حسني مبارك

حسني مبارك

حسني مبارك (٤ مايو ١٩٢٨ – ٢٥ فبراير ٢٠٢٠) كان سياسيًا وضابطًا عسكريًا مصريًا شغل منصب الرئيس الرابع لجمهورية مصر العربية من ١٤ أكتوبر ١٩٨١ خلفًا لمحمد أنور السادات، وحتى ١١ فبراير ٢٠١١ بتنحيه تحت ضغوط شعبية وتسليمه السلطة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة. حصل على تعليم عسكري في مصر متخرجا من الكلية الجوية عام ١٩٥٠، ترقى في المناصب العسكرية حتى وصل إلى منصب رئيس أركان حرب القوات الجوية، ثم قائداً للقوات الجوية في أبريل ١٩٧٢م، وقاد القوات الجوية المصرية في الجيش المصري أثناء حرب أكتوبر ١٩٧٣. وفي عام ١٩٧٥ اختاره محمد أنور السادات نائباً لرئيس الجمهورية، وعقب اغتيال السادات عام ١٩٨١ -على يد مجموعة مسلحة قادها خالد الإسلامبولي- تقلد رئاسة الجمهورية بعد استفتاء شعبي، وجدد فترة ولايته عبر استفتاءات في الأعوام ١٩٨٧، ١٩٩٣، و١٩٩٩ وبرغم الانتقادات لشروط وآليات الترشح لانتخابات ٢٠٠٥، إلا أنها تعد أول انتخابات تعددية مباشرة وجدد مبارك فترته لمرة رابعة عبر فوزه فيها. تعتبر فترة حكمه (حتى إجباره على التنحي في ١١ فبراير عام٢٠١١) رابع أطول فترة حكم في المنطقة العربية - من الذين هم على قيد الحياة آنذاك، بعد الزعيم الليبي معمر القذافي، والسلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان والرئيس اليمني علي عبد الله صالح والأطول بين ملوك ورؤساء مصر منذ محمد علي باشا. ويكيبيديا

عدد الأخبار كل يوم من ولمدة حوالي شهر واحد
من أهم المرتبطين بحسني مبارك؟
أعلى المصادر التى تكتب عن حسني مبارك
جزر مصر المسلوبة فضيحة نظام السيسي أهداف سويف شهد هذا الشهر تصعيدًا خطيرًا في الأحداث والتداعيات التي نعيشها في مصر منذ يناير ٢٠١١. في ١١ يونيو رأينا الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها أجهزة الأمن حول مبنى البرلمان استعدادًا للبدء في مناقشة قضية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، وخلال ثلاثة أيام كان البرلمان قد انتهى من النقاش وقرر التنازل عن الجزر. عملية التصويت في البرلمان سبقها تصعيدٌ أيضًا لنشاط الشرطة والأمن في أنحاء البلاد، فتسارعت وتيرة القبض على ناشطين وعلى شخصيات معروفة وأيضًا على شخصيات وأفراد لا يُعرف لهم أى نشاط أو انتماء. وجدنا أنفسنا على أرض نعرفها جيدًا المحامون ينتشرون في كل أماكن الاحتجاز المحتملة، متطوعي الإعاشة يبدأون في العمل، الكل يعمل على جمع الكفالات المنتظرة والكل يحاول في الوقت نفسه ألا يحيد بصره عن القضية الأساسية قضية الجزيرتين. اتخذت قضية الجزيرتين موقعًا محوريًا في اهتمامنا السياسي ففيها تظهر عناصر كثيرة من مكونات الصراعات التي تحتدم في مصر الآن. ظهر لنا الأمر أول ما ظهر في أبريل ٢٠١٦، حين زار الملك سلمان، ملك المملكة العربية السعودية، القاهرة، وانتهت الزيارة بالإعلان عن مشروعات وعقود قيل إن قيمتها تصل إلى عشرين بليون دولار، وفي الوقت نفسه أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، أنه قد اتخذ قرارًا بتسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة العربية السعودية. وفي شرح أسباب هذا القرار أعرب عن قناعته بأن الجزيرتين سعوديتين، وأن مصر كانت فقط مؤتمنة عليهما، كما أضاف أن السيدة والدته أوصته بألا يأخذ أبدًا ما للغير. تقع جزيرتا تيران وصنافير شرق شبه جزيرة سيناء في الطرف الشمالي للبحر الأحمر. تيران، وهي الأكبر، تبلغ مساحتها نحو ثمانين كيلومتر مربع، وتبعد نحو ١٢ كيلومترًا عن ميناء شرم الشيخ. والمياه حول الجزيرتين غنية بالحياة البحرية وبالمرجان، وهي غاية مهمة للسياحة وبالذات لهواة الغطس، لكن الأهمية الحقيقية للجزيرتين أهمية ستراتيجية لأنهما تتحكمان في «مضايق تيران»، المدخل الوحيد إلى خليج العقبة على الحدود الشرقية لمصر. على رأس الخليج ميناء إيلات الإسرائيلي الذي كان يومًا بلدة أم الرشراش المصرية. وفي حربي ١٩٥٦ و١٩٦٧ احتلت إسرائيل جزيرتي تيران وصنافير لكنها في المرتين اضطرت أن تعيدهما إلى مصر في المرة الثانية بموجب معاهدات كامب ديفيد. وتتمركز على الجزيرتين مجموعة صغيرة من قوات حفظ السلام الدولية، وهم في الأغلب من الجنود المصريين والأمريكيين. لم يقتنع الكثيرون في الحقيقة بقصة وصية الوالدة. هل تم بيع الجزيرتين؟ هل من صلاحيات أى حكومة أن تُعَيِّن قطعًا من أراضي البلاد تأخذها فتبيعها لدولة أخرى؟ الدستور يمنع هذا والحكومة تقول إنها لم تفعل. قامت مجموعة من المحامين الحقوقيين، بتوكيلات من نحو ثلاثمائة مواطن، برفع دعوى أمام محكمة القضاء الإداري ، للحكم في ما إذا كانت جزر تيران وصنافير مصرية أم سعودية. تدفقت الوثائق من مختلف أنحاء العالم إلى فريق المحامين، وكانت تغطي نحو قرنين من الزمان. أحالت المحكمة الأوراق إلى هيئة المفوضين لدراستها، وفي يونيو ٢٠١٦ حكمت بمصرية الجزيرتين. وحين استأنفت الحكومة الحكم أكدت المحكمة الإدارية العليا على مصرية الجزيرتين وحظرت على الحكومة القيام بما يمس سيادة مصر عليهما. وكان حكم الدستورية العليا باتًا ونهائيًا وغير قابل للطعن. وكان يجب أن تنتهي المسألة هنا، ولكن حكومة الرئيس السيسي قامت بفعل غريب، فقد رفعت دعوى أمام