الوطن

أحمد علي يكتب في كلمة صدق إطلالة تركية على الشواطئ القطرية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لا يوجد مبرر لإغلاق القاعدة التركية إلا إذا كانت لدى «دول الحصار» نوايا خبيثة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ توجه قطر إلى تركيا لتعزيز أمنها ليس بدعة قطرية تشكل خرقاً لمنظومة «الأمن الخليجي» ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ جنباً إلى جنب... يرفرف علمنا القطري خفاقاً في سماء الوطن، مع العلم التركي، الذي يرتفع مرفرفاً فوق سارية القاعدة العسكرية التركية، بلونه الأحمر، الذي يتوسطه هلال ساطع ونجمة بيضاء، يعيدان إحياء أسطورة شعبية عند الأتراك، عن انعكاس القمر والنجوم على دماء الشهداء! .. وعلى مدى قرون، استشهد كثيرون، من أجل أن يبقى العلم التركي مرفرفاً، مثلما ضحى «الرجال الأولون»لكي يبقى العلم القطري خفاقاً عالياً، وينبغي على الجميع احترام الشراكة القطرية ـ التركية، لأنها تجسد حاضراً مليئاً بالوقفات، وتاريخاً حافلاً بالتضحيات، التي أظهرها كل شريك من الشريكين، وها هي تركيا تظهر لشريكتها قطر أنها شقيقة حقيقية، وليست مجرد شريكة فحسب. .. وما من شك في أن الموقف الأخلاقي الذي اتخذته أنقرة تجاه الأزمة الخليجية أوصل الأتراك إلى مكانة غالية، ودرجة عالية في قلوب القطريين، بعدما اتخذت دولتهم موقفاً أخوياً، وسلكت طريقاً داعماً للموقف القطري، انتصر خلاله الرئيس أردوغان للمبادئ قبل الركض وراء المصالح، والتزمت حكومته بمبدأ التعاون مع قطر لا التآمر عليها، وعلى الوقوف إلى جانبها، لا التحالف ضدها، وعلى دعم موقفها لا التشكيك في مواقفها. .. ولكل هذا لن ينسى القطريون موقف تركيا الداعم لقضيتهم، المرتكز على وقفة «أردوغان»، الذي اتخذ موقفاً قوياً ضد الحصار الجائر المفروض على قطر، مما أكسبه احترام القطريين، وتقدير كل أحرار العالم المخلصين. .. وبعيداً عن اشتراك الدوحة وأنقرة في نفس الرؤية، إزاء قضايا المنطقة، ونظرتهم المشتركة تجاه أزمات الشرق الأوسط، ودعمهم الكبير لثوابت القضية الفلسطينية، من الواضح أن الرئيس التركي لم ينس أن حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني كان أول زعيم في العالم يجري اتصالاً هاتفياً فورياً به، بعد سويعات من محاولة الانقلاب الفاشل، الذي تعرضت له بلاده، معبراً عن تقديره الشخصي، ودعمه الأخوي، ودعم قطر لشقيقتها تركيا، في تلك المحنة التي استهدفت ديمقراطيتها، في الخامس عشر من يوليو الماضي، عندما كانت دبابات الانقلابيين تنتشر في الشوارع والميادين! .. وقبل ظهور أي مواقف دولية، أو صدور أي بيانات رسمية بشأن الانقلاب، الذي مرت أمس، الذكرى الأولى على إجهاضه، كان الموقف القطري الداعم للرئاسة التركية، واضحاً وضوح الشمس منذ اللحظات الأولى، حيث أعربت قطر عن استنكارها الشديد للمحاولة الانقلابية، وإدانتها الخروج على القوانين والأعراف الدولية، وانتهاك الشرعية