عبد العظيم حماد

عبد العظيم حماد

عبدالعظيم حماد (١٩٥٠ في مصر) هو كاتب صحفي مصري. شغل عدة مناصب صحفية مرموقة على مدار تاريخه المهني. حصل على بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة القاهرة. عمل كمحرر ومعلق سياسي منذ عام ١٩٧٣ ، سواء في الإذاعة والتليفزيون أو في مجلة أكتوبر أو في جريدة الأهرام. كان مديرا لتحرير الأهرام الدولي في أوروبا ، وكبيرا لمراسلي الأهرام في منطقة وسط أوروبا. له مؤلفات وأبحاث وكتابان مترجمان ودراسات دولية متنوعة. شغل منصب رئيس تحرير جريدة الشروق ثم مدير تحرير جريدة الأهرام.تم تعيينه في ٣٠ مارس ٢٠١١ كرئيس تحرير لجريدة الأهرام. ويكيبيديا

عدد الأخبار كل يوم من ولمدة حوالي شهر واحد
من أهم المرتبطين بعبد العظيم حماد؟
أعلى المصادر التى تكتب عن عبد العظيم حماد
هل يتجدد «الارتباط البنّاء» بين أمريكا وجماعة الإخوان؟ عبد العظيم حماد ٢٢ سبتمبر ٢٠١٧ حتى الولايات المتحدة الامريكية لديها دولتها العميقة، التي ترى ما قد لا يراه الرئيس، وتفرضه عليه، ليس بالانقلاب طبعًا، ولكن بمنطق المصلحة القومية. في الأسابيع القليلة الماضية، تواترت مؤشرات عديدة على مراجعات في السياسة الامريكية في الشرق الأوسط، ليس فيما يخص القضية الفلسطينية، ولكن فيما يتصل بالعلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين، في سياق الصراع مع الإرهاب الإسلامي السني، والصراع مع النفوذ الشيعي المكتسح بقيادة إيران. كانت القاهرة وحلفاؤها الإقليميون، السعودية والإمارات العربية المتحدة، وجماعة خليفة حفتر في ليبيا وكذلك إسرائيل، ينتظرون قرارًا أمريكيًا بدمغ جماعة الإخوان بـ«الإرهاب»، طبقًا لوعود الرئيس دونالد ترامب، وتعهدات فريق حملته الانتخابية، ولكن ما حدث كان العكس تمامًا، فلم تعد قضية وضع الإخوان المسلمين على قائمة المنظمات الإرهابية مطروحة من الأصل، وإنما أصبحت الأولوية لخفض المعونات الاقتصادية والعسكرية لمصر أو تأجيلها. وكان التفسير الرسمي لهذا القرار في الكونجرس ووزارة الخارجية الأمريكية، هو الانتهاكات الحكومية المصرية لحقوق الإنسان، واضطهاد المجتمع المدني، والسياسات الاقتصادية المنحازة ضد تنمية القطاع الخاص، فيما زاد عليها ركس تيلرسون، وزير الخارجية الأمريكية، مطلب التقدم نحو الديمقراطية. كنا قد كتبنا قبلًا أن الانتصار على تنظيم داعش في العراق، وانتصار نظام بشار الأسد في سوريا، بمساعدة روسيا وإيران وحزب الله اللبناني، قد أوجدا فراغًا سياسيًا وتنظيميًا وعسكريًا في منطقة المشرق العربي على حساب الإسلام السني، وفي مصلحة الإسلام الشيعي، وكنا قد كتبنا أيضًا أن مشروع إقامة حلف سني في منطقة الشرق الأوسط بقيادة السعودية ومصر، وبمساندة إسرائيل، وتحت الرعاية الامريكية، قد انهار لأسباب كثيرة، أبرزها الحصار الرباعي العربي لقطر، والذي شاركت فيه السعودية والإمارات والبحرين ومصر، إذ أدى هذا الحصار لقيام ما يشبه التحالف بين قطر «العضو المؤسس في مجلس التعاون الخليجي» وبين إيران، التي أنشئ هذا المجلس أصلًا لحفظ التوازن ضدها. ليس هذا فقط ولكن تركيا المرشحة دائمًا لدور قيادي في عالم الإسلام السني انضمت هي الأخرى إلى التحالف القطري الإيراني، وبذلك اختلطت الأوراق، وتصارعت المصالح فيما بين الدول السنية نفسها. من يملأ ذلك الفراغ «السني» في المشرق العربي أمام هيمنة الإسلام الشيعي، من حدود أفغانستان حتى ساحل المتوسط السوري اللبناني، وكيف؟ الواضح أن الحكومات السنية في الخليج ومصر تراهن على قدراتها الذاتية، بالتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية، أو أنها تسعى لإقناع واشنطن بإحياء فكرة الحلف السني بمن يرغب، ولكن الواضح أيضًا أن الولايات المتحدة غير مقتنعة بالمشروع كاستراتيجية وحيدة، وإلا لما أقدمت في هذه اللحظة بالذات على خفض معوناتها لمصر، وعلى مطالبة القاهرة باحترام حقوق الإنسان، وتعديل قانون الجمعيات الأهلية، والتقدم نحو الديمقراطية، التي تعني من بين ما تعنيه فتح باب المشاركة السياسية للجميع، عدا جماعات العنف والإرهاب. وبما أن واشنطن تراجعت عن دمغ جماعة الإخوان المسلمين بـ«الإرهاب»، فإن هذه الجماعة ستكون من القوى المطلوبة مشاركتها في بلدانها، من خلال عملية «التقدم نحو الديمقراطية»، وهي العملية المطلوبة الآن أمريكيًا في مصر، وعلى لسان وزير خارجية أمريكا نفسه، وضمن شروط الكونجرس لاستمرار المعونة للقاهرة بالمستويات السابقة. هل كانت القيادة التاريخية للجماعة (أي ما يسمى حاليًا بـ«جناح محمود عزت») تراهن على أن يومًا سيأتي تعيد فيه واشنطن ارتباطها بالإخوان، وترى أن المصلحة الاستراتيجية الأمريكية تتطلب هذا الارتباط، ومن ثم تعود الولايات المتحدة فتضغط على أصدقائها من رؤساء وملوك الشرق الأوسط لدمج الجماعة مرة أخرى في الحياة السياسية؟ هذا الرهان هو التفسير الوحيد المعقول لتمسك تلك القيادة التاريخية بمبدأ «سلمية الصراع السياسي» مع النظام المصري على وجه الخصوص، بعد كل ما جرى منذ ٣ يوليو عام ٢٠١٣، في مواجهة تمرد الكثيرين من شباب الإخوان، المعروفين باسم «جبهة محمد كمال»، على مبدأ «السلمية» هذا. ويبدو أن جبهة عزت تلقت منذ وقت مبكر تأكيدات من الدولة الأمريكية العميقة بأن واشنطن ستعود للارتباط البنّاء معهم، عندما تحين الفرصة المناسبة، بشرط الالتزام الصارم بنبذ العنف. بدون هذا التفسير، فإنها تكون مجرد حماقة أن يضحّي شيوخ الجماعة بقبول مثل هذا الانشقاق الواسع بين صفوفهم، وتمرد كل هذه الأعداد الضخمة عليهم. ربما تبدو هذه التطورات مفاجئة لكثيرين، ولكنها لن تبقى كذلك عندما نستعرض التاريخ الطويل لعلاقة التعاون بين جماعة الإخوان والولايات المتحدة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فقد كان هناك بالفعل تعاون وثيقٌ وحارٌ ضد الشيوعية في حقبة الحرب الباردة من ناحية، وضد المد القومي العربي بقيادة مصر الناصرية من ناحية أخرى. في هذه العلاقة النشطة، كان الطرف الإسلامي ممثلًا بجماعة الإخوان المسلمين وتنظيمها الدولي والملكيات العربية (السعودية والهاشمية على وجه الخصوص) والجماعات الإسلامية في باكستان ووسط آسيا. ومن المحطات المهمة في هذا الطريق الطويل مؤتمر جامعة برنستون للدراسات الإسلامية، الذي انعقد في عام ١٩٥٣ بتمويل من الحكومة الأمريكية ومكتبة الكونجرس وشركة «أرامكو» السعودية للبترول، وشركة الخطوط الجوية الأمريكية T.W.A ، وشركة «بان أمريكان» للطيران. وطبقًا لأرشيف وكالة الإعلام الدولي بوزارة الخارجية الامريكية، فإن هذا المؤتمر يبدو «على السطح تدريبًا تربويًا وتعليميًا فقط، وهذا مرغوب فيه، ولكن الهدف هو جمع خبراء مسلمين في التربية والعلوم والقانون والفلسفة، ممن يكونون قادرين على التأثير في السياسة من أجل إحداث نهضة إسلامية تقاوم الشيوعية، عن طريق تقديم بديل مقبول لها في أوساط المسلمين.» قائل هذه العبارات هو مظهر الدين صديقي، مؤسس مركز لاهور الإسلامي في باكستان، وكان أحد نجمين كبيرين في مؤتمر برنستون، أما النجم الثاني فكان الدكتور سعيد رمضان مؤسس التنظيم الدولي للإخوان، وزوج ابنة الشيخ حسن البنا مؤسس الجماعة في مصر. بلغت من أهمية ذلك المؤتمر، ومن أهمية جماعة الإخوان، أن الرئيس الأمريكي آنذاك، دوايت آيزنهاور، محرّر أوروبا من هتلر، استقبل أعضاء الجماعة في البيت الأبيض، ودعا سعيد رمضان ليقف بجانبه عند التقاط الصورة التذكارية، وكان آيزنهاور يبلغ من العمر ٦٣ عامًا في تلك اللحظة، فيما لم يكن عمر سعيد رمضان قد تجاوز بعد ٢٧ عامًا! كما يعلم الجميع، فقد كان «الجهاد» الأفغاني ضد الغزو السوفييتي هو المحطة التالية، الأبرز والأكثر فعالية، للتعاون بين الإسلام السياسي السني، وفي القلب منه جماعة الإخوان المسلمين، وبين الولايات المتحدة الأمريكية. وكما يعلم الجميع أيضًا، فإن هذا التعاون تحول لتناقض بعد انسحاب السوفييت من أفغانستان، عندما تجاهل الأمريكيون استحقاقات التنمية وبناء الدولة بعد خروج السوفييت. وقد أخذ هذا التناقض في التصاعد والاتساع، حتى بلغ ذروته المأساوية في هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١ الإرهابية على نيويورك وواشنطن. ومنذ ذلك اليوم، وحتى عام ٢٠٠٥، اختارت الولايات المتحدة استراتيجية «الحرب الشاملة» ضد الإسلام السياسي، بل واندفع الرئيس جورج بوش الابن إلى حماقة التصريح علنًا بأنه يخوض حربًا صليبية جديدة ضد الإسلام السياسي المسلح، وغزا أفغانستان وبعدها العراق. وبدلًا من أن يؤدي الغزو في الحالتين إلى القضاء على التنظيمات المسلحة للإسلام السياسي ، فقد أدى إلى اتساع الجبهة، وإلى المزيد من التورط الأمريكي، فكان لابد من المراجعة، وهنا جاءت فكرة التمييز بين المعتدلين والمتطرفين داخل تيار الإسلام السياسي الواسع، وبرزت جماعة الإخوان المسلمين أمام صناع السياسة الامريكية بوصفها الأكثر اعتدالًا والأقوى تنظيمًا والأوسع انتشارًا، وفوق كل ذلك فهي الأوثق تعاونًا من قبل مع الولايات المتحدة، على نحو ما ذكرنا توًا. بعد سلسلة من الاتصالات الاستطلاعية، ومحاولات جس النبض مع ممثلي الجماعة من