محكمة الأمور المستعجلة وهي المحكمة الأقل مرتبة من الإدارية تطلب منها وقف تنفيذ حكم الإدارية العليا (وهو الحكم ببطلان المعاهدة التي وقعها رئيس الحكومة المصرية في أبريل ٢٠١٦بتسليم الجزيرتين). وحكمت الأمور المستعجلة فعلًا بإيقاف تنفيذ حكم الدستورية العليا (!!) فأصبح المسار أن تنتقل القضية إلى الدستورية للحكم بين المحكمتين. وهنا تقدمت الحكومة إلى البرلمان تطلب منه أن ينظر في المسألة. في برلماننا عدد كبير من النواب الذين ينتمون إلى الأحزاب أو التكتلات التي كوَّنتها أجهزة النظام الأمنية والاستخباراتية منذ حوالي ثلاث سنوات استعدادا للانتخابات البرلمانية. عمت الفوضى في القاعة حيث حاول النواب المعارضون للمعاهدة تحذير زملائهم في المجلس أن حتى مناقشة موضوع يمس التنازل عن الأرض تعرضهم للاتهام بالخيانة العظمى، يطلب النواب المعارضون الكلمة فترفض طلباتهم، يطالبون بأن يكون التصويت على القرار بالإسم فيرفض الطلب، وفي اليوم الرابع، في مشهد عظيم من الفوضى، أقر البرلمان التنازل عن تيران وصنافير في تصويت مُجَهَّل، برفع اليد. ما الذي يشعل حماسة الرئيس للتنازل عن أرض لها هكذا ثقل تاريخي واقتصادي واستراتيجي حماسة لدرجة توريط الحكومة في تعديات من شأنها تدمير أى هيبة باقية لمؤسسات الدولة من قضاء وبرلمان، وإعلام وحتى الدستور؟ هل هو صراع إرادات يضطر السيسي أن يكسبه ليعلم الجميع أنه يفعل ما يريد وليست هناك قوة تستطيع أن تمنعه؟ أم أن الحكومة متورطة في صفقة لا تستطيع العدول عنها ولا تستطيع الإفصاح بمكوناتها الحقيقية؟ إعطاء الجزر للسعودية يجعل من المملكة طرفًا في اتفاقيات كامب ديفيد ويعطيها مبررًا لعلاقاتها النامية مع إسرائيل، وهي العلاقات التي لها زمن تديرها في الخفاء، لكنها الآن ومع محاولات ترسيخ أوضاع جديدة في المنطقة، ومحاولة تكوين تكتل ضد إيران تكتل يشمل إسرائيل تحتاج أن تخرج بها إلى العلن. فحدود المملكة الجديدة مع إسرائيل «تضطرها» لإقامة علاقات دبلوماسية معها. بالنسبة لمصر فصحيح أن اتفاقيات كامب ديفيد تشترط أن تكون مضايق تيران مفتوحة أمام كل السفن والمعني بالذات بالطبع السفن الإسرائيلية لكن هذا الشرط يسري فقط في أحوال السلم وفي ظروف «المرور البرئ». وطالما ظلت المضايق تحت السيطرة المصرية فإن مصر تستطيع إغلاقها في حالة الحرب أو لو اشتمت نوايا سيئة للسفن المارة. أما في حالة التنازل عن الجزر للسعودية فتصبح مياه مضايق تيران مياه دولية وليس لمصر أى حكم عليها في السلم أو في الحرب أي أن حدودنا الشرقية بطول سيناء تصبح مكشوفة أمام أي اعتداء. من الهام جدًا أن نلحظ أن هذا الصراع حول الجزر يحدث على خلفية قاتمة. الأغلبية الكبيرة من المصريين يعيشون إحساسًا بالتهديد في حياتهم ومستقبلهم وأرزاقهم منذ عقود، لكننا الآن نشعر بتهديد وجودي. فأساس«مصريتنا» التي نحيا بها هو إحساسنا بأن بلادنا منذ خلقت من آلاف السنين لها شكل وروح لم تتغير كثيرا أى أننا إن أتيناها في أي عصر سنجد أنفسنا متعرفين عليها. نشعر الآن بما قد يقوض هذا الأساس. حصة مصر من مياه النيل يهددها سد يوشك جيراننا في الجنوب على إتمامه، تربة الوادي مجهدة، ومواردنا عموما مستهلكة، كثيرون منا مرضى، أطفالنا يعانون من التقزم، هواء مدننا ملوث. سنوات وسنوات من الحكم غير الرشيد. أما المجتمع المصري فهو منقسم وعدائي بشكل لم نعرفه من قبل، وربما لأول مرة في تاريخها تجد مصر لا ترحب بالنازحين واللاجئين، وطاردة حتى لأولادها الذين يقذفون بأنفسهم في الصحارى والبحار هربًا منها. لم يكن أي من هذا حتميًا، بل هو نتاج عقود من الحكم الفاسد والمُفسِد. ثورة يناير ٢٠١١ كانت استجابة ورد فعل لهذا التهديد الوجودي، ولهذا خرج إليها الملايين من الشباب والكبار، والأغنياء والفقراء، وذوي المرجعية السياسية الدينية وذوي المرجعية السياسية المدنية، وغيرهم. الكل يريد إنقاذ البلاد وإنقاذ نفسه. ومهما قيل حول الفرص الحقيقية لنجاح هذه الثورة فمن المؤكد أنها كانت تعبيرًا عن إرادة عارمة نحو الحياة؛ نحو نفض الركود، والفساد، واليأس، وأثناء الثورة احتفى الناس بإيجابياتهم، بقدراتهم وإبداعهم، وغيريتهم، وشراكتهم، وتنوعهم. الثورة المضادة التي بدأت منذ تنحى الرئيس المعزول حسني مبارك، في فبراير ٢٠١١، فشلت تمامًا في (أو رفضت تمامًا) مواجهة هموم وشواغل المصريين. في كل شكل من الأشكال التي اتخذتها كان تركيزها على التمكن من السلطة والاستفراد بها، والقضاء على كل ما تتصور أنه يمكن أن يهددها أي على معاقبة أي بادرة للروح الثورية، روح الغيرية والتمكن، والتشاركية والإبداع. المجلس الأعلى للقوات المسلحة ظل في الحكم عامًا، وكذلك الإخوان المسلمون، أما اليوم فلنا أكثر من ثلاثة سنوات تحت حكم نظام عبد الفتاح السيسي، وهي مدة تكفي لنحصي آثارها. اليوم يشعر المصريون بخطورة وخسارة وعار فقد تيران وصنافير. وليس هذا كل ما عانوه. النقابات أصدرت بيانات، ومظاهرات مفاجئة قامت هنا وهناك. رد الحكومة هو حجب المواقع الإخبارية والقبض على أعداد أكبر واحتجازهم. لكن هذه المعارضة مستمرة ولن تتوقف. لن نصمت. ــــــــــــــــــــــــ *نشر هذا المقال في نيويورك تايمز بالإنجليزية والعربية، وينشره «مدى مصر» بالاتفاق مع الكاتبة.
