عثمان بطيخ

عثمان بطيخ

عثمان بطيخ (١٧ أبريل ١٩٤١) ولد بتونس هو مفتي الديار التونسية الحالي ووزيرالشؤون الدينية السابق فيحكومة الحبيب الصيد.بدأ تعليمه بالمدرسة الإبتدائية العربية الفرنسية بتونس ، وبعد أن استكمل تعليمه الإبتدائي، ألحقه والده بالتعليم الشرعي الزيتوني ب بجامع صاحب الطابع، ثم بالمعهد الثانوي الزيتوني ابن خلدون، حيث تحصل على شهادة الأهلية، ثم التحصيل، ثم بدأ تعليمه العالي بالمدرسة العليا للحقوق التونسية اين تتلمذ على يد اعلام مثل الشيخ محمد الفاضل بن عاشور فتخرج منها حاملا للاجازة الاساسية للحقوق بعد نجاحه بمناضرة الحكيمية ليعمل الشيخ عثمان بطيخ قاضيا عدليا بالمحكمة الابتدائية بتونس، وواصل دراسته بكلية الشريعة وأصول الدين التي تخرج فيها حاملا للإجازة الاساسية في الشريعة ثم دكتوراه المرحلة الثالثة، ودرّس الشيخ الفقه المقارن والسياسات الشرعية بالكلية ذاتها . ويكيبيديا

عدد الأخبار كل يوم من ولمدة حوالي شهر واحد
من أهم المرتبطين بعثمان بطيخ؟
أعلى المصادر التى تكتب عن عثمان بطيخ
الجدل التونسي حول القوانين الجديدة للمرأة ليست قصة يمين ويسار! سونيا التميمي ١٧ سبتمبر ٢٠١٧ في ١٣ أغسطس ٢٠١٧، بعد تصديق مجلس نواب الشعب على قانون تجريم العنف ضد المرأة بأيام، وفي خطاب الاحتفال بالذكرى الـ٦١ لصدور مجلة «الأحوال الشخصية»، طرح الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي مقترحين؛ الأول بخصوص تكريس المساواة التامة بين الرجل والمرأة بتعديل قانون الإرث، والثاني بخصوص إلغاء منشور ١٩٧٣ الذي يمنع التونسية المسلمة بالزواج من غير المسلم، كما أعلن عن تشكيل لجنة لدراسة هذه المقترحات. قبل التطرق إلى ردود الفعل المختلفة إزاء المقترحين، من المهم التذكير أن المسألة ليست جديدة في تاريخ الفكر الإصلاحي التونسي، كما نبهنا إلى ذلك شكري المبخوت، في مقالين عن الطاهر الحداد، ويُعد هو أول من نادى بالمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث. يعزو المبخوت سبب المشكلة في الماضي كما اليوم إلى أنّ «المعضلة التي ما انفكّت تتكرّر منذ عقود تكمن في التنافر الذي يحكم الرؤى الدينيّة في مسائل اجتماعيّة كثيرة منها المرأة. وهذا التنافر يبرز بين رؤية للواقع المتبدّل وضرورة تناوله في تاريخيّته ورؤية نصّيّة ترى أنّ أحكام الشريعة لا تتبدّل، سواء ما جاء منها نصوصًا قطعيّة أو ما كان من اجتهاد الفقهاء في عصور سابقة». تكمن المشكلة إذن في عدم موقعة النصوص تاريخيًا، لغياب الحس التاريخي لدى الفقهاء «فهم يعملون بأقوال السابقين رغم تبدّل العصور وتغيّر أحوال المجتمعات. ولا فكاك بين انعدام الحسّ التاريخيّ والعجز عن فهم روح الشريعة، ممّا جمّد الفقه الإسلاميّ وشرّع لغلق باب الاجتهاد». من أجل دعوته هذه، دفع الطاهر حداد ضريبة قاسية وتوفي معزولًا. أما آخر محاولة لطرح موضوع المساواة في الإرث فكانت منذ سنة مضت، عندما تقدم النائب في البرلمان التونسي مهدي بن غربية سنة ٢٠١٦ بمبادرة تشريعية في الموضوع، استنادًا إلى الفصل ٢١ من