أدي لويس

أدي لويس

أدي لويس (بالإنجليزية: Ady Lewis) مواليد ٣١ مايو ١٩٧٥(١٩٧٥-٠٥-٣١) في إنجلترا، هو ملاكم محترف بريطاني يصنف ضمن فئة وزن الذبابة بدأ مسيرته الاحترافية سنة ١٩٩٤.خاض خلال مسيرته ٢٥ نزالا، فاز في ١٩ وتعادل في ١ وخسر في ٥. فاز بالضربة القاضية في ١٢ نزالا. ويكيبيديا

عدد الأخبار كل يوم من ولمدة حوالي شهر واحد
من أهم المرتبطين بأدي لويس؟
أعلى المصادر التى تكتب عن أدي لويس
جولة في هافانا هل تحب جيفارا؟ شادي لويس ١٦ أكتوبر ٢٠١٧ في الطائرة إلى هافانا، اكتشفت الخطأ الفادح الذي ارتكبته. احتاج الأمر لأن أعيد النظر في التذكرة عدة مرات، حتى أتيقن من كوني حجزت بالفعل رحلة العودة قبل يوم واحد فقط من الذكرى الخمسين لمقتل جيفارا. نجحت في التهوين عن نفسي، بعد خبطة باليد على مقدمة رأسي، كانت قوية بما يكفي لإزعاج الراكب بجانبي، فربما تكون هذه فرصتي لرؤية هافانا متحررًا من رومانتيكية التصورات عنها، ودون جيفارا. كانت الرغبة الأولى ممكنة، لكن الثانية كانت ميئوسًا منها كما اتضح لاحقًا. الوصول إلى مطار خوسيه مارتي كان حدثًا في حد ذاته بالنسبة لي، فهذا هو المطار نفسه التي قصفته طائرات البي ٢٦ في عام ١٩٦١، أثناء عملية غزو خليج الخنازير، التي دبرتها المخابرات الأمريكية السي آي إيه، وفشلت كما غيرها من مئات محاولات الانقلاب والاغتيالات التي تبعتها. بعد الانتهاء من إجراءات الهجرة، صعدت إلى الطابق الثاني من المطار، للنظر إلى لوحة رخامية صغيرة، تسجّل افتتاح فيدل كاسترو ورئيس الوزراء الكندي السابق، جان كريتيان، لمهبط المطار الثالث في عام ١٩٩٨. لكن اللوحة متواضعة الأهمية، لا تسجل فقط عرفانًا بالجميل لكندا، التي عاندت حكوماتها على مدى عقود الضغوط الأمريكية لقطع علاقاتها الحميمة بكوبا، لكنها كانت أيضًا تذكيرًا بالعزلة والحصار الذي سعت الولايات المتحدة لفرضه على جارتها الصغيرة بكل السبل الممكنة. كان لغلالة الملحمية، التي تغلّف تاريخ الصمود الكوبي ضد قصف الطائرات والحصار الأمريكي، تلك أن تنقشع قليلًا بمجرد خروجي من المطار. فبعد مساومات مرهقة مع سائق التاكسي، انتهت لصالحه بالطبع، أثار المرور على ميدان الثورة بعض الإحباط، فنصب جوزيه مارتي، بطل الاستقلال الكوبي، الذي يتوسطه، يبدو قبيحًا بلونه الإسمنتي وطرازه السوفييتي المفتقد للحد الأدنى من الجمال، أما وجه جيفارا الضخم فهو مرسوم على واجهة أحد البلوكات الخرسانية القبيحة، وحين سألت السائق عن طبيعة المبنى، أجابني بأنها وزارة الداخلية، قبل أن يضيف أن عليّ الانتظار حتى أرى الجمال في هافانا القديمة، «والتي بناها أعداء الشعب كما يقولون لنا». كان لكلام السائق أن يثبت بعضًا من صحته، ففي الأيام القليلة اللاحقة، كان التجول في هافانا متعة بصرية خالصة، فبالإضافة لبهاء تصميمات المباني ذات التراث النيوكلاسيكي في وسط المدينة والطراز الكولونيالي للمدينة القديمة، وألوانها الزاهية في هدوء، فإن هيئة سكان المدينة لا تشي بفقر كنت أتوقع رؤية ملامحه؛ يبدو الجميع وقد ارتدوا أبهى حللهم للخروج للشوارع، بشكل لم أره في أي مدينة أخرى زرتها. ولا يعني هذا أن لأهل المدينة ذوقًا رفيعًا في أزيائهم، أو أنها تبدو منمقة لأقصى حد، ومكوية ونظيفة ولا يشع منها سوى البهاء، بل إنها