طلعت حرب

طلعت حرب

محمد طلعت بن حسن محمد حرب (٢٥ نوفمبر ١٨٦٧ - ١٣ أغسطس ١٩٤١) اقتصادي ومفكر مصري، كان عضوًا بمجلس الشيوخ المصري، وهو مؤسس بنك مصر ومجموعة الشركات التابعة له، يعد أحد أهم أعلام الاقتصاد في تاريخ مصر ولقب بـ «أبو الاقتصاد المصري» فقد عمل على تحرير الاقتصاد المصري من التبعية الأجنبية وساهم في تأسيس بنك مصر والعديد من الشركات العملاقة التي تحمل اسم مصر مثل شركة مصر للغزل والنسيج ومصر للطيران ومصر للتأمين ومصر للمناجم والمحاجر ومصر لصناعة وتكرير البترول ومصر للسياحة وستديو مصر وغيرها. ويكيبيديا

عدد الأخبار كل يوم من ولمدة حوالي شهر واحد
من أهم المرتبطين بطلعت حرب؟
أعلى المصادر التى تكتب عن طلعت حرب
إعلانات الدولة التطور الطبيعي لـ«المواطن الصالح» ليلى أرمن ٢٥ يونيو ٢٠١٧ في بداية شهر رمضان، أطلت علينا إسعاد يونس بإعلان مبهم، ترتدي فيه عباءة سوداء مطرزة وتسير في غرفة مرايا، في أجواء تشبه الفيديو كليب، تتفوه بكلام غريب عن علاقتها بنفسها وكونها منقسمة ذاتيًا إلى اثنتين، كل منهما تقول كلامًا يناقض الأخرى، ماجعلها تتوه وتتخبط، ولكن أمرًا ما اكتشفته فأنار طريقها، وساعدها على الخروج من هذا الفخ، وهو «المنتج المصري»، فقررت تعريف الناس به، فهم إذا عرفوا فهموا وقدروا المسؤولية. يتلاشى صوتها ليدخل صوت المعلق بنبرة من يسرد حقيقة وجودية «كل واحد فينا جواه اتنين ماشيين عكس بعض، لإن ماحدش فيهم عارف الحقيقة»، ثم يُذيَّل الإعلان بإمضاء حملة «الحق في المعرفة». هذا الإعلان تبعه إعلان آخر لشخص، للمفارقة، جرى حجب برنامجه التلفزيوني العام الماضي بقرار حكومي، وانشغلت مواقع التواصل الاجتماعي بقضية التضامن معه من عدمه، وهو إبراهيم عيسى، جالسًا على كرسي وثير في نفس الديكور الغرائبي، حيث تتكرر صورته عشرات المرات في المرايا، ويتبع كلماته صدى صوت يضخم من أهميتها. يتحدث عيسى بدوره عن الانقسام ذاتيًا «صوت بيقول لي صدّق، وصوت بيقول ما تصدقش، صوت بيقول لي عدي يا عم إبراهيم ما تبقاش حمَقي قوي كده، وصوت بيقفش ويقول لي اوعى تفوّت حاجة». ولكن لأنه في النهاية صحفي، أخذ قراره بأن «يشتغل للبلد دي»، فهو يطالب بـ«المعلومة » ويناشد المسؤولين، في استجداء آمر «نوّرني، عرّفني، ما تسيبنيش عديم المعلومة»، لماذا؟ لأننا حين نعرف نقدر المسؤولية. ومرة أخرى يدخل المعلق الحكيم ليقرر حقيقة أن كلًا منا منقسم ذاتيًا. حتى هنا، يبدو الموضوع، على غرابته، طبيعيًا، فيونس وعيسى من نجوم التلفزيون الذين يدعون التنوير والثقافة، ومن المتوقع أن يصدر منهم كلام تأملي مثل هذا، ولكن في الإعلان الثالث يطل عصام الحضري، مرتديًا بذلة ويسير بإصرار وسط نفس الديكور، مطرقًا رأسه في خشوع، على خلفية موسيقية توحي بأن أمرًا ما جللًا يحدث، متحدثًا عن أنه، هو أيضًا، بداخله «اتنين حضري»، أحدهما يوسوس له بالاعتزال والآخر يقول «لسا المشوار طويل». ولأنه سمع كلام النصف المتفائل، وقرر أن يفعل شيئًا من أجل «البلد»، فقد أكرمه الله في كأس افريقيا، وأفرح الشباب، الذين توجه إليهم بنصيحته «لازم تعرف انت عايز إيه ورايح فين»، ثم يكرر كلمة «لازم تعرف»، والتي تتضخم بفعل صدى الصوت. بعد مرور بضعة أيام نعرف أن تلك التأملات الفلسفية كانت إعلانًا تشويقيًا لحملة دعائية تهدف لتبييض وجه الدولة، تستخدم الممثل الكوميدي أحمد فهمي، في طريقة أليفة للتذاكي، وهي استعراض الرأي المعارض للدولة، والإقرار أنه ليس خاطئًا تمامًا، ثم الالتفاف والرد عليه ردًا مفحمًا يبين أنه، بالعكس، عارٍمن الصحة. يتطور التذاكي باستخدام مناقشات تبدو «واقعية» جدًا، ومن قلب المجتمع، وتشبه ما يدور على المقاهي والفيس بوك، مطالبة الناس اللي «بتكلم نفسها» بأن تسمع الكلام العاقل الموزون بعيدًا عن مغالاة «المطبلاتية» أو تثبيط «المقللاتية». التكنيك هو أن يظهر المعارض أحمد فهمي ليسب أداء وزارة معينة، متأففًا من