الدستور المتعلق بالمساواة أمام القانون، ولكن مبادرته اصطدمت بإرادة النواب في البرلمان، حيث رُفضت المبادرة بحجة «عدم مناسبة التوقيت» (منجي الرحوي عن الجبهة الشعبية)، و«تصادمها مع معتقدات الناس» (عصام الشابي عن الحزب الجمهوري)، لأنّ «موقف الإسلام واضح من مسألة الميراث» (نور الدين البحيري عن حركة النهضة)، بينما اعتبر البعض هذه المبادرة محاولة «لإبعاد اهتمامات الناس عن القضايا الحقيقية» (سمير بن عمر عن حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية»). كما أشار ناشطون من المجتمع المدني إلى أنّ النائب بن غربية لم تُعرف له مواقف مساندة لحقوق المرأة من قبل، ولا نضالات في هذا المجال، لذا جرى التشكيك في مصداقية المبادرة، ومساءلة «أهدافها المخفية»، واعتُبر طرح هذه المسألة «مسيسًا» ورامًيا لخدمة مصالح حزبية بالأساس. ما يُحسب لخطاب رئيس الجمهورية، بمقترحيه، هو أنّه فتح الباب أمام جدل عمومي حقيقي، لأنّ كلًا من المعارضين والمرحبين استطاعوا التعبير عن مواقفهم وما يساندها من الحجج بكل حرية. ردود الفعل المحلية للوهلة الأولى، قد يتبادر إلى الذهن أن الحدود الفاصلة بين المرحبين والمعارضين، هي نفس الحدود بين الحداثيين والمحافظين أو بين اليسار واليمين. بينما المتمعن في ردود الفعل يلاحظ أنّ المسألة متصلة أكثر بالبنى التقليدية الموزعة بالتساوي على كل من المحافظين والتقدميين. عادة ما كان يُعتقد أنّ المنتمين للتيارات الاسلامية أو المحافظين هم من يقفون سدًا منيعًا ضدّ حقوق النساء، ولكن المتتبع لمسار الانتقال الديمقراطي يلاحظ أنّه عندما يتعلّق الأمر بامتيازات ذكورية، تختلف التصرفات، كما المبررات، وتُعتبر المسألة صدامية. تهافُت الحجج كان واضحًا في مواقف عديدة؛ عند كتابة الدستور أولًا، ثمّ لدى مناقشة قوانين تخص المرأة أو الحريات الفردية في البرلمان أو خارجه. وقد تساءل بعض المحللين إزاء معارضة عدد من النواب لمشروع القانونين، رغم كونهم من النواب الذين ساهموا في كتابة الدستور الجديد، عن مدى وعيهم بما مضوا عليه عندما صدّقوا على بنود تكرّس المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة. عضوات سابقات في «جمعية النساء الديمقراطيات» تؤكدن أنّ الجمعية النسوية المناضلة منذ فترة طويلة عانت من الأوساط المحافظة، ولكنها أيضًا عانت بشكل كبير من الأوساط التقدمية الذكورية. فعندما طرحت الجمعية عريضة للدعوة إلى المساواة في الإرث، وكان طموحها جمع مليون توقيع، لم تتوصّل إلّا إلى أقل من ألف توقيع، واعترضت عضواتها صعوبات عديدة من طرف أصدقائهنّ في الأوساط التقدمية، لأن مصالح أساسية أخرى كانت تدخل في عين الاعتبار. الاختبار الحقيقي إذن هو الممارسة، الانتقال من القول إلى الفعل، وهنا قد لا يساعدنا التقسيم التقليدي بين اليسار واليمين على تحليل ردود الفعل المختلفة. أبعد ردود الأفعال عن التوقع صرّح بها الأمين العام لـ«الاتحاد العام التونسي للشغل»، نور الدين الطبوبي، الذي أكّد على حق مؤسسة رئاسة الجمهورية في طرح مبادرة المساواة