على الموضة، وآخر صيحاتها أيضًا. لكن الأبهى من كل هذا كان التلاميذ بقمصانهم ناصعة البياض، وقد أمكن التلصص عليهم في مدارس المدينة القديمة، ذات الفصل الواحد، عبر النوافذ الواسعة بعرض الفصل نفسه، والمفتوحة على الأسواق وحركة المارة والتي لا يبدو أن ضجيجها كان قادرًا على تشتيت انتباههم عن مدرسيهم الواقفين، ومن خلفهم صورة أو أكثر لجيفارا في صدر الحجرة. كان حضور الشعارات السياسية في المدينة أقل كثيرًا مما تصورت، فغير نصب ميدان الاستقلال، صادفت نصبين أو ثلاثًا على التراث السوفييتي، بينما توارت صور فيدل، وظهرت بشكل نادر جدًا صور لراؤول كاسترو، في مقابل هيمنة أيقونات جيفارا الموزعة في كل ركن دون إفراط. وبين صور جيفارا المفعمة بالفحولة، وصور كاسترو التي تستدعي علامات الشيخوخة الطويلة فيها إحساسًا بالشفقة مع القليل من النفور، تقف المدينة وسكانها بين عالمين منفصلين تمامًا. بينما لا يمكن التظاهر بعدم ملاحظة الطوابير الطويلة أمام منافذ البيع المدعمة، والتي تستغرق ساعات في بعض الأحيان لشراء زجاجة زيت أو كيس بلاستيكي صغير من مسحوق للغسيل، فإن قطاعًا سياحيًا منتعشًا وتغييرات في السياسات الاقتصادية، سمحت بوجود قطاع خاص صغير واستثمارات محدودة لجانب اقتصاد الدولة المركزي، بالإضافة لنظامين ماليين متوازيين، فيهما يجري تداول نوعين للعملة، تعادل قيمة واحدة منهما ٢٥ ضعف الأخرى، ما انتهى لوضع شديد الغرائبية والتشوش، يعادل فيه دخل سائق التاكسي عن توصيلته لي من المطار، فقط، الدخل الشهري لطبيب في مستشفى حكومي، وبحسبة بسيطة فإن دخل صاحبه النزل الذي أقمت فيه، قد يعادل رواتب طاقم المستشفى كله. لابد وأن جيفارا، الذي كان مسؤولًا عن البنك المركزي ووزارة المالية بين مناصب أخرى كثيرة بعد الثورة، والذي كان اكتفاؤه بالتوقيع بلقب «تشي» فقط، بدلًا من اسمه الكامل، على أوراق العملة، هادفًا لنزع القداسة عن منطق الرأسمالية، كان ليجد نفسه غريبًا عن المدينة، التي يعود الفضل لطابور المقاتلين، الذي كان يقوده، في تحريرها من قبضة قوات باتيستا، قبل أن يلحق به كاسترو إلى المدينة بعدها بستة أيام كاملة. لكن ربما لم يكن جيفارا ليبقى مرحبًا به في المدينة أيضًا، فسائق التاكسي أكّد لي بيقين كامل، أن كاسترو هو من وراء الوشاية بجيفارا، وتسليمه للبوليفيين، بغية الخلاص منه، لأن «جيفارا ميتًا أفضل مئة مرة من جيفارا حي، كما ترى»، وبائعة الهدايا التذكارية عرضت عليّ بضائعها التي تحمل صورته، وهي تسألني إن كنت أحبه، وردًا على إجابتي بالنفي، هزّت كتفها قبل أن تهمس، وهي تناولني قطعة أخرى لا تحمل صورته «أنا أيضًا لا أحبه». على قدر ما كان السائق وبائعة الهدايا يحاولان إسماع الجرينجو (صيغة لاتينية تحقيرية لوصف السياح القادمين من أوروبا وأمريكا الشمالية)، من أمثالي، ما يثيرهم ويحبون سماعه، فإن ما قالاه كان يحمل جزءًا من الحقيقة، أو على الأقل أشباحًا لها. في الليلة قبل الأخيرة في هافانا، قررت قطع كورنيشها الممتد لثمانية كيلومترات مشيًا على الأقدام، ولم أنجح في هذا، لحسن الحظ أو لسوئه. ففيما كانت أحاول تحاشي عاملات الجنس الموزعات على طول الكورنيش، واللاتي لم يكتفين بإرسال القبلات في الهواء والبسبسة لـ«الجرينجوز»، بل يلحقن بهم بخطوات سريعة عارضين خدماتهن، استوقفتني إحداهن، بحيلة بسيطة، فبدلًا من السؤال الافتتاحي المعتاد في المدينة «من أين أنت؟»