الدستورية في الجمهورية التركية، وكان سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني وزير الخارجية أول مسؤول عربي يصل أنقرة بعد انقلابها الفاشل، لتأكيد دعم الدوحة للحكومة الشرعية المنتخبة، كما قام سعادته بزيارة إلى العاصمة التركية أمس الأول أطلع خلالها الرئيس التركي على مستجدات الأزمة الخليجية، وجاءت زيارته بالتزامن مع مرور العام الأول على المحاولة الإنقلابية الفاشلة. .. وعلى وقع ذلك الانقلاب، سخّرت قطر أدواتها الإعلامية لدعم الرئيس التركي وحكومته المنتخبة، وهذا ما ظهر جليا من خلال حرص الرئيس أردوغان على الظهور على شاشة قناة «الجزيرة» دون غيرها، ليدلي بأول حوار بعد المحاولة الإنقلابية الفاشلة، في حين حاولت قنوات أخرى الترويج للانقلاب وأصحابه. .. وما من شك في أن هذا الموقف التاريخي يحتفظ به الرئيس التركي لدولتنا قطر، وقيادتنا الرشيدة، في الوقت الذي تباطأت فيه قيادات كثيرة في المنطقة، في تقديم أي شكل من أشكال الدعم، حتى المعنوي، خلال ساعات الانقلاب الأولى، ويكفي التوقف عند تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان لتذكير الآخرين بها، والتي قال فيها «نعلم جيداً من كان سعيداً في الخليج، عندما تعرضت تركيا لمحاولة الانقلاب، وإذا كان لكل منهم أجهزة مخابرات، فنحن أيضاً لدينا مخابراتنا، ونعرف بشكل جيد كيف أمضى البعض تلك الليلة»! .. وعند الحديث عن الانقلاب الفاشل في تركيا، تتجه الأنظار دوماً إلى أبوظبي، وتشير إليها أصابع الاتهام دائماً، نظراً لسابق تجاربها، وتعدد مساعيها الحثيثة ــ ولا أقول الخبيثة ــ لإجهاض التجارب الديمقراطية في المنطقة، ويتضح ذلك من خلال دعمها لانقلاب السيسي في مصر، عدا أن العلاقات الإماراتية ــ التركية لم تكن على ما يرام، خلال السنوات الماضية على الدوام. .. ويمكن للمتابع أن يلمس كيف احتفلت قناة «سكاي نيوز عربية» التي تعتبر الذراع الإعلامية للإمارات، بالتحرك العسكري الانقلابي في تركيا بشكل مبالغ، لدرجة أنها أصرت خلال تغطيتها على التأكيد أن الانقلابيين يفرضون سيطرتهم الكاملة على البلاد! .. وتشير تقارير صحفية، نشرت في تركيا، إلى أن الإمارات دفعت ٣ مليارات دولار، لتدبير الانقلاب العسكري للإطاحة بالرئيس أردوغان وحكومته المنتخبة. التي وصلت إلى الحكم من خلال قاعدتها الشعبية، المؤيدة لحزب «العدالة والتنمية» ذي التوجهات الإسلامية، وتم التخطيط لذلك عن طريق محمد دحلان المستشار الأمني لحكام أبوظبي. .. وتسعى «الإمارة الظبيانية» ــ ولا أقول الصبيانية ــ لتقويض النظام الديمقراطي في تركيا، كونه أحد أبرز داعمي حركة «الإخوان»، وتمثل «تركيا الأردوغانية» معضلة لحكومة أبوظبي، نظراً لتعارض الأجندات بين الطرفين، خاصة إذا علمنا أن توجهات «أردوغان» تعكس استراتيجيات «الإسلام السياسي»، الذي تعتبره «الإمارة المتآمرة» عدوها الأول! أما السعودية فقد تأخرت في تحديد موقفها من الانقلاب الفاشل، ولم تبادر بإصدار أي