أرزمي دخت»، حسب ما جاء بمروج الذهب. ربما يكون هذا الملك هو بطل الحكايات التي يزيد عددها عن أيام حكمه، فالمسعودي لم يقدم إجابة، ويصعب التأكد إذا كان شهريار تاريخًا وليس خيالًا. تظل ألف ليلة وليلة عملًا فنيًا بلا مؤلف. قد يكون أصله منقولًا من الفارسية، لكن أحداثه تجري في بلاد العرب. لا أحد يعرف كاتبًا لها ليقتله الكُتّاب أو يتمرد عليه صنّاع الدراما أو يسير أحدهم في ركبه. كان هذا النص حاضرًا ومكثفًا قبل أن يولد أغلب الكُتّاب، وقبل أن تتسيد الرواية على مشهد الكتابة، مقابل حضور أقل للشعر، وربما كان نص حكايات شهرزاد سببًا في ذلك. لا نعتد بنص ثقافتنا الأبرز، بل ننسبه عادة لغيرنا، في نوع من التطهّر المحافظ بالنسبة للبعض أو التعالي الفني بالنسبة للمختصين بالأدب. وفي بعض الأحيان ننظر إليه بتعالٍ ونقول أنه كُتبَ للمستشرقين، أو للدقة ننسبه لرواة أرادوا إبهار هؤلاء المستشرقين ليكتبوه، ويصير حكي فقرات من نصنا الأشهر مقابلًا لسفر هؤلاء الرواة المجهولين إلى أوروبا أو لكسب بعض الأموال. معالجات ومحاكمات ونسخ مهذبة ترجح أغلب الكتابات أن النص كُتب قبل خمسمائة عامًا. كانت أول ترجمة لحكايات هذا الكتاب إلى الفرنسية، حينما بدأ أنطوان جالان (١٦٤٦ ١٧٠٦) في نقله من العربية. لم يزد ما نقله المترجم الفرنسي عن ٢١٨ حكاية. ورُجّح أنها كانت نقلًا عن رواة شفاهيين، كان أكثرهم إثارة للجدل هو حنّا دياب. بينما لم تصدر كتب لليالي إلا في القرن التاسع عشر، عبر طبعات كلكتا الشهيرة، أو مطبعتي بولاق ومحمد علي صبيح وأولاده. الآن، وبعد كل هذه السنوات، المئات دون مبالغة، لا يزال نشر ألف ليلة عملًا خطرًا، فقد دخلت هذه الحكايات في أزمات قضائية كان آخرها اتهام هيئة قصور الثقافة بخدش الحياء العام بعد نشرها في ٢٠١٠، وهو الاتهام الذي انتهى بحفظ النائب العام للتحقيقات. مع هذا، فالتحفظ ومحاولات الملاحقة القضائية لم تمنع من تداول نسخها. كما أن معالجتها السينمائية والتليفزيونية والإذاعية، رغم تنوعها وتشعبها بين جهات الإنتاج والثقافات، لا تزال خاضعة للتشويه والرقابة؛ وضع بائس وقيود كثيرة. لكن الأسئلة التي تشغلنا هنا كيف يمكننا أن نقرأ ألف ليلة وليلة، بل أي نسخة منها أو أسلوب معالجة لها؟ أي معالجة يمكن أن تكون أقرب لتقديم نسخة معاصرة من ألف ليلة وليلة؟ هل كان سبب كل نوع منها البحث عن طريقة معاصرة للتعامل أم لاعتبارات أخرى؟ أذكر أن جمال الغيطاني كان يفسر نسبة ألف ليلة لبلاد فارس، أو ربط أغلب مواقعها بمدينة بغداد، بأن ذلك يوفر لرواتها السريين حماية من بطش الحكام والولاة العرب لرواة حكاياتها. كان صاحب «الزيني بركات» يبرر ذلك بأن المصريين هم مَن ألفوها، لكنهم لم يعلنوا ذلك. بعيدًا عن النص الأدبي، ونسبته وزمن كتابته، فإذا عُدنا لمعالجات منتجي الدراما العربية سنجدهم قد واظبوا على تقديم نسخ مهذبة من ألف ليلة وليلة في موسم رمضان. كان المخرج محمد محمود شعبان مع المؤلف طاهر أبوفاشا قد قدما ٨٠٠ حلقة إذاعية من ألف ليلة وليلة منذ الخمسينيات. وكانت أوائل المعالجات التليفزيونية في الثمانينيات، بداية من معالجة المخرج عبد العزيز السكري مع الكاتب أحمد بهجت عام ١٩٨٤ ليظهر حسين فهمي مستمعًا لحكايات ترويها نجلاء فتحي، ثم فوزاير شريهان في أول مواسمها «ألف ليلة وليلة» للمؤلف طاهر أبو فاشا والمخرج فهمي عبد الحميد (١٩٨٥)، وتوالت المواسم «فاطيمة وكريمة وحليمة» (١٩٨٧)، وغيرها. تجاهلت هذه المعالجات الأجواء المتحررة في النص الأدبي، بل فرضت الوصاية المحافظة سطوتها لتنتج نسخًا مهذبة من النص كذلك. شخصيات تبحث عن بلاوى الناس وضعت «ألف ليلة» حدودًا للخيال. لا يزال بعض الكُتّاب العرب لا يتجرأون على محاكاته لقيود عدة تبدأ من الوصاية الذاتية قبل وصاية الدولة الأخلاقية أو مؤسسات الثقافة الأبوية أو منظومة المجتمع الرقابية. إذا تأمّلنا كيف تورد شهرزاد الجنس نجدها تقدمه بشكل وصفي في بعض الحكايات، عبر استخدام الألفاظ الصريحة المنطوقة بألسنة الناس دون تحفظ. وبتأمل الفقرات التي تحوي مشاهد جنسية، لا أذكر وجود مشهدية، إذا حللنا ذلك من ناحية الدراما سنجده يقوم على روح الحكي أو للدقة على تدوين لحكاية مخصصة للسماع في الأصل، سيكون لسماعها تأثير أكبر من القراءة. وفي أحيان أخرى نجد مقدمات لجنس لا يحدث أو يستنتج القارئ أنه حدث، لنكون أمام مقدمات شهوانية تخجل من إعلان النتائج. كما أن ألف ليلة وليلة ليس نصًا فحسب وإنما نصوص، تغلغلت داخل نصوص أخرى، وفي ثقافات عدة، رغم كل محاولات نسبه شرقًا ليكون فارسيًا. صارت هذه الحكايات معبرة عن ثقافتنا لأن أغلب الترجمات تخصنا بها، لتكون «الليالي العربية» لا «الإيرانية» مثلًا. في الحكاية الرئيسية يحلُّ الأخ الأصغر للملك شهريار على قصره. كان هذا الضيف قد قتل زوجته ورجلًا آخر كانت تعانقه وتقبله. لم يكن ملك سمرقند شاه زمان، شقيق شهريار، مأزومًا لقتله شخصين وإنما كان غارقًا في أزمة وجودية. تَذَكَر شاه زمان نسيانه لخرزة بقصره، فلما عاد ليحضرها كانت زوجته في أحضان رجل آخر. أطاح بالعنقين، ثم دخل في أزمة وجودية، تتجسد في بحثه عن شخص مرّ بالأزمة نفسها، لا ليتبادل معه خبرته ومشاعره أو لينفث عن غضبه، لكن ليجد شخصًا مصيبته أكبر أو شَهَدَ معاناة أكبر، ليهوّن على نفسه، تجسيدًا للمثَل المصري «اللي يشوف بلاوى الناس تهون عليه بلوته»، دون مراعاة لمشاعره الداخلية، كأن ما يهمه ما ردّده الناس عن علاقة زوجته بآخر، رغم قتله لهما. سيجد هذا الشخص –ببساطة في قصر أخيه الأكبر، الذي خرج في رحلة صيد تاركًا أخاه في همه الذي لم يفصح عنه. لَمَحَ شاه زمان في حديقة القصر زوجة أخيه مع فتيات ورجال. كن وكانوا في عناق وتقبيل حسب وصف الكتاب. حينما لمح شاه زمان هذا المشهد الجماعي من التقبيل والعناق، وكانت زوجة الملك شهريار في أحضان أحد الخدم شَعَرَ الملك بالسعادة، لأن المشهد يدل على كوّن الأخ الأكبر يمر بمصيبة أكبر من مصيبته. وحينما أخبره بهذا، توجه الشقيقان معًا للبحث عن شخص تكون لديه مصيبة أكبر من مصيبتهما، فوجدا جنيًا عملاقًا داكن البشرة يحبس سيدة في قفص. حكت هذه السيدة لهما كيف خطفها العملاق ليلة زفافها، وحبسها داخل القفص، لكنها أعلنت لهما، بعدما نكحتهما، أنها تتسلل من قفصها كلما رأت رجلًا. وعرضت عليهما سلسلة خواتم، وقالت إنها منذ أسرها، وفي غفلة من الجني، ضاجعت رجالًا بعدد هذه الخواتم. شَعَرَ الملكان بالسعادة، لأن خديعة الجني لا تزال تنمو ومصائبه تتوالى مع دخول خواتم جديدة إلى السلسلة. بعد هذه الرحلة قَتَلَ شهريار زوجته وتزوج فتيات على مدار ثلاث سنوات، وقتل كل عروس منهن في ليلة الزفاف، حتى تزوج من شهرزاد. بازوليني أفضل شهرزاد معاصرة قَدَمَ بيير بابلو بازوليني (١٩٢٢ ١٩٧٥) فيلمًا في العام ١٩٧٤، دون أن يقدّم الحكاية الرئيسية التي تخبرنا أن الحكايات الواردة