أبو الحسن الشاذلي

أبو الحسن الشاذلي

أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي الهذلي المغربي، الزاهد، الصوفي إليه تنتسب الطريقة الشاذلية، سكن الإسكندرية، ولد عام ٥٧١هـ المغرب، تفقه وتصوف في تونس، توفي الشاذلي بوادي حميثرة بصحراء عيذاب متوجهًا إلى مكة في أوائل ذي القعدة ٦٥٦هـ. ويكيبيديا

عدد الأخبار كل يوم من ولمدة حوالي شهر واحد
من أهم المرتبطين بأبو الحسن الشاذلي؟
أعلى المصادر التى تكتب عن أبو الحسن الشاذلي
الشلاتين قصص عن الدولة والناس وبراح يضيق ويتسع آلاء عطية ١٠ سبتمبر ٢٠١٧ «حضرتك مصري ولا سوداني؟» «أنا يا بنتي من الجبل دا. والجبل دا بتاع جدود جدودي. عايزة تسميه مصر، أنا مصري. عايزة تسميه السودان، أنا سوداني.» «في يوم من الأيام جا واحد، حط خط وسمى دي مصر ودي السودان. أنا ابن عمي الناحية التانية.» في الشلاتين، أدركت سذاجة سؤالى، وانفتح أمامي براح من الأسئلة الأخرى والتصورات عن الحدود والدولة والوطن. براح الطريق زرت الشلاتين عدة مرات مع مبادرة «المشاركة المعرفية»، بالإضافة لمرات أخرى زرتها بشكل شخصي. كفتاة من القاهرة ذهبت هناك. تعلمت كثيرًا وأغرمت بالمكان، لكنى ظللت غريبة عنه وظللت أحمل عين المدينة في نظرتي له. على طول الساحل من مرسى علم للبرانيس، يمنّينا الجميع بالشلاتين؛ كل شيء في الشلاتين ومن الشلاتين. ومنذ أول الطريق يلفت نظري إضافة اللام والألف لاسمها، على خلاف ما اعتدناه في القاهرة. كان الطريق طويلًا جدًا؛ يتراوح الوقت الذي يستغرقه المسافر من القاهرة لمرسى علم بين ثماني لعشر ساعات، ومن مرسى علم للشلاتين خمس أو ست ساعات، لكن كل شيء بالتأكيد يتوقف على وسيلة النقل المستخدمة. قد تأخد المسافة من مرسى علم للشلاتين وبالعكس أضعاف هذا الوقت. على الطريق أمر بالكثير من القرى المتشابهة من الخارج، ولكن الأهم بالنسبة لي، كمسافرة، كانت نقاط الجيش المنتشرة على الطريق، والتي عانيت منها كثيرًا. يركب المجندون من نقطة لنقطة، لا يدفعون للسائق، ويكون الوضع أسوأ اذا ما ركب ظابط، لا يدفع ولكنه أيضًا يبدأ بإساءة التعامل مع المجندين بشكل مستفز غالبًا. لكثرة وقوف الأوتوبيس لتحميل المجندين والأهالي كذلك، أو لإنزالهم، فقد أصبح هو الوسيلة الوحيدة للربط بين القرى على الساحل. الكثير من علاقات المركز بالأطراف تظهر في الفروق بين الطرق التي بنتها الدولة والتي بناها الناس. ترغب الدولة في إثبات وجودها من خلال الطرق. قديمًا، كان الطريق إلى الشلاتين هو طريق الحج، حيث كانت لدى الحجاج المسافرين من ميناء عيذاب وإليه قصص وأساطير لا تنتهي. يحمل الطريق لي أيضًا قصص الكبار في السن عن أول مرة سمعوا فيها عن أن هناك شيئًا يسمى «الأوتوبيس» بمقدوره نقلك من الشلاتين لأسوان في ثلاث ساعات، بينما كانت المسافة تُقطع سابقًا بالجمال في أسابيع، وكيف اعتقدوا أن الأوتوبيس جني أو شيطان، بل وأن هناك من حرّم ركوبه. كما أسمع عن أول مرة رأى أحدهم فيها سيارة، وهو يرعى الغنم، وكيف أخافته السيارة فقرر الاختباء خلف الجبل منها. الطريق الآن هو الطريق المؤدي لمقام الشيخ الشاذلي، ومات عليه الكثيرون من العطش والتيه قبل أن يُسفلت. على الطريق تتواجد العديد من الرايات