محمود عباس

محمود عباس

مَحْمُود رِضَا عَبَّاس وكُنيته أَبُو مَازِن (١٥ نوفمبر ١٩٣٥)، الرّئيس الثّاني للسّلطة الوطنيّة الفلسطينيّة منذ ١٥ يناير ٢٠٠٥م، ورئيس منظمة التّحرير الفلسطينيّة ولا يزال في ذات المنصب؛ حيثُ مدَّد المجلس المركزي لمنظمة التّحرير ولايته الرّئاسية، لحين إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية. وكقائد لحركة فتح وقد كان عبَّاس أوّل رئيس وزراء في السّلطة الوطنيّة الفلسطينيّة؛ حيثُ تولّى رئاسة الوزراء جامعًا معها وزارة الدّاخلية في الفترة ما بين مارس إلى سبتمبر ٢٠٠٣. بعد وفاة ياسر عرفات في ١١ نوفمبر ٢٠٠٤، أصبح عبَّاس رئيس منظمة التّحرير الفلسطينيّة، ثمّ رشح نفسه لانتخابات الرئاسة الفلسطينيّة ٢٠٠٥م، وفاز في الانتخابات ليكون ثاني رئيس للسّلطة الوطنية الفلسطينيّة منذ إنشائها في عام ١٩٩٣. لعب عبَّاس دورًا بارزًا في مفاوضات أوسلو عام ١٩٩٣، وما تلاها من اتفاقيات، ومعاهدات كاتفاق غزة أريحا، واتفاقية باريس ١٩٩٤م، ضمن مسار التّسوية السّلمية. ويكيبيديا

عدد الأخبار كل يوم من ولمدة حوالي شهر واحد
من أهم المرتبطين بمحمود عباس؟
أعلى المصادر التى تكتب عن محمود عباس
روائع الكلام عن العقل فى الإسلام بقلم كمال الرخاوي المحــامى بالنقض وأمين عام حزب حراس الثورة بالغربية يزعم بعض المشككين أن الإسلام دين يلغى العقل ويخضعه للنصوص الدينية المدونة فى القرآن والسنة ، والمفروض فى ظنهم أن يحكم العقل فى كل شىء حتى فى القرآن ، وأن ما لا يقبله العقل من الشرع غير مقبول – وهذا الزعم باطل للأسباب الآتية ١ أولى الإسلام العقل عناية فائقة حتى ساق الكثرة المطلقة من أحكامه ، مصحوبة بالحكم التى توخاها الشارع منها . ٢ لم يلغ الإسلام العقل ، وإنما أمر بإعماله ، فهو مناط التكليف ، وقد حث القرآن على النظر والتفكر ، ودعا للتدبر والتعقل ، وأنكر على الذين لا يعلون عقولهم قائلاً ( أفلا يعقلون ) . ٣ لا تعارض بين صريح المعقول وصحيح المنقول فى الإسلام ، وتقديم النقل على العقل من مبادىء أهل السنة والجماعة عند التعارض بينهما . ٤ لفهم النص القرآنى أصول وضوابط ، وإعمال العقل فى القرآن والسنة ليس للحكم على صحتهما ، وإنما لتوثيق نسبتهما إلى الله ورسوله ، وإيضاح ما فيهما من دقائق المعانى ورقائق الهدى . • وننوه بداية إلى أن من بين مزايا القرآن الكثيرة ـ فإن هناك مزية واضحة فيه يقل فيها الخلاف بين المسلمين وغير المسلمين ، لأنها مزية ثابتة بنصوص وألفاظ الآيات القرآنية ثبوتاً تؤيده أرقام الحساب ، والدلالات الواضحة المباشرة للألفاظ ، وتلك هى مزية التنويه بالعقل ، وبكل ملكة من ملكاته ، والتعويل عليه ، ففى كتب الأديان الكبرى إشارات صريحة أو ضمنية إلى العقل أو إلى التمييز ، ولكنها تأتى عرضًا غير موظفة فى نظرية متكاملة ، أما القرآن الحكيم ، فإنه لا يذكر العقل إلاّ فى مقام التعظيم ، والتنبيه فى إطار نسق عام ، إلى وجوب العمل به والرجوع إليه • وقد إتخذ الإسلام فى منهجه العقلى خطوات متتالية ترقى بالعقل درجة درجة حتى تفضى به إلى اليقين الدينى ١ محاربة الجمود والتقليد لأن البناء على أساس عقلى متين يقتضى تنقية الرواسب التى خلفتها القرون الماضية التى هيمنت على العقول وحجبتها عن البحث والتأمل ، لذلك أثبت القرآن صفة هؤلاء ، قال تعالى ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ، وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ۚ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) " البقرة ١٧٠ ١٧١ " . ٢ مكافحة المكابرة والعناد والمعاندون هم الذين يرون الحقائق ماثلة أمام أعينهم ولكنهم يكابرون ويختلقون الأكاذيب لطمسها ، وصرف العدول عنها ، وإذا وضع الحق أمامهم لا سبيل إلى نكرانه – كابروا ، قال تعالى ( وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا أوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا ) " الإسراء ٩٠ ٩١ " ، وأمثال هؤلاء وجب فضحهم حتى لا يفتنوا غيرهم بما يلفقونه من سفسطة ومهاترات . ٣ التأمل والإستنباط بعد تحرير العقول من المعتقدات الفاسدة وكشف أباطيل المعاندين فقد ناشد الإسلام أهله أن يتدبروا ويتأملوا فى ملكوت السماوات والأرض قال تعالى ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) " آل عمران ١٩٠ ١٩١ " وقال تعالى ( أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ) " الغاشية ١٧ ١٩ "، بل يحفز إلى التأمل الذاتى فى تكوين الجسد والعقل ، قال تعالى (لْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ ) " الطاق ٥ ٦ " . ٤ النتائج العلمية مؤيدة بالبراهين بعد مرحلة التدبر يعين الإسلام على الوصول إلى النتائج العلمية مؤيدة بالدليل المنطقى الملموس ، قال تعالى ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا ) " الأنبياء ٢٢ " ، وقال أيضاً ( ما اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) " المؤمنون – ٩١ "، وهكذا نجد الحقيقة الكبرى مقررة بالبرهان العقلى حتى لا يعتر الناس شك أو إبهام ، كتقريره مثلاً لموضوع الوحدانية ، قال تعالى ( أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ َمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) " النمل ٦٠ ٦٤ " وفى التدليل على البعث والنشور ، قال تعالى (أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ) " الواقعة ٥٨ ٦٠ " وهكذا يظل القرآن يوالى الحقائق المشفوعة بالدليل القاطع والبرهان المبين . وظيفة العقل فى الإسلام • ليس ثمة عقيدة تقوم على إحترام العقل الإنساني وتعتز به ، وتعتمد عليه في ترسيخها كالعقيدة الإسلامية ، وليس ثمة كتاب أطلق سراح العقل وغالى بقيمته وكرامته كالقرآن الكريم كتاب الإسلام ، بل إن القرآن ليكثر من استثارة العقل ليؤدي دوره الذي خلقه الله له. والعقل فى مدلول لفظه العام ملكة يناط بها « الوازع » الأخلاقى أو المنع عن المحظور والمنكر ، ومن خصائص العقل ـ ملكة « الإدراك » التى يناط بها الفهم والتصور ، ومن خصائصه أنه يتأمل فيما يدركه ويقلبه على وجوهه ، ويستخرج منه بواطنه وأسراره ، ويبنى عليها نتائجه وأحكامه .. وجملة هذه الخاصية تجمعها ملكة « الحكم » وتتصل بها ملكة « الحكمة » . ومن أعلى خصائص العقل الإنسانى « الرشد » ، وهو مقابل لتمام التكوين فى العقل الرشيد ووظيفة الرشد فوق وظيفة العقل الوازع ، والعقل المدرك والعقل الحكيم .. لأنها استيعاب واستيفاء لجميع هذه الوظائف وعليها مزيج من النضج والتمام بميزة الرشاد . وفريضة التفكير فى القرآن الحكيم تشمل العقل الإنسانى بكل ما احتواه من هذه الوظائف بكل خصائصها ومدلولاتها ، وتخاطب كل خاصية من هذه الخصائص ولذلك نجد عبارات ( لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) " البقرة ٧٣ " ، ( ولِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) " يونس ٢٤ " ، ( ولِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ) "الأنعام ٩٨ " ونحوها تتكرر عشرات المرات في السياق القرآني لتؤكد النهج القرآني الفريد في الدعوة إلى الإيمان وقيامه على احترام العقل .