إعلانات الدولة التطور الطبيعي لـ«المواطن الصالح» ليلى أرمن ٢٥ يونيو ٢٠١٧ في بداية شهر رمضان، أطلت علينا إسعاد يونس بإعلان مبهم، ترتدي فيه عباءة سوداء مطرزة وتسير في غرفة مرايا، في أجواء تشبه الفيديو كليب، تتفوه بكلام غريب عن علاقتها بنفسها وكونها منقسمة ذاتيًا إلى اثنتين، كل منهما تقول كلامًا يناقض الأخرى، ماجعلها تتوه وتتخبط، ولكن أمرًا ما اكتشفته فأنار طريقها، وساعدها على الخروج من هذا الفخ، وهو «المنتج المصري»، فقررت تعريف الناس به، فهم إذا عرفوا فهموا وقدروا المسؤولية. يتلاشى صوتها ليدخل صوت المعلق بنبرة من يسرد حقيقة وجودية «كل واحد فينا جواه اتنين ماشيين عكس بعض، لإن ماحدش فيهم عارف الحقيقة»، ثم يُذيَّل الإعلان بإمضاء حملة «الحق في المعرفة». هذا الإعلان تبعه إعلان آخر لشخص، للمفارقة، جرى حجب برنامجه التلفزيوني العام الماضي بقرار حكومي، وانشغلت مواقع التواصل الاجتماعي بقضية التضامن معه من عدمه، وهو إبراهيم عيسى، جالسًا على كرسي وثير في نفس الديكور الغرائبي، حيث تتكرر صورته عشرات المرات في المرايا، ويتبع كلماته صدى صوت يضخم من أهميتها. يتحدث عيسى بدوره عن الانقسام ذاتيًا «صوت بيقول لي صدّق، وصوت بيقول ما تصدقش، صوت بيقول لي عدي يا عم إبراهيم ما تبقاش حمَقي قوي كده، وصوت بيقفش ويقول لي اوعى تفوّت حاجة». ولكن لأنه في النهاية صحفي، أخذ قراره بأن «يشتغل للبلد دي»، فهو يطالب بـ«المعلومة » ويناشد المسؤولين، في استجداء آمر «نوّرني، عرّفني، ما تسيبنيش عديم المعلومة»، لماذا؟ لأننا حين نعرف نقدر المسؤولية. ومرة أخرى يدخل المعلق الحكيم ليقرر حقيقة أن كلًا منا منقسم ذاتيًا. حتى هنا، يبدو الموضوع، على غرابته، طبيعيًا، فيونس وعيسى من نجوم التلفزيون الذين يدعون التنوير والثقافة، ومن المتوقع أن يصدر منهم كلام تأملي مثل هذا، ولكن في الإعلان الثالث يطل عصام الحضري، مرتديًا بذلة ويسير بإصرار وسط نفس الديكور، مطرقًا رأسه في خشوع، على خلفية موسيقية توحي بأن أمرًا ما جللًا يحدث، متحدثًا عن أنه، هو أيضًا، بداخله «اتنين حضري»، أحدهما يوسوس له بالاعتزال والآخر يقول «لسا المشوار طويل». ولأنه سمع كلام النصف المتفائل، وقرر أن يفعل شيئًا من أجل «البلد»، فقد أكرمه الله في كأس افريقيا، وأفرح الشباب، الذين توجه إليهم بنصيحته «لازم تعرف انت عايز إيه ورايح فين»، ثم يكرر كلمة «لازم تعرف»، والتي تتضخم بفعل صدى الصوت. بعد مرور بضعة أيام نعرف أن تلك التأملات الفلسفية كانت إعلانًا تشويقيًا لحملة دعائية تهدف لتبييض وجه الدولة، تستخدم الممثل الكوميدي أحمد فهمي، في طريقة أليفة للتذاكي، وهي استعراض الرأي المعارض للدولة، والإقرار أنه ليس خاطئًا تمامًا، ثم الالتفاف والرد عليه ردًا مفحمًا يبين أنه، بالعكس، عارٍمن الصحة. يتطور التذاكي باستخدام مناقشات تبدو «واقعية» جدًا، ومن قلب المجتمع، وتشبه ما يدور على المقاهي والفيس بوك، مطالبة الناس اللي «بتكلم نفسها» بأن تسمع الكلام العاقل الموزون بعيدًا عن مغالاة «المطبلاتية» أو تثبيط «المقللاتية». التكنيك هو أن يظهر المعارض أحمد فهمي ليسب أداء وزارة معينة، متأففًا من الأوضاع السيئة ولاعنًا العيشة، ثم، ومن حيثُ لا نحتسب، يقفز لنا أحمد فهمي الآخر، الدولجي، من مرآة موجودة في الديكور، محاولًا إثناء الأول عن موقفه، باستعراض إنجازات وهمية للحكومة سمع عنها من ابن خالته أو ابن أخته الذي يعمل داخل الوزارة، وذلك بشكل خفيف الدم بالطبع. بعد ذلك يدخل المعلق الحكيم، ليعلمنا –بحياد ظاهري ألا هذا ولا ذاك على حق، ثم يبدأ في سرد إنجازات ضخمة للوزارة بمعلومات لا يمكن التيقن منها. لكن ورغم ادعاء الموضوعية، فالغرض هو محو تعاطف الجمهور مع «المقللاتي»؛ هو المطلوب إثباته. فالسيناريو المكتوب لـ«المطبلاتي» يستخدم لغة شديدة المغالاة تجعل منه شخصية كاريكاتورية لا تهدف إلا لإكمال الإفيه، مما يجعل الجمهور يتعامل معه في إطار النكتة، لا الواقع، أما لغة «المقللاتي» فمعقولة، ومتداولة بالفعل بين الشرائح المعارضة، ما يدفع المشاهد لأخذها على محمل الجد. المواطن الصالح ينقسم ذاتيًا ويقتل نسخته المعارضة بيديه تهدف سلسلة إعلانات « الحق في المعرفة» لعقلنة حالات تأييد الدولة؛ أن تُظهر النظام، والذي استخدم