البيضاء، تمثل من ماتوا عليه وهم يحجون، أو وهُم في طريقهم للشيخ، أو أنها الأماكن التي شوهد فيها نور الشيخ الشاذلي كما سمعت في بعض القصص. تزور بعض القبائل أماكن الرايات البيضاء، ويطلقون على من وُجد تحتها، اسم «الشادليين»، نسبة إلى الشيخ الشاذلي. *** قبل زيارتي لها، لم أكن سمعت عن الشلاتين سوى إشارات معدودة وحسب، فبالإضافة لكتب المدرسة بالطبع، عرفت عددًا من الأجانب الذين يذهبون لمشاهدة حركة الجمال بين مصر والسودان، وعرفت مصريين اثنين كانا يذهبان هناك في رحلات لصيد الأسماك والحيوانات، ولم يكونا يتحدثان عنها إلا وفق النظرة الاستعلائية المعهودة التي ينظر بها المركز للأطراف. فيما بعد علمت أن هناك سياحة إيطالية للشلاتين. لم أعرف لماذا إيطالية بالتحديد، ولكن ما لفت انتباهي أن هؤلاء السياح يأتون كل سنة لمشاهدة الهجرة السنوية للجمال بين مصر والسودان. وللحظة غبطت الجمال فهي أكثر حرية مني ومن أصحابها. كنت كالطفلة التي تبحث عن وطن أو بلد خارج حدود القاهرة التي قتلت الثورة التي أحببتها. صحيح أن الفتاة الصغيرة بداخلي وجدت مصر أوسع وأكبر، لكنها لم تجد جنة الله على أرضه؛ لا يزال الواقع مركبًا ومُربكًا ومتعدد الزوايا والاتجاهات، ولا يزال البراح يتسع ويضيق في عيني وقلبي. ضيق البراح، ضيق الموارد في الشلاتين، اكتشفت لأول مرة تأثير الطبيعة الذي تخفيه المدينة طوال الوقت، فبسبب الجفاف قلَّ الرعي ونزل البدو للوديان ليستقروا، ما فاقم، مع الاستقرار وغزو الحداثة والمدنية، من احتياجهم للدولة. يقال لي إن مواسم الجفاف مستمرة من ١٥ عامًا، وإن الشلاتين قبلها كانت قبلها عبارة عن مراعٍ خضراء. اتسع براح الحدود أمامي لدى رؤيتي البضاعة الآتية من السودان ولدى زيارتي للسوق ومعرفتي بنظام إدارته. يحدد هذا النظام لكل عائلة يومًا في السوق؛ الحمالون أو العتالون والكبار في السن يأخذون يوميتهم، لكن الصغار هم من يحملون عنهم تأدبًا. وعاد البراح ليضيق عندما عرفت أن تلك النظم لم تلغِ الاحتكار في السوق، ولم تلغ ثقافة نخبة كبار التجار التي أتت مع التجارة من المدن القناوية. في أواخر التسعينيات، كان السوق في الشلاتين هو مركز التشديدات الأمنية وإعلان السلطة عن وجودها ومكانًا للعديد من ممارسات السلطة القمعية، وحكى لي الكثيرون عن تغير أغلب معالمه من أواخر التسعينات إلى الآن، قبل أن يتعرض الآن لهجمة شرسة من أجهزة الدولة، أدت لهدم الكثير من أجزائه. براح الحدود كان ممتدًا أمامي أيضًا في الطرق البرية للتنقل بين مصر والسودان، الطرق التي يعبرها البدو بعيدًا عن الحدود الرسمية. الذهب، ورحلات البحث عنه، بما فيها من أساطير، من أهم ما يتردد في المكان. يتسع البراح في صدري لدى السماع عن الثروات التي كوّنها البدو منه، ويضيق لدى السماع عن كيفية تعامل الحكومة مع أجهزة الذهب، حيث أخذ الذهب من الأرض في حد ذاته غير ممنوع، ولكن امتلاك جهاز الكشف عن الذهب هو الممنوع قانونًا. وبالنبرة المعهودة القائمة على لوم الأجيال الصغر سنًا، يشكو الكبار فى السن أحيانًا من خروج الشباب للخلاء بحثًا عن الذهب، بدلًا من خروجهم قديمًا لرعي الغنم، وكيف أنه عندما قلَّ الذهب في الأرض، لم يستطع الشباب العودة للرعي مجددًا، كما لم