، والذي كنت تعلمت التهرب من أصحابه وعروضهم التي تأتي بعده، بإجابتي «من القمر»، فقد سألتني فيرونيكا «ما اسمك؟» وكنت غير مجهز للإفلات من هذا السؤال. بعد أن أشعلنا سيجارتين، وبعد أن اعتذرت لها عن عدم رغبتي في تضييع وقتها، لأنني لست زبونًا محتملًا، تبادلنا حوارًا لطيفًا عن زيارتي، عرفت منه أنني سأغادر بعد يومين، فقالت بغنج «لم العجلة؟ ستندم، كوبا جميلة، وناسها أجمل». لكن إجابتي بأنني نادم بالفعل، وأن الأمر كله خطأ، وأنني كنت راغبًا في حضور ذكرى جيفارا في اليوم التالي لمغادرتي، كانت آخر ما سمعته مني، قبل أن تمشي بعيدًا وهي تسألني بنبرة هي مزيج من السخرية وبعض الغضب «هل تحب جيفارا؟ هل سمعت عن قلعة لاكابانا؟ الكثيرون ماتوا هناك». في طائرة العودة لم يكن هناك إلا القليل مما يمكنني الجزم به عن هافانا، فزيارة سياحية لأسبوع واحد على نمط «الجرينجوز» الذين يستقون انطباعاتهم من سائقي التاكسي وبائعي محلات التذكارات السياحية، لا تكفي حتى لخدش سطح المدينة. لكن الأكيد أن جيفارا الذي كنت راغبًا في حضور ذكراه الخمسين، لا يزال حاضرًا في كل ركن في المدينة وذاكرة أصحابها، فمثلما أن مشروع التعليم ومحو الأمية الطموح والجذري الذي كان «تشي» مسؤولًا عن تخطيطه والبدء في تنفيذه، لا يزال حيًا في وجوه تلاميذ المدارس، فإن ذكرى من قُتلوا في سجن لاكابانا، والذي كان هو نفسه أيضًا مسؤولًا عن إدارته لبعض الوقت، باقية بندوبها، في المدينة التي تبدو على مفترق طرق، تودع فيه ماضيًا يعتز به أهلها عن حق، لكن في الوقت ذاته يبدو الكثيرون منهم راغبين في مستقبل مختلف.
من «مصطفى محمود» إلى «رابعة» السياسات المميتة لـ«القرف» شادي لويس ١٦ أغسطس ٢٠١٧ كانت المرأة الجالسة أمامي قد أخرجت رأسها من شباك الميكروباص، حين مر بميدان مصطفى محمود، قبل أن تشير بتأفف إلى خيام اعتصام اللاجئين المنصوبة في منتصفه، قائلة لرفيقتها الجالسة بجانبها «حاجة آخر قرف». بررت المرأة امتعاضها بقولها «بيقولوا عندهم إيدز وأمراض معدية». لم تكن هذه المرة الأولى التي أسمع بها بمثل تلك الادعاءات، فقد كنت سكنت في شارع جانبي لا يبعد عن الميدان سوى شارعين فقط، لمدة شهور قليلة بنهاية عام ٢٠٠٥، والتي تصادف خلالها بداية الاعتصام وفضه أيضًا. وخلال فترة الاعتصام، كانت الشكاوى المعتاد سماعها من الجيران، هي كونه مصدرًا للقذارة والروائح الكريهة، فالناس فيه لا يستحمون بالطبع، ويتبولون ويتبرزون داخله، غير أن «الافارقة» يسكرون أيضًا، ويمارسون الجنس هناك، ومعروف عنهم نشر الأمراض المعدية. لم يكن كلام سيدة الميكروباص صادمًا لي، أو غير معتاد، لكن ما أصابني بالرعدة، هو ما قالته لاحقًا. فبعد دقائق من الشكوى الممزوجة بتقزز واضح، نظرت المرأة إلى رفيقتها، قائلة «المفروض الحكومة تقتلهم»، فما كان من رفيقتها إلا أن شهقت «حرام عليكي، يحطوهم في الصحرا بعيد عن الناس وخلاص». اقتراح سيدة الميكروباص لم يكن سوى نبوءة كُتب لها التحقق، ففي فجر ٣٠ ديسمبر، اقتحمت قوات الشرطة المصرية حديقة ميدان مصطفى محمود، بغرض فض الاعتصام الذي كان قد استمر لثلاثة أشهر، مستخدمة القوة المفرطة وغير