دي أو

دي أو

عدد الأخبار كل يوم من ولمدة حوالي شهر واحد
من أهم المرتبطين بدي أو؟
أعلى المصادر التى تكتب عن دي أو
شكري في السودان للتهدئة والتحذير اسمهان سليمان ١ أغسطس ٢٠١٧ مؤشر جديد على عمق الأزمة التي تعاني منها العلاقات المصرية السودانية منذ فترة، ظهر مع ترتيبات زيارة وزير الخارجية، سامح شكري، للخرطوم غدا الأربعاء، حيث يترأس الوفد المصري في اجتماعات اللجنة الوزارية المشتركة بين البلدين، المنوط بها بحث العلاقات المشتركة وقضايا الخلاف التي أخذت في التصاعد خلال الفترة الماضية، وتأتي على رأسها قضيتا النزاع حول السيادة على مثلث حلايب وشلاتين وأبورماد، إلى جانب ملف سد النهضة الإثيوبي. تأجل موعد زيارة شكري، التي كان من المفترض أن تحدث في ٢٢ يوليو الماضي، عدة مرات. كانت وكالة أنباء الشرق الأوسط قد نقلت في ٢٦ يوليو الماضي عن وزير الخارجية السوداني، الدكتور إبراهيم غندور، أن اجتماعات اللجنة الوزارية المصرية السودانية المشتركة، سوف تعقد يوم أمس، الإثنين، الموافق ٣١ من يوليو، بالخرطوم، ويرأس فيها شكري الجانب المصري. من جانبه، نفى المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، في مداخلة تليفزيونية صحة تصريحات الوزير السوداني قائلاً «الموعد لم يكن مقررًا له يوم ٣١ يوليو»، موضحًا أن «الموعد الأساسي هو الأول من أغسطس»، وهو الموعد الذي تم تأجيله هو الآخر بسبب «بعض الارتباطات الطارئة التي ظهرت على جدول أعمال السيد وزير الخارجية»، وأنه جاري التشاور مع الغندور لتحديد موعد آخر، بحسب أبوزيد، قبل أن تعلن الخارجية السودانية، أمس، أن موعد الزيارة تحدد غدًا الأربعاء. مرة أخرى.. سد النهضة جاءت التأجيلات المتتالية على خلفية فصل جديد من التوتر بين البلدين حول ملف حصة مصر من مياه النيل إثر تصريحات أدلى بها أحمد بلال، وزير الإعلام السوداني، أثناء وجوده في القاهرة للمشاركة في اجتماع وزراء الإعلام العرب، في ١٠ يوليو الماضي، أعرب خلالها عن تضامن السودان مع المطالبات المصرية المتعلقة بحصة المياه من نهر النيل. وهي التصريحات التي عرضت بلال لتوبيخ رسمي في الخرطوم، بحسب مصدر بالخارجية المصرية، لأنها بدت بعيدة عن موقف السودان الداعم في الأغلب لموقف إثيوبيا وعدد غير قليل من دول حوض النيل بتقليص الحصة التاريخية لمصر، وهو التوبيخ الذي أثار استياء القاهرة بشدة خاصة أنه تجاوز الدوائر الرسمية للدوائر الإعلامية. ويقول دبلوماسي مصري رفيع المستوى يعمل بالقاهرة لـ «مدى مصر» إن زيارة شكري للسودان تهدف إلى تحييد الخرطوم في الخلاف الدائر حاليًا بين القاهرة وأديس أبابا «ومعظم دول حوض النيل»، بما يخفف من الضغوط التي تواجهها مصر من إثيوبيا وبقية دول منبع النيل بشأن ملف سد النهضة. وأضاف «القاهرة لا يمكن أن تتجاوز ما حدث في الاجتماع الأخير لدول حوض النيل، والذي استضافته أوغندا في شهر يونيو عندما توافقت السودان مع دول الحوض في رفض