تعد الموارد تكفى تطلعاتهم. سمعت عن شبكات المصالح في بيع الذهب وقصص منجم السكري وإدارته، وهو واحد من أشهر وأكبر مناجم الذهب في العالم، بكل ما يثار حولها من علاقة آل مبارك بإيراداته، وقرارات عدلي منصور بخصوصه قبل تركه لمنصبه بساعات. هذا غير التاريخ الطويل للاحتجاجات العمالية بالمنجم وسياسات التوظيف به، وكيف أن التوظيف شبه ممنوع على أبناء المنطقة. الناس والدولة وصراع على البراح صحيح أن هذه البقعة من العالم تذكرنا بعالم ما قبل الدولة القومية وما قبل الاستعمار الذي رسم حدودها، حيث يميزها التنوع قبل أي شيء، ولكني سرعان ما اكتشفت وضعي كـ«غريبة» على حدود بلدي. ضاق صدري، مثله مثل تلك الحدود المستحدثة، فلكي أدخل حلايب أو أبو رماد أحتاج لتصريح من المخابرات العسكرية في القاهرة، مع الأخذ في الاعتبار أن حلايب مدينة لا تفتح أبوابها، وحتى على أهلها، إلا من السادسة صباحًا وحتى السادسة مساء. نعم، هناك حظر تجول بعد السادسة. ضاق البراح لدى سماعي قصص التجنيس في الشلاتين، وعن كيفية إجراء الحصر الرسمي لاستخراج بطاقة الرقم القومي، وكيف أن من كان مسافرًا أو يرعى، بينما الحكومة تجري الحصر الرسمي، لم يُدرج في الكشوف، وأن الكثيرين بالتالي لا يملكون بطاقات شخصية حتى الآن، مما يصعّب بشدة خروجهم من مدينة الشلاتين، وينعكس الأمر على الكثير من أمور الحياة. فمن لا يملك بطاقة رقم قومي لا يحق له التموين مثلًا، ويستمر الوضع في التعقيد. لكل عائلة مكان أو واد، كما رأيت أن مكان بعض العائلات يقع ما بين الجبلين، ومن أداب المكان أن تستأذن للدخول، وقد يُسمح لك بالدخول أو لا يُسمح. إذا كانت مساحتك ما بين الجبلين فقد لا تحتاج لبيت كبير، لكني وجدت براحًا في البيوت التي دخلتها، سواء ما كان منها بيتًا من طابق واحد، أو حتى العشش والخيم التي تقل تدريجيًا مقابل أشكال البناء المختلفة. كل هذا بجانب العمائر متعددة الطوابق التي لا يسكن فيها إلا الغرباء من أهل «قبلي» و«بحري». رغم اختلاف سياسات المحميات الطبيعية هناك واختلاف أشكال إدارتها بشكل كبير تبعًا لمن يدير المحمية، ورغم كل البراح الذي يتسع في عيني لدى سماعي عن المحميات والحياة فيها ولدى رؤيتي الجمال الخالص النقي البكر فيها، إلا أن تجربتي الشخصية الصغيرة في التعامل مع إدارة المحميات كانت تضيّق صدري، وكذلك معرفة شبكات مصالح رجال الأعمال الدائرة حولها، أو سياسات المحميات التي تهمّش البدو لصالح الطبيعة، وتتعامل معهم كجزء من الطبيعة يأتي الزوار للفرجة عليهم وعلى تراثهم، لا كبشر لهم خصوصيتهم وحقوقهم. يضيق صدري أيضًا لدى رؤية المؤسسات الدولية والمجتمع المدني وفرضهم رؤيتهم عن «الحياة الأفضل للناس»، ولا يراها الناس بدورهم ملائمة. مثلًا، أقامت وكالة «يو إس إيد» الأمريكية، مجموعة من البيوت في قرية ملحقة بالشلاتين، ولم يسكنها أحدهم هناك. برّرت لي سيدة عجوز لاحقًا عدم رغبتها في السكنى هناك، بأنها غير قادرة على السكنى في مكان لا ترى منه السماء. بالإضافة لهذا، أنتج صراع الشواطئ بين البدو وبين الدولة والمستثمرين قرى ومدنًا ومناطق لبدو هُجّروا من أماكنهم، وأخذت، بجانب مكان مشوه باسم «بورتو حماطة»، أسماء مثل «قلعونا»، «شحترونا»، «طردونا» «ظلمونا». عندما