المبررة، والتي أودت بحياة ٢٧ لاجئا، بحسب وزارة الداخلية، و١٥٠ ٣٠٠ قتيلًا بحسب تقديرات منظمي الاعتصام. كانت المشاهد التي عُرضت على شاشات التلفزيون في اليوم التالي مفزعة، فغير العنف غير المبرر من جهة الشرطة، كانت صور الأهالي وهم يسحلون جثث القتلى، بينما يضربها البعض الآخر بالمواسير الحديدية على رؤوسها، أمرًا غير قابل للتصديق أو الفهم. القرف يقتل لم يكن الاعتصام مسيسًا، بمعنى أنه لم يستدع انقسامًا بين المصريين على خطوط خصومات سياسية أو صراعات إيديولوجية، فمعظم الأهالي في المنطقة لم يكونوا يعرفون الغرض من الاعتصام، وفي أكثر الأحوال كانوا غير مهتمين بالمعرفة. وحتى حجج تعطيل المرور، وسد الطريق العام، لم تكن أمورًا يشكو منها أحد. لم يكن هناك غضب، ولا كراهية، ولا سياسة، ولا خوف، ولا مصلحة، فما الدافع لكل تلك القسوة الدموية؟ ربما يبدو القرف شعورًا هامشيًا، وأحيانا غير مفهوم، لكنه يقتل. اجتذب القرف، بوصفه شعورًا إنسانيًا نواجهه بشكل يومي وفي كل التفاصيل الحياتية، قدرًا معتبرًا من الاهتمام الأكاديمي والبحثي. فالنظريات البيولوجية والتطورية لسيكولوجيا القرف نظرت له بوصفه شعورًا غريزيًا معنيًا بتحاشي الضرر. كانت تلك النظريات قد ربطت شعور القرف بالموت، وكل ما يستدعى للذهن علامات التحلل والهلاك والضعف، سواء بشكل مادي كالروائح الكريهة والدماء والتشوه الجسدي وغيرها، أو بشكل معنوي كالبدائية والتخلف الحضاري، أو حتى الممارسات الجنسية الخارجة عن المألوف، والتي تستدعى شعورًا بالغثيان. حتى وإن بدت تلك النظريات مقنعة، وهي صحيحة فعلًا في أحيان كثيرة، إلا أنها لا تفسر كيف أن الأمر الذي يستدعي القرف لدى مجتمع معين، أو لدى أفراد منه، قد يكون مقبولًا، أو حتى مشتهى، لدى مجتمع آخر، أو أفراد منه، بل وربما للجميع في فترة تاريخية مختلفة. كانت إجابة النظريات البنيوية وما بعدها، أن القرف مسألة اجتماعية، تتشكل عبر عمليات دينية وتربوية وسياسية وأخلاقية، تحدّد السائد والمقبول والمباح، كما تضع قيودًا على الممنوع والمحرم والشاذ، وهكذا يتعلق القرف في جوهره بالحكم الأخلاقي والقيمي. تختلف تلك النظريات في أصول القرف وتفسيره، لكنها تتفق على أنه شعور حصري، يختلف عن الخوف. فإذا كان الموت حافزًا لكل من الشعورين، القرف والخوف، فإن الخوف يستدعى المواجهة أو الهرب، بحكم الضرورة، ويتأسس على شعور بالندية أو الدونية في مواجهة موضوعه، فيما يستدعي القرف اللفظ أو الإشاحة، بفعل الحكم الأخلاقي المضمر فيه، ويتأسس على شعور بالفوقية والتعالي على موضوعه. لكن ربط الخوف والقرف بالموت، وكذا بالحاجة لإفناء مسبباته، سواء ماديًا أو معنويًا، يقودنا لأن كلًا من الشعورين قد ينتهيان بالقتل، بندية في حالة الخوف، وبفوقية، وهي الأبشع، في حالة القرف. هكذا تبدو مفهومة لنا الصور الدونية التي روجتها الإدارات الاستعمارية عن الشعوب المستعمَرة، عن بدائيتهم وهيئاتهم المنفرة وعاداتهم غير الصحية وأمراضهم المعدية وسلوكياتهم اليومية القذرة، لتبرير القمع والقتل والعبودية. وكذا كيف كان للبروباجندا النازية أن توزّع صورًا كاريكاتورية لليهود بأنوف كبيرة وظهور محدودبة ووجوه قبيحة، لتحفيز القرف ضمن مشاعر أخرى كثيرة، تمهيدًا للحل النهائي. كما لا عجب أن تخرج