توضيح أو تصريح، إلا بعد مرور أكثر من ١٥ ساعة على المحاولة الانقلابية، مما أثار تساؤلات ليس لها إجابات، حتى اللحظة، حول رضا الرياض على تلك الأحداث، ولعل ما غذّى هذا التحليل، أن الخارجية السعودية أصدرت بياناً هزيلاً بشأن أحداث تركيا الانقلابية، على لسان مصدر مسؤول، وليس على لسان «جبيرها»! .. ولكل هذه المعطيات وغيرها، يمكن فهم موقف تركيا الداعم لشريكتها قطر، خلال الأزمة الخليجية، حيث تستند شراكتهما الاستراتيجية على رصيد هائل من المواقف الأخوية، التي ظهرت في أبهى صورها خلال موقف قطر الداعم للشعب التركي وحكومته المنتخبة ديمقراطياً. .. وقبل ذلك، لا بد من التوقف عند دلالات الزيارة الاستثنائية التي قام بها الرئيس «أردوغان» إلى الدوحة، بعد أسابيع من توليه الرئاسة في ٢٨ أغسطس عام ٢٠١٤، حيث كانت قطر أول دولة عربية يزورها الرئيس التركي يومي ١٤ ــ ١٥ سبتمبر من نفس العام، أي بعد مرور أقل من شهر على توليه سدة رئاسة الجمهورية. .. ومنذ تلك الفترة عقدت ١٢ قمة تركية ــ قطرية حتى شهر فبراير الماضي، مما يعكس مدى تطور العلاقات القائمة بين البلدين، وخلالها تم التوقيع على أكثر من (٣٠) اتفاقية ومذكرة تفاهم، لتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين، وخلال تلك القمم المتبادلة بلغ متوسط انعقادها قمة كل شهرين ونصف تقريباً، الأمر الذي يعد رقماً قياسياً، في تاريخ العلاقات بين الدوحة وأنقرة من جهة، وبقية دول المنطقة. .. وجرى خلال القمم القطرية ــ التركية المتتالية بلورة آليات التعاون بين البلدين في شتى المجالات، تحت مظلة اللجنة العليا المشتركة للتعاون الاستراتيجي، التي كان من مخرجاتها ونتائجها توقيع الاتفاقية العسكرية بين الجانبين، في التاسع عشر من ديسمبر عام ٢٠١٤، وتنص على تشكيل آلية لتعزيز التعاون بين الطرفين في مجالات التدريب العسكري، والمناورات المشتركة، وتمركز القوات المتبادل بين البلدين, ولعل من ثمار تلك الاتفاقيات إنشاء القاعدة العسكرية التركية في قطر، التي ضمنت لأنقرة إطلالة على الشواطئ القطرية. .. والمؤسف أن موضوع القاعدة التركية في قطر أشبع بحثا وتحليلاً وتعليقاً وتضخيماً وتحريضا من قبل الكثير من المحرضين، حتى وصل الأمر إلى درجة محاولة ترسيخ قناعة لدى كثيرين، بأن وجود هذه القاعدة يمثل خروجاً على القواعد المعمول بها في المنطقة! .. ويخطئ الذين يفكرون بهذه العقلية عندما يتوهمون أن تركيا تريد من خلال قاعدتها، في قطر، إعادة أمجاد الامبراطورية العثمانية، أو إحياء الخلافة الإسلامية في المنطقة، عبر تقديم نفسها كزعيم إسلامي جديد، بدلا من غيرها! .. وكان متوقعا أن تقوم إيران بالاحتجاج لوجود هذه القاعدة، وليس الآخرين، ولا أقول «الإخوان» المحيطين بدولتنا قطر، الذين يحاصرونها شرقاً وغرباً وجنوباً، ويغلقون المنافذ البرية والجوية والبحرية أمامها! .. ولا يعد اتجاه قطر إلى تركيا لتعزيز أمنها بدعة قطرية، تشكل خروجاً على الأعراف السائدة، أو