العمالة شقيقة الاستبداد

حوالي ٥ سنوات فى الشبيبة

د. فيصل القاسممن حق المعارضين العرب، لا بل من واجبهم، أن يبذلوا قصارى جهدهم في مقاومة أنظمة الديكتاتورية والاستبداد والتخلف التي تحكم قبضتها على رقابنا منذ عشرات السنين. وهم بلا شك مشكورون على جهودهم في ذلك المجال المحفوف بالمخاطر والصعاب. وليس بوسعنا إلا أن نقف للمناضلين منهم إجلالاً وإكباراً على تضحياتهم الكثيرة. لكن أي معارضة سياسية تفقد قيمتها تماماً عندما ترتهن للخارج. واعتقد أن أي معارض، حسب كل نواميس الدنيا وأقانيمها الاستبدادية والديموقراطية، ماضياً وحاضراً، يصبح، قاب قوسين أو أدنى، عميلاً جديراً بعقاب شديد عندما يتصل بجهات خارجية وينسق معها. لا بل إن الاتصال بالأجنبي، أو الاستقواء به تحرِّمه، وتجرّمه، ليس جميع القوانين والمبادئ الدولية، ولكن، أيضا، أبسط الأخلاق العامة، التي يجب أن يتحلى بها، حتى أصغر معارض وطني حقيقي. ومن هنا يمكن القول إنه لا فرق أبداً بين نظام ديموقراطي واستبدادي في التعامل مع الخارجين على السرب في قضايا الاتصال أو التعامل مع أوساط خارجية لأن المبدأ عام.من قال إن الأنظمة الديموقراطية أكثر رحمة مع الذين يحاولون الاتصال بجهات أجنبية؟ إنها كذبة كبيرة من الأكاذيب «الديموقراطية» البائسة، وبدعة عوراء وفقعاء من بعض المروجين لحملة مشاعل التحرر الجدد. فـ»الديموقراطيات» لا تتورع أن تأخذ أقسى العقوبات بحق المخالفين لتعليماتها وقوانينها المتعلقة بالتعامل مع الخارج. لهذا يجب على بعض المعارضين العرب الذين يتبجحون بعلاقاتهم واتصالاتهم الخارجية بجهات فيما وراء حدود الوطن ألا يولولوا ولا يثيروا الزوابع الإعلامية عندما يجد أحدهم نفسه وراء القضبان بعد جولة أمريكية أو أوروبية. إنه أمر مضحك فعلاً أن يعلن بعض المعارضين العرب على الفضائيات أنهم التقوا خلال جولاتهم في العواصم الأوروبية والأمريكية مسؤولين من وزارات الخارجية ووكالات الاستخبارات ثم تثور ثائرتهم عندما يودعون السجون لدى عودتهم إلى بلادهم! إنه جرم جدير بالمحاسبة حسب الأنظمة الديموقراطية قبل الديكتاتورية.لا أريد الدفاع هنا بأي حال من الأحوال عن أنظمة القهر والقمع العربية التي تحصي أنفاس معارضيها وتجشم على صدور العباد كالجبال الراسيات، فهي قضية لا يدافع عنها غير المعتوهين والمرضى نفسياً. لكنني أريد التركيز على جزئية يتم تجاوزها كثيراً أو أحياناً من قبل العديد من المعارضين العرب من باب أن كل فعل ضد الأنظمة الحاكمة المستبدة، مهما كان نوعه، هو حلال زلال. وهذا طبعاً خطأ سخيف ينتقص كثيراً من نضالات المعارضات العربية ويشوه سمعتها ويضع ألف إشارة استفهام على أهدافها. من المخطئ بربكم: الجهة التي أوقفتهم في المعابر الحدودية لدى رجوعهم من جولاتهم المكوكية الغربية أم المعارضون أنفسهم؟! لماذا يسمح بعض المعارضين العرب لأنفسهم أن يصولوا ويجولوا في الغرب في المقام الأول لأغراض هدفها الأول والأخير الاستعانة بجهات خارجية لتحقيق أغراضهم السياسية؟ أليسوا هم الذين يعيرون الأنظمة الحاكمة بعلاقاتها المشبوهة مع قوى خارجية لتعزيز مواقعها وتثبيت حكمها؟ولا يمكن أبداً النظر إلى القوانين الأمريكية على أنها شرعية والقوانين العربية على أنها تعسفية، فكلتاهما متشابهة من حيث الأهداف والمشروعية. فكما أن من حق أمريكا «الديموقراطية» أن «تتجسس»، وتراقب اتصالات مواطنيها مع الجهات التي تعتبرها معادية لمصالحها وتهدد أمنها، إذن، ودائما بنفس منطق «الديمقراطيين» إياهم، من حق الدول العربية أيضاً أن تعاقب أي شخص تشتبه في علاقاته مع جهات أمريكية أو أوروبية تشك في نواياها. ألم ير المعارضون العرب الذي يتباهون بتنسيقهم مع جهات أجنبية ما حل بالجاسوس الأمريكي الشهير جوناثان بولارد الذي أودع السجن في أمريكا بسبب اتصالاته المشبوهة بإسرائيل، أقرب المقربين للولايات المتحدة؟ ألم يفشل الإسرائيليون بكل جبروتهم وتأثيرهم أمريكياً في الإفراج عن عميلهم الأمريكي بولارد؟لقد آن الأوان لأن يميز بعض المعارضين العرب بين النضال من أجل الديموقراطية والتحرر من الاستبداد وبين الارتهان أو الارتماء في أحضان الخارج، خاصة إذا ما علمنا أن القوى الخارجية ليست مجرد جمعيات خيرية لمساعدة المعارضين لتحقيق الديموقراطية والرخاء والازدهار في بلادهم.متى يدرك بعض ممتهني حرفة المعارضة أن العمالة ليست، بأي حال من الأحوال، وجهة نظر أو رأياً آخر أو حرية شخصية أو شراً لابد منه، بل هي بسوء الاستبداد والديكتاتورية والفساد الذي يدّعون محاربته، إن لم تكن صنوته. وإذا كان الطغيان جديراً بالاستئصال فإن بعض»المعارضين» جديرون بالكنس إلى أقرب حاوية نفايات، فالمتاجرة والمقاولة على الأوطان أنكى من اغتصابها؟ ومن يتاجر بوطنه يمكن أن يغتصبه بسهولة. والعكس صحيح.إعلامي ومقدم برنامج الاتجاه المعاكس في قناة الجزيرة

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على