الصحافة، في اليوم التالي لمذبحة مصطفى محمود، لتربط بين الاعتصام والقذارة والأمراض المعدية، مشفوعة بتصريحات لعادل إمام، سفير النوايا الحسنة لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين، تربط بين اللاجئين وبين مرض الإيدز، مع تعليق لمذيعة مصرية عن المعتصمين، بمفاده فإن «شكلهم زي القرود». رابعة كحرب بين الخير والشر! الأمر يتعلق بالعنصرية بالطبع، لكن القرف أيضًا كان واحدًا من أقوى المشاعر المتضمنة في كل القناعات والممارسات التميزية ودوافعها، فمن منا لم يسمع عبارات تنعت الأقباط بكونهم «ملزقين»، أو «مزيتين»، أو أن رائحة بيوتهم «مكمكمة»، ومن لم يلاحظ الشعور العميق بالتقزز، الذي يتحول إلى كراهية عنيفة في أحيان كثيرة، والكامن في «رهاب المثلية»!؟ في ورقته البحثية، «سيكون هناك دم توقعات وأخلاقيات العنف خلال موسم مصر العاصف» المنشورة بالإنجليزية هذا العام، يقدم الباحث الفنلندي صامولي شيلكِه سردية محكم وشديدة الإيجاز للعمليات السياسية والخطابية التي قادت لمذبحة رابعة. ما ينطلق منه شيلكه هو أن المذبحة لم تكن مجرد قسوة مفرطة من الشرطة، ولا أن النظام الحاكم تعمد الوصول لمواجهة دموية صفرية، سيربحها بالتأكيد في النهاية، بل أن العنف والمواجهة الدمويتين، ودعمهما جماهيريًا، كل هذا كان خيارًا أخلاقيًا منتظرًا ومتوقعًا، بل ومرغوبًا، ساهمت في تجذيره كل القوى المؤثرة على الساحة السياسية، بما فيها القوى الثورية والعلمانية، وعملت على تكثيفه الآلة الدعائية للنظام. ما يذهب إليه شيلكه أن رابعة كانت قد أضحت معركة مصيرية بين الخير والشر، واجبة الحسم لدى الكثيرين من مؤيدي النظام، وكذا معارضيه من العلمانيين. اللافت للانتباه في ورقة شيلكه هو تقريرها للطبيعة الأخلاقية للعنف في رابعة وما تلاها، وتركيزها على مشاعر الكراهية والغضب والخوف والقلق والارتباك، التي برّرت العنف بفعل كثافة الاستقطاب السياسي وخطابات القوى المؤثرة وتكثيفها إعلاميًا. كان اتهام الإخوان بخيانة الثورة، والتفريط في دم الشهداء، والتحالف مع العسكر، وتهديد الأقليات والنساء وعلمانية الدولة، وبالهيمنة على مفاصل الدولة والاستئثار بمواردها، وبالعمالة لقوى أجنبية، وبالتساهل مع الإرهاب، وحتى بامتلاك أسلحة نووية في اعتصامهم، كلها مبررات كافية لفهم مشاعر الغضب والكراهية والخوف التي انصبّت على المعتصمين في رابعة، ولفهم طبيعتها الأخلاقية أيضًا. لكن ما لا يجب أن يغيب عن أذهاننا أيضًا هو مشاعر القرف غير المسيسة التي جرى تكثيفها تجاه المعتصمين في رابعة، والتي كان لكثير من غير المعنيين بالسياسة أن يتجاوبوا معها. روّجت وسائل الإعلام لكون الاعتصام شديد القذارة وتنبعث منه الروائح الكريهة، وتساءلت عن الكيفية التي يصرف بها المعتصمين فضلاتهم وقمامتهم، والطرق التي يحافظون بها على نظافتهم الشخصية. كما كان موضوع الأمراض المعدية التي يحملها المعتصمون أمرًا متداولًا، وحذر الإعلامي إبراهيم عيسى من الجرب المنتشر في الاعتصام. أفارقة وريفيون كل هذا كان طبقة واحدة من مبررات القرف. كانت الإشارة إلى الأصول الريفية للمعتصمين المجلوبين إلى المكان في باصات، ومستوياتهم الاجتماعية المتواضعة، سببًا للتقزز المعنوي هذه المرة. وكما روّج الإعلام في بداية الثورة