فمن خطابه إلى العقل عامة ، ومنه ما ينطوى على العقل الوازع قوله تعالى فى سورة البقرة « إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ » ( البقرة ١٦٤ ) ، ومنه فى سورة المؤمنون « وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ » . ( المؤمنون ٨٠ ) . ومنه فى سورة الروم « وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ * وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ * وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ » . ( الروم ٢٥ ٢٨ ) ومنه فى سورة العنكبوت « وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ » . ( العنكبوت ٤٣ ) . ومنه ما يخاطب العقل وينطوى على العقل الوازع كقوله تعالى فى سورة الملك « وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ » . ( الملك ١٠ ) وفى سورة الملك « وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ » ( الأنعام ١٥١ ) ومنه بعد بيان حق المطلقات فى سورة البقرة « كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ » ( البقرة ٢٤٢ ) . ومنه فى سورة يوسف « وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ » ( يوسف ١٠٩ ) . ومنه فى سورة الحشر ، بيانًا لأسباب الشقاق والتدابر بين الأمم « تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ » ( الحشر ١٤ ) . وهذا عدا الآيات الكثيرة التى تبتدئ بالزجز وتنتهى إلى التذكير بالعقل لأنه خير مرجـع للهداية فى ضمير الإنسـان ، كقوله تعالى فى سورة البقرة « أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ » ( البقرة ٤٤ ) ، وكقوله تعالى « يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ » . ( آل عمران ٦٥ ) وكقوله تعالى « وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ » . ( المائدة ٥٨ ) ، وفى سورة الأنعام « وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ » . ( الأنعام ٣٢ ) وفى سورة هود « يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ » . ( هود ٥١ ) ، وفى سورة الأنبياء « أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ » ( الأنبياء ٦٧ ) . • ولقد أبرز الإسلام مظاهر تكريمه للعقل واهتمامه به في مواضع عدة نذكر منها. أولا قيام الدعوة إلى الإيمان على الإقناع العقلي فلم يطلب الإسلام من الإنسان أن يطفئ مصباح عقله ويعتقد ، بل دعاه إلى إعمال ذهنه وتشغيل طاقته العقلية في سبيل وصولها إلى أمور مقنعة في شؤون حياتها وقد وجه الإسلام هذه الطاقة بتوجيهات عدة لتصل إلى ذلك ١ فوجهها إلى التفكر والتدبر. أ في كتابه ، قال تعالى ( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) " سورة ص آية ٢٩ " وقال تعالى ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ إخْتِلاَفًا كَثِيرًا ) " النساء ٨٢ " ، وقال تعـالى ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) "سورة محمد ٢٤ " . • ثم يستثير العقل الإنساني ويتحداه أن يأتي بمثل هذا القرآن حتى إذا ما أدرك عجزه عرف أنه من عند الله ، قال تعالى ( قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ ) " هود ١٣"، وقال تعالى ( فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ ) " الطور ٣٤ " ب وفي مخلوقاته • قال تعالى ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) " آل عمران ١٩١" . وقال تعالى ( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ) " الروم ٨ " وقال تعالى ( أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ) " الغاشية ١٧ ٢٠ " ثم يتحدى العقـل بحواسه أن يجد خللاً في شيء منها ليزداد بعـد عجزه إيماناً وتسليماً ، قال تعالى ( الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ ) " الملك ٣ ٤ ". ج وفي تشريعاته قال تعالى ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) " البقرة ١٧٩" وقال تعالى ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) " البقرة ١٨٤" فأمر بالتفكر في تلك التشريعات لتحري الحكمة فيها لأن الحياة لا تسير آلية بحيث تنطبق عليها القاعدة التشريعية إنطباقاً آلياً وإنما هناك مئات من الحالات للقاعدة الواحدة وما لم يكن الإنسان مدركاً للحكمة الكامنة وراء التشريع وفاهماً لترابط التشريعات في مجموعها فلن يتمكن من تطبيقها في تلك الحالات المختلفة التي تعرض للبشر في حياتهم الواقعية وقد عني الإسلام بإيقاظ العقل لتدبر هذه التشريعات ليستطيع تطبيقها على خير وجه . د وفي أحوال الأمم الماضية وما أدت بهم المعاصي إليه قال تعال ( قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) " الأنعام ١١" وقال تعالى ( أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ) " الأنعام ٦". هـ وفي الدنيا ونعيمها الزائل قال تعالى ( وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا ) . " سورة الكهف أية ٤٥" ٢ وجه الإسلام الطاقة العقلية لمراقبة نظام الحياة الاجتماعية مراقبة توجيه وإصلاح لتسير الأمور على منهج صحيح ، قال تعالى ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) " آل عمران ١٠٤" ثانياً لم يقسر الإسلام بعد هذا العقل على الإيمان وإنما ترك له الخيار بين الإيمان والكفر ، قال تعالى ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) " البقرة ٢٥٦" وقال تعالى ( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ) " الكهف ٢٩" وقال تعالى ( أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ) " يونس ٩٩" وقال تعالى ( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ ) " الغاشية ٢١ ٢٢" فلم يكره الإسلام العقل على الإيمان. • ثالثاً حرص الإسلام على قيام العلاقة بين العبد وربه على الوضوح العقلي في العقيدة والشريعة وعدم تقييده له بعد اقتناعه وإيمانه بالرهبانية ، فلا رهبانية في الإسلام لما فيها من تقييد للعقل فضلاً عن الغرائز والحواس ولما فيها من تعطيل للطاقة والقوى البشرية والمخالفة لنظام الحياة مخالفة تقضي بالفناء على البشرية فيما لو اعتنق الناس الترهب والانعزال ديناً. رابعاً ومن مظاهر تكريم الإسلام للعقل نعيه على المقلدين الذين لا يعلمون أذهانهم وحذر من التقليد الأعمى والتعصب الأصم لنظريات واهية وآراء زائفة ناشئة عن الخرافات والأهواء ، قال تعالى ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ ) " البقرة ١٧٠" وقال تعالى ( أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ) "هود ٨٧ ". وقال تعالى ( فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاء مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ ) " هود ١٠٩" وأمر بالتثبث في كل أمر قبل الاعتقاد به واقتفائه ، قال تعالى ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا )ً " الإسراء ٣٦ " وقال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ) " الحجرات ٦ " . خامساً ومن مظاهر تكريم الإسلام للعقل أمره بالتعلم والحث على ذلك فكما أن نمو الجسم بالطعام فإن نمو العقل بالعلم إذ بهذا يكون الإيمان عن إدراك أوسع وفهم أعمق واقتناع أتم بل قرن سبحانه ذكر أولى العلم بذكره عز وجل وذكر ملائكته فقال تعالى ( شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) "آل عمران ١٨" . وقال تعالى ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ) " فاطر ٢٨ " وقال تعالى ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) " المجادلة ١١" . وجعل العلم مشاعا لأنه غذاء العقل الذي به ينمو ، قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) " البقرة ١٥٩ ١٦٠". لذا لم يعرف الإسلام "رجل الدين" الذي يحتكر علومه ويعطي صكوك الغفران ويملك التحليل والتحريم ولكنه يعرف فكرة "عالم الدين" الذي يرجع إليه لمعرفة حكم الله فيما اشتبه على الناس من أمور دينهم مستنداً إلى دليل معتبر شرعاً من غير إلزام إلا بحجة قطعية من كتاب أو سنة أو إجماع مسلم به. • • • سادساً ومن مظاهر تكريم الإسلام للعقل أيضاً إسناده استنباط الأحكام فيما لا يوجد فيه نص من كتاب أو سنة أو إجماع إلى العقل ، وما حديث معاذ عنا ببعيد حين بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضياً قال ((كيف تقضي يا معاذ؟ قال بكتاب الله قال فإن لم تجد ، قال بسنة رسول الله ، قال فإن لم تجد ، قال اجتهد برأيي ولا آلو ، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ، وقال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي الله ورسوله)) ، فجعل من اجتهاد العقل أساساً للحكم وقاعدة للقضاء عند فقدان النص. سابعاً ومنها الأمر بتكريمه والمحافظة عليه والنهي عن كل ما يؤثر في سيره أو يغطيه فضلاً عما يزيله ، فحرم شرب الخمر ، قال تعالى ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ) " المائدة ٩٠" . وجعل الدية كاملة على من تسبب في إزالته عن آخره قال ابن قدامة "لا نعلم في هذا خلافاً وقد روي عن عمر وزيد رضي الله عنهما وإليه ذهب من بلغنا قوله من الفقهاء وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم ( وفي العقل الدية ) ولأنه أكبر المعاني قدراً وأعظم الحواس نفعاً فإن به يتميز عن البهيمة ويعرف حقائق المعلومات ويهتدي إلى مصالحه ، ويتقى ما يضره وهو شرط في ثبوت الولايات وصحة التصرفات وأداء العبادات فكان بإيجاب الدية أحق من بقية الحواس . منزلة العقل فى الإسلام العقل يهتدى بالقرآن فى أمور عديدة منها ١ فى مسائل الإيمان ( وهى العقيدة المتعلقة بالله ورسله واليوم الأخر والغيب ) . ٢ فى مسائل الأخلاق ( فهو بيان لما يجب عليه سلوك الإنسان ليكون صالحا و عدم خلط الوسيلة بالغاية ) . ٣ فى مسائل التشريع ( فالقرآن يحدد تشريع الله الذى حدده لخلقه لتسعد به الأنسانية كما نظم العبادات كالصلاة و الصوم و الزكاة و ما إلى ذلك ) . • فقد جاء الدين هادياً للعقل فى مسائل ما وراء