الأوضاع السيئة ولاعنًا العيشة، ثم، ومن حيثُ لا نحتسب، يقفز لنا أحمد فهمي الآخر، الدولجي، من مرآة موجودة في الديكور، محاولًا إثناء الأول عن موقفه، باستعراض إنجازات وهمية للحكومة سمع عنها من ابن خالته أو ابن أخته الذي يعمل داخل الوزارة، وذلك بشكل خفيف الدم بالطبع. بعد ذلك يدخل المعلق الحكيم، ليعلمنا –بحياد ظاهري ألا هذا ولا ذاك على حق، ثم يبدأ في سرد إنجازات ضخمة للوزارة بمعلومات لا يمكن التيقن منها. لكن ورغم ادعاء الموضوعية، فالغرض هو محو تعاطف الجمهور مع «المقللاتي»؛ هو المطلوب إثباته. فالسيناريو المكتوب لـ«المطبلاتي» يستخدم لغة شديدة المغالاة تجعل منه شخصية كاريكاتورية لا تهدف إلا لإكمال الإفيه، مما يجعل الجمهور يتعامل معه في إطار النكتة، لا الواقع، أما لغة «المقللاتي» فمعقولة، ومتداولة بالفعل بين الشرائح المعارضة، ما يدفع المشاهد لأخذها على محمل الجد. المواطن الصالح ينقسم ذاتيًا ويقتل نسخته المعارضة بيديه تهدف سلسلة إعلانات « الحق في المعرفة» لعقلنة حالات تأييد الدولة؛ أن تُظهر النظام، والذي استخدم لعبة المشاعر والعواطف والتعبئة والتجييش في طاقتها القصوى، كنظام هادئ ومتزن، يعرف ماذا يفعل، لا وجود للانفعالات من قاموسه، يفكر بأدوات علمية، ولا يتكلم إلا بالورقة والقلم والحسابات، مستخدمًا أداة العقلنة الأولى، وهي المعلومة التي تلعب دور الحَكَم الرشيد المنزه عن المصلحة. تنفرد كل وزارة بإعلان في هذه السلسلة، فهناك إعلان لوزارة الإسكان، وآخر للنقل، بجانب الكهرباء والتعليم، والأخير هو الأكثر طرافة، لأنه يدعي مثلًا في فقرته الختامية، فقرة المعلومة الحقيقة، أنه بصدد «إنشاء بنك المعرفة المصري الذي يشتمل على محتوى علمي يفوق ما في مكتبة الكونجرس». تطالبنا سلسلة «إعلانات الحق في المعرفة»، دومًا بالرجوع لـ«المعلومة» والاحتكام لها. ولسخرية الأقدار، فهي تأتي بالتزامن مع أول حملة حكومية لحجب عدد كبير من المواقع الإخبارية التي تهدف لتقديم «المعلومة». لكن المفارقة غير موجودة بالنسبة لصناع الإعلان، لأن الهدف أصلًا هو أن يكف المواطن عن الشكوى، عن مشاركة همه، عن الكلام مع الآخرين، وبدلًا من ذلك، يأمره الإعلان بالدخول لغرفته بهدوء والنظر في المرآة ليكلّم نفسه. هذا هو ملخص الإعلان كلّم نفسك! ويبدو أن فكرة المرآة والانشطار الذاتي، لاقت استحسانًا كبير من قبل الدولة، فكرّرتها في إعلانات الرقابة الإدارية، والتي خصصت لها أغنيتين، مستخدمة مطربين من طبقتين متفاوتتين يغنيان نفس الكلمات بألحان مختلفة، إمعانًا في الحصار المطبق على المشاهد، فهناك حكيم الشعبي وهناك «شادي حمزة»، ويتحدث كلاهما عن ضرورة أن تكون إيجابيًا وأن تبدأ بنفسك. في الحقيقة يمكن بلع الأغنيتين، كأي إسفاف عابر في التلفزيون، إلا أن كل شيء يتحول لكابوس بمجرد الوصول للفقرة الختامية وسماعنا «شخطة» إسعاد يونس «لو بصينا في المراية تبقى دي البداية». تستعرض الحملة نماذج سيئة للمواطن الفاسد الذي يهمل عمله، مثل المدرس الذي لا يهتم بالشرح لتلاميذ المدرسة ليجبرهم على الدروس الخصوصية، أو الموظف الذي يعطل مصالح المواطنين ولا يعمل إلا بالرشوة، وتطلب الحملة من هذه النماذج السيئة أن تنظر في المرآة وتخجل ممن نفسها، كما تطلب من المواطنين الإبلاغ عنهم، على الخط الساخن لمحاربة الفساد. المواطن الصالح لا يثقل على الدولة البداية وأيام ماسبيرو ورغم أن الحملة هي الأولى من نوعها في استخدام الأسلوب المباشر للدفاع عن الدولة، والأوقح من حيثُ اللعب على المكشوف، إلا أن تكنيك «إشعار المواطن بالذنب» هو صلب الحملات الإعلانية للدولة المصرية منذ قديم الأزل، وإن ظلت النبرة تتصاعد بمرور الوقت، مبلورة في كل فترة تعريفًا ضمنيًا لـ«المواطن الصالح». في البداية كانت النبرة خفيفة وطلبات الدولة بسيطة متواضعة، كأن تطلب من المواطن ألا يثقل عليها، ألا يكون عبئًا، فالمواطن الصالح ضيف