المقترح المصري باستضافة القمة القادمة لدول حوض النيل». كما لا يمكن أن تتجاوز مصر عن استمرار السودان في إبداء «مواقف هجومية» ضدها في اجتماعات وزراء الري للدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) المعنيين باتفاق الخرطوم حول سد النهضة، حسبما أوضح الدبلوماسي المصري، الذي أضاف «بما يصل لاتهام القاهرة (من جانب السودان) أنها لا تسعى للوصول لحل فني للمشكلة وإنما تسعى فقط لإبداء الرفض إزاء الوضع». كانت القاهرة قد حصلت مؤخرًا على معلومات حول إجراء إثيوبيا والسودان نقاشًا بشأن حزمة من المشروعات المائية التي سيجري تنفيذها في السودان، والتي ستساهم على المدى الطويل في تقليل جودة المياه التي تصل إلى مصر. صراع الحدود يهدف شكري أيضًا خلال مشاوراته مع الغندور، غدًا، بحسب المصدر بالخارجية، إلى إيصال «رسالة حاسمة» إلى الخرطوم بأن مصر ستقف بقوة ضد أي محاولات لتدويل ملف السيادة على المثلث الحدودي الجنوبي، والذي يضم حلايب وشلاتين وأبو رماد. كانت الحكومة المصرية برئاسة شريف إسماعيل قد أعلنت عن نيتها اتخاذ خطوات للتأكيد على مصرية المثلث الحدودي سواء من خلال نشاطات تنموية مثل توسيع حجم التواجد السكاني المصري به أو زيادة التحركات الأمنية عبر تواجد المزيد من الدوريات الأمنية هناك. فيما قال مصدر آخر في الخارجية المصرية لـ «مدى مصر» إن القاهرة سيكون عليها إبداء رسالة واضحة للخرطوم حول ضرورة وقف ما وصفه بـ «الخروقات السيادية» التي تقوم بها القوات السودانية داخل مثلث حلايب. وذلك مع التأكيد على أن مصر لن تقف ساكنة أمام أي تحركات دبلوماسية تقوم بها السودان، بما في ذلك تحركات قد بدأت بالفعل بالأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي حول سودانية حلايب وشلاتين وأبو رماد. وأضاف المصدر «نحن لن نقف في وضعية المتفرج ونحن نرصد بدقة ما تقوم به السودان». فيما قال دبلوماسي سوداني رفيع المستوى يعمل بالقاهرة، لـ «مدى مصر»، إن «السودان لا تريد اختلاق مشاكل مع مصر فيما يخص حلايب وشلاتين، ونحن لدينا ما يؤكد سودانية هذه المنطقة وإذا سألتم الأهالي بها سيقولون أنهم سودانيون. وعلى كل حال نحن مستعدون للذهاب للتحكيم الدولي وسنقبل بما تأتي به نتائج هذا التحكيم، ولكن مصر هي التي ترفض، بل تسعى لبسط سيطرتها علي المنطقة في إطار فرض أمر واقع». في هذا السياق، يقول مصدر حكومي مصري ذو صلة بالملف، إن الرسالة التي بعثت بها الحكومة السودانية لإحدى الإدارات القانونية بالأمم المتحدة تطالب فيها القاهرة بقبول بدء إجراءات التحكيم الدولي حول المثلث الحدودي، لها تأويل سياسي واضح مفاده أن السودان ستتحرك بخطي متصاعدة إزاء هذا الملف، لافتًا إلى أن هذه الخطوة تأتي تالية لخطوات أخرى قامت بها السودان في هذا الشأن سواء من خلال الاعتراض لدى الأمم المتحدة على الحدود المصرية أو من خلال إرسال أفراد من الشرطة السودانية للقيام بمهام تفتيش داخل