المسلمين الأمريكيين وفي الدول الأوروبية، ثم قيادات الجماعة في الداخل المصري على وجه الخصوص، اعتمدت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية، في يوم ٢٨ يونيو ٢٠٠٧، سياسة جديدة، ترخّص لدبلوماسييها الاتصال الرسمي بالإخوان المسلمين في مصر والعراق وسوريا وبقية الدول العربية، مشترطة على سفرائها ومساعديها أن تكون البداية هي الاتصال بممثلي الجماعة المنتخبين في البرلمانات والنقابات المهنية، ثم تمتد الاتصالات لتشمل الزعماء الآخرين للجماعة. وسُميت هذه السياسة الجديدة باسم «الارتباط البناء بين الولايات المتحدة وجماعة الإخوان المسلمين». وفي مرحلة تالية، دخل الكونجرس على الخط، ونظم جلسات استماع حول الإسلام السياسي، أسفرت عن توصيات بالانفتاح على جماعة الإخوان، وفي خطوة أكثر طموحًا نُظمّت حوارات بين ممثلين من مسلمي أمريكا لتيار الإخوان مع قيادات يهودية أمريكية تدعو، كما قيل، للسلام في الشرق الأوسط. و جاء الربيع العربي، خاصة ثورة يناير ٢٠١١ المصرية، فتطور الحوار بين واشنطن وجماعة الإخوان لتحديد الشروط المطلوبة أمريكيًا من الجماعة لمساعدتها على الاندماج في الحياة السياسية لبلدان الربيع العربي، خاصة مصر، وكانت هذه الشروط هي الاعتراف بمعاهدة السلام المصرية الاسرائيلية، والالتزام بالانتخابات طريقًا للوصول إلى السلطة، وتعدد الأحزاب، وعدم التمييز في الحقوق السياسية والاجتماعية ضد المرأة والأقليات. وقد وافق الإخوان على هذه الشروط بحذافيرها، وبذلك تكلل الارتباط البناء بالنجاح بنسبة ١٠٠% من منظور كل طرف من الطرفين. بقية فصول القصة معروفة بالطبع، ونقصد وصول الإخوان للحكم في مصر ثم سقوطهم، وفشل الجهود الأمريكية والدولية في إقناع السلطة الجديدة في مصر بحلٍ يُبقي للإخوان دورًا في النظام الجديد، واندفاع أنصار الجماعة للعنف والاعتصام، وعودة الصراع في مصر للمعادلة الصفرية بين السلطة والجماعة. كما أشرنا في بداية هذه السطور، فإن واشنطن بدت مؤخرًا وكأنها تعيد تقييم السنوات الأربع الماضية في مصر، ومن المؤكد أن التهديد الذي يمثله الإسلام الشيعي المسلّح والمنظم والحاكم لعدة دول عربية، فضلًا عن إيران الدولة الأم، أصبح يمثل تهديدًا كامنًا للمصالح الأمريكية، ولإسرائيل وللحكومات العربية السنية، لا سيما بعد هزيمة تنظيم داعش السني المتطرف، التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى. وكما كتبنا في مكان آخر، فإن هذه الحكومات غير المستقرة قد لا تكفي وحدها لموازنة وردع هذا التفوق الشيعي الكاسح، وعليه فإذا عدنا إلى ما نقلناه آنفًا عن مظهر الدين صديقي في مؤتمر برنستون عام ١٩٥٣، ووضعنا كلمة «الشيعة» بدلًا من كلمة «الشيوعية»، لأصبح هذا النص تفسيرًا كافيًا لدوافع واشنطن للتفكير في الارتباط البناء مجددًا بجماعة الإخوان المسلمين. وحتى لو كان ترامب قد بشّر في حملته الانتخابية، وفي خطاب تنصيبه بغير ذلك، فالولايات المتحدة، كما قلنا في الفقرة الأولى من هذا المقال، أيضًا فيها دولة عميقة.