خفيف، لا ينجب الكثير من الأولاد تضطر لأن توفر لهم خدمات تعليمية وصحية، ولا يستحم في الترعة فيصاب بالبلهارسيا ويدخل المستشفى. مثلًا، بدأت حملة تنظيم الأسرة في مصر عبر إعلانات رسوم متحركة خفيفة الظل للأخوين حسام وعلي مهيب، تنصح الأزواج باستخدام موانع الحمل، والطريف أنها لم تقتصر في البداية على النساء، وإنما توجهت للرجال أيضًا ناصحة إياهم باستخدام الواقي الذكري. ويمكن اعتبار الحملة الأطول في امتدادها الزمني، حيث تتابعت عليها الكثير من الشعارات والكثير من الوجوه، ربما كان أشهرها سلسلة «الراجل مش بس بكلمته» بمشاركة الفنان أحمد ماهر، وسلسلة «اسأل استشير». الحملة مستمرة حتى الآن، وانطلقت آخر نسخة منها عام ٢٠١٥تحت شعار «من حقك تختار ومسؤوليتك القرار». بجانب هذه الحملة، انتشرت في نفس الفترة حملات التوعية من وزارة الصحة مثل حملة «ادي ضهرك للترعة» بمشاركة الفنانين محمد رضا وعبد السلام محمد لمكافحة البلهارسيا، والحملة القومية للقضاء على الجفاف التي اختارت كريمة مختار لنشر الوعي بين الأمهات. كل هذا كان في فترة السطوة المطلقة للتلفزيون المصري قبل ظهور الفضائيات. كانت الإعلانات وقتها بسيطة؛ تطلب فقط من المواطن ألا يرهق كاهلها، وأن «يتمدن» لأن مشاكله كثرت، كما هدفت لتلميع صورة الدولة كدولة متنورة حضارية، وارتبط توغل سوزان مبارك في الشؤون العامة بهذا الهدف تحديدًا، فبعد أن عمّدت نفسها رائدة للكفاح النسوي وحرية المرأة، انطلقت حملات تنويرية خاصة بوضع المرأة، كحملات مناهضة ختان الإناث الممولة من الأمم المتحدة. المواطن الصالح يدفع للدولة فلوسها بالذوق ما بعد الألفية وقبل الثورة بعد هذا العهد المسالم نسبيًا، دخلت إعلانات الدولة في طور جديد أواخر عهد حسني مبارك، مستخدمة نبرة أكثر حدة، وعازمة على ترويج القوانين الجديدة كقانوني المرور والضرائب. كانت حملة الضرائب من الحملات الكبيرة الممتدة زمنيًا، والتي حملت على عاتقها التحذير من التهرب الضريبي و محاربة جشع التجار الذين لا يفكرون إلا في مصلحتهم، كما جاء مثلاً في إعلان «عبد القوي تاجر فهلوي لا عنده دفتر ولا بيفوتر»، كما استخدمت عددًا من الممثلين كمحمد شومان و«هشام إسماعيل»، في الحملة الشهيرة التي أخذت عنوان«الضرائب .. مصلحتك أولًا». انقطعت هذه الإعلانات لفترة، لتعود في رمضان ٢٠١٧ مع «حمدي الميرغني» للترويج لضريبة القيمة المضافة تحت شعار جديد بنفس المعنى «احسبها براحتك.. تلاقيها في مصلحتك». المواطن الصالح يثق في دولته بعد ٢٠١١ وفترة حكم المجلس العسكري أما سلسلة الإعلانات الأغرب على الإطلاق، فقد خرجت من الدولة المرتبكة بعد تنحي مبارك وتصدع وزارة الداخلية التي نزلت وقتها بأغنية «اطمن»، في محاولة لرد هيبتها وتذكير المشاهدين بأهمية دورها، وفيها تُستعرض «وظيفة الشرطي» كأننا نقرأها في كتاب أطفال؛ يقبض على المجرمين، ينظم لنا المرور، ينقذنا من الحرائق، وهكذا. أما عام ٢٠١٢ فكان موعدنا مع الإعلانات الأكثر طرافة، وهي إعلانات التحذير من الأجانب المندسين بيننا، واشتهرت باسم «ريلي! » في أحد الإعلانات نجد شبابًا يجلسون على المقهي ويشتكون من أحوال البلد ويبدو عليهم الانزعاج، ثم يندس أجنبي وسطهم وينصت باهتمام لما يقولونه، ويمسك هاتفه لينقل لرؤسائه ما سمعه.هنا يدخل المعلق ليحذرنا من العواقب الوخيمة للشكوى من الحكومة «بتشتكي لمين؟! وليه تفتح له قلب البلد؟!» المواطن الصالح يعيش عيشة أهله ولا يصدع رؤوسنا عهد السيسي بعد انفضاض فترة الحراك السياسي، ومآل الحكم للسيسي في انتخابات ٢٠١٤، دخلت إعلانات الدولة في طور التوحش، وبنبرة حادة وحاسمة أخذت، وبشكل مبطن، تحمّل المواطن ذنب الانهيار الاقتصادي. ففي رمضان ٢٠١٤، ومع استمرار أزمة انقطاع التيار الكهربائي، انطلقت حملة «بالمعقول» برعاية «المبادرة المصرية للحفاظ على الطاقة»، وهي كيان مكون من اتحاد عدد من الوزرات الحكومية، كالكهرباء