في الميراث، ولكن مع الإشارة لكون هذه المسألة حساسة ويجب التروي فيها، ومشددًا على ضرورة عدم استعمال المرأة التونسية كورقة مزايدات، مضيفًا «إنّ المسألة حساسة، وهي تمثّل جدلًا عقائديًا ثقافيًا لابدّ من التروي فيه». كما اعتبر الطبوبي أن «مثل هذا الجدل يجب أن لا يحيد بالتونسيين على الملفات الحارقة كمكافحة الارهاب والملف الاقتصادي». أقل ما يقال عن هذه التصريحات أنها تبدو غريبة في حذرها من اتخاذ مواقف مساندة بشكل صريح لمثل هذه المقترحات من طرف المنظمة الشغيلة التي طالما ساندت قضايا المرأة وحقوقها، وإن طالها العديد من الانتقادات، لأن هيئتها التنفيذية لا تزال ذات أغلبية ذكورية (امرأة واحدة من جملة ١٣ عضوًا). وقد رد على الطبوبي، ومن صلب مؤسسته، عدد من قدماء نقابيي الاتحاد العام التونسي للشغل، في بيان عبروا فيه عن حيرتهم إزاء موقف قيادة الاتحاد من مسألة المساواة في الميراث بين الذكور والاناث. وجاء في البيان «نعبر عن استغرابنا لما صرحت به قيادة الاتحاد في خصوص هذا الموضوع الذي يكتسي أهمية بالغة نظرًا إلى أن المساواة بين الجنسين في جميع الميادين تمثل أحد المحاور الأساسية لبناء المجتمع العادل والديمقراطي الذي نصبو إليه كنقابيين ونقابيات». وبيّن قدماء اتحاد الشغل أن مطلب المساواة شرعي ديمقراطي، «تناضل من أجله، ومنذ سنوات طويلة، الحركات والمنظمات النسوية التونسية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وكافة القوى التقدمية»، مضيفين أنّه قد «أصبح من الضروري والمتأكد تحويله الآن إلى واقع اجتماعي واقتصادي وحضاري وديمقراطي جديد، وليس هناك أي مبرر لتأجيله، ولا يمكن أن تصدر الدعوات إلى تأجيله إلا من منطلق ظلامي رجعي لا يؤمن بالمساواة بين الجنسين». كما دعى قدماء المنظمة الشغيلة قيادات الاتحاد إلى مراجعة هذا الموضوع الهام، مع الحرص دومًا على أن تكون مواقف الاتحاد وتموقعاته على الساحة الوطنية متماشية مع الوفاء الكامل باختياراته (الوفاء للاختيارات)، ومن أهمها الدفاع المبدئي والدؤوب عن المساواة بين النساء والرجال في جميع الميادين. الموقف الآخر غير المتوقع هو ما عبّر عنه نائب رئيس حركة النهضة والنائب الأول لرئيس البرلمان، عبد الفتاح مورو، الذي أكد، بعد خطاب السبسي بيومين، أنّ المُقترح حول المساواة في الميراث بين المرأة والرجل فاجأ جميع الأطراف السياسية والاجتماعية ولم يُقدَّم له، وأنه بالأساس قضيّة بين رئاسة الجمهورية ومؤسسة دار الإفتاء، باعتبارها المؤسسة الدينية في البلاد. وفي انتظار صياغة موقف رسمي لحركة النهضة من محتوى الخطاب، أكد مورو أنّ زواج المسلمة بغير المسلم مسألة شخصية تهم المرأة، حتى في ظل وجود منشور سابق يمنعها. وبالنسبة للمساواة في الميراث، اكتفى بالقول إنّ النهضة حريصة على «إبقاء الاستقرار في النمط المجتمعي القائم». كما شدّد مورو على أنّ السبسي «حكيم ومدرك وفاهم… والكلمة اللي رماها بميزانها، وقد وجّهها إلى الإطار الديني وليس إلى الأطراف السياسية». عبد الفتاح مورو معروف في الأوساط التونسية