في الفيلم، هي ما تحكيه الملكة شهرزاد لزوجها شهريار. عبّر بازوليني، من خلال فيلمه، عن تصور كان سبق وأن قدمه في أفلام تناولت الحكايات والأساطير القديمة، ولخّصه في محاولات التعبير عن روح السذاجة. يحضر في الفيلم فريق من الممثلين الذين قدموا معًا كافة الحكايات الأسطورية القديمة للمخرج الإيطالي. ربما بدا أبطال ألف ليلة سُذجًا، تحركهم دائمًا روح المغامرة بلا دراما داخلية، ولكن في الحقيقة، فلا تحركهم إلا رغبة شهرزاد في الحكي. تتحدث شهرزاد عن مشاعر هذه الشخصيات ورؤاهم وطموحاتهم وتصرفاتهم دون أن تقدم وصفًا دقيقًا أو فهمًا عميقًا لما كان يعتمل داخلهم؛ شخصيات متحركة بلا أصوات ودون أن يملك أحدهم إرادة حقيقية. لعبة بازوليني كانت مختلفة قليلًا، كانت بلا حكاية رئيسية، المخرج الإيطالي كان هو شهرزاد هذه المعالجة. كان يحرّك الشخصيات الساذجة كما يشاء، لأن كل الحكايات متوالدة لغرض واحد؛ أن يستمر الحكي لليالٍ وراء ليالٍ. تعتمد ألف ليلة على أسلوب توالد لا يتوقف، مع إمكانيات مذهلة ومرنة للغاية في التنقل من حكاية فرعية لأخرى، وفجأة يمكننا العودة للحكاية الرئيسية، كأن القارئ أمام تصميم لموقع إلكتروني يتيح له في أي لحظة العودة إلى الصفحة الرئيسية دون إكمال بقية الحكاية الفرعية، والأخطر أنها لن تؤثر في شيء على مجريات الأحداث. إذا تأمّلنا الطريقة التي قررت بها شهرزاد الزواج من شهريار سنجدها تتحدث بالأسلوب نفسه. تتنقل بسلاسة بين الحكايات دون أن تغير قرارها. تحذيرات الأب جَسَدَها من خلال حكاية. كان وزير الملك، الذي يقتل زوجته بعدما يقضي معها ليلة واحدة، يريد إثناء ابنته الكبرى عن هذا القرار، كي يحميها من قدر لا فكاك منه. يروي لها حكاية عن فلاح يعرف لغة الحيوانات، لكن الحكاية لا ترتبط بشكل مباشر بالموقف الذي تُروى فيه، والدليل أن شهرزاد لا تغير من قرارها في شيء. الحكاية نفسها لا تقدم جديدًا للقارئ، لكنها تلبي لذة الحكي المسيطرة على المؤلف المجهول. عمل ذكوري، لكن الحكي جيد تختلف خبرات التلقي لعمل بعينه عن آخر، وبالتأكيد يمكننا اختصار كلامنا عن «ألف ليلة» في كونها «عملًا ذكوريًا»، وهو أمر لا مجال للشك فيه. تدور الحكايات داخل عالم يحكمه الرجل ويمارس السلطة فيه، وحياة المرأة فيه ليست إلا ترفًا، بينما تحاول شهرزاد التمرد على هذا السياق أو تتحايل عليه، إذا وددنا التأمل والإنصاف. إذا عدنا لواحدة من المعالجات الدرامية لألف ليلة، نجد منى قطان تظهر مع عبد المنعم مدبولي في برنامج «لغز الملكة شهرزاد» من إخراج يحيي العلمي. ظهر صلاح جاهين (مؤلف العمل) في الحلقة القصيرة. في لغز وراء لغز تتحوّل الملكة إلى مُعلمِّة، تُدخل زوجها في اختبارات بينما يكون هو مطاردًا بالسيف. منحت معالجة العلمي شهرزاد مساحة من الحرية، بشكل ساخر، دون الاشتباك مع النص، كما أتاحت إنتاج نسخة معاصرة ومتحررة من ضوابط الرقابة والوصاية الأخلاقية والسياسية، بل متناسبة مع رقابة التليفزيون على عروض رمضان وتقديم محتوى خفيف. لكن المعالجات قد تكون أكثر من القدرة على حصرها هنا، خاصة أن تأثير ألف ليلة قد يمتد في أعمال أخرى. وإن كنتُ أميل لتفسير خورخي لويس بورخس لتعدد ترجمات النص الأدبي، سواء كانت بالفرنسية أو الإنجليزية أو الألمانية أو الإسبانية واختلافاتها الواسعة، بأن ذلك يرجع لتأثر المترجم بروح الحكي. تحوّل المترجم من ناقل للحكايات إلى حكاء، وتفاعل مع أسلوب الملكة في خدمة الحكي المستمر، داخل البناء المعد مسبقًا والمعروف سلفًا لكل من سمع حكايات الليالي، مع الحفاظ على وقفاتها المعهودة، وتقسيمها لكل حكاية على ليالٍ عديدة، وأضاف لها الجديد أو عدّل في أصولها. في ترجمته، تأثر جالان بروح الحكي الخاصة بحنا دياب، لا بشهرزاد. بالعودة إلى يوميات المترجم الفرنسي نجده كَتَبَ «براعات مرجانة أو الأربعون حرامي الذين قُضِيَ عليهم بفضل حذق جارية. في إحدى مدن بلاد فارس على حدود الهند كان ثمة شقيقان…» كانت هذه الأسطر الأولى لحكاية «علي بابا والأربعين حرامي». يكشف محمد مصطفى الجاروش، في كتابه «الليالي العربية المزورة»، عن دور دياب في الإيحاء بحكاية علي بابا، مع دور آخر للكاهن السوري ديوسيوس شاويش، الذي قدم حكاية «علاء الدين»، حينما ساهم في خروج كتاب «تتمة ألف ليلة وليلة» مع جاك كازوت (١٧٨٨). وكانت مذكرات لحنا دياب قد صدرت مؤخرًا وساهمت في زيادة الشكوك إن كان قد لعب دور شهرزاد بشكل أكبر مما يفترض الجاروش.. أي أن إضافته قد تكون أكبر من حكاية واحدة في بستان ألف ليلة. بالمثل فَعَلَ صنّاع الدراما، أنتجوا حكايات لا تتأثر ببعضها البعض أو تتفاعل. حلقات منفصلة متصلة، لغرض واحد؛ ألا يتوقف الحكي.
السيسي يُصَدَّق على اتفاقية «تيران وصنافير» مدى مصر ٢٤ يونيو ٢٠١٧ أعلن مجلس الوزراء اليوم، السبت، عن تصَدَّيق الرئيس عبد الفتاح السيسي على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، وذلك في بيان صحفي صدر منذ قليل. ويُنهي تصَدَّيق الرئيس اﻹجراءات المطلوبة لتصبح الاتفاقية سارية بعدما وافق البرلمان عليها في ١٤ يونيو الجاري، والتي تقضي بتنازل مصر للسعودية عن جزيرتي تيران وصنافير بالبحر الأحمر. جاء إقرار الاتفاقية وسريانها رغم استمرار معركة قضائية، كانت قد بدأت قبل ما يزيد عن العام، بين معارضين لتنازل مصر عن الجزيرتين من جهة وهيئة قضايا الدولة (محامي الحكومة). وقد أصدرت كلٍ من محكمتَي الإدارية العليا والأمور المستعجلة أحكامًا نهائية بشأن هذه الاتفاقية. وكانت المحكمة الدستورية قد علّقت، الأربعاء الماضي، تنفيذ كافة اﻷحكام القضائية المتعلقة بالاتفاقية، دون أن تحدد موعدًا للفصل في النزاع بين الحكمين النهائيين المتناقضين. وفي تقرير سابق نشره «مدى مصر» أكد مصدر حكومي أن السيسي سيُقر الاتفاقية خلال أيام. وقال إن «الدورة الورقية، التي تتداول فيها الاتفاقية من البرلمان وحتى الرئيس سارية الآن، وجاري إنهاء كل الإجراءات المتعلقة بعملية التصديق». وأثارت موافقة البرلمان على الاتفاقية حالة من المعارضة الشديدة، إذ أصدر مئات الأعضاء في نقابات الصحفيين والمهندسين والسينمائيين بيانات احتجاجية عبروا فيها عن تمسكهم بحكم المحكمة الإدارية العليا، الصادر في ٢١ يونيو من العام الماضي، ببطلان توقيع رئيس الحكومة على هذه الاتفاقية، وعدم دستورية عرضها على مجلس النواب. فيما شَنّت قوات الأمن، في الفترة الأخيرة، حملة أمنية استهدفت القبض على المعارضين للاتفاقية في القاهرة وعدد من المحافظات؛ منها الإسكندرية والإسماعيلية والمنوفية وكفر الشيخ والأقصر وبني سويف والبحيرة والسويس وبورسعيد والقليوبية والشرقية ودمياط والغربية والفيوم وأسوان. وكانت الاتفاقية قد وقعت في أبريل، من العام الماضي، وأثارت اعتراضات سياسية وشعبية كبيرة، وتسببت في أكبر حراك سياسي تشهده البلاد منذ انتخاب السيسي رئيسًا للجمهورية.