المثلث أو من خلال الحديث الحكومي عن سودانية المثلث. المصدر نفسه أقر أن ملف حلايب وشلاتين سيكون على مائدة «حديث وليس تفاوض» خلال المشاورات السياسية التي ستجري بين مصر والسودان على المستوى الوزاري في الخرطوم غدًا، بناء على مطلب سوداني. وأوضح المصدر أن وضع الأمر على طاولة الحوار يعني أن شكري سيستمع لما لدى الجانب السوداني في هذا الشأن، لكن الموقف المصري الثابت هو أن القاهرة لن تتنازل بأي حال عن حلايب وشلاتين، مؤكدًا على أن الأمر محسوم بالنسبة لمصر، وتم إبلاغ السودان بذلك مرارًا خلال عهدي الرئيسين الأسبقين حسني مبارك ومحمد مرسي، حيث أُبلغت الخرطوم أنه لا يمكن مناقشة إعادة النظر في الحدود، لكن يمكن إرساء تعاون ثنائي في إطار اتفاق الحريات الأربع، وهو ما لم يتم علي أي حال، بحسب المصدر، مضيفًا أن القاهرة أكدت في اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، الموقعة في أبريل ٢٠١٦، أن حدود جمهورية مصر العربية تقع عند خط عرض ٢٢، بما يعني شمولها المثلث الحدودي. في المقابل، أكد أحد المصادر السودانية الذي تحدث مع «مدى مصر» أن الاتفاقية الثنائية بين مصر والسعودية غير ملزمة للخرطوم؛ مضيفًا أن السودان «واثق أنه يستطيع الحصول على حلايب وشلاتين من خلال التحكيم الدولي، حتى لو استغرق الأمر وقتا طويلًا»؛ مشيرًا إلى أن هناك توافق واسع حول هذا الأمر في أروقة الخرطوم، ليس فقط بين قطاعات الحكم، ولكن حتى بين الحكم والمعارضة. في سياق متصل، يتوقع مصدر بالخارجية المصرية أن يثير شكري ملفات خلافية أخرى تشمل ضبط الحدود في مثلث التقاطع السوداني المصري الليبي بما يحول دون «أي تدفق لمسلحين من ليبيا إلى مصر عبر الحدود السودانية المشتركة». اتهامات سودانية يعلم شكري أن الغندور سيقوم بدوره بإثارة عدد غير قليل من أسباب الاستياء السوداني الذي أصبح متحررًا، بسبب ما يوصف بسعي مصر إلى تهميش المصالح السودانية لصالح مصر، بحسب الدبلوماسي السوداني في القاهرة، الذي يتوقع أن يكون أول الملفات التي يثيرها وزير الخارجية السوداني مع نظيره المصري، اتهامات الخرطوم للقاهرة بالتدخل المباشر في شؤونه. كان الغندور قد أثار مسألة التدخلات المصرية في الشأن السوداني الداخلي خلال زيارة قام بها إلى القاهرة، في الأسبوع الأول من شهر يونيو الماضي، واستقبله خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي. وتتهم السودان مصر بالتدخل بشكل مباشر في المناطق التي تشهد توترات مع حكومة الخرطوم. وأوضح الدبلوماسي السوداني أن هذا التدخل يتمثل في سعي مصر لتحريك جوبا ضد الخرطوم في إطار «مسعى نحزن له لتأجّيج وإثارة مشاكل للسودان بغية الضغط عليها»، مضيفًا أن الغندور قدم للقاهرة خلال زيارة يونيو «أدلة لا يمكن التشكيك بها» حول مختلف أشكال التدخل في الشأن السوداني الداخلي. وكانت هذه الزيارة قد جاءت بعد إعلان السودان عن وجود تدخل مصري في الأراضي السودانية، وهو الأمر