والبترول وشؤون البيئة، مع عدد من الشركات الخاصة مثل شِل، وبي جي إيجيبت، وجي دي إف سويس. حثّت الحملة على ترشيد استهلاك الكهرباء، في استخدام الأجهزة المنزلية كالتلفزيون والغسالة، كما روّجت لاستخدام اللمبات الموفرة، معتبرة أن هذه التوصيات كفيلة بإنهاء الأزمة، واضعة الكرة في ملعب المواطن. في ٢٠١٦ أكملت الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس» المسيرة، بإطلاق حملة «وفّر لنفسك»، وهي سلسلة إعلانية يظهر فيها كل مرة بيومي فؤاد الذي يفاجئه ارتفاع أسعار المنتجات، فيبدأ في إلقاء اللوم على شخص معين بعيد تمامًا عن الموضوع، مثل «أم كوكي» التي استهلكت الكثير من الإضاءة في عيد ميلاد ابنها، ما تسبب في ارتفاع الحاجة لاستيراد الغاز الطبيعي، الذي يدخل في صناعات كثيرة، ما أدى بدوره لارتفاع سعر العملة الصعبة، ومعها أسعار باقي المنتجات، لينتهي الإعلان بصوت طارق نور قائلًا «كلّه له علاقة بتوفير الطاقة.. وفر لنفسك». في نفس العام أيضًا، ومع بداية أزمة ارتفاع سعر الدولار، كنا على موعد مع سلسلة إعلانية أخرى من طارق نور، جاءت هذه المرة برعاية البنك الأهلي المصري، وتسخر من الغضب من ارتفاع أسعار استيراد المنتجات الأجنبية، وترمي لحل الأزمة بتشجيع المنتج المصري، فضيق المواطن ليس نابعًا إلا من «عقدة الخواجة»، التي تجعله يفضل صناعة الأجانب على صناعة أولاد بلده. وتطلب السلسلة من المواطن التخلص من النبرة السلبية ومساعدة الدولة بشراء المنتجات التي تحمل ختم «بكل فخر صنع في مصر»، والذي سيجري صكه على كل المنتجات المصرية عالية الجودة. دخلت إسعاد يونس (الصوت الذي جرى تصديره بكثافة في السنوات الماضية ليصبح أشبه بـ«صوت الدولة») على الخط، لتكرّس حلقات من برنامجها «صاحبة السعادة » للدعاية لـ«المنتج المصري»، وفيها استضافت عددًا من مديري المصانع كاللواء هاني مدحت رئيس مجلس إدارة شركة قها. وتبعها عمرو أديب الذي خصص جزءًا من برنامجه للدعاية لإنتاج المصانع الحربية، بحجة أننا «تربينا علي هذه الأجهزة»، ومن الغريب أن نشكو الآن من ارتفاع الأسعار مع وجود مثل هذه المنتجات عالية الجودة. تواصلت الحملة هذا العام، بإلحاق ختم «بكل فخر صنع في مصر» بعدد من إعلانات المنتجات والتي جاء معظمها، للمفارقة، توكيلات منتجات عالمية مثل كوكاكولا ونيسان ونستله، وليس صناعة مصرية خالصة، وإن لم تنس منح مباركتها لعدد من الشركات المصرية الضخمة مثل حديد عز وأسمنت السويدي. المواطن الصالح هو رجل الأعمال كل العهود بجانب الحملات المباشرة، وعن طريق إعلانات البنوك التابعة لها، كالبنك الأهلي المصري وبنك مصر، شجعت الدولة المواطن على أن يخرجها من رأسه، ويبدأ في فتح «مشروع صغير» خاص به، بدلًا من أن يجلس واضعًا يده على خده. توالت الحملات الإعلانية لكل من البنكين، حاملة نفس الرسالة، بدءًا من الفترة الأخيرة من عهد حسني مبارك. في ٢٠١٠ مثلًا أطلق بنك مصر حملة يعلن فيها استعداده لمساعدة الشباب على تمويل المشروعات الصغيرة، ويظهر في الإعلان شاب مكتئب يعلم بالخبر السعيد، فيذهب للبنك حيثُ يلاقيه الموظفون بالترحاب ويعجبون بفكرته ويمنحونه قرضًا ليبدأ حلمه. أما البنك الأهلي المصري، فقد اعتمد على طارق نور عام ٢٠١٢ لإطلاق حملة تقترح على المواطن ترك وظيفته التي لا يحبها، ليفتح مشروعًا صغيرًا يمارس فيه مهنته المحببة، ثم تواصلت الحملة في ٢٠١٦ بسلسلة إعلانية تشجع على التجارة في «الحاجات الصغيرة» لإن «فلوسها حلوة». أما في العام الحالي، وقبل رمضان، انتشرت في القاهرة لافتات إعلانية مجهولة المصدر، مكتوب عليها «طلعت حرب راجع»، لنعرف فيما بعد أنها الحملة الإعلانية لبنك مصر، وهي كذلك عن تمويل المشروعات الصغيرة، ولكن هذه المرة بأسلوب جاف ومتوعد. فبعد أن كانت النبرة متفائلة ومرحة في السنوات السابقة «افتح مشروع صغير واكسب فلوس كتير»، تحولت إلى ما معناه «أنت الذنب في كونك فقير. لماذا