إدانة أممية لحكم إعدام ستة متهمين في المنصورة مدى مصر ٢٣ يونيو ٢٠١٧ أصدرت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أمس، الخميس، بيانًا طالبت فيه الحكومة المصرية بعدم تنفيذ حكم إعدام ستة متهمين، قالت إنهم حوكموا محاكمة غير عادلة، وأن اعترافاتهم تمّ انتزاعها تحت التعذيب. ونقلت المفوضية عن خبرائها قولهم إنه «من المثير جدًا للقلق أنه في حين تبرَّأ جميع الرجال الستة من الاعترافات القسرية في المحكمة وأشاروا إلى أنه تمَّ انتزاعها منهم تحت وطأة التعذيب، فإنه تمَّ الاستمرار في استخدام هذه الاعترافات كأساس للأحكام الصادرة بحقهم (..) إنه لانتهاك واضح للمادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب التي تشكل مصر طرفًا فيها». وأيدت محكمة النقض المصرية أول الشهر الحالي حكم الإعدام في حق كل من خالد رفعت جاد عسكر، وإبراهيم يحيى عبد الفتاح عزب، وأحمد الوليد السيد الشال، وعبد الرحمن محمد عبده عطية، وباسم محسن خريبى، ومحمود ممدوح وهبة، وذلك على خلفية اتهامهم بقتل رقيب شرطة وحيازة متفجرات وأسلحة وتكوين خلية إرهابية، وارتكاب أعمال عنف ضد قوات الجيش والشرطة. وأضاف بيان المفوضية «الشيء الوحيد الذي يميز عقوبة الإعدام – كما هو مسموح به بموجب القانون الدولي – عن الإعدام التعسفي هو الاحترام الكامل لضمانات صارمة بالمحاكمة وفق الأصول القانونية. ويجب على الحكومة وقف هذه العمليات من الإعدام وضمان إعادة المحاكمة بما يتوافق مع القانون والمعايير الدولية، لا سيما ضمان أن ينال المعنيون بها محاكمة عادلة وأن يتم الوفاء بضمانات المحاكمة وفق الأصول القانونية». وفي السياق نفسه، كانت منظمة العفو الدولية أصدرت بيانًا الأسبوع الماضي، نقلت فيه عن مديرة الحملات في شمال أفريقيا قولها «بغض النظر عن الأفعال التي يحتمل أن يكون هؤلاء الأشخاص ضالعين فيها، فإن إخفاء متهمين قسرًا وتعذيبهم لإجبارهم على الاعتراف لا يمت للعدالة بصلة. كما إن عقوبة الإعدام هي أقصى عقوبة قاسية ولا إنسانية ومهينة، ولا يجوز حرمان أي إنسان من حقه في الحياة، مهما كانت فظاعة الجرائم التي اتُهم بارتكابها». وذلك بعد تأكيد عدد من المتهمين تعرضهم للاختفاء القسري والتعذيب لانتزاع اعترافات تدينهم.
في «مقتل شيماء الصباغ».. الصورة تسجن ضابطًا عشر سنوات مي شمس الدين (الصورة سلام يسري) جَسَدَت الصورة وجه شيماء الصباغ وقد غَرَقَ في الدماء في حين ظَهَر رجل يحاول منعها من السقوط، بينما كانت تحتضر. ومنذ التقاطها، في ٢٤ يناير ٢٠١٥، راجت الصورة بين فضاءات الإعلام المختلفة مواقع التواصل الاجتماعي٬ والصحف٬ وعلى بعض حوائط المدينة. وقد وجدت الصورة لنفسها أيضًا مكانًا في أروقة المحاكم. كانت محكمة جنايات القاهرة قد أصدرت حُكمها الإثنين الماضي بمعاقبة ضابط الأمن المركزي ياسين حاتم صلاح بالسجن المُشدد لمدة عشر سنوات في تورطه بقتل عضوة حزب التحالف الشعبي الاشتراكي أثناء فضّ قوات الأمن لمسيرة بالورود كانت تشارك بها متوجهة إلى ميدان التحرير. وجاء الحكم بتخفيض مدة عقوبة الملازم من خمس عشرة سنة قضت بها محكمة سابقة في يونيو ٢٠١٥، وذلك بعدما قضت محكمة النقض، في فبراير ٢٠١٦، بإلغاء العقوبة الأولى، وإعادة محاكمته أمام دائرة جنائية جديدة. تعود حكاية صورة المصور إسلام أسامة لمقتل «شيماء» إلى اليوم السابق على الذكرى الرابعة لثورة يناير، عندما كان عدد من أعضاء حزب التحالف الشعبي الاشتراكي قد نظموا مسيرة بالورود إلى ميدان التحرير من أجل التذكير بمَن سقطوا خلال المظاهرات. وكان «سلامة» يصوّر هذه المسيرة كجزء من عمله اليومي كمصور صحفي بجريدة اليوم السابع. دليل إدانة قوي لم تكن هذه المرة الأولى التي يصوّر فيها أسامة أحداثًا دامية، تحتوي على انتهاكات واشتباكات في الشوارع، لكنه لم يكن يُدرك أن هذه الصورة ستكون علامة فارقة في مسيرته الصحفية، وأنها ستستخدم كدليل مادي من محامي «الصباغ» لإدانة قاتلها. في البداية حققت الصورة انتشارًا واسعًا على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وعلى صفحات الجرائد وعبر وسائل الإعلام المحلية والدولية. كما توَسّع هذا التأثير إلى حملات عالمية للتنديد بمقتل شيماء، وقد وصل بعضها إلى إعادة تمثيل مشهد قتلها في إحدى مظاهرات التضامن في العاصمة الفرنسية باريس. تحوّل هذا التأثير إلى منحى آخر بعد بضعة أيام من انتشار الصورة حينما استُدعي «أسامة» إلى النيابة العامة للإدلاء بشهادته في القضية. وقال «أسامة» لـ«مدى مصر» «بعد مثولي أمام النيابة للإدلاء بشهادتي لمدة ثمان ساعات متصلة، استُدعيت ثلاث مرات للشهادة خلال المحاكمة. كما ذكرتُ في شهادتي أسماء اثنين من الزملاء المصورين للإدلاء بشهاداتهم أيضًا، وهو ما حدث بالفعل». اعتبر المحامي محمد عبدالعزيز، عضو هيئة الإدعاء بالحق المدني عن «الصباغ»، أن المصورين الصحفيين، ومن بينهم «أسامة» كانوا أحد «أبطال» هذه القضية. ولعبت شهاداتهم والأدلة البصرية التي التقطوها دورًا «لا يقل أهمية عن دور تقرير الطب الشرعي في مسار القضية» على حد قوله. وقال «عبدالعزيز» إن كل من النيابة العامة وهيئة المحكمة والطب الشرعي استخدموا شهادات المصورين الصحفيين وصورهم للوقفة في تحديد اتجاهات تصويب الرصاصة، وهو الأمر الذي أدان الضابط «صلاح» في القضية بشكل قاطع، وأضاف «جاءت شهادة رئيس مصلحة الطب الشرعي هشام عبدالحميد في ذِكِر دور الصور الملتقطة لشيماء لتحديد اتجاهات التصويب عليها والذي تطابق مع اتجاه دخول الرصاصات التي أدت إلى مقتلها». وعلى الرغم من الاستخدام المتكرر للأدلة المصورة كأحد القرائن المهمة في قضايا قتل المتظاهرين على مدار الأعوام الماضية، إلا أن «عبدالعزيز» قال إن الصورة لعبت دورًا هامًا وأكثر حيوية في هذه القضية. وأضاف شارحًا «لم تكن الأدلة المصورة المتاحة في قضايا قتل المتظاهرين واضحة مثل صورة استشهاد شيماء. كانت الواقعة محددة بمكان وزمان معروفين، ولها ضحية واحدة معروفة وقاتل يعرفه الجميع، على عكس باقي الصور في الحوادث الأخرى التي اُلتقطت من مسافات بعيدة. كما أن رمزية الصورة وقوة رسالتها كان لها تأثيرها القوي داخل وخارج قاعة المحكمة». وقد وجهت لـ«صلاح» تهمة الضرب المُفضي إلى الموت بأنه «عقد العزم وبَيَّتَ النية علي إيذاء المتظاهرين والتي كانت (شيماء الصباغ) من بينهم ، وأعد لتنفيذ مأربه طلقات خرطوش ذخر بها سلاحه وما أن ظفر بهم حتى أطلق صوبهم عيارًا ناريًا من سلاحه» بحسب ما جاء في محاضر التحقيقات. وقد ثبت مقتل «الصباغ» إثر