لعبة المشاعر والعواطف والتعبئة والتجييش في طاقتها القصوى، كنظام هادئ ومتزن، يعرف ماذا يفعل، لا وجود للانفعالات من قاموسه، يفكر بأدوات علمية، ولا يتكلم إلا بالورقة والقلم والحسابات، مستخدمًا أداة العقلنة الأولى، وهي المعلومة التي تلعب دور الحَكَم الرشيد المنزه عن المصلحة. تنفرد كل وزارة بإعلان في هذه السلسلة، فهناك إعلان لوزارة الإسكان، وآخر للنقل، بجانب الكهرباء والتعليم، والأخير هو الأكثر طرافة، لأنه يدعي مثلًا في فقرته الختامية، فقرة المعلومة الحقيقة، أنه بصدد «إنشاء بنك المعرفة المصري الذي يشتمل على محتوى علمي يفوق ما في مكتبة الكونجرس». تطالبنا سلسلة «إعلانات الحق في المعرفة»، دومًا بالرجوع لـ«المعلومة» والاحتكام لها. ولسخرية الأقدار، فهي تأتي بالتزامن مع أول حملة حكومية لحجب عدد كبير من المواقع الإخبارية التي تهدف لتقديم «المعلومة». لكن المفارقة غير موجودة بالنسبة لصناع الإعلان، لأن الهدف أصلًا هو أن يكف المواطن عن الشكوى، عن مشاركة همه، عن الكلام مع الآخرين، وبدلًا من ذلك، يأمره الإعلان بالدخول لغرفته بهدوء والنظر في المرآة ليكلّم نفسه. هذا هو ملخص الإعلان كلّم نفسك! ويبدو أن فكرة المرآة والانشطار الذاتي، لاقت استحسانًا كبير من قبل الدولة، فكرّرتها في إعلانات الرقابة الإدارية، والتي خصصت لها أغنيتين، مستخدمة مطربين من طبقتين متفاوتتين يغنيان نفس الكلمات بألحان مختلفة، إمعانًا في الحصار المطبق على المشاهد، فهناك حكيم الشعبي وهناك «شادي حمزة»، ويتحدث كلاهما عن ضرورة أن تكون إيجابيًا وأن تبدأ بنفسك. في الحقيقة يمكن بلع الأغنيتين، كأي إسفاف عابر في التلفزيون، إلا أن كل شيء يتحول لكابوس بمجرد الوصول للفقرة الختامية وسماعنا «شخطة» إسعاد يونس «لو بصينا في المراية تبقى دي البداية». تستعرض الحملة نماذج سيئة للمواطن الفاسد الذي يهمل عمله، مثل المدرس الذي لا يهتم بالشرح لتلاميذ المدرسة ليجبرهم على الدروس الخصوصية، أو الموظف الذي يعطل مصالح المواطنين ولا يعمل إلا بالرشوة، وتطلب الحملة من هذه النماذج السيئة أن تنظر في المرآة وتخجل ممن نفسها، كما تطلب من المواطنين الإبلاغ عنهم، على الخط الساخن لمحاربة الفساد. المواطن الصالح لا يثقل على الدولة البداية وأيام ماسبيرو ورغم أن الحملة هي الأولى من نوعها في استخدام الأسلوب المباشر للدفاع عن الدولة، والأوقح من حيثُ اللعب على المكشوف، إلا أن تكنيك «إشعار المواطن بالذنب» هو صلب الحملات الإعلانية للدولة المصرية منذ قديم الأزل، وإن ظلت النبرة تتصاعد بمرور الوقت، مبلورة في كل فترة تعريفًا ضمنيًا لـ«المواطن الصالح». في البداية كانت النبرة خفيفة وطلبات الدولة بسيطة متواضعة، كأن تطلب من المواطن ألا يثقل عليها، ألا يكون عبئًا، فالمواطن الصالح ضيف خفيف، لا ينجب الكثير من الأولاد تضطر لأن توفر لهم خدمات تعليمية وصحية، ولا يستحم في الترعة فيصاب بالبلهارسيا ويدخل المستشفى. مثلًا، بدأت حملة تنظيم الأسرة في مصر عبر إعلانات رسوم متحركة خفيفة الظل للأخوين حسام وعلي مهيب، تنصح الأزواج باستخدام موانع الحمل، والطريف أنها لم تقتصر في البداية على النساء، وإنما توجهت للرجال أيضًا ناصحة إياهم باستخدام الواقي الذكري. ويمكن اعتبار الحملة الأطول في امتدادها الزمني، حيث تتابعت عليها الكثير من الشعارات والكثير من الوجوه، ربما كان أشهرها سلسلة «الراجل مش بس بكلمته» بمشاركة الفنان أحمد ماهر، وسلسلة «اسأل استشير». الحملة مستمرة حتى الآن، وانطلقت آخر نسخة منها عام ٢٠١٥تحت شعار «من حقك تختار ومسؤوليتك القرار». بجانب هذه الحملة، انتشرت في نفس الفترة حملات التوعية من وزارة الصحة مثل حملة «ادي ضهرك للترعة» بمشاركة الفنانين محمد رضا وعبد السلام محمد لمكافحة البلهارسيا، والحملة القومية للقضاء على الجفاف التي اختارت كريمة مختار لنشر الوعي بين الأمهات. كل هذا كان في فترة السطوة المطلقة للتلفزيون المصري قبل ظهور الفضائيات. كانت الإعلانات وقتها بسيطة؛ تطلب فقط من المواطن ألا يرهق كاهلها، وأن «يتمدن» لأن مشاكله كثرت، كما هدفت لتلميع صورة الدولة كدولة متنورة حضارية، وارتبط توغل سوزان مبارك في الشؤون العامة بهذا الهدف تحديدًا، فبعد أن عمّدت نفسها رائدة للكفاح النسوي