بدهائه السياسي وبواجهة الانفتاح التي يحرص عليها لدى مشاركته في البرامج الإذاعية والتلفزية، وأحيانًا ما تكون تصرفاته وآراؤه غير متوقعة منه، بصفته أحد مؤسسي ما يُعتبر حزبًا للمحافظين في تونس. سواء كان ذلك عن قناعة أو بدافع الدهاء السياسي كما يرى البعض، فلا يمكن إنكار أنّ إشادته برئيس الجمهورية، وهو حليف النهضة في الحكم، وعدم اتخاذه موقفًا معارضًا صريحًا من المقترحين، قد فاجآ الرأي العامّ التونسي. ولكن سرعان ما تدخّل الناطق الرسمي باسم حركة النهضة لإعادة الأمور إلى نصابها وتوخي الحذر في التعامل مع الأمر. الملاحظ اليوم أن كل السياسيين المعارضين لمقترحَيْ السبسي يعتمدون على واحد من ثلاثة مبررات النص القرآني الذي يعتبرون أنّ وضوحه يمنع أي محاولة للاجتهاد، ويرفضون أي مشروع يتخالف مع مقاصد الدين، ثم توقيت المبادرة الذي لا يبدو مناسبًا، وأخيرًا أولوية القضايا الاقتصادية والاجتماعية الساخنة، والتي قد يطغى عليها نقاش في موضوع الارث. هذه المبررات نجدها في مواقف حزبين، يُصنّف أحدهما يمينًا والآخر يسارًا، وهما حزبا «حركة النهضة» و«الحزب الجمهوري». لم تصدر النهضة بعد بيانًا رسميًا في موضوع المبادرة، ولن تفصح عن موقفها الرسمي إلا بعد انتهاء أشغال اللجنة المكلفة بدراسة المقترحين وعرضها على الحوار المجتمعي وصياغة النص النهائي للمبادرة، وهي مهمة قد تطول لبعض الأشهر. في هذه الأثناء، شدد الناطق الرسمي باسم النهضة، عماد الخميري، على أن حزبه لن يعلّق على خلفيات وأهداف دعوة رئيس الجمهورية الداعية إلى المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة. وبيّن الخميري أن حركة النهضة ستكون من الداعمين للمشاريع التي تؤكد على دور المرأة في المجتمع. وقال إنّ «حركة النهضة لن تقبل بمشروع يكون في مضمونه متناقضًا مع أحكام الدستور وخاصة الفصول المتعلقة بالمجتمع، كما لن نقبل بأي مشروع يتخالف مع مقاصد الدين». ومن جانبه، عبر الأمين العام لـ«الحزب الجمهوري» عصام الشابي عن «خشيته من استغلال المرأة انتخابيًا والدخول في سلسلة من المبادرات في إطار سباق انتخابي وعدم الاهتمام بالمشاكل الحقيقية التي تشهدها البلاد على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي». وعن موقف حزبه من مقترح رئيس الجمهورية، أفاد الشابي بأن رئيس الجمهورية أراد الدفع بالمساواة بين الجنسين إلى مداها الأقصى، مشددًا على أن هذه القضية قابلة للحوار والنقاش بعيدًا عن التوظيف السياسي. وأوضح أن حزبه سيتداول إصدار موقف «يأخذ بعين الاعتبار الموروث الديني والدستور». المجتمع المدني.. ضد «تأنيث الفقر» كل هذا يبيّن أن المسألة غير مرتبطة بالتموقع على الخريطة السياسية، فالتصريحات الحذرة والمرتبطة باعتبارات سياساوية وانتخابوية (الانتخابات البلدية على الأبواب والمفترض تنظيمها في ديسمبر هذه السنة) نجدها عند العديد من الأحزاب السياسية التقدمية والمحافظة، فقليل من الأحزاب من أصدر موقفًا مبدئيًا دون الأخذ في الحسبان تبعاته الانتخابية. في المقابل، كانت منظمات المجتمع