إصابتها من مسافة قريبة بطلقات في الظهر أدت لحدوث تهتك بالرئتين والقلب ونزيف غزير بالصدر، بحسب تقرير الطب الشرعي. آثار سلبية وعلى الرغم من الصدى القوي لـ«مقتل الصباغ» الذي تُوَّجَ بحصول «أسامة» على جائزة شوكان للتصوير الصحفي في يناير ٢٠١٦، إلا أن الصورة كان لها آثارًا سلبية على مصورها الذي قال لـ«مدى مصر» «لَامَني الكثير من الناس على اكتفائي بتصوير شيماء دون محاولة إنقاذها. لكنهم لا يعرفون أنه لم يكن لديّ القدرة على منع حدوث ذلك. تركي للكاميرا في هذه اللحظة ربما كان قد يتسبب في ضياع دليل هام على قتلها». بعد مرور أكثر من سنتين على هذه الواقعة تَرَكَ أسامة العمل الصحفي مكتفيًا بالتقاط الصور لأغراض تسويقية وترفيهية. وقال لـ«مدى مصر» إنه لن يحتمل أن يواجه مصيرًا يشابه حبس المصور الصحفي محمود أبو زيد «شوكان» منذ أغسطس ٢٠١٣ على ذمة قضية فض اعتصام رابعة العدوية. كما أوضح أسامة «أشاهد يوميًا زملاء من المصورين، منهم من يبلغون من العمر خمسين سنة، وهم يُضربون ويُهانون بشكل يومي أثناء العمل الميداني من المواطنين والشرطة وكل الأطراف. أستطيع تقبل هذا في شبابي، لكن لا أملك أن أتقبل ذلك حينما يتقدم بي العمر. بسبب الضغوط النفسية التي عانيتها نتيجة لطبيعة مهنتنا أصبحت غير قادر على حمل الكاميرا في الشارع.. هذا الوضع لا يسمح بالاستمرار». لم تكن صورة مقتل «الصباغ» الأولى التي تجسد انتهاكًا موجهًا من جانب السلطة إلى المواطنين٬ فقد سبق أن حملت صور اتهامات على انتهاكات السلطة لأجساد المواطنين، ربما كان أشهرها صورة خالد سعيد بعد مقتله في ٢٠١٠. وقد استخدمت صورة للشاب قبل وفاته وأخرى لوجهه وهو يحمل علامات التعذيب. الصورتان معًا دلتا على ما تعرض له على أيدي قوات الأمن حتى قُتل، وكانت محكمة النقض قد أيدت، في مارس ٢٠١٥، حُكمًا بحبس أمين ورقيب شرطة بالسجن المشدد لعشر سنوات لتعذيبهما «سعيد» بلا مبرر، في يونيو ٢٠١٠، وضربه حتى الموت في منطقة كليوباترا بالإسكندرية. وكانت الجنايات قد أصدرت حكمًا سابقًا بحبسهما لمدة ٧ سنوات، قبل أن تقضي محكمة النقض بإعادة محاكمتهما، وتصدر حكمها بالسجن المشدد عشر سنوات. لكن مسار الإدانة لقاتلي «سعيد» كان عبر التشكيك في صحة وحيادية تقارير الطب الشرعي، قبل الثورة وبعدها، وليس من خلال الاستشهاد بالصور. هناك أيضًا صورة فتاة ميدان التحرير، قبل ما يزيد عن خمس سنوات، وقد جُردت من ملابسها أثناء فضّ اعتصام بحوار مجلس الوزراء في ديسمبر ٢٠١١. ولاقت صورة الفتاة ذات العباءة السوداء تعاطفًا وتضامنًا غير مسبوقين إلا أن صاحبتها لم تنل ما تستحقه من عدالة.
قمة أوغندا مصر تقترح ٥ سنوات لملء «سد النهضة».. ومصادر بالخارجية ٧ سنوات الأمل الوحيد في تقليل الضرر أسمهان سليمان ٢٢ يونيو ٢٠١٧ قال مصدر حكومي إن القاهرة اقترحت على الرئاسة اﻷوغندية مسودة بيان عام يصدر عن قمة حوض النيل، المنعقدة حاليًا في أوغندا، يضمن أن تلتزم إثيوبيا بملء خزان سد النهضة خلال خمس سنوات، وهو البيان الذي قال المصدر إنه لا توجد أي تأكيدات على صدوره. واعتبرت مصادر من وزارة الخارجية تحدثت مع «مدى مصر» أن «فترة الملء» هي المعركة الحقيقية التي سيكون على القاهرة التعامل معها بحسم اﻵن، إذ سيكون ضمان التزام إثيوبيا بإطالة فترة الملء لسبع سنوات «على اﻷقل» هو اﻷمل الوحيد لتقليل حدة الضرر المقبل بلا محالة. كانت إثيوبيا قد سعت مطلع العام الجاري لإقناع مصر بالتحرك نحو توقيع اتفاقية ثنائية للملء، كان الأساس فيها أن يتم الملء على مدى خمس سنوات، وهو ما اعتبرته القاهرة في البداية تفاهمًا معقولًا، قبل أن تتوافق آراء العدد الأكبر من المعنيين حول عدم مضي القاهرة في التفاوض حول هذا الاتفاق، كونه ينزع عن مصر مرة واحدة وللأبد أي حق قانوني باقي لها في التنازع الدولي حول السد، بموجب عدم التزام إثيوبيا بالتعاون المتفق عليه في إطار الإجراءات الفنية لبناء السد والملء التجريبي. ونقلت جريدة الشروق عن مصادر إثيوبية مطلعة أن أديس أبابا تستعد لتخزين المياه في بحيرة سد النهضة خلال شهر يوليو المقبل، وأن عملية التخزين ستستمر على مدى ٥ سنوات، دون انتظار الانتهاء من الدراسات الفنية التى تجريها الشركات الاستشارية الفرنسية لاختبار تأثيرات السد على معدلات تدفق المياه من النيل الأزرق إلى بحيرة السد العالى. وكشف مصدر بوزارة الخارجية لـ «مدى مصر» أن نائب الوزير، السفير حمدي لوزة، استدعى سفير إثيوبيا في القاهرة، تاييه إكسلاس، قبل أسبوعين، وأبلغه برسالة «حادة وواضحة» إزاء الغضب المصري من تراجع أديس أبابا عن التزاماتها بعدم البدء في الملء التجريبي لخزان سد النهضة قبل التوصل لتفاهمات مع القاهرة حول عدد من المسائل الفنية المتعلقة ببناء السد نفسه، وقدرته الاستيعابية، وتفاصيل آلية التخزين وهي الأمور التي لا تزال معلقة. وبحسب المصدر، فقد كان هناك هدفان لهذا الاستدعاء؛ اﻷول هو إيصال رسالة واضحة بانزعاج القاهرة لبدء إثيوبيا تجارب الملء المبكر، والثاني ألا يتغير موقف القاهرة من الاحتواء إلى التصعيد الكامل، وهو السبب الذي حال دون التعامل مع اﻷمر إعلاميًا من قبل مكتب المتحدث الإعلامي للخارجية. ووفقًا لأحد أعضاء الفريق المتابع لملف سد النهضة في وزارة الخارجية، والذي تحدث مشترطًا عدم ذكر اسمه، فإن وزير الخارجية، سامح شكري، يأمل في أن يستطيع إحداث تغيير في مواقف عدد كافٍ من الدول اﻷعضاء في مبادرة حوض النيل، لإعادة إطلاق المبادرة على أساس أن يتوافق اﻷعضاء على أمرين؛ اﻷول هو عدم قيام أيٍ من الدول الأعضاء بأي تحركات نحو أي مشروعات على مسار أو شواطئ النهر دون «التوافق» بين الدول اﻷعضاء، والثاني تعليق أي مشروعات أقامتها أي من الدول الأعضاء دون إنذار مسبق. وبحسب المصدر في وزارة الخارجية، المطلع على ملف «سد النهضة» ونتائج اتصالات أجراها سامح شكري مع دول حوض النيل في محاولة للحصول على دعم عدد كافٍ من هذه الدول للمقترح المصري، فإن هذا المقترح «صادف دعمًا كبيرًا» من الرئيس اﻷوغندي يوري موسيفيني، الذي تحدث مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي قبل أيام، واعدًا باستمرار الدعم للوصول لاتفاق يضمن ألا تتعرض مصر ﻷزمة مائية كبرى مع بدء إثيوبيا المتوقع لعمليات الملء الاعتيادي لخزان السد، في صيف العام المقبل، بعد بدء عمليات الملء التجريبي هذا الصيف. فيما تبقى النقاط التي تعتقد القاهرة أنها ستحصل على دعم بشأنها هي نقاط عمومية، تشمل السعي لتعظيم الفائدة من موارد النيل من خلال مشروعات