حجر رشيد

حجر رشيد

حجر رشيد هو نصب من حجر الديوريت مع مرسوم صدر في ممفيس، مصر، في ١٩٦ قبل الميلاد نيابة عن الملك بطليموس الخامس. يظهر المرسوم في ثلاثة نصوص: النص العلوي هو اللغة المصرية القديمة بالخط الهيروغليفي، والجزء الأوسط نص ديموطيقي، والجزء الأدنى اليونانية القديمة. لأنه يقدم أساسا نفس النص في جميع النصوص الثلاثة (مع بعض الاختلافات الطفيفة بينهم)، الحجر يعطي مفتاح الفهم الحديث للخط للهيروغليفي. ويكيبيديا

عدد الأخبار كل يوم من ولمدة حوالي شهر واحد
من أهم المرتبطين بحجر رشيد؟
أعلى المصادر التى تكتب عن حجر رشيد
مسرحية أجازتها الدولة تختزل تاريخ الإسلام في «الحرب على الكفار» روزالين البيه ٢ أغسطس ٢٠١٧ كتيبة من الرجال المرتدين عمائم بيضاء يصطفون على شكل رقم سبعة، بوجوه خاشعة، يعضون على نواجذهم، يحمل قائدهم ذو اللحية المستعارة والصدرية الجلدية سيفًا معقوفًا بطول طفل صغير ليرفعه فوق رأسه، ويحذو جنوده حذوه، فتنعقف السيوف في الهواء كابتسامات مشوهة. وفي خلفية خشبة المسرح تطل ظلال مجموعة من التماثيل ترمز لمقدسات المشركين الموشكين على الهلاك؛ بوذا، وملك فرعوني وإلهة آشورية، وقد جُمع أتباعهم بعيدًا عن الأنظار، بعد أن حكم عليهم بالذبح. ومن حولنا ينبعث لحن يتصاعد إلى هتاف «الآن سيلقى الكفار حتفهم بمشيئة الله، وبنعمة الإسلام والإيمان». لعلك ظننت أني أصف جزءًا من سلسلة أفلام داعش الرسمية، لكنه ليس كذلك، ولا هو حتى عرض بانتومايم في قبو شخص يصرّح بكراهيته للإسلام، وإنما مشهد معركة احتفالي قُدّم في عرض أجازه ممثل لوزارة الثقافة وحضره أيضًا، بهدف إعادة تقديم حياة الرسول وسعيه لنشر الإيمان. *** لا أسعى هنا لنقد الجوانب الفنية للمسرحية، التي أخذت عنوان «محمد صلى الله عليه وسلم» وافتتحت يوم ٧ يونيو في مسرح البالون الحكومي، وكتبها جمال ياقوت وأخرجها الشاب المجتهد سامح بسيوني، حيثُ يمكن إفراد مقال كامل عن خلل الميكروفونات وقطع الديكور المصنوعة من الفوم، والتشتيت الذي سبّبه خفاشٌ أخذ يخفق بجناحيه طوال الليلة بين خشبة المسرح وآخر القاعة. أي شخص شاهد عملًا عن سير الأشخاص، فضلًا عمن حاول كتابة عمل كذلك، يعرف أن هذا المسعى ملغّم بالاختيارات، بين ما نبرزه وما نغفله وما نمر عليه سريعًا. لكن مسرحية «محمد صلى الله عليه وسلم» لم تختر التركيز على أيام الإسلام الأولى والأوجه الفلسفية التي ألهمت الأتباع الأوائل، ولا الرحلة الشخصية المثيرة للرسول، بل اختارت سفك الدماء؛ وخصوصًا في النزاع مع مشركي مكة من قبيلة قريش قبل اعتناقهم الجماعي للدين بحد السيف في عام ٦٣٠. تصوّر القصة سلسلة من البطولات القصيرة، فيما يشكّل إطارًا لحرب وُصفت تكرارًا بأنها «حرب مبررة ومقدسة». يقال بلا مواربة إن الله هو من يوجه أذرع جنود محمد، في حين يلعب دور ضحاياهم من المشركين ممثلون بلحىً هزلية يقذفون بالسباب