المدني التي تناضل منذ سنوات من أجل الحريات الأساسية، ومن ضمنها حقوق المرأة، متناسقة مع مواقفها، ورحب جلُّها بالمقترحين. بيّنت رئيسة «الاتحاد الوطني للمرأة التونسية» راضية الجربي أنّه من الخطإ اعتبار توقیت طرح هذا الجدل غیر مناسب، وقد شددت على «أن المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة قابلة للتنفيذ في تونس بحكم التطور الذي تعيشه البلاد». كما اعتبر الحقوقي وعضو «المرصد التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية»، مسعود الرمضاني، أنّ إحياء الجدل حول موضوع المساواة في الميراث يُعتبر «جزءًا من حق المساواة الذي ينص عليه الدستور التونسي والاتفاقيات الدولية» التي وقّعت عليها تونس. كما أكد أعضاء «الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات»، في بيان مساندتهم لمقترحي رئيس الجمهورية، على وقوفهم «إلى جانب الإنهاء مع عدم المساواة في الميراث باعتباره سببًا في تأنيث الفقر فضلًا عن رمزيته في اعتبار ’المرأة نصف الرّجل‘، وتأبيد الهيمنة الأبوية دون أيّ اعتبار للمتغيّرات الاجتماعية ومساهمة النّساء في القيام بالعائلة ومشاركتها في التّنمية الاقتصادية والاجتماعية». النقاش المجتمعي والتوافقات السياسية بعد إعلانه عن المقترحين، أنشأ الباجي قائد السبسي لجنة الحريات الفردية والمساواة لدى رئاسة الجمهورية، والتي ستتولى إعداد تقرير حول الاصلاحات المرتبطة بالحريات الفردية والمساواة، استنادًا إلى مقتضيات دستور ٢٠١٤ والمعايير الدولية لحقوق الانسان والتوجهات المعاصرة في مجال الحريات والمساواة. وعيّن على رأس اللجنة بشرى بالحاج حميدة، وهي محامية ومناضلة في مجال حقوق المرأة معروفة في الأوساط التونسية. وتتكون اللجنة من تسع أعضاء، بين حقوقيين وناشطين في المجتمع المدني. وللجنة طبيعة استشارية حول مسألتين، الأولى والأهم حول الحريات الفردية، إذ صحيح أنه حدث تقدم مهم على مستوى التشريعات والدفاع عن الحقوق الجماعية، ولكن الحريات الفردية بقيت باستمرار عرضة لمحاولة الانتهاك والمحاصرة والحجب بطرق متعددة، والمطلوب من اللجنة هنا إعداد ورقة اقتراحات حول مسألة الحريات الأساسية، أمّا الموضوع الثاني المُلحق فهو المساواة. ويُنتظر من اللجنة تقديم مشروع متكامل حول هاتين المسألتين، لاستثمارهما من قبل رئيس الجمهورية وتحويل تلك الأفكار إلى مبادرة تشريعية، أي استثمار هذه الفرصة التاريخية لتوفّر الإرادة السياسية. أمّا عن تقييم نجاعة هذه اللجنة، فيعتقد بعض الملاحظين أنها عبارة عن عمل سياسي وسيتوقف، حيث لا يسمح السياق الحالي بتنزيل هذه المبادرة على أرض الميدان إلا بعد حوار مجتمعي. لذا، فالمهمّ الآن هو ما يجري على هامش هذه اللجنة أنشطة المجتمع المدني، والحوار في وسائل الإعلام والفضاءات الأخرى التي ستدفع بالنقاش إلى الأمام أكثر من النخبة التي ستُغلَق عليها الأبواب وتنتج تقاريرها حول الموضوعين. وهو ما بدأه المجتمع المدني بدعوة إلى عقد أوّل مقابلة خلال الاسبوع الجاري للنقاش في مسألة المساواة في الإرث. والحجة