مشتركة، والحديث عن «حق كل الشعوب المتشاطئة على ضفاف النهر في الحياة والتنمية والفائدة المشتركة». غير أن المصدر رأى أن جهود موسيفيني الداعمة للمقترح المصري لم يصادفها الكثير من التوفيق، لأن أغلبية دول حوض النيل تقف إلى جانب إثيوبيا لأسباب تتراوح بين الاستفادة المحتملة من السد الجديد، من خلال تصدير الكهرباء بأسعار تفضيلية، أو الاستفادة من إقرار سابقة يمكن لدول أخرى اتباعها إذا أرادت بدورها إقامة مشروعات مائية دون إخطار مصر؛ دولة المصب الأكثر تعرضًا للأذى في ضوء عدم كفاية حصتها التاريخية لتغطية احتياجاتها المائية حيث تقع مصر فعليًا في حزام الشح المائي. تشير الأرقام الرسمية إلى انخفاض نصيب الفرد سنويًا من المياه في مصر من ٢٥٢٦ متر مكعب في عام ١٩٤٧ إلى ٦٦٣ متر مكعب في عام ٢٠١٣، ما يضعها تحت خط الفقر المائي بحسب الأمم المتحدة. التي تتوقع أنه بحلول عام ٢٠٢٥ سوف تصل مصر إلى مرحلة من الندرة المطلقة للمياه، ينخفض فيها متوسط استهلاك الفرد إلى ٥٠٠ مترًا مكعبًا. كانت مصر قد أعلنت تجميد عضويتها في مبادرة حوض النيل في عام ٢٠١٠، عقب توقيع خمسة من دول منبع النيل اﻷعضاء في المبادرة اتفاقية إطارية لتقاسم المياه، والمعروفة باسم اتفاقية «عنتيبي»، والتي من شأنها أن تعيد تقسيم حصص مياه النيل دون التفاهم مع مصر، بدعوي أن الاتفاقية التي تحصل مصر بمقتضاها علي ٥٦ مليار متر مكعب سنويًا من مياه النيل تم توقيعها في الخمسينات من القرن الماضي قبل حصول معظم هذه الدول علي استقلالها. كانت الدول الخمسة الموقعة على اتفاقية «عنتيبي» في ٢٠١٠ هي إثيوبيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا وكينيا، وفي العام التالي انضمت لها بوروندي، ليصبح عدد الدول المنضمة ست دول، من بين الدول اﻷعضاء في اتفاقية حوض النيل، محققة أغلبية تسمح للاتفاقية الإطارية الجديدة، التي ترفضها مصر، بأن تكون سارية بمجرد إقرارها داخليًا في برلمانات تلك الدول. السودان مصدر آخر في وزارة الخارجية، شارك في جانب من اللقاءات مع وزير الخارجية السوداني أحمد غندور، أشار تحديدًا لما وصفه بـ «الموقف المؤسف للسودان»، التي كانت مصر تتوقع أن تقدم منها الدعم، خاصة وأنهما دولتا المصب، وهو ما لم يحدث، بل إن مصدرًا دبلوماسيًا آخر شارك في اجتماع وزراء ري دول حوض النيل في مارس الماضي بالخرطوم، تحدث عن «موقف مزعج» من وزير الري السوداني، الذي هاجم نظيره المصري، متهمًا القاهرة بأنها لا تعبأ بالمصالح المائية المعطلة لدول حوض النيل اﻷخرى، وحقها في التنمية. وبحسب المصدر نفسه، فقد أكد هذا الموقف للقاهرة المعلومات المتاحة لها عبر وسائط معلوماتية موثوقة، حول إجراء إثيوبيا والسودان نقاشًا بشأن حزمة من المشروعات المائية التي سيجري تنفيذها في السودان، والتي من شأنها أن تسهم، على المدى الطويل، في تقليل جودة المياه التي تصل لمصر بما ينال من كفاءة الإنتاج الزراعي، فضلًا عن العوامل البيئية التراكمية السلبية على طبيعة التربة. ويقول المصدر، إن القاهرة لم تنجح في الوقوف على موقف سوداني واضح بخصوص هذه المشروعات المحتملة، خلال اللقاء اﻷخير لوزير الخارجية المصري مع نظيره السوداني، كما لم تنجح في التعرف على موقف السودان من اتفاقية عنتيبي، رغم ما نقله شكري من عتب على المواقف السودانية من هذا الملف في الفترة اﻷخيرة. فيما يقول دبلوماسي سوداني موجود في القاهرة حاليًا إن الخرطوم تشعر أن مصر تبالغ في توقعات الاصطفاف مع الخرطوم، خاصة مع ما تبديه من «تدخل في الشأن السوداني الداخلي». وتشهد علاقة مصر والسودان توترًا زادت حدته مؤخرًا، على خلفية اتهامات معلنة من السودان للقاهرة بالتدخل في إقليم دارفور، إضافة إلى النزاع الحدودي حول مثلث حلايب وشلاتين وأبو رماد. وفي هذا السياق، قال مصدر سيادي، طلب عدم ذكر اسمه، إن «ما نسعى له اليوم هو ممارسة ضغوط متوازية على إثيوبيا والسودان، وذلك من خلال شبكة تفاهمات وتعاون مع كل من إريتريا وجنوب السودان». إلا أنه استكمل «لكن أحدًا لا يستطيع أن يتنبأ بالمسار الذي ستسير فيه الأمور». بينما اعتبر مصدر دبلوماسي متقاعد كان متصلًا بملف سد النهضة لسنوات، أن تعامل القاهرة مع اﻷزمة منذ بداياتها اتسم «للأسف، بالثقة الزائدة في الحد من القدرة على إيقاف المشروع عبر ممارسة ضغوط على الدول الإفريقية والدول المانحة للتمويل، دون أن تأخذ في الاعتبار، بالقدر الكافي، الانحسار الكبير للوزن المصري في إفريقيا بعد تراجع التواجد المصري هناك في أعقاب محاولة اغتيال تعرض لها (الرئيس السابق محمد حسني) مبارك في عام ١٩٩٥». وكذلك، اعتبر الدبلوماسي المتقاعد أن مصر «تعاملت باستخفاف مع قدرة إثيوبيا الدبلوماسية على حشد التعاطف لصالحها، ليس فقط عبر البوابة الإسرائيلية، ولكن أيضًا عبر التعاطف الغربي الحقيقي مع رغبة إثيوبيا في التنمية، وترويجها لمشروع سد النهضة باعتباره المشروع الذي سيحقق لها نقلة كبيرة في إنتاج الطاقة الكهربائية». وأضاف المصدر، الذي كان معنيًا بالملف في الشهور التالية لسقوط نظام حسني مبارك في ٢٠١١، أن «من تولوا الأمر في أعقاب تنحي مبارك كانوا بلا استثناء أقل كفاءة في التعامل»، مشيرًا إلى «مسرحية لطيفة لوفود شعبية ذهبت لإثيوبيا في أعقاب الثورة في ٢٠١١، وحصلت على تعهدات لا قيمة لها، ولم تلتزم بها إثيوبيا، بالتوقف عن تنفيذ المشروع حتى يتم التفاهم حول الأمر مع مصر، مرورًا بنقاش ساذج حول السد أثناء حكم محمد مرسي، تم إذاعته على الهواء دون سابق إخطار للرئيس وأغلب المشاركين، وصولًا لتوقيع لم يحظ بدراسة متأنية لاتفاقية الخرطوم، بهدف تحقيق نقلة سريعة في احتواء إثيوبيا التي كانت قد بدأت بالفعل في عملية البناء بخطى سريعة». واتفقت المصادر الثلاثة من وزارة الخارجية على أن القرار الرئاسي بتوقيع اتفاقية الخرطوم في نهاية عام ٢٠١٥ تحت عنوان «حل خلافات سد النهضة» كانت خطوة متسرعة إلى حد كبير، وأنها تمت بدون توافق كافٍ من كبار معاوني الرئيس. وبحسب أحد المصادر فقد كانت فايزة أبو النجا، مستشار الرئيس للأمن القومي، والتي تعد واحدة من أهم خبراء الحكومة المصرية في الملف الإفريقي، أهم اﻷصوات المعارضة لهذا الاتفاق، الذي رأته تسليمًا رسميًا من القاهرة بحق إثيوبيا بالمضي قدمًا في مشروعها، بما يغلق باب التحكيم الدولي المحتمل. وتبدو القمة المنعقدة حاليًا هي الأمل الأخير الذي تعول عليه القاهرة في الوصول إلى تفاهمات واردة مع إثيوبيا قبل النظر في بدائل المواجهة الدبلوماسية والسياسية وربما القانونية معها.