النوادي الرياضية في معركة التدجين عبد العظيم حماد ٣٠ أغسطس ٢٠١٧ يستحسن النظر لأزمة الثقة الناشبة مؤخرًا بين أعضاء الأندية الرياضية وبين وزارة الشباب والرياضة على مستويين؛ الأول هو تراث نظام يوليو ١٩٥٢ في الهيمنة على كل مؤسسات المجتمع وتقويض استقلالها الذاتي، والثاني هو اعتبار هذه الأزمة حلقة جديدة في سلسلة متصلة من الأزمات أدخل النظام الحالي نفسه والبلاد كلها فيها. فيما يتعلق بتراث يوليو سبق للكاتب أن استخدم تعبير «تعقيم المجتمع» لوصف حرص نظام الضباط على وأد فكرة التنظيم الأهلي المستقل عن السلطة في مصر، وتصفية أو إخضاع وتدجين الموجود منها، من الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمهنية، إلى جمعية الرفق بالحيوان، وجمعية منتجي البطاطس، كما قيل حرفيًا في تلك المناسبة. في حديث مع الكاتب جرى مؤخرًا، قال المفكر والمؤرخ والقاضي سابقًا طارق البشري إن التنظيم المستقل في دولة يوليو يشبه «الشرك بالله» عند الموحدين، مضيفًا أن نظام الضباط لا يكره الإخوان المسلمين لأنه يكره الإسلام، ولكن لأنه يكره الاستقلال التنظيمي، بغض النظر عن كفاءة الاخوان من الناحية السياسية من عدمها. لم تكن النوادي الرياضية يومًا استثناء من هذا المخطط الواعي، بل كانت في مقدمة المؤسسات التي حرص نظام يوليو على السيطرة عليها منذ تحول للشمولية الكاملة في أواخر خمسينيات القرن الماضي وأوائل الستينيات، حين أطيح بأحمد عبود باشا من رئاسة النادي الأهلي في العام نفسه الذي أُمّمت فيه شركاته ومصانعه، وكذلك أطيح بعبد اللطيف أبو رجيلة باشا من رئاسة نادي الزمالك في نفس الوقت الذي أُمّمت فيه شركاته وصودرت فيه ثروته، وجيء بلواء الشرطة صلاح دسوقي محافظ القاهرة، والمقرب من الضباط الأحرار، رئيسًا للنادي الأهلي بالتعيين، أما نادي الزمالك فقد جيء بالمهندس حسن عامر، شقيق المشير عبد الحكيم عامر، رئيسًا له بالتعيين هو الآخر. كانت هذه مجرد البداية، التي اكتملت برئاسة المشير عامر نفسه للاتحاد المصري لكرة القدم، ورئاسة حسين الشافعي عضو مجلس قيادة الثورة لاتحاد الفروسية، ورئاسة عبد اللطيف البغدادي عضو المجلس لاتحاد الكروكيه، ورئاسة الفريق سليمان عزت قائد البحرية للنادي الأوليمبي السكندري وأوليمبي القنال في نفس الوقت، وكذلك جاء الفريق أنور القاضي ليرأس نادي الاتحاد السكندري، ثم جرى الأمر على هذا النحو، أو على نحو قريب في سائر النوادي والاتحادات الرياضية. كان المطلوب هو إبقاء الحركة الرياضية وجماهير النوادي في حظيرة النظام، بما أن كل مؤسسات الدولة والمجتمع قد أُدخلت الحظيرة، أو قُضي عليها من الأصل. وبما أن هزيمة يونيو ١٩٦٧ أوهنت قبضة السلطوية في بعض المجالات، فقد كان لابد لهذه القبضة أن تتراخى كثيرًا على النوادي وعلى الحركة الرياضية، و من ثم عاد أسلوب الانتخاب طريقًا لاختيار رؤساء وأعضاء مجالس إدارات الأندية والاتحادات الرياضية، واللجنة الأوليمبية المصرية، مع استبقاء الوسائل غير المباشرة للتدخل للتأثير في هذه الانتخابات، ومع التدخل الإداري بحل هذا المجلس أو ذاك عند