سمعت، وأنا في الشلاتين، ولست واثقة من دقة المعلومة، أن أحد كبار المستثمرين أخذ حق الانتفاع بشواطئ الشلاتين، بدا الموضوع هزليًا، لكنه يصبح شديد الواقعية وأنا في القاهرة. وهكذا تتوالى الصراعات، فتدخل شركات الصيد الكبيرة في الشلاتين، وتمتد إلى القرى فيستمر تضييق الدولة على الصيادين من أهل المكان، تحت اسم «البيئة» و«المحميات»، أو حتى باسم «التصاريح الأمنية». لم أجلس على الشاطئ في الشلاتين، وجاءني انطباع بأن أهل البلد هناك، على خلاف مناطق أخرى، لا تربطهم علاقة حميمة بالشواطئ. على طول الساحل كانت الاختلافات جلية بين تعامل أهل المراكز مع الشواطئ، وتعامل أهل القرى معها. ففي القرى، الشاطئ جزء من الحياة اليومية، لا مكان يُزار ويُتنزه فيه. وتختلف علاقات السيدات مع البحر، بوصفه جزءًا من المجال العام، تبعًا لعادات المكان ونمطه الاجتماعي والقبائل المتواجدة به. اتسع البراح أمامي عندما علمت بوجود المجالس العرفية، التي تمثل النظام القضائي للبدو، وضاق مجددًا عندما علمت عن الشبكة المعقدة للمصالح، والتي نشأت مع بدء تدخل الدولة في تعيين شيوخ القبائل، واستمر الضيق عندما علمت بوجود سبع أجهزة أمنية بالشلاتين؛ جهاز شؤون القبائل، المخابرات العامة، المخابرات العسكرية، الشرطة، الجيش، الشرطة العسكرية والأمن الوطني. براح الألوان تفتح حفلات الزفاف في الشلاتين عيني على براح الألوان والحلي بأشكالها المختلفة، منها ما هو شديد الشبه بحلي الفراعنة، وما هو أقرب للشكل الأفريقي والهندي. يميزها أنها كلها من الفضة أو الذهب أو مطلية بهما. البدو هناك مشهورون بالأعمال اليدوية من حلي وشنط من الجلد والخرز. «توب الأفراح» يأتي بلون واحد غالبًا وغير منقوش، لذا فاللون بدرجاته المختلفة عنصر مهم جدًا هناك، وتعدد ألوان الأتواب يجعل المكان كله كأنه «باليتة ألوان»، وعلى عكس الألوان القليلة المتواجدة خارج المكان، حيث لا ألوان هناك سوى لون الجبل والسماء والبيوت الرمادية غالبًا. فتبدو ألوان الأتواب وكأنها تنشر الحياة والبهجة في ليل الوديان. في الفرح تُؤدَّى رقصة التَرْبَلة التي دائمًا ما شغلتني وأربكتني، فهي تعتمد على الرقبة والشعر والكتفين، ولها طقوس تختلف اختلافات طفيفة من مكان لآخر ومن قبيلة لأخرى، وللسيدات فيها أدوار تختلف عن أدوار الرجال؛ هن في أماكنهن يرقصنها مغطيات وجوههن، والرجال يرقصون بالسيوف والعصي، والعريس بالكرباج. في عادات جديدة نوعًا ما، بدأت العرائس تظهرن بالفساتين البيضاء والزينة المبالغ فيها، غير أن الرجال لم يغيروا ملابسهم التقليدية. يستمر الفرح لعدة أيام حسب المكان. ولكل قبيلة طقوسها الخاصة، طبقًا لمدى قربها من المدينة. الأفراح من أهم التجمعات الاجتماعية في الشلاتين، وليس بالضرورة أن يحضر العروسان كل أيام الفرح. في الشلاتين، تلبس النساء الأتواب القادمة من السودان، أما خارجها، وفي المدينة، فغالبًا لا ترتدينها، وإنما ترتدين ثياب المدينة من الجينز وغيره، وهكذا الرجال. في المدن، رأيت رجالًا في ثيابهم البدوية، لكني لا أذكر أني رأيت نساء بالأتواب هناك. براح الروح تتوجس الدولة من الصوفيين والأشراف، فـ«الطريقة الميرغنية» من الطرق التي لها نشاط سياسي كبير