الطبيعة ، أى العقائد الخاصة بالله سبحانه وتعالى ، ورسله ، واليوم الأخر والغيب الإلهى على وجه العموم . • وكذلك جاء هادياً فى مسائل الأخلاق ، أى الخير والفضيلة ، وما ينبغى أن يكون عليه السلوك الإنسانى ليكون الشخص صالحاً ، فمن الناس من هو عبد للمال أو الجاه أو السلطان ، ولدى هؤلاء – الرازق هو السلطان ، والشافى هو الدواء ، والمعطى هو الوزير ، وهكذا ، فخلطوا الوسيلة بالغاية ، فقالوا أن الدواء هو الشافى ، والشرع يقول أن الشافى هو الله ، ولا يحصل الشفاء إلا بأمره ، وهكذا فى كل أمور الدنيا ، فالعقل – إذن – ليس هو الآداة الصحيحة لبحث المسائل النفسية لأن النفس تدخل فى عالم الغيب الذى لا يخضع لحواس الإنسان ، والخطأ والصواب فى علم الأخلاق تختلف عليه لو إستعملنا عقولنا فقط . وقصة العبد مع سيدنا موسى دليل رائع على القصور البشرى فى إدراك الخير والشر وأن الحواس لا تدرك إلا جزءاً يسيراً من الحقيقة ، وأن العقل يعجز عن إدراك أطوار لا يدركها إلا القلب ، ولذلك نزلت الشرائع والأديان السماوية بما يدخل فى عالم الغيب وما يتصل بالسلوك الذى يعجز عن إدراكه العقل وهى تدعو إلى التسليم والإنقياد والعبودية المطلقة لله جل شأنه . • وجاء الإسلام كذلك هادياً فى مسائل التشريع الذى ينتظم به المجتمع وتسعد به الإنسانية مستقلاً بنفسه ، فإنه لا يصل فيها إلى نتيجة يتفق عليها الجميع فالمسائل المتعلقة بالعبادات كالصلاة والصوم والزكاة والحج ، أى الخصائص المتعلقة بالعبودية قطعاً تؤدى إلى التسليم والإذعان . فلننظر إلى آداء هذه العبادات ، فحركات الصلاة – مثلاً – ليست عشوائية بهذا الشكل ، بل هى مقصودة ، كما أن الأمر بغسل أعضاء معينة فى أثناء الوضوء لابد أنه مستند إلى فائدة وحكمة . كما أن آداء الصلاة فى الجماعة له دور مهم فى تأسيس الحياة الإجتماعية ، وفرض الزكاة له دور مهم فى تأسيس التوازن بين الأغنياء والفقراء ، أما الفوائد الصحية للصوم فهى أكثر من أن تعد ، وقد كشف عنها الطب قديمه وحديثه بما فيه الكفاية حيث أنه لو تم التدقيق من ناحية العقل والمنطق لوصلنا إلى النقطة نفسها وهى الإذعان والتسليم ، فالإسلام عقلى ومنطقى من جهة ، وإذعان وتسليم من جهة أخرى فيخضع المسلم لشرعه عن طريق القلب والعقل معاً . ولاشك أن منازل الناس مختلفة فى العقل وأنصبائهم متفاوتة فيه ، ومعنى ذلك أن ما يروق لشخص عقلياً ربما لا يروق لغيره فكانت الشريعة بمثابة السفير من الله إلى الخلق عن طريق الوحى ، والآيات والمعجزات كذلك . ومن هنا تسقط " لم " ، وتبطل " كيف " ، وتزول " هلا " ، وتذهب " لو " و" ليت " فى الريح ، فلو كان العقل يكتفى به لم يكن للوحى فائدة ، فمثلاً يقال أن الحكمة من تحريم شرب الخمر إنما هى المفاسد التى تنشأ من الشخص الشارب ، فإذا ما إنتفت هذه المفاسد فلا مانع من شرب الخمر ، والتكاليف الدينية إنما جاءت لإصلاح الضمير فإذا كان الضمير صالحاً فلا حاجة إليها ، وأعمال العبادة إنما هدفها القرب من الله ، فإذا حصل القرب فلا حاجة إليها ، وهكذا يخرج الإنسان بأهوائه كما يصورها له الشيطان منطقاً معقولاً – عن الدين كما خرج إبليس قديماً بأهوائه عن الدين حينما رفض السجود لآدم – عليه السلام لزعمه أنه خير منه لأنه خلق من النار ، والنار أفضل من الطين .. كفراً وعناداً . والإمام الغزالى – رحمه الله – يمثل لهذا بقصة مؤداها أن رجلاً بنى لإبنه قصراً على رأس جبل