الذي رفضته مصر بشكل قاطع عبر تصريحات سريعة ومباشرة أدلى بها السيسي، نهاية شهر مايو الماضي، قال خلالها إن مصر تدير سياستها الخارجية بشرف. من ناحية أخرى، أشارت دبلوماسية مصرية تعمل في جامعة الدول العربية إلى أن هناك «عتاب سوداني» إزاء المعاملة غير المنصفة التي يلقاها بعض الدبلوماسيين السودانيين في بعض المنظمات العربية التي تحظى مصر فيها بدور قيادي، حسب تعبيرها. وأوضحت أن ذلك يحدث سواء في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية أو منظمة المرأة العربية، مضيفة أنه على الرغم من أن الأمر في الأصل خلافات إدارية، إلا أنه «لا يمكن تصور أن تكون معاملة الدبلوماسي السوداني في الجامعة أو المنظمة مماثلة لما كان سيتعرض له الدبلوماسي السعودي أو الكويتي». وقالت الدبلوماسية إن السودان يعلم أن مصر كانت تستخدم تواجدها في مجلس الأمن لإزعاجه، وأوضحت «مصر كانت تتحرك ضد رفع العقوبات عن السودان بدعوى إيواء ودعم إرهابيين. وهذا الأمر يجري النقاش حوله في الرياض». فيما قال الدبلوماسي السوداني إن «هناك نقطة لا يتخذها المسؤولون المصريون في الحسبان وهي مشاعر التحفظ. لا أريد التحدث عن الكراهية والرفض إزاء مصر لأن هذا أمر مؤسف، ولكن المتابع لمواقع التواصل الاجتماعي السودانية لابد أن يلمس غضبًا في أوساط الشباب السوداني إزاء مصر، وهو غضب لا يستهان به إطلاقًا». وأضاف «علي سبيل المثال الأخوة في مصر يتهموننا بأننا لا نساندهم في الحفاظ على مصالحهم المائية، ولكنهم أيضًا ينسون أنهم لا يفكرون كثيًرا في مصالح السودان المائية والاقتصادية والاستراتيجية التي تربطها بدول حوض النيل». واعتبر الدبلوماسي السوداني أن الوقت قد حان لوضع «صياغة جديدة لأسس العلاقات التاريخية» بين مصر والسودان، مع الأخذ في الاعتبار وجهات النظر السودانية إزاء العلاقات الثنائية والملفات الإقليمية أكثر مما سبق. وأضاف المصدر نفسه أن القاهرة عليها مراجعة مواقفها بجدية إزاء السودان لأن الخرطوم بكل مشاكلها لم تعد تهاب مصر ووزنها الثقافي والتاريخي كما كان الوضع سابقًا. وقال إن «القناعة التي تسيطر على القاهرة في تصوير مواقف السودان إزاء مصر بدءًا من ملف سد النهضة وصولًا إلى تطبيق المعاملة بالمثل فيما يخص الحصول على تأشيرات دخول أو تعليق استيراد السودان للمنتجات الزراعية والحيوانية من مصر؛ القناعة هي أنها أمور تأتي جراء تأثير قطر وتركيا علي صانع القرار السوداني. هذا أمر غير صحيح لأن الحليف العربي الأقوى للسودان الآن هو الرياض التي هي أيضًا أهم حلفاء القاهرة. كما أن نظام عمر البشير تربطه علاقات تعاون وثيقة بالإمارات تمثلت في اهتمام كبير من المستثمرين الإماراتيين بالسودان». لا تتوقع المصادر الدبلوماسية التي تحدث معها «مدى مصر» حدوث تحول مباشر وسريع في ملف العلاقات مع السودان، لكنها تؤكد على حرص القاهرة على ألا تجنح العلاقات بين مصر والسودان لمزيد من التدهور.