لاحتواء اعتصام التحرير على «علاقات جنسية كاملة»، فإن «جهاد النكاح» كان دعاية التقزز الأخلاقي في رابعة، جنبًا إلى جنب مع اتهامات للمعتصمين بقتل بعضهم بعضًا، ودفنهم القتلى تحت المنصة. بالطبع كانت صورة «الإسلامي»، بهيئته ولباسه ولحيته الكثة ورجعيته وبربريته وسلوكه الفظ، حتى وإن كانت سابقة على رابعة، قد حفزت أيضًا خليطًا من التقزز والخوف في آن واحد من المعتصمين، كما كانت صورة «الأفارقة» في مصطفى محمود. لا يعنيني هنا مدى صحة كل تلك الصور والتصورات والادعاءات والاتهامات التي تخص معتصمي رابعة، أو غيرهم من الضحايا، لكن الأمر الجدير بالحسرة والفزع معًا، هو التمعن في سياسات القرف المميتة، وطغيان مشاعرها الكثيفة التي بررت القتل، واستدعته في مذبحة وراء مذبحة، والتحديق في كل مشاهد الجثث والدماء، التي وإن بُرّر سفكها وارتُجي لأسباب كثيرة، وبفعل مشاعر عديدة ومتناقضة، إلا أن أبشعها كان «القرف»، في تعاليه وفوقيته المميتة.
نقاط حول المقاومة والعنف فلسفة «الطعن» وأخلاقه شادي لويس بطرس ٢٧ يوليو ٢٠١٧ في الثاني من نوفمبر عام ٢٠١٤ أصيب أربعة إسرائيليين بعمليات طعن متفرقة في مستوطنتي «ريشون لتسيون» و«نتانيا»، بالقرب من تل أبيب، نفّذها فلسطينيون، وذلك بعد ساعات من مقتل شاب فلسطيني وإصابة آخر، بعد ما أطلق جنود الاحتلال النار عليهما على حاجز أمني شمال جنين، بعد أن حاولا طعن أحد الجنود. بدأت وقائع ذلك اليوم سلسلة من عمليات الطعن والدهس، وبشكل أقل من إطلاق النار في الأراضي المحتلة وداخل إسرائيل. لكن، وكما قوبلت تلك العمليات باحتفاء بين الكثيرين في مصر، إلا أن أصواتًا، كانت خافتة في البداية، سرعان ما انطلقت وعبّر أصحابها عن رفضهم للعمليات في مجملها، وفي حالات أخرى عن إدانة للهجمات التي استهدفت مدنيين، وربما قبل البعض على مضض باستهداف المدنيين، لكن سقوط ضحايا من الأطفال وكبار السن كان أمرًا لا يمكن التغاضي عنه بالنسبة لهم. وصل الجدل مؤخرًا إلي درجة غير مسبوقة من الحدة، على خلفية أزمة المسجد الأقصى الأخيرة. ورغم وصول الخلاف لحد التشهير على شبكات التواصل الاجتماعي، والتحريض على الأذى البدني، وحتى الوعيد باللجوء للمحاكم، إلا أن هذا لا ينبغي أن يصرفنا عن النظر في الجدل ودفوع المنخرطين فيه. فالأمر وإن بدا متعلقًا بالقضية الفلسطينية، ووسائل مقاومتها، وهي شأن الفلسطينيين وحقهم، إلا أنه أيضًا يتعلق بأسئلة أكثر عمومية عن العنف وأخلاقياته، في علاقته بـ«حالة الاستثناء»، سواء كانت المقاومة أو الثورة والحرب، وغيرها، كما يتأسس على جدل أوسع لطالما شغل نظريات العلوم السياسية وفلسفة القانون والأخلاق، لا فيما يتعلق بالعنف السياسي فقط، بل وأيضًا فيما يخص منطق الاجتماع الإنساني، وجوهره. كانت الثورة الفرنسية، ومعها ثورة هايتي، ولاحقًا الثورة الروسية، هى الوقائع التاريخية التي تأسست عليها نظريات العنف السياسي كما نفهمها اليوم، والتي ألهمت حركات التحرر في العالم الثالث بعد الحرب العالمية الثانية، لكن التبعات شديدة الدموية لعهد الرعب في الجمهورية الفرنسية، ومذابح الثورة في هايتي، مع ملايين الضحايا في العهد الستاليني، كل هذا كان كفيلًا بفرض تنظيرات معارضة للعنف، تستلهم تجارب المقاومة السلمية، وعلى رأسها نضال التحرر