وحرية المرأة، انطلقت حملات تنويرية خاصة بوضع المرأة، كحملات مناهضة ختان الإناث الممولة من الأمم المتحدة. المواطن الصالح يدفع للدولة فلوسها بالذوق ما بعد الألفية وقبل الثورة بعد هذا العهد المسالم نسبيًا، دخلت إعلانات الدولة في طور جديد أواخر عهد حسني مبارك، مستخدمة نبرة أكثر حدة، وعازمة على ترويج القوانين الجديدة كقانوني المرور والضرائب. كانت حملة الضرائب من الحملات الكبيرة الممتدة زمنيًا، والتي حملت على عاتقها التحذير من التهرب الضريبي و محاربة جشع التجار الذين لا يفكرون إلا في مصلحتهم، كما جاء مثلاً في إعلان «عبد القوي تاجر فهلوي لا عنده دفتر ولا بيفوتر»، كما استخدمت عددًا من الممثلين كمحمد شومان و«هشام إسماعيل»، في الحملة الشهيرة التي أخذت عنوان«الضرائب .. مصلحتك أولًا». انقطعت هذه الإعلانات لفترة، لتعود في رمضان ٢٠١٧ مع «حمدي الميرغني» للترويج لضريبة القيمة المضافة تحت شعار جديد بنفس المعنى «احسبها براحتك.. تلاقيها في مصلحتك». المواطن الصالح يثق في دولته بعد ٢٠١١ وفترة حكم المجلس العسكري أما سلسلة الإعلانات الأغرب على الإطلاق، فقد خرجت من الدولة المرتبكة بعد تنحي مبارك وتصدع وزارة الداخلية التي نزلت وقتها بأغنية «اطمن»، في محاولة لرد هيبتها وتذكير المشاهدين بأهمية دورها، وفيها تُستعرض «وظيفة الشرطي» كأننا نقرأها في كتاب أطفال؛ يقبض على المجرمين، ينظم لنا المرور، ينقذنا من الحرائق، وهكذا. أما عام ٢٠١٢ فكان موعدنا مع الإعلانات الأكثر طرافة، وهي إعلانات التحذير من الأجانب المندسين بيننا، واشتهرت باسم «ريلي! » في أحد الإعلانات نجد شبابًا يجلسون على المقهي ويشتكون من أحوال البلد ويبدو عليهم الانزعاج، ثم يندس أجنبي وسطهم وينصت باهتمام لما يقولونه، ويمسك هاتفه لينقل لرؤسائه ما سمعه.هنا يدخل المعلق ليحذرنا من العواقب الوخيمة للشكوى من الحكومة «بتشتكي لمين؟! وليه تفتح له قلب البلد؟!» المواطن الصالح يعيش عيشة أهله ولا يصدع رؤوسنا عهد السيسي بعد انفضاض فترة الحراك السياسي، ومآل الحكم للسيسي في انتخابات ٢٠١٤، دخلت إعلانات الدولة في طور التوحش، وبنبرة حادة وحاسمة أخذت، وبشكل مبطن، تحمّل المواطن ذنب الانهيار الاقتصادي. ففي رمضان ٢٠١٤، ومع استمرار أزمة انقطاع التيار الكهربائي، انطلقت حملة «بالمعقول» برعاية «المبادرة المصرية للحفاظ على الطاقة»، وهي كيان مكون من اتحاد عدد من الوزرات الحكومية، كالكهرباء والبترول وشؤون البيئة، مع عدد من الشركات الخاصة مثل شِل، وبي جي إيجيبت، وجي دي إف سويس. حثّت الحملة على ترشيد استهلاك الكهرباء، في استخدام الأجهزة المنزلية كالتلفزيون والغسالة، كما روّجت لاستخدام اللمبات الموفرة، معتبرة أن هذه التوصيات كفيلة بإنهاء الأزمة، واضعة الكرة في ملعب المواطن. في ٢٠١٦ أكملت الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس» المسيرة، بإطلاق حملة «وفّر لنفسك»، وهي سلسلة إعلانية يظهر فيها كل مرة بيومي فؤاد الذي يفاجئه ارتفاع أسعار المنتجات، فيبدأ في إلقاء اللوم على شخص معين بعيد تمامًا عن الموضوع، مثل «أم كوكي» التي استهلكت الكثير من الإضاءة في عيد ميلاد ابنها، ما تسبب في ارتفاع الحاجة لاستيراد الغاز الطبيعي، الذي يدخل في صناعات كثيرة، ما أدى بدوره لارتفاع سعر العملة الصعبة، ومعها أسعار باقي المنتجات، لينتهي الإعلان بصوت طارق نور قائلًا «كلّه له علاقة بتوفير الطاقة.. وفر لنفسك». في نفس العام أيضًا، ومع بداية أزمة ارتفاع سعر الدولار، كنا على موعد مع سلسلة إعلانية أخرى من طارق نور، جاءت هذه المرة برعاية البنك الأهلي المصري، وتسخر من الغضب من ارتفاع أسعار استيراد المنتجات الأجنبية، وترمي لحل الأزمة بتشجيع المنتج المصري، فضيق المواطن ليس نابعًا إلا من «عقدة الخواجة»، التي تجعله يفضل صناعة الأجانب على صناعة أولاد بلده. وتطلب السلسلة من المواطن التخلص من النبرة السلبية ومساعدة الدولة بشراء المنتجات التي تحمل ختم «بكل فخر صنع في مصر»، والذي سيجري صكه على كل المنتجات المصرية عالية الجودة. دخلت إسعاد يونس (الصوت الذي جرى تصديره بكثافة في السنوات الماضية ليصبح أشبه بـ«صوت الدولة») على الخط، لتكرّس حلقات من برنامجها «صاحبة السعادة » للدعاية لـ«المنتج المصري»، وفيها