خرقاً لمنظومة الأمن في دول المجلس غير المتعاون، فقد اتجه الإماراتيون إلى فرنسا عام ٢٠٠٩ التي أنشأت على أرضهم قاعدة عسكرية متعددة الأغراض، جنودها ليسوا من «بني ياس»، ولكنهم ينطقون الفرنسية كما تنطقها حليفتهم «ماري لوبان»، مرشحة اليمين المتطرف، الخاسرة في انتخابات الرئاسة الأخيرة. كما اتجهت البحرين بدورها إلى حلفائها الإنجليز والأميركان، لإقامة قواعد على أرضها، تسمح بالتواجد العسكري الأجنبي الدائم، للجنود الأجانب، الذين لم يولدوا في «المحرق»، ولا يعرفون الفارق بين «القضيبية» و«قلالي»! .. وتعتبر مملكة البحرين وكيلة التواجد العسكري الأجنبي في المنطقة منذ القدم، حيث وفرت لها موطئ قدم، بل هي من أقدم الدول العربية التي أقامت تعاوناً عسكرياً مع الولايات المتحدة، وفي ٢٧ أكتوبر عام ١٩٩١ وقعت المنامة وواشنطن اتفاقاً عرف باسم «التعاون الدفاعي»، وبموجبه أصبحت القيادة المركزية للبحرية الأميركية «تستوطن» في البحرين، عفواً، أقصد تقيم هناك منذ عام ١٩٩٣. .. ولم تكتف المنامة بإكرام ضيوفها الأميركان الكرام، لكنها «استضافت» الأسطول الأميركي الخامس، اعتباراً من يوليو ١٩٩٥، للإقامة الدائمة في قاعدة عسكرية، تعتبر الأكثر أهمية في المنطقة، لتنظيم العمليات البحرية، وتوفير عمليات «الدعم اللوجستي»، التي لا تقتصر على الفعاليات العسكرية، بل تمتد لتشمل «البرامج الترفيهية» للقوات الأميركية! .. ولأن نظام الحكم البحريني يدير البلاد كشركة خاصة، فقد تم تأجير تلك القاعدة الرابضة في منطقة «الجفير» إلى «البنتاغون»، مقابل ٢٦ مليون دينار بحريني سنوياً. .. وتشير تقديرات سابقة ــ والعهدة على الراوي ــ إلى أن عدد البحارة الأميركان المتمركزين في تلك القاعدة، التي تبعد عن العاصمة ٥ أميال فقط، حوالي (٨٢٠٠) من قوات «المارينز»، فيما يقدر عدد السفن الحربية الأميركية الراسية هناك بـ (١٦) سفينة تشارك طواقمها بشكل مباشر في دعم العمليات العسكرية اليومية في كل من العراق وأفغانستان، ومن الطبيعي أن هؤلاء البحارة بحكم تواجدهم في البحرين يتناولون «الحلوى البحرينية» التي تشتهر بها محلات «شويطر»، بعد أداء عملياتهم البطولية ضمن ما يسمى «مكافحة الإرهاب»! عدا وجود قوات «البحرية الملكية البريطانية» في الأراضي البحرينية، في (قاعدة اتش ام اس الجفير) (HMS JUFair) التي شارك وزير الخارجية البريطاني في ذلك الوقت «فليب هاموند» في وضع حجر الأساس لها عام ٢٠١٥. .. ولعل من المفارقات الغريبة، والمواقف العجيبة، أن المسؤول البحريني الذي أعلن عن تشييد تلك القاعدة الرابضة بمنشآتها على سواحل البحرين، هو وزير خارجيتها الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، الذي يرفض ــ بشدة ــ وجود القاعدة العسكرية التركية في قطر! ناسياً أنه شخصياً، أعلن في بيان رسمي، عن ذلك «الترتيب الدفاعي» بين المنامة ولندن، معتبراً أنه يشكل خطوة إضافية على طريق التعاون بين البلدين لمواجهة التحديات! .. والمفارقة