تقرير حقوقي يوصي بنقل المدنيين من «الجلاء العسكري» والبحث عن مختفين قسريًا مدى مصر ٢٢ يونيو ٢٠١٧ كشف تقرير صادر عن المفوضية المصرية للحقوق والحريات أمس، الأربعاء، عن وجود قرابة ألف من المدنيين المُحتجَزين داخل مجموعة من السجون تقع في معسكر الجلاء العسكري بطريق القاهرة الإسماعيلية الصحراوي، وأشهرها سجني العزولي القديم والجديد. وقد طالب التقرير بنقل المدنيين المُحتجَزين إلى أماكن احتجاز قانونية، وإصدار قانون يمنع احتجازهم في السجون العسكرية مستقبلًا. ويضم معسكر الجلاء مجموعة من السجون أبرزها غرفة الحبس المركزي المعروف بالعزولي، ومبنى المحطة (الشعبة) المعروف بالعزولي الجديد، وفوج المقر المخصص لضباط محاكمين عسكريًا، ويشير التقرير إلى وجود سجن آخر في سرداب تحت الأرض بالقرب من مطار المعسكر. وقالت المفوضية في تقريرها، وعنوانه «معسكر الجلاء العسكري مسرح الجلادين وقبو المختفين قسريًا»، إن السجن «السري» يضم مئات من المدنيين المحتجزين لمدد تتراوح بين ثلاث أو أربع سنوات. وأضاف تقرير الذي اعتمد على شهادات قدمها مسجونون سبق وأن احتجزوا داخل أحد سجون المعسكر، ومن ضمنهم مجندين قضوا مدد حبس بعد إدانتهم أمام محاكم عسكرية، أن السجناء كانوا قد تعرضوا لسوء معاملة وتعذيب شديدين، إلى جانب تدهور الخدمات الصحية واكتظاظ العنابر بالمساجين مع سوء التهوية والنظافة. وأوضح التقرير أن معظم المُحتجَزين داخل المعسكر من المواطنين القاطنين بشمال سيناء، وبالتحديد في منطقتي الشيخ زويد ورفح. وقد حوكموا عسكريًا بتهمٍ تتعلق في الغالب بنشاطات إرهابية أو سرقة أو مخدرات. وقال التقرير إن المعسكر به مجموعة من المُجندين الذين يقضون عقوبات بسبب محاكمات عسكرية أثناء خدمتهم. ويضم المعسكر أيضًا عدد من المُحتجَزين المشتبه بهم في قضايا إرهاب، وقد تمّ التحقيق معهم عن طريق المخابرات الحربية بـ «سرية ٨» داخل المعسكر. وكانت مجموعة من مشايخ القبائل قد أعلنوا، في ديسمبر ٢٠١٥، عن مبادرة للإفراج عن مجموعة ضمت ٥١ محتجزًا داخل سجن العزولي بالتنسيق مع قيادات الجيش الثاني الميداني، وهو ما حدث بالفعل. ويرجح التقرير، حسب شهادة لأحد المحتجزين السابقين، أن بعض المُفرج عنهم قد أُعيد حبسه بعد يومين من بدء إجراءات الإفراج عنهم. كما لا تستبعد الشهادة أن يكونوا قد رُحلوا ليحبسوا في أماكن أخرى، لأن صاحبها حاول التواصل بعد خروجه مع أهالي مَن أُعلن الإفراج عنهم إلا أنهم أخبروه باستمرار بحثهم عن أبنائهم، حسب التقرير. كما أشار التقرير إلى احتمالية وجود تنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية يساهم في انتقال المُحتجزين من عدة أماكن حتى ينتهي بهم الأمر داخل أماكن الاحتجاز في المعسكر. تكون البداية بإلقاء القبض على المدنيين من قِبل وزارة الداخلية، وبعد ذلك يجري الأمن الوطني تحقيقًا، تتبعه الشرطة العسكرية، وبعدها يتمّ تحويلهم إلى محاكمات عسكرية أمام محكمة الجلاء، ومن ثم ينقلوا للتحقيق أمام المخابرات الحربية داخل المعسكر، وفقًا لما جاء بالتقرير. كما قالت المفوضية إن المدنيين المُحتجَزين داخل المعسكر يواجهون أشكالًا مختلفة من التعذيب وسوء المعاملة عن طريق عدة وسائل أهمها تجويع المسجونين، وإعطائهم كميات قليلة من المياه للشرب والنظافة كذلك، إلى جانب الصعق بالكهرباء بأماكن حساسة في أجسادهم وإجبارهم على الزحف على بطونهم. وقد أشارت بعض الشهادات، الواردة في التقرير، إلى إجبار المجندين المحاكمين عسكريًا على النزول في مصارف المياه والخروج منهم بدون الاستحمام بعدها لساعات، بالإضافة إلى صرف وجبات طعام بكميات قليلة، وتحتوى بعضها على عفن وحشرات. وقال التقرير إن بعض ممارسات التعذيب والمضايقات التي تعرض لها المحتجزون قد أدت إلى انتشار الأمراض الجلدية والجرب بينهم، ومن بين هذه الممارسات إلقاء «البورنيكة»، براميل الصرف الصحي، على المحتجزين داخل الزنازين وتركهم دون استحمام، ولا يسمح للمساجين بالاستحمام إلا لمرة واحدة شهريًا. وقد أوصت المفوضية بنقل المدنيين المُحتجَزين داخل المعسكر إلى أماكن احتجاز قانونية، بالإضافة إلى إصدار قانون يمنع احتجاز المدنيين في سجون عسكرية وتشكيل مكتب يتبع النائب العام للتحقيق في بلاغات الاختفاء القسري يكون له صلاحيات التفتيش في مراكز الاحتجاز المدنية والعسكرية كذلك.
القبض على كمال خليل من منزله.. والتحقيق معه دون حضور محاميه مدى مصر ٢٢ يونيو ٢٠١٧ حققت نيابة النزهة، اليوم الخميس، مع الناشط اليساري كمال خليل، دون حضور محامين، بعد أن ألقت قوات الأمن القبض عليه من منزله فجر اليوم، بحسب المحامي الحقوقي محمود بلال. وقالت جبهة الدفاع عن متظاهري مصر إن النيابة لم تصدر قرارها بعد. واختفى «خليل» لعدة ساعات بعد إلقاء القبض عليه، حيث أعلنت زوجته إيمان هلال عن تقديم بلاغ للنائب العام بخصوص اختفائه بعد إلقاء القبض عليه. ونشرت «هلال» صورة على صفحتها الشخصية على موقع التواصل الإجتماعي فيسبوك أظهرت آثار تفتيش، وقالت إن «خليل» قبض عليه وفتش منزله، حيث بعثرت محتويات غرفته. وسبق أن ألقت قوات الأمن القبض على «خليل» لفترة وجيزة أثناء مشاركته في اعتصام وتظاهرة داخل نقابة الصحفيين احتجاجا على موافقة البرلمان على اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، التي تنازلت مصر بموجبها عن سيادتها على جزيرتي تيران وصنافير بالبحر الأحمر. وأعتدت قوات الأمن خلالها على الصحفيين المتظاهرين على سلم النقابة وألقت القبض على بعضهم ومن بينهم «خليل»، قبل أن تقرر قوات الأمن الإفراج عنهم بعد مفاوضات مع بعض أعضاء مجلس نقابة الصحفيين. وقامت قوات الأمن بحملة أمنية قبضت على قرابة الـ ١٢٠ ناشطاً سياسياً، منهم أعضاء في عدة أحزاب سياسية، بسبب نشاطهم في الحملة المعارضة للاتفاقية. كما أعلن القيادي بالتيار الشعبي السفير معصوم مرزوق إن قوات الأمن داهمت وفتشت منزله مساء أمس الأربعاء، قبيل القبض على «خليل»، ولكنه لم يكن موجودا بالمنزل. وقال «مرزوق» على صفحته الشخصية بموقع فيسبوك «كل الأدراج مفتوحة، كل شئ مبعثر، لم يسرقوا شيئاً. الرسالة وصلت، لكنني لن أقرأها».
تاريخ صناعة الدواء في مصر وأزماته المتتالية سجدة ممدوح عبد المجيد ٢٢٢ يونيو ٢٠١٧ يمثل الحق في الدواء أحد مكونات الحق في الصحة، والتي لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، حتى ينفذ ذلك الحق بصيغة تكاملية في حياة المواطنين، وهو كذلك يعد عنصرًا أساسيًا في منظومة الحقوق المتكاملة، إلى جانب الحق في التعليم والعمل وتوفير مستوى معيشي لائق وغيرها من الحقوق، حيث يقر القانون الدولي لحقوق الإنسان بحق الجميع في الحصول على الأدوية المقررة طبيًا بشكل منظم وآمن وبسعر في المتناول، على أن تتسم بمعايير الجودة والسلامة والفعالية، مع التأكيد على عدم حرمان شخص أو مجموعة من الأشخاص من حقهم في الحصول على أية أدوية أساسية مقررة طبيًا، سواء على أساس اللون أو الجنس أو الدين أو الرأي أو الأصل العرقي أو الاجتماعي، ومن ثم وجب عدم خضوع الحق في الدواء لقواعد العرض والطلب، أو لقواعد الأسواق التجارية بشكل عام. وللحق في الدواء معايير محددة يجب الالتزام بها، شأنها شأن باقي مكونات الحق في الصحة، كما أكدت ذلك المواثيق والاتفاقيات الدولية، وخاصة الإعلان رقم ١٤ للأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتشمل هذه المعايير ١ – التوافر وهو ما يعني توافر الدواء بالقدر الكافي لاحتياجات المواطنين. ٢ – الإتاحة وهو ما يعني سهولة الوصول إلى الدواء بما يمكّن الجميع من