الوطني في الهند. ففي مقابل تنظيرات جورج سيرويل عن الطبيعة الخلّاقة للعنف، ودوره في إنقاذ الجماعة البشرية، وكتابات فرانتس فانون التي أطّرت العنف السياسي، بوصفه جوهر عملية التحرر ومحركها، حيث «الاستعمار هو العنف في وضعه الطبيعي، وينتهي فقط حين يُواجَه بعنف أعظم»، فإن تنظيرات نابذة للعنف، مثل كتابات الفيلسوفة الألمانية حنا آرندت رأت في العنف نفيًا للسياسة، حيث قد ينجح العنف، وفق رأيها، في تحقيق أهدافه، لكن فقط على نحو اعتباطي، حيث لا يمكن التنبؤ بنتائجه، وإن كان التغير الأكيد القادر على تحقيقه هو إنتاج عالم أكثر عنفًا، تتراجع فيه القدرة على الفعل. لكن سؤال العنف لا يتعلق بالضرورة بالفلسفة الغربية، ووقائع تاريخية من الماضي، فبعد سقوط سور برلين، وتداعي أنظمة الكتلة الشرقية واحدًا وراء الآخر، وإعلان المنظّر الأمريكي فرانسيس فوكوياما عن نهاية التاريخ، والانتصار النهائي للديقراطية الليبرالية، فإن خطاب التغيير السلمي هيمن على الساحة السياسية وتنظيراتها الفكرية عالميًا، وكان أحد أهم تجلياته هو «الثورات الملونة». كان لمنظمات المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان والروابط الأهلية، أن تأخذ مكان الميلشيات المسلحة، في مقاومة المحتل أو الأنظمة الاستبدادية، وأن تصبح ساحات المحاكم، والمؤتمرات الحقوقية، وميادين الاحتجاج السلمية هي ساحة المعارك، لا الأحراش أو قرى الجبال كما في الماضي. لكن وإن كانت ثورات «الربيع العربي»، ابنة هذا الخطاب، إلا أن مآلاتها، كما يرصد جلبير الأشقر في كتابه «انتكاسة الثورات العربية»، كانت أيضًا أحد تجليات هشاشة هذا الخطاب، ومحدودية فاعليته. هكذا فكما كان عنف الجماهير في جمعة الغضب، ثم التصدي للعنف في «معركة الجمل»، النقطتين الأكثر حسمًا في إنجاح الثورة المصرية في تحقيق هدفها المرحلي بإزاحة مبارك، فالعنف أيضًا كان معضلة الثورة، فمنذ اللحظات الأولى كانت هتافات «سلمية» تتصاعد، سواء بدوافع تكتيكية لتحاشي عنف الأمن، ولاجتذاب تعاطف محلي ودولي أيضًا، أو لأسباب مبدئية تلتزم بخطاب التغيير السلمي وثوراته الملونة. لكن وإن تجاوزنا سؤال اعتماد العنف أو نبذه كوسيلة للفعل السياسي، فإننا نجد النصيب الأكبر من الجدل يدور حول حدود العنف وأهدافه. فمع التسليم بحق المقاومة في استخدام العنف، بل وضرورته أيضًا في وجه فظائع الاحتلال، فإن الاعتراضات تتباين بين عدم مشروعية استهداف المدنيين، أو لا أخلاقية استهداف الأطفال وكبار السن، مصحوبة بأسئلة عن تعريف «المدني»، وإن كان هذا التعريف ينسحب على المستوطنين أم لا. يقود الانجرار لمناقشات تقنية حول نصوص القانون الدولي ومعاهداته المنظِّمة للصراعات المسلحة، إلى تغييب المعضلات الأكثر جوهرية. فالمقاومة بحكم الضرورة، مثلها مثل الثورة، هي فعل استثنائي وخروج على القانون القائم. وإشكالية تقنين الاستثناء ليست بالأمر الجديد، بل لطالما كانت المعضلة الأساسية لفلسفة القانون. يدفع فيلسوف القانون الإيطالي جورجيو آجامبين، في كتابه «حالة الاستثناء – الإنسان الحرام»، بتلك المعضلة إلي حدها الأقصى، مجادلًا بأن حالة الاستثناء، أي تعطيل القانون في حالات الطوارئ وفرض الأحكام العرفية المتضمَّنة في قوانين الدول الحديثة، أصبحت هي القاعدة. فاحتواء