لا تفتح مصنعًا للمكرونة؟!» تقوم فكرة السلسلة على المقارنة بين حالتين، إحداهما إيجابية والأخرى سلبية. الإيجابي لا يضيع وقته على الكنبة ولا يجلس أمام التلفزيون طوال النهار ينتظر الفرج، بل يفتتح مشروعًا. ضربت السلسلة مثلًا بحسنين ومحمدين، وهم أولاد عم، وظروفهم متشابهة، إلا أن حسنين اختار الطريق الخطأ بالهجرة غير الشرعية (ويستخدم الإعلان هنا مشاهد حقيقية من فيديو غرق مركب هجرة)، أما محمدين فقد «عمل الصح» بذهابه إلى بنك مصر المفتوح أمام الجميع، وأخذ قرضًا بكل سهولة وفتح مصنعًا للمكرونة، وأخذ ينجح وينجح في حين انتهى الأمر بحسنين إلى غسل الأطباق في أوروبا. مثال «حسنين ومحمدين» ليس غريبًا على تاريخ إعلانات الدولة المصرية، ومن ثيماتها المفضلة المقارنة بين المواطن ثقيل الهم والمواطن الصالح الذي لا يتعب الدولة. واسم «حسنين ومحمدين» نفسه ورد في أغنية فاطمة عيد لتنظيم النسل، والمنفذّة بطلب من وزارة الصحة والإسكان، وفيها تقارن عيد بين حسنين الذي أنجب الكثير من الأطفال، ما جعل حاله لا يسر عدوًا ولا حبيبًا، وبين محمدين الذي اكتفي باثنين فقط، ما جعله يعيش في هناء وسعادة. بجانب الإعلانات التكتيكية التي تهدف للترويج لخدمات بنكية بعينها، فهناك إعلانات أخرى للبنوك التابعة للدولة، يمكن اعتبارها محض أغاني وطنية، و كلها تدور حول ضرورة أن نكون إيجابيين، مثلما يقول عمرو مصطفى في الأغنية الرئيسية لحملة طلعت حرب راجع «اتحرك اعمل أي خطوة في حياتك، ما تسيبش نفسك للظروف». اتهام الشعب بالكسل والتراخي، ودعوته للعمل والإنتاج، أسلوب قديم ومحبب للدولة، التي تلجأ للدفاع عن نفسها عند أي هجوم، بطريقة «العيب فيكم»، كما جاء ببساطة وبشكل مباشر في حملتها الإعلانية التي نفذها استديو مهيب وغناها محمد منير في الثمانينات، وتُستنكر فيها تصرفات الشعب الخامل الذي يستعذب قول كلمات معطلة لـ«مسيرتنا»، مثل «معلش» و«زي بعضه»، وفيها يغني منير «شعب عايز يتقدم.. لازم يحطم معلش». الاستنهاض لأن نفعل «شيئًا» هو عماد دعاية الدولة المصرية. ما هو هذا الشيء؟ لا أحد يعرف. المهم أنك يجب أن تتصرف في نفسك، لأن الدولة مش ناقصاك.
تاريخ صناعة الدواء في مصر وأزماته المتتالية سجدة ممدوح عبد المجيد ٢٢٢ يونيو ٢٠١٧ يمثل الحق في الدواء أحد مكونات الحق في الصحة، والتي لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، حتى ينفذ ذلك الحق بصيغة تكاملية في حياة المواطنين، وهو كذلك يعد عنصرًا أساسيًا في منظومة الحقوق المتكاملة، إلى جانب الحق في التعليم والعمل وتوفير مستوى معيشي لائق وغيرها من الحقوق، حيث يقر القانون الدولي لحقوق الإنسان بحق الجميع في الحصول على الأدوية المقررة طبيًا بشكل منظم وآمن وبسعر في المتناول، على أن تتسم بمعايير الجودة والسلامة والفعالية، مع التأكيد على عدم حرمان شخص أو مجموعة من الأشخاص من حقهم في الحصول على أية أدوية أساسية مقررة طبيًا، سواء على أساس اللون أو الجنس أو الدين أو الرأي أو الأصل العرقي أو الاجتماعي، ومن ثم وجب عدم خضوع الحق في الدواء لقواعد العرض والطلب، أو لقواعد الأسواق التجارية بشكل عام. وللحق في الدواء معايير محددة يجب الالتزام بها، شأنها شأن باقي مكونات الحق في الصحة، كما أكدت ذلك المواثيق والاتفاقيات الدولية، وخاصة الإعلان رقم ١٤ للأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتشمل هذه المعايير ١ – التوافر وهو ما يعني توافر الدواء بالقدر الكافي لاحتياجات المواطنين. ٢ – الإتاحة وهو ما يعني سهولة الوصول إلى الدواء بما يمكّن الجميع من التداوي، ولهذا المعنى اشتراطات أربعة هي الإتاحة الجغرافية، أي إمكانية الوصول الجغرافي، والإتاحة الاقتصادية، أي إمكانية تحمل سعر الدواء، وإمكانية الحصول على المعلومات الخاصة بالدواء، وأخيرًا عدم التمييز بين المواطنين، سواء بناء على الجنس أو الدين أو بين سكان الريف