الأكثر غرابة أن وزير الخارجية البحريني هو صاحب «التغريدة المأثورة» خلال الأزمة الخليجية، التي يقول فيها تعليقاً على انتشار قوات تركية في قطر «إن جلب الجيوش الأجنبية ومدرعاتها هو بمثابة تصعيد عسكري»! .. وربما يحتاج «الشيخ البحريني» إلى تذكيره بضرورة ألا ينسى أنه يطلق تغريداته وهو محاط بالجيوش الأجنبية، لدرجة أنك تشعر عندما تراه مطلاً بوجود ٥ من جنود «المارينز» يختبئون داخل «بشته» في مهمة سرية لحمايته! ناهيك عن وجود ما لا يقل عن ست قواعد عسكرية في السعودية، أهمها «قاعدة الأمير سلطان الجوية» في الخرج جنوب الرياض، والتي يوجد فيها أكثر من ٥١٠٠ جندي أميركي، وتحلق طائراتها الأميركية من طراز إف ١٥ وإف ١٦ وإف ١١٧ «فوق هام السحب»! .. ولكل هذا الوجود العسكري الأجنبي الهائل في دول المنطقة، المتآمرة على الدوحة، والمتحالفة ضدها، لا يوجد أي مبرر منطقي للمطالبة بإغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر، ووقف العلاقات الدفاعية بين الدوحة وأنقرة، إلا إذا كانت لدى دول الحصار الجائر نوايا عدوانية خبيثة، أو مخطط عسكري يعتقدون أن القاعدة التركية قد تحول دونه! .. ولم يكن الوجود العسكري التركي في قطر رداً فورياً على الحصار، وإنما كان في صدارة الأولويات المتعلقة بالملفات المرتبطة بتطوير العلاقات القطرية ــ التركية قبل نشوب الأزمة الخليجية، ولهذا ينبغي النظر إلى القاعدة التركية بمنظار واحد، مثلها مثل القواعد العسكرية الموجودة في دول المنطقة، ويستند قرار إنشائها إلى الصلاحيات المتعلقة بالسيادة بين قطر وتركيا، وهي ليست موجهة ضد أي دولة. .. ومن منظور صحفي ــ وليس عسكريا ــ أستطيع القول إن القاعدة التركية تتيح مجموعة من المكاسب المتبادلة للطرفين، دون إطلاق رصاصة واحدة، في مقدمتها أنها تشكل حجر الأساس لتوسيع التعاون العسكري بين الجانبين، ومن شأن ذلك أن يتيح لدولتنا قطر هيكلاً أمنياً فريداً من نوعه، تم تفضيله وتفصيله على مقاسها، مع أكبر قوة عسكرية في المنطقة عضو في حلف «الناتو». عدا أن هذه الخطوة تندرج ضمن مساعي الدوحة لتطوير قدراتها العسكرية، وتحديث قواتها وتأهيل كوادرها، بشكل يمنحها نوعاً من التوازن الإقليمي، في ظل التعقيدات السياسية السائدة في المنطقة وأزماتها المتكررة، وبصورة رمزية ذات دلالات استراتيجية، فإن أكبر المكاسب التي حصلت عليها تركيا من خلال قاعدتها العسكرية في قطر، هو أنها تستطيع القول للمتآمرين «نحن هنا»! .. ومن خلال ذلك الواقع تتوفر الفرصة لتركيا عبر تواجدها العسكري في القاعدة الموجودة في قطر لتدريب قواتها في بيئة مغايرة تماماً للبيئة التركية، وسط الأجواء القطرية، لا سيما الصحراوية، وهذا ما يعطيها، مستقبلاً، القدرة على القيام بمهمات دفاعية متنوعة بكفاءة عالية، ويرى كثيرون أن هذا الشكل من أشكال التعاون العسكري يشكل امتداداً للاستراتيجية العسكرية التي تتبناها تركيا مع «حلفائها الأعزاء»، حيث لا يوجد مثل ذلك النموذج