استضافت عددًا من مديري المصانع كاللواء هاني مدحت رئيس مجلس إدارة شركة قها. وتبعها عمرو أديب الذي خصص جزءًا من برنامجه للدعاية لإنتاج المصانع الحربية، بحجة أننا «تربينا علي هذه الأجهزة»، ومن الغريب أن نشكو الآن من ارتفاع الأسعار مع وجود مثل هذه المنتجات عالية الجودة. تواصلت الحملة هذا العام، بإلحاق ختم «بكل فخر صنع في مصر» بعدد من إعلانات المنتجات والتي جاء معظمها، للمفارقة، توكيلات منتجات عالمية مثل كوكاكولا ونيسان ونستله، وليس صناعة مصرية خالصة، وإن لم تنس منح مباركتها لعدد من الشركات المصرية الضخمة مثل حديد عز وأسمنت السويدي. المواطن الصالح هو رجل الأعمال كل العهود بجانب الحملات المباشرة، وعن طريق إعلانات البنوك التابعة لها، كالبنك الأهلي المصري وبنك مصر، شجعت الدولة المواطن على أن يخرجها من رأسه، ويبدأ في فتح «مشروع صغير» خاص به، بدلًا من أن يجلس واضعًا يده على خده. توالت الحملات الإعلانية لكل من البنكين، حاملة نفس الرسالة، بدءًا من الفترة الأخيرة من عهد حسني مبارك. في ٢٠١٠ مثلًا أطلق بنك مصر حملة يعلن فيها استعداده لمساعدة الشباب على تمويل المشروعات الصغيرة، ويظهر في الإعلان شاب مكتئب يعلم بالخبر السعيد، فيذهب للبنك حيثُ يلاقيه الموظفون بالترحاب ويعجبون بفكرته ويمنحونه قرضًا ليبدأ حلمه. أما البنك الأهلي المصري، فقد اعتمد على طارق نور عام ٢٠١٢ لإطلاق حملة تقترح على المواطن ترك وظيفته التي لا يحبها، ليفتح مشروعًا صغيرًا يمارس فيه مهنته المحببة، ثم تواصلت الحملة في ٢٠١٦ بسلسلة إعلانية تشجع على التجارة في «الحاجات الصغيرة» لإن «فلوسها حلوة». أما في العام الحالي، وقبل رمضان، انتشرت في القاهرة لافتات إعلانية مجهولة المصدر، مكتوب عليها «طلعت حرب راجع»، لنعرف فيما بعد أنها الحملة الإعلانية لبنك مصر، وهي كذلك عن تمويل المشروعات الصغيرة، ولكن هذه المرة بأسلوب جاف ومتوعد. فبعد أن كانت النبرة متفائلة ومرحة في السنوات السابقة «افتح مشروع صغير واكسب فلوس كتير»، تحولت إلى ما معناه «أنت الذنب في كونك فقير. لماذا لا تفتح مصنعًا للمكرونة؟!» تقوم فكرة السلسلة على المقارنة بين حالتين، إحداهما إيجابية والأخرى سلبية. الإيجابي لا يضيع وقته على الكنبة ولا يجلس أمام التلفزيون طوال النهار ينتظر الفرج، بل يفتتح مشروعًا. ضربت السلسلة مثلًا بحسنين ومحمدين، وهم أولاد عم، وظروفهم متشابهة، إلا أن حسنين اختار الطريق الخطأ بالهجرة غير الشرعية (ويستخدم الإعلان هنا مشاهد حقيقية من فيديو غرق مركب هجرة)، أما محمدين فقد «عمل الصح» بذهابه إلى بنك مصر المفتوح أمام الجميع، وأخذ قرضًا بكل سهولة وفتح مصنعًا للمكرونة، وأخذ ينجح وينجح في حين انتهى الأمر بحسنين إلى غسل الأطباق في أوروبا. مثال «حسنين ومحمدين» ليس غريبًا على تاريخ إعلانات الدولة المصرية، ومن ثيماتها المفضلة المقارنة بين المواطن ثقيل الهم والمواطن الصالح الذي لا يتعب الدولة. واسم «حسنين ومحمدين» نفسه ورد في أغنية فاطمة عيد لتنظيم النسل، والمنفذّة بطلب من وزارة الصحة والإسكان، وفيها تقارن عيد بين حسنين الذي أنجب الكثير من الأطفال، ما جعل حاله لا يسر عدوًا ولا حبيبًا، وبين محمدين الذي اكتفي باثنين فقط، ما جعله يعيش في هناء وسعادة. بجانب الإعلانات التكتيكية التي تهدف للترويج لخدمات بنكية بعينها، فهناك إعلانات أخرى للبنوك التابعة للدولة، يمكن اعتبارها محض أغاني وطنية، و كلها تدور حول ضرورة أن نكون إيجابيين، مثلما يقول عمرو مصطفى في الأغنية الرئيسية لحملة طلعت حرب راجع «اتحرك اعمل أي خطوة في حياتك، ما تسيبش نفسك للظروف». اتهام الشعب بالكسل والتراخي، ودعوته للعمل والإنتاج، أسلوب قديم ومحبب للدولة، التي تلجأ للدفاع عن نفسها عند أي هجوم، بطريقة «العيب فيكم»، كما جاء ببساطة وبشكل مباشر في حملتها الإعلانية التي نفذها استديو مهيب وغناها محمد منير في الثمانينات، وتُستنكر فيها تصرفات الشعب الخامل الذي يستعذب قول كلمات معطلة لـ«مسيرتنا»، مثل «معلش» و«زي بعضه»، وفيها يغني منير «شعب عايز يتقدم.. لازم يحطم معلش». الاستنهاض لأن نفعل «شيئًا» هو عماد دعاية الدولة المصرية. ما هو هذا الشيء؟ لا أحد يعرف. المهم أنك يجب أن تتصرف في نفسك، لأن الدولة مش ناقصاك.