الثانية للمعترضين على هذه اللجنة كانت إقصاءها حركة النهضة من تركيبتها، أي أنها أقصت حساسية كبيرة من المجتمع التونسي، بينما المفروض أن تحاول إقناع الممانعين لمشروع القانون بألا مفر من هذا الاتجاه، إذ أنّ عزلهم في الزاوية ستكون نتيجته تقسيم المجتمع. المطروح في تونس اليوم ليس عملية سهلة. يُعزى الفضل لرئيس الجمهورية أنّه اقتحم هذا الموضوع الشائك وعبّر عن إرادة سياسية وجرأة في الطرح لم يقدر عليهما بورقيبة في هذين الموضوعين بالذات. ويعود ذلك لاختلاف وضعية الباجي قائد السبسي عن وضعية بورقيبة الذي كان ينفرد بالقرار ويُخضع المؤسسات والرأي العام لإرادته السياسية، «» أمّا الآن، فيتوجب على الباجي قائد السبسي المرور بمجموعة مراحل مؤسساتية، كما ينبغي عليه أخذ الرأي العام بعين الاعتبار، إذ لا يكفي توفّر بوادر الإرادة السياسية، لأنّ الأهم هو كيفيّة خلق علاقة تفاعلية بين الإرادة السياسية وقبول الرأي العام في مثل هذه التحولات الجذرية. سياقا عمل كلّ من بورقيبة والسبسي مختلف، حيث يميّز فترة بورقيبة إسقاط القوانين من أعلى، بينما السمة المميزة للانتقال الديمقراطي الآن هي قلب المعادلة، أي المرور من القاعدة إلى أعلى. إرادة الشعب هي الأهم، وهذا ما قاله قائد السبسي، الذي يعي حدوده ويترك العمل الأهمّ للمجتمع المدني والإعلام وبقية المؤسسات التعليمية والثقافية التي يجب أن تتجنّد لهذا المشروع. كما أن قائد السبسي يحظى اليوم بتأييد دار الإفتاء التونسية بخصوص مقترحيه، بعد المساندة العلنية لمفتي الجمهورية عثمان بطيخ. وقال ديوان الإفتاء، في بيان له، إن مقترحات السبسي تدعم مكانة المرأة وتضمن وتفعل مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، التي نادى بها الدين الإسلامي في قوله تعالى «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف»، فضلًا عن المواثيق الدولية التي صّدقت عليها الدولة التونسية والتي تعمل على إزالة الفوارق في الحقوق بين الجنسين. هنا تجدر الإشارة إلى تغيّر موقف دار الإفتاء من النقيض إلى النقيض، فمن سنة مضت عارض عثمان بطّيخ مقترح النائب بن غربية، مشددًا على أنه «لا مجال لتغيير القرآن أو تحريفه»، ومشيرًا إلى أن «الآية القرآنية في هذا الصدد بينة وصريحة ولا تحتمل التأويل أو الاجتهاد»، مبديًا معارضته لمثل هذه المقترحات التي لا تخدم مصالح التونسيين بأي شكل من الأشكال. ودعى المفتي وقتها النوابَ لإيجاد حلول للمشاكل الجوهرية بالبلاد، بعيدًا عن إثارة إشكاليات هامشية «نحن في غنى عنها»، بحسب قوله. يعزّز هذا تخوّف بعض الفاعلين السياسيين ومناضلي المجتمع المدني من أن يكون الطرح كلّه عبارة عن مناورة سياسية يعمد من خلالها رئيس الجمهورية لإعادة فرز الأوراق السياسية، وهو موقف «الجبهة الشعبية». فرغم مساندتها للمبادرة وتأكيدها على أنّها ستتفاعل مع مقترح رئيس الجمهورية، عندما يجري تأطيره في مبادرة تشريعية من منطلق أنّ الجبهة تنظر إلى المسألة وفق مبدأ المساواة بين الجنسين، لأنّ القول بمبدأ التمييز بين الجنسين ينتمي