ووضع فيه حشيشاً طيب الرائحة ، ووصاه بألا يخلى القصر من هذا النبات طوال عمره فزرع الولد من صنوف الرياحين والعنبر فغمرت القصر رائحة طيبة ، وزعم أنه آن الوقت للإستغناء عن هذا الحشيش فما وصاه به والده إلا لطيب رائحته ، وقد ضاق به المكان ، فلما خلا القصر من الحشيش ظهر من بعض ثقوب القصر حية هائلة وضربته ضربة أشرف بها على الهلاك ، حينئذ تنبه إلى فائدة الحشيش وقت لا ينفع فيه التنبه ، فقد كان من خاصة هذا الحشيش دفع هذه الحية ، فكان الغرض من هذه الوصية شيئين أحدهما الإنتفاع بالرائحة ، وهذا ما أدركه الولد بعقله . وثانيهما دفع الأذى ، وهذا ما قصر عن إدراكه ، فاغتر الولد بما عنده من علم ، وظن أنه لا سر وراء ما يعلم ويعقل كما قال تعالى ( ذ َٰلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَىٰ ) " سورة النجم – آية ٣٠ " . وقال سبحانه وتعالى ( فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) " سورة غافر – آية ٨٣ " . والعقل يفهم محكم القرآن ولا يناقض متشابهه ، وقد جاء فى القرآن قوله تعالى ( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) " آل عمران ٧ " فقد أراد الإسلام من المسلم أن يتمسك بالمحكمات إستمساكاً تاماً وأن يعتصم بها إعتصاماً كاملاً ( ومَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) " آل عمرن – ١٠١ " دعوة الإسلام إلى التفكر والنظر إن الإسلام يحرر العقل من عقاله ، ومن أروع ما يؤثر فى هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم – أن الشمس كسفت يوم مات ولده إبراهيم ، فظن الناس أنها كسفت من أجله ، فأنكر ذلك حتى لا يقع الناس فى رق الخرافات والأوهام فالانسان قد ينزل بحسه وعقله إلى المستوى الحيوانى ويصير من طائفة من يقال فيهم " كالأنعام "، وقد يرتفع بروحه الشفافة وبصيرته المضيئة وقلبه الطاهر إلى أن يكون أقرب إلى الملائكة ، على أن التفكير فى الإسلام ليس عوضًا أو بديلاً عن النص أو ما يشبه النص فى الأحكام ، بل جعل الله سبحانه وتعالى التفكير فريضة إسلامية فقال تعالى ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ ) (آل عمران ١٩٠). وأولو الألباب هم العقلاء حقا فهم كما قال تعالى (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) (آل عمران ١٩١) تفكر علم وبحث ودراية واستكشاف وتقص، فيكون الاستنتاج العام لبحثهم وتفكرهم قولهم (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ) (آل عمران ١٩١) ، وجاءت هذه النتيجة لما توصلوا إليه من إحكام في الخلق وإعجاز وإبداع ويقين فيطلبون من الله تعالى بعد ذلك قائلين (فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) " آل عمران ١٩١" . وعندما نزل قول الله تعالى ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) ( البقرة ١٦٤)، عندما نزلت هذه الآية حذرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم من عدم التفكر فيها، فويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها تفكر الباحث العالم الذي يصل إلى أهمية اختلاف الليل والنهار لاستمرار الحياة على الأرض، وإزهار النبات، وتكاثر الحيوان ونموه، ويبحث عن كيف يحيي الله الأرض بالماء فتنتشر فيها الكائنات الحية الفطرية والبكتيرية والفيروسية والحيوانية والنباتية، ويدرس التنوع الحيوي للكائنات الحية في الأرض وما بث الله فيها من كل دابة , وسخر