القطري ــ التركي سوى مع حليفتيها الأقرب جغرافيا وثقافيا واجتماعياً وهما «قبرص التركية» التي تعترف بها أنقرة على أنها كدولة، و«أذربيجان» وكلتاهما تشاركان تركيا نفس اللغة، والعديد من العوامل المشتركة الأخرى. .. وفي الوقت الذي ينظر فيه المسؤولون الأتراك إلى قطر باعتبارها الحليف العربي الأكثر ثقة في تركيا، فإننا ننظر في الدوحة إلى أنقرة على أنها الشريك الاستراتيجي، الأكثر قرباً والتصاقاً وتشابهاً وتفاهما مع السياسات القطرية، وعلى العموم تشكل القاعدة العسكرية التركية واجهة ــ بلا مواجهة ــ لعرض المعدات الدفاعية التي تعتبر فخر الصناعات التركية. .. ولم تصل تركيا بسهولة إلى هذه المكانة المتقدمة في مجال صناعاتها الحربية المتطورة، حيث توجد ثمة معطيات تقف وراء تحقيق هذه الإنجازات، أبرزها السياسات التي اتبعتها حكومتها الوطنية، لتشجيع الصناعات الدفاعية، من خلال تخصيص أكثر من مليار دولار سنوياً من موازنتها للبحوث العلمية التقنية المتعلقة بتطوير صناعاتها العسكرية، واستناداً إلى ذلك، فقد تمكنت تركيا محلياً من إنتاج قسم كبير من دفاعاتها بأيدي مهندسين أتراك، مما يخفف حجم التبعية العسكرية للخارج، وبحسب صحيفة «ترك برس» الإلكترونية تنتج تركيا حالياً أكثر من ٥٥ % من أسلحتها الدفاعية محلياً، وهدفها الاكتفاء ذاتياً من الأسلحة بشكل كامل بحلول عام ٢٠٢٣، وهي تأتي حالياً في المرتبة العاشرة على مستوى العالم من ناحية الإنتاج الحربي، والثامنة من حيث القوة العسكرية. .. ولا يتسع المجال لاستعراض الكثير من المعدات العسكرية التركية المصنعة محلياً، لكن من الضروري التوقف عند دبابتها المسماة «ألتاي»، التي تمتاز بقوة نيرانها، بالإضافة إلى ميزات التكيف مع مختلف الظروف المناخية، لتصبح من أنجح المنظومات الدفاعية العالمية. عدا مروحيتها المقاتلة (تي و١٢ أتاك) التي تصنع بكاملها في تركيا، وتحمل أجهزة ملاحة وتصويب تركية الصنع. بالإضافة إلى العنقاء (بلوك ب) وهي طائرة دون طيار تمتاز بأنظمة رادارات متطورة، وقدرة على حمل المستلزمات الضرورية، إضافة إلى كاميرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء. .. وما من شك في أن تركيا من خلال خزانها البشري الهائل، الذي اقترب من حاجز (٨٠) مليون نسمة تقريباً، نجحت خلال السنوات الأخيرة بإمكانياتها المحلية في إنتاج مروحياتها الحربية وطائراتها الاستطلاعية ودباباتها وبواخرها وزوارقها، حيث شهدت تطوراً ملحوظاً وتحولاً في صناعاتها الحربية، لتصبح واحدة من أهم الدول المصنعة للأسلحة المتطورة في العالم. بل إنها سبقت الكثير من الدول الغربية في مقياس القوة العسكرية صناعياً وميدانياً، في حين أن بعض الدول العربية التي يزيد عدد سكانها عن ٩٠ مليوناً، ما زالت مشغولة, بسبب فساد نظامها السياسي في تطوير صناعاتها ولكن في مجال قلي «البطاطس»، وإنتاج أشكال جديدة من أقراص «الطعمية» بأيدٍ محلية ١٠٠ %! أحمد علي مدير عام صحيفة الوطن القطرية