لعصر «أبوي قديم»، إلاّ أنّ النائب البرلماني عن «الجبهة»، زياد الأخضر، صرّح بأنّ هدف السبسي من وراء هذه المبادرة هو تحويل الأنظار والنقاش بالأوساط الاجتماعية والسياسية، من قضية توريث الحكم والفساد، إلى مسألة المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، مرجحًا أن يكون رئيس الجمهورية يجهّز للانتخابات القادمة من خلال هذه الدعوة، كما يسعى لإحراج من اعتبرهم «الحلفاء التقليديين ذوي الانتماءات المحافظة». قد يبدو أنّ لهذا التشكيك في النوايا مصداقية، إذا نظرنا للفتور الذي بدأ يميز العلاقة بين حزبي الإئتلاف الحاكم الرئيسيين، إذ تغيَّب رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، عن الاحتفال بعيد المرأة، وهو الحريص على حضور كل المناسبات الوطنية، كما خرج الباجي قائد السبسي، في السادس من سبتمبر الماضي، بتصريح فاجأ الجميع عن تحالف حزبه، «نداء تونس»، مع «حركة النهضة» في الحكم إبان انتخابات ٢٠١٤، وهو التحالف الذي وصفه بأنّه أُبرم على «أمل المساهمة في جلبها [حركة النهضة] إلى خانة المدنية، ولكن يبدو أنّنا أخطأنا التقييم». *** في ١٤ سبتمبر ٢٠١٧ الماضي، جرى تعليق العمل بمرسوم سنة ١٩٧٣، ما ترتب عليه أن أصبح للتونسية المسلمة الحق في الزواج من غير المسلم. إذا كان المقترح الأوّل للسبسي مرّ إلى حيز التطبيق في ظرف شهر لأنّ العوائق أمامه كانت هيّنة، فيبدو أنّ المقترح الثاني قد يعصف بالائتلاف الحاكم المكوّن من «نداء تونس» و«حركة النهضة». الثابت في العلاقة التوافقية بين الطرفين، كما يرى المحللون، أنها نجحت حتى الآن في الصمود، رغم العديد من الهزات السابقة التي كادت تعصف بها، خاصة بسبب الخلافات بين قياديي النهضة أو بين قياديي النداء حول عدة مسائل، وتعبير بعضهم، صراحة أو تلميحًا، عن رفض التوافق. لكن الغنوشي وقائد السبسي ينجحان كل مرة في السيطرة على الوضع ولملمة خلافات الحزبين، ومواصلة السير في نهج التوافق، الذي سمح يوم ١٣ سبتمبر بتمرير قانون «تبييض الفساد»، كما تسميه المعارضة، بتصويت نواب الكتلتين البرلمانيتين، «النداء» و«النهضة»، عليه. وترى آمنة قلالي، ممثلة الـ«هيومن رايتس ووتش» في تونس، أنّ التقارب الزمني بين الخبر الجيد عن حقوق المرأة والآخر السيء عن مكافحة الفساد لم يأت مصادفة. فلطالما استخدم نظام بن علي التقدم في حقوق المرأة لصرف النظر عن سياساته القمعية. وتذكرنا الحكومة التونسية، بتصديقها على قانون يحسن حقوق المرأة مع توسيع نطاق الإفلات من العقاب على الفساد في الوقت ذاته، بكيفية استخدام هذين الأمرين المتناقضين في الماضي، وكيف كانت حقوق المرأة تُستغل لتلميع صورة نظام ينخره الفساد والانتهاكات الحقوقية المنهجية. بعد حسم المقترح الأوّل لقائد السبسي، قد تبدأ الآن خلافات مع حركة النهضة حول مسألة المساواة في الإرث، فالحركة لا تبدو مستعدّة للحفاظ على الائتلاف الحاكم بأي ثمن، حتى وإن كلّفها ذلك إغضاب قواعدها بينما تونس مقبلة على عدة محطات انتخابية مهمة.
قارن عثمان بطيخ مع:
شارك صفحة عثمان بطيخ على