والحضر، أو الأغنياء والفقراء وغيرهم. ٣ المقبولية وهي ما تشمل وجوب أن تكون الأدوية مناسبة ثقافيًا وأن تراعي متطلبات الجنسين ودورة الحياة والمجتمع. ٤ الجودة أي أن تكون الأدوية ذات جودة مناسبة من حيث التصنيع والتغليف والحفظ والتوزيع وغيره. وبالنظر لأزمة الدواء الحالية نجد أنها نتجت عن عدم الإتاحة الجغرافية والاقتصادية بشكل يمكّن المواطن من تلقي العلاج، مع التزايد في عبء الأمراض غير المعدية، حيث وصلت إحصائيات أمراض السكري، في المسح الصحي السكاني لمصر لعام ٢٠١٤، إلى ١٧% من السكان، بينما كانت نسبة المصابين بارتفاع ضغط الدم ٤٠%. ويُعالَج معظمها بالمستشفيات الحكومية والجامعية، التي توقفت التوريدات الدوائية لعدد منها لمدة أشهر من نهاية العام الماضي ٢٠١٦. ووفقًا لما أعلنته وزارة الصحة والسكان، فقد أشارت الإحصائيات إلى التراجع النسبي لعبء الأمراض المعدية وزيادة عبء الأمراض غير المعدية. فمثلًا، معدل انتشار الالتهاب الكبدي الوبائي (سي) في مصر هو الأعلى في العالم، حيث يصل لقرابة ١٠% من السكان بين ١٥ و٥٩ عامًا، بناءً على الإحصائيات الموجودة في خطة العمل للوقاية والعلاج من الالتهاب الكبدي الوبائي لمصر ٢٠١٤ ٢٠١٨، والصادرة في عام ٢٠١٣، بينما يصل معدل الإصابة بالسرطان إلى حوالي ١١٥ ١٢٠ حالة بين كل مئة ألف حالة من السكان، وذلك بناءً على المسح التدريجي للأمراض غير المعدية لعام ٢٠١٢ ٢٠١٣. ومن هنا فإن أي محاولة لإصلاح أزمة الدواء حاليًا، بدون إدراك مشاكل النظام الصحي بأكمله، قد تبوء بالفشل، إذ أن الإصلاح يجب أن يكون من خلال حلول هيكلية لنظام الصحة بأكمله، المفتقد إلى التكامل بسبب نموه غير المخطط والعشوائي عبر سياسات مختلفة، يعوزها التنسيق والرؤية، ما جعله يتسم بالتفتت في محاوره المختلفة بين الإدارة والتنظيم والتمويل وتقديم الخدمات، حيث تُقدم الخدمات الصحية في مصر حاليًا من خلال منافذ عامة أو خاصة أو أهلية. كما أن المنشآت التابعة لوزارة الصحة في جميع المحافظات بها العديد من المشاكل، كارتفاع التكلفة وغياب جودة الخدمات الصحية المقدمة، والتي من المفترض أن تكون مدعومة أو مجانية، بما في ذلك الدواء. كما تفتقد الخدمات، التي قد يوفرها التأمين الصحي، للجودة، وبالتالي إلى ثقة المواطنين. وتشير الإحصائيات في المسح الصحي السكاني لمصر في عام ٢٠٠٨ إلى تحمل المواطنين، من جيوبهم الخاصة، لحوالي ٧٢% من إجمالي الإنفاق الصحي، كما تشير مؤشرات بحث الدخل والإنفاق للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في عام ٢٠١١ لكون الإنفاق على المنتجات الدوائية والأجهزة الصحية يبلغ ٥٤.٣% من الإنفاق الإجمالي على الصحة. ١٩٧٤.. بداية المشكلة رغم ازدهار قطاع الدواء في مصر في القرن الماضي، عندما تأسست شركة مصر للدواء عام ١٩٣٩ إلى جانب شركات أخرى، ورغم أن صناعة الدواء المحلية كانت تغطي ٨٤% من الأدوية التي يحتاجها المواطن المصري عام ١٩٧٣، لكن هذا تغير مع بداية عام ١٩٧٤، حيث بدأ عصر الانفتاح الاقتصادي، وبالتالي تراجعت الصناعة المحلية، ومنذ ذلك الحين يشهد قطاع الدواء مشاكل كثيرة أدت إلى الكثير من الفوضى والتخبط. تمنعنا الحالة التي وصل إليها سوق الدواء في مصر حاليًا من القدرة على التنبؤ بما قد تأتي به رياح التغيير العاتية، وتتجلى خطورة هذا الوضع في ضوء الزيادات غير المسبوقة في معدل الأمراض غير المعدية، كالأمراض السرطانية والأورام وأمراض السكري والقلب والمخ والكبد، ففي نوفمبر الماضي شهد سوق الدواء نقصًا في أدوية علاج الأورام، ومنها «أندوكسان»، «هولكسان»، «إريناثول»، وغيرها من أدوية حيوية مثل «فاكتور» لمرضى الهيموفيليا، حقن «أنتي آر اتش» للولادة، «أرتامين» للكبد، «كيتواستريل» للفشل الكلوي، وغيرها، لدرجة أن حصر نقابة الصيادلة في نهاية نوفمبر الماضي أشار إلى اختفاء ١٦٨٨ صنفًا دوائيًا من الأسواق، وكان ذلك نتيجة لقرار البنك المركزي بتحرير