مدحت نافع يكتب قانون المركزى فى الميزان. نادراً ما تحدث مسوّدات مشروعات القوانين كل تلك الضجة، لكن السياق العام الذى تقدّم به البنك المركزى بمشروع لتعديل – أو أقل – تغيير القانون ٨٨ لسنة ٢٠٠٣ كان له أكبر الأثر فى إثارة هذا اللغط. كتبت منذ الأشهر الأولى لتولّى السيد طارق عامر مسئولياته كمحافظ للبنك المركزى عن حروب البنك المركزى المتعددة، ومن تلك الحروب ما أثاره من غضب قيادات بعض البنوك ومجالس إداراتها بعد أن أو شك أن يتدخل بقرارات حاسمة لتغيير تلك القيادات، لولا ضجة مماثلة أثيرت حينها لوقف القرارات. شخصية المحافظ كما يقرأها الكثيرون تميل نحو السيطرة والحسم السريع، وهى مواصفات هامة يجب أن يتحلى بها محافظو البنوك المركزية، إلى جانب مواصفات أخرى داعمة يجب التحلّى بها المحافظ، ومنها التمتع بقدر من المرونة واختيار الوقت المناسب لفتح الجبهات وحسم المعارك. السياق العام مشحون إذن بخلفية صدام مبكّر نشب بين المحافظ وقيادات بعض البنوك، وهو سياق ملغوم بتربّص الكثيرين من متضررى التعويم بمحافظ المركزى الذى تولّى كبره، وأصبح –أمام الجمهور بمثابة قائد ضربة التعويم، التى وصفها المحافظ نفسه فى حديث سابق بأنها لا تقل أهمية عن قرار العبور. لكن القراءة المتأنية لمشروع القانون الجديد الذى لن يعرض على البرلمان إلا بعد عودته من إجازته التشريعية، والذى كما ذكر السيد رئيس الوزراء لا يعدو أن يكون مسوّدة أولى لا ينبغى أن يناقش بكل هذا القدر من التشنّج والعصبية، القراءة المتأنية للمواد المقترحة والتى عددها ١٧٠ مادة تضعنا على طريق نميّز فيه بين إيجابيات المشروع وسلبياته. المشروع يهتم بصورة كبيرة بمفهوم حوكمة القطاع المصرفى، وتعزيز آلياته، فى محاولة تبدو جادة لترشيد القرارات المصرفية، وإدارة السياسة النقدية وفق آليات تتماشى مع المعايير الدولية، وتفصل بين الملكية والإدارة، وتزيل تعارض المصالح من هيكل الإدارة العليا للبنوك المصرية، وتحقق للمودعين والمساهمين درجة عالية من الاطمئنان على أموالهم داخل هذه المنظومة المعقّدة. والمشروع يهتم بمفهوم إدارة المخاطر، ويقدّمها على المراجعة الداخلية التقليدية، ويهتم بدورية تحليل وقياس والتنبؤ بالمخاطر، وإعداد تقارير وافية عنها ورفع التقارير إلى الرقيب الأعلى وهو البنك المركزى، كما يبرز المشروع أهمية لجان المخاطر ويمنحها الاستقلال والصلاحيات اللازمة لإتمام مهامها. ومن حسنات المشروع رفع الحد الأدنى لرأس المال المدفوع للبنوك إلى ١.٥ مليار جنيه، وهو رقم مناسب نظراً لما طرأ على قيمة العملة منذ إقرار القانون الأصلى عام ٢٠٠٣، ونظراً لكثرة التقلبات المحلية والإقليمية والعالمية التى تلت هذا التاريخ وأهمها أزمة الرهن العقارى الشهيرة التى تصاعدت فى عام ٢٠٠٨، هذا من شأنه أن يقصى بعض البنوك الصغيرة فى ذيل القائمة أو يحفّزها على الاندماج، وهو أمر مطلوب إذا أردنا نظاماً مصرفياً قوياً فى بلادنا، مدعوماً بملاءة مالية وكفاية رأس المال، هذا بالطبع مع التحفّظ على وضع قيم بعينها فى نصوص قانونية، لأنها دائمة ما تكون قابلة للتعديل المستمر، والاكتفاء بإحالة تحديد القيمة إلى اللائحة التنفيذية للقانون والتى يمكن تغييرها عند اللزوم