قمة أوغندا مصر تقترح ٥ سنوات لملء «سد النهضة».. ومصادر بالخارجية ٧ سنوات الأمل الوحيد في تقليل الضرر أسمهان سليمان ٢٢ يونيو ٢٠١٧ قال مصدر حكومي إن القاهرة اقترحت على الرئاسة اﻷوغندية مسودة بيان عام يصدر عن قمة حوض النيل، المنعقدة حاليًا في أوغندا، يضمن أن تلتزم إثيوبيا بملء خزان سد النهضة خلال خمس سنوات، وهو البيان الذي قال المصدر إنه لا توجد أي تأكيدات على صدوره. واعتبرت مصادر من وزارة الخارجية تحدثت مع «مدى مصر» أن «فترة الملء» هي المعركة الحقيقية التي سيكون على القاهرة التعامل معها بحسم اﻵن، إذ سيكون ضمان التزام إثيوبيا بإطالة فترة الملء لسبع سنوات «على اﻷقل» هو اﻷمل الوحيد لتقليل حدة الضرر المقبل بلا محالة. كانت إثيوبيا قد سعت مطلع العام الجاري لإقناع مصر بالتحرك نحو توقيع اتفاقية ثنائية للملء، كان الأساس فيها أن يتم الملء على مدى خمس سنوات، وهو ما اعتبرته القاهرة في البداية تفاهمًا معقولًا، قبل أن تتوافق آراء العدد الأكبر من المعنيين حول عدم مضي القاهرة في التفاوض حول هذا الاتفاق، كونه ينزع عن مصر مرة واحدة وللأبد أي حق قانوني باقي لها في التنازع الدولي حول السد، بموجب عدم التزام إثيوبيا بالتعاون المتفق عليه في إطار الإجراءات الفنية لبناء السد والملء التجريبي. ونقلت جريدة الشروق عن مصادر إثيوبية مطلعة أن أديس أبابا تستعد لتخزين المياه في بحيرة سد النهضة خلال شهر يوليو المقبل، وأن عملية التخزين ستستمر على مدى ٥ سنوات، دون انتظار الانتهاء من الدراسات الفنية التى تجريها الشركات الاستشارية الفرنسية لاختبار تأثيرات السد على معدلات تدفق المياه من النيل الأزرق إلى بحيرة السد العالى. وكشف مصدر بوزارة الخارجية لـ «مدى مصر» أن نائب الوزير، السفير حمدي لوزة، استدعى سفير إثيوبيا في القاهرة، تاييه إكسلاس، قبل أسبوعين، وأبلغه برسالة «حادة وواضحة» إزاء الغضب المصري من تراجع أديس أبابا عن التزاماتها بعدم البدء في الملء التجريبي لخزان سد النهضة قبل التوصل لتفاهمات مع القاهرة حول عدد من المسائل الفنية المتعلقة ببناء السد نفسه، وقدرته الاستيعابية، وتفاصيل آلية التخزين وهي الأمور التي لا تزال معلقة. وبحسب المصدر، فقد كان هناك هدفان لهذا الاستدعاء؛ اﻷول هو إيصال رسالة واضحة بانزعاج القاهرة لبدء إثيوبيا تجارب الملء المبكر، والثاني ألا يتغير موقف القاهرة من الاحتواء إلى التصعيد الكامل، وهو السبب الذي حال دون التعامل مع اﻷمر إعلاميًا من قبل مكتب المتحدث الإعلامي للخارجية. ووفقًا لأحد أعضاء الفريق المتابع لملف سد النهضة في وزارة الخارجية، والذي تحدث مشترطًا عدم ذكر اسمه، فإن وزير الخارجية، سامح شكري، يأمل في أن يستطيع إحداث تغيير في مواقف عدد كافٍ من الدول اﻷعضاء في مبادرة حوض النيل، لإعادة إطلاق المبادرة على أساس أن يتوافق اﻷعضاء على أمرين؛ اﻷول هو عدم قيام أيٍ من الدول الأعضاء بأي تحركات نحو أي مشروعات على مسار أو شواطئ النهر دون «التوافق» بين الدول اﻷعضاء، والثاني تعليق أي مشروعات أقامتها أي من الدول الأعضاء دون إنذار مسبق. وبحسب المصدر في وزارة الخارجية، المطلع على ملف «سد النهضة» ونتائج اتصالات أجراها سامح شكري مع دول حوض النيل في محاولة للحصول على دعم عدد كافٍ من هذه الدول للمقترح المصري، فإن هذا المقترح «صادف دعمًا كبيرًا» من الرئيس اﻷوغندي يوري موسيفيني، الذي تحدث مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي قبل أيام، واعدًا باستمرار الدعم للوصول لاتفاق يضمن ألا تتعرض مصر ﻷزمة مائية كبرى مع بدء إثيوبيا المتوقع لعمليات الملء الاعتيادي لخزان السد، في صيف العام المقبل، بعد بدء عمليات الملء التجريبي هذا الصيف. فيما تبقى النقاط التي تعتقد القاهرة أنها ستحصل على دعم بشأنها هي نقاط عمومية، تشمل السعي لتعظيم الفائدة من موارد النيل من خلال مشروعات مشتركة، والحديث عن «حق كل الشعوب المتشاطئة على ضفاف النهر في الحياة والتنمية والفائدة المشتركة». غير أن المصدر رأى أن جهود موسيفيني الداعمة للمقترح المصري لم يصادفها الكثير من التوفيق، لأن أغلبية دول حوض النيل تقف إلى جانب إثيوبيا لأسباب تتراوح بين الاستفادة المحتملة من السد الجديد، من خلال تصدير الكهرباء بأسعار تفضيلية، أو الاستفادة من إقرار سابقة يمكن لدول أخرى اتباعها إذا أرادت بدورها إقامة مشروعات مائية دون إخطار مصر؛ دولة المصب الأكثر تعرضًا للأذى في ضوء عدم كفاية حصتها التاريخية لتغطية احتياجاتها المائية حيث تقع مصر فعليًا في حزام الشح المائي. تشير الأرقام الرسمية إلى انخفاض نصيب الفرد سنويًا من المياه في مصر من ٢٥٢٦ متر مكعب في عام ١٩٤٧ إلى ٦٦٣ متر مكعب في عام ٢٠١٣، ما يضعها تحت خط الفقر المائي بحسب الأمم المتحدة. التي تتوقع أنه بحلول عام ٢٠٢٥ سوف تصل مصر إلى مرحلة من الندرة المطلقة للمياه، ينخفض فيها متوسط استهلاك الفرد إلى ٥٠٠ مترًا مكعبًا. كانت مصر قد أعلنت تجميد عضويتها في مبادرة حوض النيل في عام ٢٠١٠، عقب توقيع خمسة من دول منبع النيل اﻷعضاء في المبادرة اتفاقية إطارية لتقاسم المياه، والمعروفة باسم اتفاقية «عنتيبي»، والتي من شأنها أن تعيد تقسيم حصص مياه النيل دون التفاهم مع مصر، بدعوي