سعر صرف الجنيه، ما أدى إلى وقف شركات الأدوية الاستيراد. مع هذا، لا يجوز حصر الأزمة الدوائية الحالية في العلاقة الطردية بين تعويم الجنيه وغلاء الأسعار، فقبل صدور القرار الوزاري الأخير بتحريك السعر بشكل تدريجي كل ستة أشهر ولمدة عامين، يتحتم علينا النظر إلى المعركة التي دارت بين الصيادلة والشركات ووزارة الصحة، حيث كان تأثير تطبيق سياسة السعرين مدمرًا ومسببًا لتآكل رأس مال الصيدليات، لأن قيمة الطلبية الجديدة أصبحت ضعف القديمة، ما اضطر الصيدلي للإنفاق من رأس المال الأساسي لشراء الأدوية الجديدة. كما أن هناك حوالي ١٢ ألف صنف دواء في مصر، فيما لا يزيد المتداول فعليًا عن ٥ آلاف صنف، وطال الغلاء معظم الأدوية المتداولة، وهو ما أدى لصدور قرار نقابة الصيادلة بالإضراب في نوفمبر الماضي. بعد تدخل الأجهزة الكبرى في الدولة، قررت النقابة ما يمكن تلخيصه في رفض التسعير العشوائي الذي أصدرته وزارة الصحة، والمطالبة بعدم المساس بأسعار أدوية الأمراض المزمنة، ورفع هامش الربح وتقديم آليات أكثر تسامحًا لارتجاع الأدوية منتهية الصلاحية، والمطالبة بمحاسبة كل من أساء للصيادلة واتهمهم بالتلاعب، بالإضافة إلى إقالة وزير الصحة. من كل هذه المطالب لم يُنفَّذ سوى الأول فقط، وهو الخاص بالتسعير، مع المماطلة في تنفيذ الباقي. وكانت الشركات ترفض الاتهامات الموجهة إليها بالجشع والتربح من أزمة الدواء، مبررة ذلك بارتفاع أسعار كل السلع، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار أجور العمالة، وبالتالي فإن كل مدخلات الصناعة ارتفعت أسعارها. لكن بغض النظر عن ارتفاع سعر استيراد المادة الخام، فإن نظام تسعير الدواء ذاته هو ما قد يشكّل معضلة، حيث يطبِّق قرار ٤٩٩ لعام ٢٠١٢ لتسعير الدواء نظام «المرجعية الخارجية للتسعير»، أي الرجوع إلى أسعار الدواء في دول أخرى من أجل تحديد أسعار الدواء محليًا، والتفاوض عليها مع لجنة تسعير الدواء. وفي بداية عام ٢٠١٧ صدر القرار رقم ٢٣ لسنة ٢٠١٧ والخاص بإعادة تسعير ١٥% من الأدوية المحلية و٢٠% من الأدوية المستوردة، وتطبيقه على المنتجات الدوائية حديثة الإنتاج. يثير هذا عددًا من الأسئلة مثل «من أين لنا اليقين في وجوب ربط دولة معينة سعر الدواء فيها بسعر الدواء في دولة أخرى؟ هل تشبهنا تلك الدول على الصعيد الاقتصادي؟» و«هل يُعوَّض المرضى في تلك الدول عن الإنفاق الدوائي من خلال أنظمة التأمين الصحي بها، أم يتحمل المرضى تكلفة علاجهم من مالهم الخاص كما يحدث هنا؟» في الأغلب يقتصر هذا النظام على تسعير المنتجات الواقعة تحت حماية حقوق الملكية الفكرية في الدول الصناعية الكبرى، بينما تطبقه الدول النامية على كل من المنتجات المحمية وفق اتفاقية الـ«أكتا»، وتلك التي انتهت فترة حمايتها، أي تلك المتوفرة كأصناف جنيسة (نفس المادة الفعالة، ولكن باسم تجاري آخر، ومُصنع محليًا). كما لا يفرق القرار بوضوح بين الأدوية تحت الترخيص المُنتَجة محليًا والأدوية الجنيسة المُنتَجة محليًا، والأدوية الجنيسة المستوردة. الصراع التاريخي مع الشركات العملاقة بناءً على مقال للدكتورة ناهد يوسف، نُشر في جريدة «الشروق»، ففي أربعينيات القرن العشرين، أنشأ طلعت حرب شركة «مصر للمستحضرات»، وأنشأ الدكتور نصري بدران شركة «ممفيس للأدوية»، بالإضافة لغيرها من المصانع الصغيرة، وكانت «مؤسسة الأدوية» تحمي صناعة الأدوية من محاولات شركات الدواء العملاقة المستميتة لإفشالها، وهي الشركات التي كانت مصر تستورد منها معظم احتياجاتها من الأدوية والخامات. وأصبحت مصر تنتج بالفعل ٨٥% من الأدوية وبعض خاماتها، وبجميع الأشكال الصيدلية، من احتياجات السوق المصري، باستخدام آلات حديثة ودقيقة، مع الالتزام بأدق المعايير العالمية. لكن الآن، وبعد أكثر من خمسين عامًا، عدنا لنسبة تغطية محلية تُقدر بـ ٥% فقط من احتياجات سوق الدواء المصري، رغم وجود نحو ١٢٠ مصنعًا للدواء. هذا