الرياح لتلقيح النبات ولحمل الطير و السحاب والمطر في دورة المياه ورفعه وإنزاله، كلها ظواهر كونية من لم يتفكر فيها غضب الله عليه لتعطيل نعمة التفكير والكفران بها، فالتفكير فيها فريضة إسلامية وقد أدرك الأستاذ محمود عباس العقاد رحمه الله هذه الحقيقة الإسلامية فأعد بحثه التفكير فريضة إسلامية وقدمه للمؤتمر الإسلامي في ستينيات القرن العشرين الميلادي، ونشر في كتاب بواسطة دار العلم بالقاهرة قال فيه ( القرآن لا يذكر العقل إلا في مقام التعظيم والتنبيه إلى وجوب العمل به والرجوع إليه، ولا تأتي الإشارة إليه عارضة في سياق الآية، بل هي تأتي في كل موضع من مواضعها مؤكدة جازمة باللفظ والدلالة وتتكرر في كل معرض من معارض الأمر والنهي التي يحث فيها المؤمن على تحكيم عقله أو يلام فيها المنكر على إهمال عقله وقبول الحجر عليه، ولا يأتي تكرار الإشارة إلى العقل بمعنى واحد من معانيه التي يشرحها النفسانيون من أصحاب العلوم الحديثة، بل هي تشمل وظائف الإنسان العقلية على اختلاف أعمالها وخصائصها وتتعمد التفرقة بين هذه الوظائف والخصائص في مواطن الخطاب ومناسباته، فلا ينحصر خطاب العقل في العقل الوازع ولا في العقل المدرك ولا في العقل الذي يناط به التأمل الصادق والحكم الصحيح، بل يعم الخطاب في الآيات القرآنية كل ما يتسع له الذهن الإنساني من خاصة أو وظيفة ). ثم قال العقاد رحمه الله ( فالعقل في مدلول لفظه العام ملكة يناط بها الوازع الأخلاقي أو المنع عن المحظور والمنكر، ومن هنا كان اشتقاقه من مادة (عقل) التي يؤخذ منها العقال). ثم قال العقاد رحمه الله ( وفريضة التفكير في القرآن الكريم تشمل العقل الإنساني بكل ما احتواه من هذه الوظائف بجميع خصائصها ومدلولاتها فهو يخاطب العقل الوازع والعقل المدرك والعقل الحكيم والعقل الرشيد، ولا يذكر العقل عرضا مقتضبا بل يذكره مقصودا مفصلا على نحو لا نظير له في كتاب من كتب الأديان) (انتهى – ص ٨). ثم قال رحمه الله ( وقد بدأ الإسلام التحذير الشامل من هذا الفساد (فساد الكهان والرهبان ورجال الدين) فأسقط الكهانة، وأبطل سلطان رجال الدين على الضمائر ونفى عنهم القدرة على التحريم والتحليل والإدانة والغفران). ثم نبه رحمه الله إلى سيئاتهم وعاقبة من استسلموا لخديعتهم وكثير منهم خادعون (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (التوبة ٣١) انتهى (ص ٢٩). وقال رحمه الله (وصفوة القول أن الإسلام لا يعذر العقل الذي ينزل عن حق الإنسان رهبة للقوة أو استسلاما للخديعة، ولا حدود لذلك إلا حدود الطاقة البشرية ولكنها الطاقة البشرية عامة كما تقوم بها الأمم ولا ينتهي أمرها بما يكون للفرد من طاقة لا تتعداه) (المرجع السابق ص ٣٣). وقد علم فقهاء المسلمين أهمية العقل والتفكير فعقد الإمام أبو حنيفة رحمه الله جلسات للعصف الذهني مع طلابه لإقداح الذهن للتفكير والإبداع وإنشاء الحلول الأصيلة. وألف الإمام ابن تيمية رحمه الله كتاب ( صريح المعقول وصحيح المنقول) ، ويكفي الإسلام إحتراما للعقل أن يسقط التكليف عن الإنسان بذهاب عقله وغيابه وتعطيله بالنوم وغيره ، فإذا المتشدقين بالعقلانية، واتهام الإسلام بالتناقض مع العقل لو درسوا الإسلام ، وآيات التفكير والعقل في القرآن الكريم لتعلموا أنه لا تعارض بين صريح المعقول وصحيح المنقول وأن التفكير فريضة إسلامية كما ورد في الآيات ال
قارن محمود عباس مع:
شارك صفحة محمود عباس على