أن الاتفاقية التي تحصل مصر بمقتضاها علي ٥٦ مليار متر مكعب سنويًا من مياه النيل تم توقيعها في الخمسينات من القرن الماضي قبل حصول معظم هذه الدول علي استقلالها. كانت الدول الخمسة الموقعة على اتفاقية «عنتيبي» في ٢٠١٠ هي إثيوبيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا وكينيا، وفي العام التالي انضمت لها بوروندي، ليصبح عدد الدول المنضمة ست دول، من بين الدول اﻷعضاء في اتفاقية حوض النيل، محققة أغلبية تسمح للاتفاقية الإطارية الجديدة، التي ترفضها مصر، بأن تكون سارية بمجرد إقرارها داخليًا في برلمانات تلك الدول. السودان مصدر آخر في وزارة الخارجية، شارك في جانب من اللقاءات مع وزير الخارجية السوداني أحمد غندور، أشار تحديدًا لما وصفه بـ «الموقف المؤسف للسودان»، التي كانت مصر تتوقع أن تقدم منها الدعم، خاصة وأنهما دولتا المصب، وهو ما لم يحدث، بل إن مصدرًا دبلوماسيًا آخر شارك في اجتماع وزراء ري دول حوض النيل في مارس الماضي بالخرطوم، تحدث عن «موقف مزعج» من وزير الري السوداني، الذي هاجم نظيره المصري، متهمًا القاهرة بأنها لا تعبأ بالمصالح المائية المعطلة لدول حوض النيل اﻷخرى، وحقها في التنمية. وبحسب المصدر نفسه، فقد أكد هذا الموقف للقاهرة المعلومات المتاحة لها عبر وسائط معلوماتية موثوقة، حول إجراء إثيوبيا والسودان نقاشًا بشأن حزمة من المشروعات المائية التي سيجري تنفيذها في السودان، والتي من شأنها أن تسهم، على المدى الطويل، في تقليل جودة المياه التي تصل لمصر بما ينال من كفاءة الإنتاج الزراعي، فضلًا عن العوامل البيئية التراكمية السلبية على طبيعة التربة. ويقول المصدر، إن القاهرة لم تنجح في الوقوف على موقف سوداني واضح بخصوص هذه المشروعات المحتملة، خلال اللقاء اﻷخير لوزير الخارجية المصري مع نظيره السوداني، كما لم تنجح في التعرف على موقف السودان من اتفاقية عنتيبي، رغم ما نقله شكري من عتب على المواقف السودانية من هذا الملف في الفترة اﻷخيرة. فيما يقول دبلوماسي سوداني موجود في القاهرة حاليًا إن الخرطوم تشعر أن مصر تبالغ في توقعات الاصطفاف مع الخرطوم، خاصة مع ما تبديه من «تدخل في الشأن السوداني الداخلي». وتشهد علاقة مصر والسودان توترًا زادت حدته مؤخرًا، على خلفية اتهامات معلنة من السودان للقاهرة بالتدخل في إقليم دارفور، إضافة إلى النزاع الحدودي حول مثلث حلايب وشلاتين وأبو رماد. وفي هذا السياق، قال مصدر سيادي، طلب عدم ذكر اسمه، إن «ما نسعى له اليوم هو ممارسة ضغوط متوازية على إثيوبيا والسودان، وذلك من خلال شبكة تفاهمات وتعاون مع كل من إريتريا وجنوب السودان». إلا أنه استكمل «لكن أحدًا لا يستطيع أن يتنبأ بالمسار الذي ستسير فيه الأمور». بينما اعتبر مصدر دبلوماسي متقاعد كان متصلًا بملف سد النهضة لسنوات، أن تعامل القاهرة مع اﻷزمة منذ بداياتها اتسم «للأسف، بالثقة الزائدة في الحد من القدرة على إيقاف المشروع عبر ممارسة ضغوط على الدول الإفريقية والدول المانحة للتمويل، دون أن تأخذ في الاعتبار، بالقدر الكافي، الانحسار الكبير للوزن المصري في إفريقيا بعد تراجع التواجد المصري هناك في أعقاب محاولة اغتيال تعرض لها (الرئيس السابق محمد حسني) مبارك في عام ١٩٩٥». وكذلك، اعتبر الدبلوماسي المتقاعد أن مصر «تعاملت باستخفاف مع قدرة إثيوبيا الدبلوماسية على حشد التعاطف لصالحها، ليس فقط عبر البوابة الإسرائيلية، ولكن أيضًا عبر التعاطف الغربي الحقيقي مع رغبة إثيوبيا في التنمية، وترويجها لمشروع سد النهضة باعتباره المشروع الذي سيحقق لها نقلة كبيرة في إنتاج الطاقة الكهربائية». وأضاف المصدر، الذي كان معنيًا بالملف في الشهور التالية لسقوط نظام حسني مبارك في ٢٠١١، أن «من تولوا الأمر في أعقاب تنحي مبارك كانوا بلا استثناء أقل كفاءة في التعامل»، مشيرًا إلى «مسرحية لطيفة لوفود شعبية ذهبت لإثيوبيا في أعقاب الثورة في ٢٠١١، وحصلت على تعهدات لا قيمة لها، ولم تلتزم بها إثيوبيا، بالتوقف عن تنفيذ المشروع حتى يتم التفاهم حول الأمر مع مصر، مرورًا بنقاش ساذج حول السد أثناء حكم محمد مرسي، تم إذاعته على الهواء دون سابق إخطار للرئيس وأغلب المشاركين، وصولًا لتوقيع لم يحظ بدراسة متأنية لاتفاقية الخرطوم، بهدف تحقيق نقلة سريعة في احتواء إثيوبيا التي كانت قد بدأت بالفعل في عملية البناء بخطى سريعة». واتفقت المصادر الثلاثة من وزارة الخارجية على أن القرار الرئاسي بتوقيع اتفاقية الخرطوم في نهاية عام ٢٠١٥ تحت عنوان «حل خلافات سد النهضة» كانت خطوة متسرعة إلى حد كبير، وأنها تمت بدون توافق كافٍ من كبار معاوني الرئيس. وبحسب أحد المصادر فقد كانت فايزة أبو النجا، مستشار الرئيس للأمن القومي، والتي تعد واحدة من أهم خبراء الحكومة المصرية في الملف الإفريقي، أهم اﻷصوات المعارضة لهذا الاتفاق، الذي رأته تسليمًا رسميًا من القاهرة بحق إثيوبيا بالمضي قدمًا في مشروعها، بما يغلق باب التحكيم الدولي المحتمل. وتبدو القمة المنعقدة حاليًا هي الأمل الأخير الذي تعول عليه القاهرة في الوصول إلى تفاهمات واردة مع إثيوبيا قبل النظر في بدائل المواجهة الدبلوماسية والسياسية وربما القانونية معها.
قارن حسني مبارك مع:
شارك صفحة حسني مبارك على