ويلوحون بأيديهم مقهقهين على مؤامراتهم الشائنة، على غرار شخصية دراكولا الشريرة في الأفلام الصامتة. وكأن كوابيس إدوارد سعيد تتحقق هنا، نرى استشراقًا محليًا وغاشمًا، فحقائق تلك المعارك المؤسفة لا تُعرض بوصفها محاولات متصاعدة وعاثرة للنجاة في مواجهة القمع، أو نتيجة لسياق تاريخي معقد، أو إهدار مؤسف للأرواح، فهذا ليس صراعًا بين مجموعتين متحققتين، بل حرب بين «نحن» و«الآخر»، بين «المؤمنين» وشخصيات كارتونية منزوعة الإنسانية. لا يسعني إحصاء كم مرة ذُكرت فيها كلمة «كفار» على مدار ثمانين دقيقة مضنية من مدة العرض، فقد توقفت عن العد. والمجموعة المسيحية الوحيدة التي مُثلت بصورة إيجابية كانت المجموعة التي ظنت أن محمد هو المسيح المنتظر، وفيما عدا ذلك لم يكن هناك حل وسط مقبول. من يقاوم من قريش يتعرض إلى اختزال منهجي، أما الكفار الذين يدركون خطأ أفعالهم ويوافقون على اعتناق الدين فتُمنح لهم المغفرة برحابة صدر. وقبل إسدال الستار بثلاث دقائق، تحاول البطلة فردوس عبد الحميد التصديق على ما لم نلمسه في المسرحية، بقولها إن «الإسلام دين السلام وليس أداة الإرهابيين». ماذا لو كان عرضًا عن الحملات الصليبية؟ غالبًا ما تكون المقارنات الافتراضية الفجة قاصرة وسخيفة، لكنها هنا قد تفي بالمقصد؛ تخيل أنك تحضر عرضًا عن انتصارات الحملات الصليبية، مدته ساعة ونصف، ومتخم بجنود يرتدون دروعًا لامعة يُجهزون على «الوثنيين» الأشرار، بينما يصدح كورال سماوي مادحًا تنفيذهم لمشيئة الرب؛ ثم في اللحظات الأخيرة، يتنحى البطل بعيدًا عن كومة جثث المهرطقين الهامدة متوسطًا المسرح، ليذكّرنا بأن «المسيحية دين الخير وحب الجار». أي شخص يجلس بين المشاهدين سيضحك من المفارقة، أو هكذا أتمنى، كما سيشعر بالغضب في الوقت نفسه تجاه الرسالة المتناقضة، خاصة بالطبع إذا كان من خلفية غير مسيحية، ولكن كذلك من أتى من تراث مسيحي؛ بسبب اختزال تاريخه في أكثر اللحظات المؤسفة، بتأويل بالغ الخطأ لما يكنّ له من إعجاب في معتقده. والآن، ما العمل إذا لم يكن هذا العرض الصليبي لأحد أولئك البيض المتعصبين في قبو منزله، بل عرض أجازته ودقّقت فيه جهة رقابية شديدة الصرامة تحبس الكتّاب وصناع الأفلام بتهمة «خدش الحياء»؟ ما العمل إذا أشاد بالعرض أحد كبار ممثلي المركز الثقافي القومي، والذي سارع بتهنئة الممثلين والمخرج علنًا بانضمامه إليهم على المسرح بعد إسدال الستار؟ ما الدرس الذي يتحرّق العرض لإعطائه لنا؟ بالتأكيد ثمة درس في عرض «محمد صلى الله عليه وسلم»، فالممثلون الذين يلعبون أدوار أتباع الرسول، يعظون بشكل صريح وبأصوات متهدجة، ويكسرون حاجز الإيهام بمخاطبة الجمهور الذي أبقوه على المقاعد بلا استراحة في منتصف العرض. كيف يُكتب التاريخ؟ تصنف مسرحية «محمد صلى الله عليه وسلم» نفسها بوصفها عرضًا تأريخيًا للأحداث، ما يضعها في خانة «الموضوع السياسي». التاريخ متحول، ومتغير؛ سواء لدى إعادة كتابته بالواقع على يد الرومان، أو حكام كوريا الشمالية الحاليين مثلًا، أو لدى عرضه متخيلًا في رواية «١٩٨٤» لجورج أورويل. في مقولته الشهيرة أكد ونستون تشرشيل على أن التاريخ سيترفق به لأنه هو من ينوي كتابته. يبدو التاريخ للقاهر مختلفًا عما يبدو للمقهور، وللمنتصر مختلفًا عن المهزوم. غالبًا ما يحدد الأول النسخة الرسمية التي تُمرَّر كحقيقة ثابتة في ظل السلطوية، ويُنسب أي دليل مغاير إلى الخيال الروائي، أو إلى الفصائل المناهِضة في بعض الحالات. تخللت آثار هذا التسييس نسيج نظام التعليم الحكومي المصري منذ عهد محمد علي، مرورًا ببدايات القرن العشرين، حين قرر اللورد كرومر عدم تدريس التاريخ المصري، سواء القديم أو الحديث، لفئات الشعب الدنيا، ما دفع الوطنيين لمهاجمة غيابها عن المنهج، مدركين أن تلك أداة الاستعمار للإخضاع. «من يتحكم في الماضي، يتحكم في المستقبل»، كما ارتأت وزارة الحقيقة في رواية «١٩٨٤». الماضي يطرح سابقة تاريخية، ووقودًا وإلهامًا، محولًا مقولة «لا يمكن لهذا أن يحدث هنا» إلى «ولم لا؟ لقد فعلوها من قبل». لذلك يخشى المحتل الماضي، ففي حين تُقدَّس الشخصيات المنصاعة تاريخيًا، تتعرض الثورات وحركات التمرد السابقة، في معظم الأحيان، للسخرية أو الشيطنة من قبل الدولة، ولنتأمل محاولتها محو ثورة يناير من المناهج الدراسية حديثاً، قبل تراجعها سريعًا بسبب الاحتجاجات. الحرب وجه هام من أوجه رواية الإسلام، شأنها شأن العديد من المعتقدات. ينبغي عدم إغفالها، بالضبط كما ينبغي إخضاع سائر الجوانب المؤلمة للماضي للتحري المستمر. ولستُ وحدي من يرى ذلك، فالصراع من أجل قبول التناقض في تاريخنا هو صراع عالمي ومستمر. في عام ١٩٩٢ قدّم البابا جون الثاني، اعتذارًا تأخر ٣٥٠ عامًا، عن تعذيب جاليليو على يد محاكم التفتيش الرومانية الكاثوليكية. ومنذ عام ٢٠١٢ أتيح لنا التجول في آثار المكتبات والحجرات الخاصة بتوماس جيفرسون، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، والتي كان يحتفظ فيها بعبيده الكثر في مونتيتشيلو. وهناك العديد من المدن الألمانية التي احتفظت عن عمد ببقايا ذكرى الهولوكوست، وعلى رأسها النصب الضخم الذي يفطر القلوب والواقع مباشرة أمام مبنى البرلمان النازي. ندمنا لا يُصلِح ولن يُصلح من الأمر شيئًا، لكنه يواجه ويغذي الحوار، الذي قد يكون طريقة للتعويض، على أمل خلق وعي يحول دون التكرار، وقد يثني الأجيال المستقبلية عن اقتراف نفس الفظائع مجددًا من خلال تدريبهم على رؤيتها على حقيقتها. عناصر دونًا عن الأخرى بإعادة تحصين مبادئ الشريعة الإسلامية في دستور ٢٠١٤، بوصفها مصدرًا رئيسيًا للتشريع، صدّقت الحكومة المصرية على أن التراث الإسلامي هو «تراثنا» الجمعي، مهمشة تراثنا المسيحي واليهودي وتراث آخرين لا تعترف بهم. ويطرح هذا تساؤلًا ملحًا ما هي الطبيعة الحقة لهذا التراث الإسلامي كما تراها الحكومة؟ ما الذي تحث الحكومة سبعين مليون مسلمًا على تقديره في أسلافهم، والذين يملكون جوانب عدة تستحق التقدير؟ هل حاولتْ حثّهم على البحث في الأشعار البديعة وذائعة الصيت التي كتبتها ولادة بنت المستكفي بنت الخليفة، وهي تجوب الشوارع كاشفة شعرها ومرتدية عباءة مطرزة بأبيات الشعر، أو التنقيب في مخطوطات «أبو القاسم العراقي»، الذي عكف على فك شفرة الهيروغليفية المصرية قبل ٥٠٠ عامًا من اكتشاف حجر رشيد، أو القصة الغرامية المصورة عن «بياض ورياض» في العصور الوسطى؟ كيف ترى مسرحية «محمد صلى الله عليه وسلم» التي أجازتها الحكومة مسألة ذبح «الكفار»؟ الإجابة واضحة ومرعبة، وهي ليست بمعزل عما رأيته مساء يوم الاثنين في القاعة المقببة، حين أخذ الخفاش الحبيس بالاصطدام بالحائط مرة تلو الأخرى، وتعلق نظري بالممثل الأسمر الوحيد بالفرقة وهو يقف على خشبة المسرح لا يرتدي شيئًا سوى قطعة من جلد الفهد، ممسكًا بيده رمحًا من الورق المعجن (ويمكننا إفراد مقال آخر كذلك عن العنصرية في الإعلام المصري؛ ونكتفي هنا بالقول إنها موجودة وبقوة). فردوس عبد الحميد تدين العنف لا أظن أن الفرقة المسرحية وطاقم عمل «محمد صلى الله عليه وسلم»، يدعون عمدًا إلى العنف. بل لعلهم يأملون في إعفاء المسرحية من هذه المسؤولية، عبر نبذ فردوس عبد الحميد للإرهاب في اللحظات الأخيرة، بتلك الأسطر الحماسية المضافة للغرض في المراحل الأخيرة حسبما أخبرني أحد الممثلين. لكنه مع الأسف لا يعفيها ولا يعفي رعاتها. فبعد ساعة من الاستعراض البصري الذي يقترح ما يخالف ذلك، تأتي الدعوة العكسية عابرة وغير مقصودة وبشكل مدعٍ، دافعة بعض الجمهور للتهليل، والبعض الآخر للضحك بصوتٍ عالٍ. المسرح جزء من تراثنا الشفوي الممتد منذ قرون؛ من خلاله روينا قصصنا وأساطيرنا المؤسسة، وحافظنا عليها. أما إذا تحدثنا بصراحة عن مسرحية «محمد صلى الله عليه وسلم»، التي يُفترض أنها لا تخرق حدود اللياقة حسب الجهة الرقابية، فإننا نجدها مسرحية يُمجَّد فيها العنف ضد من يختلف «معنا»، وليس ذلك وحسب، بل ومع توقع تلقي الاستحسان أيضًا. عيّنت الحكومة المصرية نفسها بطلًا في حربها المعلنة على الإرهاب، وألقت باللوم في الهجمات على الفتاوى المصدَرة خارج إشرافها، واستخدمت تفويض الشعب لإغلاق المنظمات غير الحكومية، وكبت حريات الصحافة، وقصف ليبيا وحتى مواطنيها في سيناء. لكن النص الذي يتغاضى عن نفس أعمال القتل الذي يدعي إدانتها، يساهم في نبذ غير المُذعنين، ويلوي «روايتنا» لتصير صرحًا قائمًا بذاته من البروباجندا المخيفة، والمؤداة على مرأى ومسمع منا، في قلب العاصمة، في بلد بتاريخ مخزٍ من الجرائم الطائفية، وكل ذلك بموافقة الوزارة. من يتحكم في الماضي يتحكم في المستقبل، وعرض كهذا ينبغي أن يثير قلقنا جميعًا. ترجمة أميرة المصري
قارن حجر رشيد مع:
شارك صفحة حجر رشيد على