في السودان، كحال العديد من الطرق الصوفية في أفريقيا. لم أسمع إنشادًا أو مدحًا في الشلاتين، لكني سمعت كثيرًا عن المولد النبوي وتجهيزاته هناك، ومكانة الأشراف وجمعهم للكرامات وتوسطهم للصلح بين القبائل والعائلات. تملأ الشلاتين صور الشريف أدروب، الذي عاش في السودان قبل أن يتوفى من أسابيع قليلة، والذي كان طلبة العلم يذهبون إليه من أماكن مختلفة في الجنوب ليدرسوا التوحيد والتصوف وعلوم الفقه، ولكي يباركهم بعلمه وينقل بعضًا من معرفته لهم. كان الشيخ أدروب رحمه الله من قبيلة الأشراف الممتدة بين مصر والسودان. تصل تعاليم الشريف أدروب لكل بيت، والصدقة التي أمر بدفعها كل ثلاثاء، لتتطهر الشلاتين من الذنوب، من أهم ما يحرص عليه الكثيرون هناك. مجالس الجَبَنَة وكل الحكايات المتعلقة بها من أجمل ما عشت وسمعت. الجبنة هي بُنٌّ أخضر يُحمّص ويُدق. وتشرب في فناجين صغيرة في جلسة تتسامر فيها العائلة أو القرية ليلًا في الغالب، ويضاف لها جنزبيل أو بهارات مختلفة حسب المكان، ومن تقاليد المكان أن يُشرب ٣ أو ٧ أو ١١ فنجانًا. البن أمر مقدس في العادات والتقاليد لا يشربه إلا الأطهار ولا تشربه المرأة الحائض. يقرأ بعض كبار السن الفاتحة قبل كل فنجان، وتقول الحكايات إن أول من جاء بالبن، ليتقوى به على السهر والعبادة، هو الشيخ أبو الحسن الشاذلي، المدفون على بعد حوالي أربع ساعات من الشلاتين. «البشايرة» هي إحدى القبائل الرئيسية في منطقة جنوب البحر الأحمر كلها، وتتركز في الشلاتين، بجانب قبيلة «الأشراف» المنسوبة لآل البيت. ولكل قبيلة نسبها وقصصها وعادتها وتقاليدها، ولكن هذا لا يمنع من التمازج بينهم في أمور كثيرة. وهناك أيضًا قبيلة «الرشايدة»، وهم مهاجرون من الجزيرة العربية، ولكنهم حتى الآن بدون جنسيات. تنتابني مشاعر مرتبكة تجاههم، فهم بلا جنسيات، غير محبوبين من غالبية من التقيتهم، متفرقين على عدة بلاد، مشهورين بالتجارة غير المشروعة، لكن لماذا هم بدون جنسيات؟ من يتحمل مسؤولية هذا؟ كم يكفي أن يقيم المرء في أرض حتى يصبح منها؟ يتحدث البشارية «الرَطْنة» أو «الرطانة»، وسمعت قصصًا كثيرة عن كون اللغة جاءت من أمهم الأصلية، التي انتمت لقبائل «البِجَا»، ثم تزوجت بعربي، فأنتج زواجهما قبائل البشارية. هناك قصص أخرى تُروى عن أصول قبيلة «البجا»، وبمفادها فالجد تزوج من الجبل فتكونت القبيلة، ولذلك لا يحرّك الكبار في السن أي حجارة أو رمال دون أن يمسحوا عليها باللبن استئذانًا واحترامًا، لأن الحجارة تنتمي للجبل الذي يمثل أصلهم وأمهم. وحتى اليوم، لا يزال البعض يعتقد أن أي محاولة للتغيير في الطبيعة قد تجلب الشؤم أو المرض أو الجن. الكثير من الحكايات والأراء والأساطير، والمختلفة باختلاف المكان والزمان والراوي والمستمع، تُروى في أصول قبائل البجا (البشارية)، غير أن الأكيد أنه قد مر عليهم العديد من الديانات. يتضح ذلك من عادتهم وتقاليدهم، فإلى جانب العديد من البيوت التي تحتوي على صلبان للتبرك بها، هناك تحضيرات الأفراح التي تجري في «مجلس السنكاب»، وهو المجلس الذي يخاط فيه «السنكاب»، أو «السعف»، ليوضع على باب العروسين. في هذا المجلس تتجمع النساء على عمل السنكاب وترديد أغاني المديح والذكر. *** يتحدث