التداوي، ولهذا المعنى اشتراطات أربعة هي الإتاحة الجغرافية، أي إمكانية الوصول الجغرافي، والإتاحة الاقتصادية، أي إمكانية تحمل سعر الدواء، وإمكانية الحصول على المعلومات الخاصة بالدواء، وأخيرًا عدم التمييز بين المواطنين، سواء بناء على الجنس أو الدين أو بين سكان الريف والحضر، أو الأغنياء والفقراء وغيرهم. ٣ المقبولية وهي ما تشمل وجوب أن تكون الأدوية مناسبة ثقافيًا وأن تراعي متطلبات الجنسين ودورة الحياة والمجتمع. ٤ الجودة أي أن تكون الأدوية ذات جودة مناسبة من حيث التصنيع والتغليف والحفظ والتوزيع وغيره. وبالنظر لأزمة الدواء الحالية نجد أنها نتجت عن عدم الإتاحة الجغرافية والاقتصادية بشكل يمكّن المواطن من تلقي العلاج، مع التزايد في عبء الأمراض غير المعدية، حيث وصلت إحصائيات أمراض السكري، في المسح الصحي السكاني لمصر لعام ٢٠١٤، إلى ١٧% من السكان، بينما كانت نسبة المصابين بارتفاع ضغط الدم ٤٠%. ويُعالَج معظمها بالمستشفيات الحكومية والجامعية، التي توقفت التوريدات الدوائية لعدد منها لمدة أشهر من نهاية العام الماضي ٢٠١٦. ووفقًا لما أعلنته وزارة الصحة والسكان، فقد أشارت الإحصائيات إلى التراجع النسبي لعبء الأمراض المعدية وزيادة عبء الأمراض غير المعدية. فمثلًا، معدل انتشار الالتهاب الكبدي الوبائي (سي) في مصر هو الأعلى في العالم، حيث يصل لقرابة ١٠% من السكان بين ١٥ و٥٩ عامًا، بناءً على الإحصائيات الموجودة في خطة العمل للوقاية والعلاج من الالتهاب الكبدي الوبائي لمصر ٢٠١٤ ٢٠١٨، والصادرة في عام ٢٠١٣، بينما يصل معدل الإصابة بالسرطان إلى حوالي ١١٥ ١٢٠ حالة بين كل مئة ألف حالة من السكان، وذلك بناءً على المسح التدريجي للأمراض غير المعدية لعام ٢٠١٢ ٢٠١٣. ومن هنا فإن أي محاولة لإصلاح أزمة الدواء حاليًا، بدون إدراك مشاكل النظام الصحي بأكمله، قد تبوء بالفشل، إذ أن الإصلاح يجب أن يكون من خلال حلول هيكلية لنظام الصحة بأكمله، المفتقد إلى التكامل بسبب نموه غير المخطط والعشوائي عبر سياسات مختلفة، يعوزها التنسيق والرؤية، ما جعله يتسم بالتفتت في محاوره المختلفة بين الإدارة والتنظيم والتمويل وتقديم الخدمات، حيث تُقدم الخدمات الصحية في مصر حاليًا من خلال منافذ عامة أو خاصة أو أهلية. كما أن المنشآت التابعة لوزارة الصحة في جميع المحافظات بها العديد من المشاكل، كارتفاع التكلفة وغياب جودة الخدمات الصحية المقدمة، والتي من المفترض أن تكون مدعومة أو مجانية، بما في ذلك الدواء. كما تفتقد الخدمات، التي قد يوفرها التأمين الصحي، للجودة، وبالتالي إلى ثقة المواطنين. وتشير الإحصائيات في المسح الصحي السكاني لمصر في عام ٢٠٠٨ إلى تحمل المواطنين، من جيوبهم الخاصة، لحوالي ٧٢% من إجمالي الإنفاق الصحي، كما تشير مؤشرات بحث الدخل والإنفاق للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في عام ٢٠١١ لكون الإنفاق على المنتجات الدوائية والأجهزة الصحية يبلغ ٥٤.٣% من الإنفاق الإجمالي على الصحة. ١٩٧٤.. بداية المشكلة رغم ازدهار قطاع الدواء في مصر في القرن الماضي، عندما تأسست شركة مصر للدواء عام ١٩٣٩ إلى جانب شركات أخرى، ورغم أن صناعة الدواء المحلية كانت تغطي ٨٤% من الأدوية التي يحتاجها المواطن المصري عام ١٩٧٣، لكن هذا تغير مع بداية عام ١٩٧٤، حيث بدأ عصر الانفتاح الاقتصادي، وبالتالي تراجعت الصناعة المحلية، ومنذ ذلك الحين يشهد قطاع الدواء مشاكل كثيرة أدت إلى الكثير من الفوضى والتخبط. تمنعنا الحالة التي وصل إليها سوق الدواء في مصر حاليًا من القدرة على التنبؤ بما قد تأتي به رياح التغيير العاتية، وتتجلى خطورة هذا الوضع في ضوء الزيادات غير المسبوقة في معدل الأمراض غير المعدية، كالأمراض السرطانية والأورام وأمراض السكري والقلب والمخ والكبد، ففي نوفمبر الماضي شهد سوق الدواء نقصًا في أدوية علاج الأورام، ومنها «أندوكسان»، «هولكسان»، «إريناثول»، وغيرها من أدوية حيوية مثل «فاكتور» لمرضى الهيموفيليا، حقن «أنتي آر اتش» للولادة، «أرتامين» للكبد، «كيتواستريل» للفشل الكلوي، وغيرها، لدرجة أن حصر نقابة الصيادلة في نهاية نوفمبر الماضي أشار إلى اختفاء ١٦٨٨ صنفًا دوائيًا من الأسواق، وكان ذلك نتيجة لقرار البنك المركزي بتحرير سعر صرف الجنيه، ما أدى إلى وقف شركات الأدوية الاستيراد. مع هذا، لا يجوز حصر الأزمة الدوائية الحالية في العلاقة الطردية بين تعويم الجنيه وغلاء الأسعار، فقبل صدور القرار الوزاري الأخير بتحريك السعر بشكل تدريجي كل ستة أشهر ولمدة عامين، يتحتم علينا النظر إلى المعركة التي دارت بين الصيادلة والشركات ووزارة الصحة، حيث كان تأثير تطبيق سياسة السعرين مدمرًا ومسببًا لتآكل رأس مال الصيدليات، لأن قيمة الطلبية الجديدة أصبحت ضعف القديمة، ما اضطر الصيدلي للإنفاق من رأس المال الأساسي لشراء الأدوية الجديدة. كما أن هناك حوالي ١٢ ألف صنف دواء في مصر، فيما لا يزيد المتداول فعليًا عن ٥ آلاف صنف، وطال الغلاء معظم الأدوية المتداولة، وهو ما أدى لصدور قرار نقابة الصيادلة بالإضراب في نوفمبر الماضي. بعد تدخل الأجهزة الكبرى في الدولة، قررت النقابة ما يمكن تلخيصه في رفض التسعير العشوائي الذي أصدرته وزارة الصحة، والمطالبة بعدم المساس بأسعار أدوية الأمراض المزمنة، ورفع هامش الربح وتقديم آليات أكثر تسامحًا لارتجاع الأدوية منتهية الصلاحية، والمطالبة بمحاسبة كل من أساء للصيادلة واتهمهم بالتلاعب، بالإضافة إلى إقالة وزير الصحة. من كل هذه المطالب لم يُنفَّذ سوى الأول فقط، وهو الخاص بالتسعير، مع المماطلة في تنفيذ الباقي. وكانت الشركات ترفض الاتهامات الموجهة إليها بالجشع والتربح من أزمة الدواء، مبررة ذلك بارتفاع أسعار كل السلع، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار أجور العمالة، وبالتالي فإن كل مدخلات الصناعة ارتفعت أسعارها. لكن بغض النظر عن ارتفاع سعر استيراد المادة الخام، فإن نظام تسعير الدواء ذاته هو ما قد يشكّل معضلة، حيث يطبِّق قرار ٤٩٩ لعام ٢٠١٢ لتسعير الدواء نظام «المرجعية الخارجية للتسعير»، أي الرجوع إلى أسعار الدواء في دول أخرى من أجل تحديد أسعار الدواء محليًا، والتفاوض عليها مع لجنة تسعير الدواء. وفي بداية عام ٢٠١٧ صدر القرار رقم ٢٣ لسنة ٢٠١٧ والخاص بإعادة تسعير ١٥% من الأدوية المحلية و٢٠% من الأدوية المستوردة، وتطبيقه على المنتجات الدوائية حديثة الإنتاج. يثير هذا عددًا من الأسئلة مثل «من أين لنا اليقين في وجوب ربط دولة معينة سعر الدواء فيها بسعر الدواء في دولة أخرى؟ هل تشبهنا تلك الدول على الصعيد الاقتصادي؟» و«هل يُعوَّض المرضى في تلك الدول عن الإنفاق الدوائي من خلال أنظمة التأمين الصحي بها، أم يتحمل المرضى تكلفة علاجهم من مالهم الخاص كما يحدث هنا؟» في الأغلب يقتصر هذا النظام على تسعير المنتجات الواقعة تحت حماية حقوق الملكية الفكرية في الدول الصناعية الكبرى، بينما تطبقه الدول النامية على كل من المنتجات المحمية وفق اتفاقية الـ«أكتا»، وتلك التي انتهت فترة حمايتها، أي تلك المتوفرة كأصناف جنيسة (نفس المادة الفعالة، ولكن باسم تجاري آخر، ومُصنع محليًا). كما لا يفرق القرار بوضوح بين الأدوية تحت الترخيص المُنتَجة محليًا والأدوية الجنيسة المُنتَجة محليًا، والأدوية الجنيسة المستوردة. الصراع التاريخي مع الشركات العملاقة بناءً على مقال للدكتورة ناهد يوسف، نُشر في جريدة «الشروق»، ففي أربعينيات القرن العشرين، أنشأ طلعت حرب شركة «مصر للمستحضرات»، وأنشأ الدكتور نصري بدران شركة «ممفيس للأدوية»، بالإضافة لغيرها من المصانع الصغيرة، وكانت «مؤسسة الأدوية» تحمي صناعة الأدوية من محاولات شركات الدواء العملاقة المستميتة لإفشالها، وهي الشركات التي كانت مصر تستورد منها معظم احتياجاتها من الأدوية والخامات. وأصبحت مصر تنتج بالفعل ٨٥% من الأدوية وبعض خاماتها، وبجميع الأشكال الصيدلية، من احتياجات السوق المصري، باستخدام آلات حديثة ودقيقة، مع الالتزام بأدق المعايير العالمية. لكن الآن، وبعد أكثر من خمسين عامًا، عدنا لنسبة تغطية محلية تُقدر بـ ٥% فقط من احتياجات سوق الدواء المصري، رغم وجود نحو ١٢٠ مصنعًا للدواء. هذا التراجع التدريجي لصالح الشركات الدولية العملاقة بدأ منذ أول سبعينيات القرن الماضي، حتى اليوم، مرورًا بعصر مبارك، الذي أصبح فيه ٤٠% من الاحتياجات المحلية تُصنَّع في مصانع أدوية مصرية لحساب الشركات الأجنبية تحت الترخيص، وذلك دون أن تبني هذه الشركات مصنعًا واحدًا، ولم تُصنَّع المنتجات المستوردة من الخارج، كأدوية السرطان على سبيل المثال، بل كان معظمها أدوية منافسة للمنتجات المحلية. كل تلك العوامل متداخلة مع بعضها، بدايةً من احتكار الشركات الدولية العملاقة للسوق، لإهمال صناعة الدواء المحلية لمدة عقود، إلى عدم الاهتمام بضرورة البحث العلمي للحثِّ على تطوير صناعة الدواء باستمرار، وبالتالي عدم الاحتياج إلى المثيل المكلف الأجنبي. ولكن يبدو أن هناك تقاعسًا من وزارة الصحة وغرفة صناعة الدواء، والتي أثارت الكثير من اللغط في الشهرين الآخرين من العام الماضي ٢٠١٦ بسبب اتهام رئيسها أحمد العزبي، المالك لأشهر سلسلة صيدليات في مصر، بحيازة ٢٢٠ صنفًا مهربًا، في سابقة هي الأولى من نوعها. وذكر مصدر مسؤول سابقًا للصحفي عماد الدين حسين، في حوار صحفي بجريدة «الشروق»، أن خمس قضايا قد حُرّرت ضده بالفعل، ولكنه دائمًا ما كان يخرج بالكفالة، وأضاف المصدر أن الوزارة تفكر في الذهاب بالملف إلى مجلس النواب. كل هذا بجانب احتمالية انتشار الأدوية المزورة أو المزيفة عند بعض الصيدليات أو الأطباء، مما يضر بالصحة العامة. الحل.. سياسة شاملة بناءً على المادة رقم ١٨ في الدستور الصادر في عام ٢٠١٣، تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة، لا تقل عن ٣% من الناتج القومي الإجمالي وتتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وبالتالي، ولحل تلك الأزمة الحالية للدواء، يجب علينا وضع سياسة وطنية شاملة ومدفوعة من منطلق تنموي، تتسم ببعد النظر والرؤية للقضايا المتعلقة بالدواء في مصر، كالرقابة على الدواء في السوق المصرية، والبحث والتطوير، وتسعير الدواء، والصناعة الدوائية المحلية. على أن تُنفّذ تلك السياسة من خلال ثلاثة محاور أساسية، أولها ضمان حق المواطن في الحصول على الدواء الأساسي دون أعباء مالية، وقد يتحقق ذلك من خلال منظومة التأمين الصحي بشكلها الجديد المقترح والمفترض إلزامه على جميع المواطنين. وثانيها، دعم التطوير والبحث وصناعة الدواء المحلية، خاصةً في حالة مواجهة الأمراض الوبائية والمهددة للصحة العامة مثل الالتهاب الكبدي الوبائي بأنواعه، وحينها يجب استخدام آليات الترخيص الإجباري، أي المباشرة بصناعة الدواء محليًا دون تفويض أو تصريح أو ترخيص من مالك الاختراع، وهذا الترخيص يكون وفقًا للحالات التي تحددها القوانين واللوائح الوطنية، ووفق مبررات لابد من توفرها وضوابط لابد من مراعاتها، كظروف الطواريء والضرورات القومية القصوى كما في حالات الوباء، على أن يكون استخدام الاختراع غير تجاري وموجهًا لأغراض عامة ولعلاج آثارها، وغير ذلك من الحالات التي حددتها الاتفاقية من المادة (٣١) من «اتفاقية التريبس»، كما يجب تقنين سرعة بدء صناعة الأدوية المثيلة محليًا على أن تكون بفعالية وجودة مقبولتين، بحيث لا يكون هناك دواء واحد محتكرًا للسوق. وثالثًا، تعديل سياسات تسعير الدواء بحيث تأخذ في عين الاعتبار مستويات الدخل الحقيقية، لا المعلن عنها والتي تكون غالبًا بعيدة عن الواقع الذي يعيشه المواطن المصري. وبالتالي، يجب إجراء العديد من الدراسات قبل وضع سياسات التسعير، ويجب العلم بأن أنظمة التسعير المختلفة يجري اختيارها بناءً على احتياجات الدولة وظروفها، وحينها يمكن دمج سياسة تسعير أخرى مع نظام المرجعية الخارجية الحالي، مثل سياسة الإعفاء الضريبي عن الأدوية، والتي يمكن تطبيقها في حالة الأدوية الأساسية للحياة، كالأدوية المستخدمة في حالات الطوارئ، والأدوية المعالجة للأمراض المزمنة على سبيل المثال.
إخلاء سبيل ٨ واستمرار حبس آخرين من معتقلي «تيران وصنافير» و«كعب داير» لطارق حسين مدى مصر ٢١ يونيو ٢٠١٧ أخلت النيابات العامة في عدد من المحافظات سبيل ثمانية من المقبوض عليهم من معارضي اتفاقية «تيران وصنافير»، فيما قرر قسم الخانكة بالقليوبية استمرار حبس المحامي طارق حسين رغم قرار النيابة بإخلاء سبيله. وقالت صفحة «الحرية لطارق حسين» على فيسبوك إن قسم الخانكة قرر استمرار حبسه بحجة طلبه على ذمة قضايا أخرى، مضيفة أن السلطات قررت عرضه على عدد من أقسام الشرطة للتأكد من عدم تورطه في ١١ قضية ارتكبها أشخاص يتشاركون معه في الاسم نفسه، مؤكدة على خلو صحيفة الحالة الجنائية الخاصة بطارق من أي أحكام قضائية بحقه، كما أن بعض هذه القضايا تعود إلى سنوات عديدة مضت، حيث كان طارق لا يزال طالبًا في الصف الثالث الإعدادي. ونقلت الصفحة عن محمود، شقيق طارق، أن أخيه تعرض للضرب الشديد ومُنع دخول الطعام والملابس إليه منذ إلقاء القبض عليه الأحد الماضي. وفي سياق مشابه، أعلن حزب الدستور اليوم، الأربعاء، عن مثول رئيس مجلس حكماء الحزب، المحامي محمد أبو العلا، للتحقيق أمام نيابة دمنهور بعد إلقاء القبض عليه مساء أمس، الثلاثاء، من منزله، ولم يتمكن الحزب من معرفة التهم الموجهة إليه. وكان الحزب قد أدان في بيان رسمي، أمس، إلقاء القبض على أبو العلا أثناء تناوله الإفطار بمنزله واقتياده لجهة غير معلومة وقتها. وأضاف البيان «يؤكد حزب الدستور أن الداخلية قد تجاوزت كل ما هو دستوري وقانوني بتوسعها على مدى الأسبوع الماضي في اعتقال العشرات من المواطنين في كافة محافظات مصر بزعم أنهم يدافعون عن أرضهم ومصرية جزيرتي تيران وصنافير. ونحن نتساءل إذا ما كان أحد أغراض حملة القمع المتواصلة هو دفع الأحزاب الشرعية والرسمية إلى تجميد نشاطها والامتناع عن العمل السياسي لأنه لم يعد هناك الحد الأدنى من حرية العمل و التنظيم التي يكفلها الدستور والقانون». وعلى صعيد آخر، أعلنت جبهة الدفاع عن متظاهري مصر عن إخلاء سبيل عدد من المقبوض عليهم بعدد من المحافظات هم عمر جويدة من الفيوم، وأدهم العبودي وأحمد حجازي من الأقصر، ومحمد المصري ومصطفى جمال وأشرف جمال من أسوان، ويحيى الزعاق من سوهاج، ومحمود المصري من المنصورة. كما تقرر استمرار حبس كل من المحامي محمد رمضان، وأحمد فهمي، ومحمد جمال بالإسكندرية، بعد قبول استئناف النيابة على قرار إخلاء سبيلهم بكفالة قدرها ١٠ آلاف جنيه. وقررت نيابة دمنهور حبس الناشط ممدوح عبد المنعم، ١٥ يومًا على ذمة التحقيقات في تهم إهانة رئيس الجمهورية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والترويج لجماعة محظورة ومحاولة قلب نظام الحكم والتحريض عليه. وتقرر قبول استئناف نيابة العطارين على قرار إخلاء سبيل كل من عصام لبيب هندي، وإسلام محمد عبد العاطي، ومحمد السيد شاهين، وفارس أشرف سعد الله، وماجد درويش مصطفى بكفالة قدرها ألف جنيه لكلٍ منهم، واستمرار حبسهم لمدة ١٥ يومًا، بتهم الانضمام لجماعة محظورة والتجمهر والتظاهر وقطع الطريق والبلطجة.