بقرار من الوزير المختص، ذلك لأن النص القانونى عام مجرّد يوضع ليبقى ويستمر. لكن من ناحية أخرى ألمس فى مشروع القانون تغوّلاً من البنك المركزى على اختصاصات هى حق أصيل للهيئة العامة للرقابة المالية، التى منحها الدستور استقلالاً، والتى أنشئت لتضم جميع أنشطة سوق المال، والتأمين، والتمويل العقارى تجسيداً لنموذج الرقابة الثنائية، والذى تنفصل فيه الرقابة على القطاع المالى المصرفى عن القطاع المالى غير المصرفى (نموذج سنغافورة). يلاحظ أن مشروع القانون يتحدث عن «القطاع المالى» ويذكر ذلك صراحة فى بعض نصوصه، وهو فى ذلك ينشئ رقابة على شركات التمويل العقارى والتأمين والوساطة، والتى تتبع الهيئة العامة للرقابة المالية، رغم أن تلك الشركات تخضع أنشطتها لرقابة غير مباشرة للبنك المركزى من خلال تعاملاتها المصرفية، فيما ألزم به قانون مكافحة غسل الأموال من الدفع عبر المصارف للتعاملات التى تتجاوز قيمتها ١٠٠ ألف جنيه، وكان من الأوفق النص على التنسيق بين الرقابة المالية والبنك المركزى، ربما نختلف أو نتفق على أفضلية أى من النموذجين (أحادى أو ثنائى الرقابة)، لكن هذا لا يكون ممكناً فى ظل نص دستورى يؤكد استقلال وصلاحيات الهيئة المعنية بالرقابة على القطاع المالى غير المصرفى. كما ألمس فى المشروع تعدياً من البنك المركزى على بعض اختصاصات الجمعيات العمومية للبنوك، وخاصة فيما يتعلّق بالمشاركة فى عملية اختيار واستبعاد القيادات والتى لا يضير وضع معايير ملزمة للحوكمة دون انتزاع حق الاختيار أو الترشيح من أصحابه، وفى نصوص مقترحة أخرى لمست انتزاع المحافظ لبعض صلاحيات أعطاها القانون الحالى لمجلس إدارة البنك المركزى، من ذلك مثلاً سلطة تحديد الضمانات المطلوبة لمنح الائتمان، وإذا لم تقم المذكرة الشارحة المرفقة بمسوّدة المشروع بالوقوف على أسباب عملية لهذا الانتزاع، يكون التعديل المقترح بمثابة تعزيز للسلطة المطلقة، وبعيد كل البعد عن روح الحوكمة المستهدفة بنصوص أخرى، كذلك ينازع منصب محافظ البنك المركزى رئيس الوزراء صلاحياته فيما يتعلق بتعيين رؤساء بنوك القطاع العام، فيجعل اختيار الرؤساء من بين من يرشّحهم المحافظ، وليس كما هو منصوص عليه حالياً «بعد أخذ رأى المحافظ»، وحتى لا أقع فى فخ التعقيب على نصوص بعينها خلافاً لما نصح به رئيس الوزراء، فقد حاولت فيما سبق إيضاح ملامح عامة للإيجابيات والسلبيات استخلصتها من عدد كبير من المواد المقترحة بغير تخصيص. المشروع لم يتطرق إلى أدوات من شأنها تعزيز اضطلاع البنك المركزى بدوره الأهم وهو استهداف التضخم، لكنه يميل إلى تعزيز قبضة البنك على مختلف المؤسسات العاملة فى النقد، ولا أجد رابطاً واضحاً بين قصور السياسة النقدية «حالياً» عن تحقيق أهم أهدافها وبين تراخى القبضة الرقابية على المصارف والشركات العاملة فى الائتمان والنقد. المشروع كتب ليواكب تغييرات دستورية (دستور ٢٠١٤) وتقلبات سوقية حادة على مختلف الأصعدة، لكنه يحتاج إلى مزيد من الدراسة المجتمعية والمتخصصة قبل العرض على البرلمان، ذلك لأن المهارات «الفنية» التشريعية للبرلمان الحالى أقل أكثيراً من تلك التى كانت قائمة عند وضع القانون ٨٨ عام ٢٠٠٣.
قارن دي أو مع:
شارك صفحة دي أو على