أغلب كبار السن في الشلاتين بـ«الرطانة». أما العربية فقد تعلمتها الأجيال الجديدة في المدارس، أو بالاحتكاك بالصعيد ووجه بحري عند من سافر منهم بعد مواسم الجفاف. الرطانة لغة شفوية غير مدونة وبالتالي كذلك تراثها تراث شفوي. دائمًا ما شغلني سؤال حول ما إذا كان يجب تدوينها لحفظها أم أن تدوينها سيفرض عليها قواعد الثقافات المكتوبة، فيحددها بعدد معين من الحروف والأصوات. لا أعلم! يتسع البراح دائمًا أمامي في المقامات ولدى سماع حكايات المقامات وكرامات الأولياء، ودائمًا ما يحتوي المقام على سجائر وخبزًا وحنة وجَبَنَة. في الشلاتين، يدور الزمن كسجاجيد الصلاة المستديرة التي لم أر مثلها إلا هناك؛ دائرة مربوطة وموصولة. العرافات وقراء الودع في الشلاتين هم جزء من الحياة اليومية، ودائمًا ما تساءلت عن سر هذا الشغف الدائم هناك بمعرفة المستقبل، أم أنه موجود في كل مكان، ولكل منا طريقته في التعامل معه؟ قابلت العديد من العرافات، لكل عرّاف أو عرّافة طريقة. هناك واحدة منهم أصابت في كل ما تنبأت أنه سيحدث لي بعد سنة من وجودي هناك. هناك من يقول إنه تعلم قراءة الودع في أحلامه، وهناك من تلقاه عن قريب وهناك من علّمه الجن. تختلف الطرق والطقوس، ولكنها تبقى حاضرة بكثافة في الحياة اليومية. وبجانب العرافات، هناك المشايخ والأشراف الذين يعالجون بالقرآن أو بسبل أخرى، ولكن الجميع يذهبون للشيخ أو للشريف، وإذا قال الشريف إن هذا «تعب مستشفيات»، يذهب المريض للطبيب من فوره. *** على طول قرى الساحل كنت دائمًا ما ألاحظ أن تاريخ دخول المدارس للمكان وتاريخ دخول التلفزيون، أو الكهرباء بشكل عام، هما من أهم التواريخ في حركة تغير الأماكن وتطورها، وأضاف لي صديق تاريخ إقامة أول فندق أو مكان ضيافة مستقل للغرباء بعيدًا عن بيوت الأهالي. ومن المثير للاهتمام أنه إلى وقت قريب، وفي بعض القرى، كان يجب أن يكون المدرسون من خارج المكان، وكانت الحكومة تدفع للأهالي ليرسلوا أولادهم للمدارس. ولكن هناك مكانًا يقابل المدرسة أيضًا للأطفال هناك؛ الخلوة، وهي مكان يتعلم فيه الصغار القرآن الكريم، ويكون شيخ الخلوة غالبًا مرسلًا من شيخ الطريقة الميرغنية في السودان، وتعلم على يده في خلوته. في الخلوة، وبسبب التكرار اللانهائي للأذكار وأوراد القرآن، يعود الزمن ليصبح مستديرًا في عيني. في الخلوة وجدت كل ما قرأته أو تخيلته عن طرق التعلم التقليدية؛ حبرًا طبيعيًا وأقلامًا من البوص وألواحًا من الخشب للكتابة. وعندما حكى شيخ الطريقة عن نسبة الطريقة لسيدنا النبي وطريقة أخذ العهد والأوراد من النبي نفسه، دارت بي دائرة الزمن، ليمتزج الماضي بالحاضر في اللحظة الحالية. ولم يضق عليّ البراح إلا عندما سمعت عن الخلاوي الخاصة بأولاد الأشراف وصعوبة دخول غيرهم في الطريقة. وسّعت الشلاتين من روحى وعقلى، والأهم أنها وسّعت خيالى عن الأرض والوطن والزمن. الطريق من الشلاتين وإليها، بالنسبة لي، هو رحلة في المكان والزمان، رحلة باتجاه العديد من الأسئلة والاكتشافات والتعلم والحب. ضاق الطريق واتسع مرات عديدة لكن أهله لم يخذلوني أبدًا.
قارن أبو الحسن الشاذلي مع:
ما هي الدول التي تتحدث صحافتها عن أبو الحسن الشاذلي؟
شارك صفحة أبو الحسن الشاذلي على