القانون على نصوص تسمح بتعطيله ونفيه، يبدو كمعضلة عصيّة على الحل، لا تنتهي فقط بتعميم حالة الاستثناء وتحويلها لحالة دائمة، بل وأيضًا إلى تحطيم منطق «القانونية» نفسه. وفيما يبدو تحليل آجامبين معنيًا بفهم علاقة القانون بالسلطة، فإن أطروحته عن «حالة الاستثناء» تثير معضلات تتعلق بالثورة والمقاومة كحالات للاستثناء، وبإشكالية تقنينهما. فكيف للمقاومة، التي هي بالضرورة حالة للاستثناء، وخروج عن القانون، أن تكون موضوعًا للقانون، ونطاقًا لإلزاميته؟ وخاصة حين تمارَس ضد احتلال، يرى القانون الدولي أن استمراره وممارسته خروج على القانون وخرق لمعاهداته وتحد للإرادة الأممية؟ ألا ينتهي هذا بحالة الاستثناء، أي الاحتلال، إلى وضع الحالة الدائمة، وتداعي منطق القانونية بمجمله مرة أخرى؟ ولو تخلّينا، بدافع الجدل، عن مسألة القانونية في علاقتها بالمقاومة، فما سيبقى أمامنا هو سؤال أخلاقياتها، والذي لا يتعلق بالضرورة بالأخلاق بمعناها المثالي، أي بنسبتها إلى نص ديني، أو بمحددات طبيعة إنسانية أصلية تتعلق بالفرد أو الجماعة البشرية. فهيجل الذي يمكن الادعاء بأن فلسفته عن الأخلاق، كان لها تأثير عميق على الفلسفة الحديثة بكافة مدراسها إلى اليوم، يستعين بلفظة ألمانية لوصف الأخلاق، لا يوحي معناها بالوجوب، أي بـ«الواجب» و«غير الواجب»، بل بمفهوم العادة والتقليد أو المتفق عليه. لا يعتمد هيجل مفهومًا للأخلاق يقوم على فكرة التعاقد الاجتماعي الذي تحتّمه الضرورة والجزع من حالة التوحش البدائية، أو الاتفاق الطوعي أو الإلزام القسري على حد حرية الفرد لصالح المصلحة العامة، بل بتأطير الأخلاق كعلاقة اجتماعية وعلائقية بين أضداد تحكم صراعاتهم. إلا أنه في الوضع القائم للفلسطينيين، والذي حرمهم جميعًا من الاعتراف بدولة لهم، أو بمجتمع طبيعي، أو حتى بوضع قانوني غير استثنائي لهم كأفراد، وفي ظل ممارسات شديدة القسوة والبربرية، وعلاقة إخضاع تدور في اتجاه واحد، تبدو محدّدات «الأخلاقية» بمفهوهما الهيجلي، والتي تفترض حدًا أدني من الندية المبدئية بين أطرافها، غير متوفرة. لا يعني هذا أن ممارسات المقاومة «فوق أخلاقية»، أو أن المنخرطين فيها غير قادرين على الفعل الأخلاقي وعكسه، بل أن الحكم الأخلاقي عليها، من خارجها، يواجه معضلة تشبه معضلة تقنين الاستثناء القانوني، فكيف لنا الحكم أخلاقيًا على ما نُفي عمدًا خارج نطاق الأخلاق وإمكانها!؟ في النهاية، لا أبتغي هنا تبرير العنف ولا إدانته بأي حال، ولا نفي قانونية أو أخلاقية حدود بعينها للمقاومة أو أهدافها، وكذلك ولا التأكيد عليها، بقدر ما هي محاولة لطرح معضلات تتعلق بالعنف والمقاومة، وأسئلة حولهما. ومع هذا، وحتى ولو قبلنا جدلًا باستحالة إخضاع المقاومة للقانون والأحكام الأخلاقية، ولو افترضنا أن جوهر ما نراه اليوم من عمليات هو محاولة لنزع القشرة الأخلاقية عما هو لا أخلاقي بالأساس، بهدف الاعتراف بالحق في الوجود، والرجوع إلي نطاق الأخلاقية، فما أظنه هو أن المنخرطين في المقاومة، وبحسب أي شكل يتخذونه لها، يظلون مسؤولين تجاه أنفسهم، لا تجاه الآخرين، عن عدم الاستسلام أمام توحش خصمهم، والانقلاب في النهاية على شاكلته.
قارن أدي لويس مع:
ما هي الدول التي تتحدث صحافتها عن أدي لويس؟
شارك صفحة أدي لويس على