التراجع التدريجي لصالح الشركات الدولية العملاقة بدأ منذ أول سبعينيات القرن الماضي، حتى اليوم، مرورًا بعصر مبارك، الذي أصبح فيه ٤٠% من الاحتياجات المحلية تُصنَّع في مصانع أدوية مصرية لحساب الشركات الأجنبية تحت الترخيص، وذلك دون أن تبني هذه الشركات مصنعًا واحدًا، ولم تُصنَّع المنتجات المستوردة من الخارج، كأدوية السرطان على سبيل المثال، بل كان معظمها أدوية منافسة للمنتجات المحلية. كل تلك العوامل متداخلة مع بعضها، بدايةً من احتكار الشركات الدولية العملاقة للسوق، لإهمال صناعة الدواء المحلية لمدة عقود، إلى عدم الاهتمام بضرورة البحث العلمي للحثِّ على تطوير صناعة الدواء باستمرار، وبالتالي عدم الاحتياج إلى المثيل المكلف الأجنبي. ولكن يبدو أن هناك تقاعسًا من وزارة الصحة وغرفة صناعة الدواء، والتي أثارت الكثير من اللغط في الشهرين الآخرين من العام الماضي ٢٠١٦ بسبب اتهام رئيسها أحمد العزبي، المالك لأشهر سلسلة صيدليات في مصر، بحيازة ٢٢٠ صنفًا مهربًا، في سابقة هي الأولى من نوعها. وذكر مصدر مسؤول سابقًا للصحفي عماد الدين حسين، في حوار صحفي بجريدة «الشروق»، أن خمس قضايا قد حُرّرت ضده بالفعل، ولكنه دائمًا ما كان يخرج بالكفالة، وأضاف المصدر أن الوزارة تفكر في الذهاب بالملف إلى مجلس النواب. كل هذا بجانب احتمالية انتشار الأدوية المزورة أو المزيفة عند بعض الصيدليات أو الأطباء، مما يضر بالصحة العامة. الحل.. سياسة شاملة بناءً على المادة رقم ١٨ في الدستور الصادر في عام ٢٠١٣، تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة، لا تقل عن ٣% من الناتج القومي الإجمالي وتتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وبالتالي، ولحل تلك الأزمة الحالية للدواء، يجب علينا وضع سياسة وطنية شاملة ومدفوعة من منطلق تنموي، تتسم ببعد النظر والرؤية للقضايا المتعلقة بالدواء في مصر، كالرقابة على الدواء في السوق المصرية، والبحث والتطوير، وتسعير الدواء، والصناعة الدوائية المحلية. على أن تُنفّذ تلك السياسة من خلال ثلاثة محاور أساسية، أولها ضمان حق المواطن في الحصول على الدواء الأساسي دون أعباء مالية، وقد يتحقق ذلك من خلال منظومة التأمين الصحي بشكلها الجديد المقترح والمفترض إلزامه على جميع المواطنين. وثانيها، دعم التطوير والبحث وصناعة الدواء المحلية، خاصةً في حالة مواجهة الأمراض الوبائية والمهددة للصحة العامة مثل الالتهاب الكبدي الوبائي بأنواعه، وحينها يجب استخدام آليات الترخيص الإجباري، أي المباشرة بصناعة الدواء محليًا دون تفويض أو تصريح أو ترخيص من مالك الاختراع، وهذا الترخيص يكون وفقًا للحالات التي تحددها القوانين واللوائح الوطنية، ووفق مبررات لابد من توفرها وضوابط لابد من مراعاتها، كظروف الطواريء والضرورات القومية القصوى كما في حالات الوباء، على أن يكون استخدام الاختراع غير تجاري وموجهًا لأغراض عامة ولعلاج آثارها، وغير ذلك من الحالات التي حددتها الاتفاقية من المادة (٣١) من «اتفاقية التريبس»، كما يجب تقنين سرعة بدء صناعة الأدوية المثيلة محليًا على أن تكون بفعالية وجودة مقبولتين، بحيث لا يكون هناك دواء واحد محتكرًا للسوق. وثالثًا، تعديل سياسات تسعير الدواء بحيث تأخذ في عين الاعتبار مستويات الدخل الحقيقية، لا المعلن عنها والتي تكون غالبًا بعيدة عن الواقع الذي يعيشه المواطن المصري. وبالتالي، يجب إجراء العديد من الدراسات قبل وضع سياسات التسعير، ويجب العلم بأن أنظمة التسعير المختلفة يجري اختيارها بناءً على احتياجات الدولة وظروفها، وحينها يمكن دمج سياسة تسعير أخرى مع نظام المرجعية الخارجية الحالي، مثل سياسة الإعفاء الضريبي عن الأدوية، والتي يمكن تطبيقها في حالة الأدوية الأساسية للحياة، كالأدوية المستخدمة في حالات الطوارئ، والأدوية المعالجة للأمراض المزمنة على سبيل المثال.
قارن طلعت حرب مع:
شارك صفحة طلعت حرب على