اللزوم. كما أن التطورات السريعة والثورية في الحركة الرياضية الدولية، أجبرت الإدارة الحكومية المصرية للرياضة على الخضوع للقواعد المعمول بها عالميًا، وبمفادها فالرياضة نشاط أهلي غير حكومي، ويجب أن تبقى إداراتها أهلية وديمقراطية، أي أن تتشكل بالانتخابات الحرة، ويؤدي أي تدخل حكومي فيها لقرار بالحرمان من النشاط الدولي في اللعبة أو الألعاب التي تديرها الحكومة بالتعيين، وقد تصل العقوبة إلى وقف النشاط المحلي الرسمي كليًا. أرغمت هذه التطورات الإدارة المصرية، وبعد طول تباطؤ، على إصدار قانون جديد للرياضة يستوفي هذه المعايير، وبما أن الطبعة الجديدة والحالية من نظام يوليو ١٩٥٢ تبدي علنًا حرصها على استنساخ شمولية وسلطوية الحقبة الناصرية، ومن دون انحيازاتها الاجتماعية والتزاماتها الوطنية والتنموية، فقد كان لابد من فتح ثغرات تنفذ منها للسيطرة على الحركة الرياضية ومؤسساتها عند اللزوم، وقطعًا للطريق على أية ديناميات ذاتية من داخل الحركة تشجع على شيء من الاستقلال في هذا القطاع، وتمتد عدواها لقطاعات أخرى. وبالتالي فلا يتسق مع منطق النظام أن تستقل المنظمات الرياضية بسبب المعايير الدولية، في وقت تُحكم فيه السلطة قبضتها على المنظمات والجمعيات الأهلية بالقانون الجديد، وعلى كبريات المؤسسات الإعلامية والصحفية والجامعات والنقابات، وفي وقت تُجهَض فيه محاولات تشكيل نقابات عمالية حرة، فضلًا عن محاصرة الأحزاب وتقزيم البرلمان، وإلغاء مبدأ الأقدمية الموضوعي في اختيار رؤساء الهيئات القضائية، وتقنين حق السلطة التنفيذية في عزل رؤساء الأجهزة الرقابية. كعادتها قدّمت البيروقراطية المصرية للجهات الدولية المعنية قانونًا لا غبار عليه، مدّخرة الثغرات للائحة التنفيذية، وأهمها ثغرتان؛ الأولى اعتبار مجلس الادارة الذي لا يقبل حكم مركز التسويات الرياضية في ظرف ستين يومًا منحلًا، مع تعيين بديل له بالطريق الإداري لحين انتخاب مجلس جديد، علمًا بأن مركز التسويات الرياضية هذا مُعيَّن من الإدارة، وليس محصنًا ضد العزل، أي أن الإدارة ستكون هي الخصم والحكم معًا. أما الثغرة الثانية، فهي العضويات الاستثنائية، ومنح أعضاء فروع النوادي حقوقًا متساوية مع أعضاء الفرع الرئيسي، بما يفتح الباب أمام تغير طفري في تكوين الجمعيات العمومية، التي لها وحدها حق انتخاب مجلس الادارة. سيبدو رفض الجمعيات العمومية في النوادي الكبرى للائحة الحكومية استعلاء طبقيًا، أو أنانية نخبوية ترفض مساواة أعضاء الفروع بأعضاء المقر الرئيسي، كما سيبدو رفض ضم أعضاء استثنائيين حرصًا من الجمعيات العمومية على إبقاء أعضاء كل نادٍ كجماعة مغلقة على نفسها. لكن شبهة الطبقية تنهار أمام حقيقة أن جميع المرشحين للعضوية الاستثنائية ليسوا من طبقة أدنى، بل ربما كان بعضهم من شرائح أعلى في الطبقة الوسطى التي جاء منها كل أعضاء الأندية الكبيرة والشهيرة، والأهم أن هؤلاء المرشحين للعضوية الاستثنائية كانوا هم من سيحصلون على امتياز غير قانوني تفرضه السلطة، حين يُعفوْن من رسم الاشتراك لأول مرة، وهو يصل إلى مليون جنيه في بعض الحالات، ولا يدفعون سوى الاشتراك السنوي المعتاد، ثم مع الوقت يشكلون «لوبي» يدين بصوته الانتخابي لمرشح السلطة التي منحتهم هذا الامتياز. وأما شبهة انعدام المساواة بين أعضاء الفروع والأعضاء الأصليين، فإنها تسقط أمام حقيقة أن هذه الفروع أنشئت بأموال الأعضاء الأصليين، وأن من تقدموا لعضوية الفروع لم يتحملوا أعباء رسوم الاشتراك لأول مرة في المقر الأصلي، ثم إنهم كانوا على علم بكل ذلك وقبلوه، والأهم أنهم لم يطالبوا بتلك المساواة من وزارة الشباب والرياضة، وأن الباب مفتوح لهم للحصول على المساواة إذا دفعوا الرسم المقرر. إذن، فقضية النوادي الرياضية في مواجهة اللائحة الحكومية هي في الجانب الأكبر منها قضية حقوق وحريات في مواجهة السلطة، وليست قضية استعلاء أو انعزال طبقي في مواجهة بقية المواطنين، وسائر الشرائح الاجتماعية. هذه الحقيقة هي ما تفسر الإقبال الكثيف من أعضاء النوادي الكبرى؛ هليوبوليس والأهلي والزمالك والجزيرة في القاهرة، وسموحة في الاسكندرية، على حضور الجمعيات العمومية الطارئة، كلٌ في ناديه، والتصويت الإجماعي لصالح لائحة كل ناد، رفضًا للائحة الحكومية، إذ أن الأعضاء خافوا على هذه المساحة المحدودة التي يمارسون فيها قدرًا من الحرية والخصوصية من التغول السلطوي، المنذر بتغريبهم على المدى الطويل، في مكان ألفوه، وعن تقاليد حرصوا على احترامها، وعن جماعة يعتزون بالانتماء إليها. ولا يصح هنا الجدال بأن وزارة الشباب والرياضة هي نفسها من أتاحت للأندية حرية الاختيار بين اللائحة الاسترشادية الحكومية، وبين لائحة خاصة يضعها كل ناد بشرط إقرارها من جمعية عمومية طارئة، لأن عدم إتاحة هذه الفرصة كان ليعد مخالفة جسيمة للقوانين الدولية للحركة الرياضية، ولأن الحكومة كانت تراهن على تعذر انعقاد الجمعيات العمومية بالنصاب المحدد، بشكل تعسفي، وفي شهر أغسطس المتعارف على كونه «شهر العطلات الصيفية». *** أما عن المستوى الثاني للنظر في هذه القضية، بوصفها حلقة في سلسلة أزمات اختلقها النظام، وعرّض نفسه وعرّض المجتمع لها، فلنتذكر أولًا هذه السلسلة المطوّلة، بداية من أزمة تيران وصنافير، والتي لا تزال تبعاتها تتداعى لدى الرأي العام، ثم أزمة إضراب عمال المحلة، فأزمة جزيرة الوراق، فأزمة محاولة تعديل الدستور، وأخيرًا أزمة خفض المعونة الأمريكية الذي أُعلن أن سببه هو السجل المحزن للنظام في انتهاكات حقوق الإنسان المصري، وقبل كل ذلك، ومعه وبعده، الأزمات الاقتصادية الطاحنة. هذه الأزمات كلها تندرج في سياق واحد، وهو معاناة النظام المصري في اللحظة الراهنة من أزمة اتصال وحوار وإقناع، رغم كل الصخب البادي على السطح، وأن المعادلة الحالية هي رفض شعبي يتنامى، وفرض سلطوي يتزايد، وكانت هذه هي الدائرة الخبيثة التي وقعت مصر فيها في السنوات الأخيرة من حكم حسني مبارك، إلا أنها جاءت مبكرة في النظام الحالى. إن تساوي قوة الرفض مع قوة الفرض يؤدي إلى الجمود، أما تفوق قوة الفرض فلا يضمن الاستقرار، في حين يجب أن يؤدي تفوق قوة الرفض إلى الاصلاح والتغيير.
قارن عبد العظيم حماد مع:
شارك صفحة عبد العظيم حماد على