العقوبات الأمريكية

أكثر من ٥ سنوات فى الشبيبة

د. فيصل القاسميتبجح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأفراد إدارته بأنهم فرضوا على إيران أقسى العقوبات في تاريخها، وخاصة العقوبات المفروضة على بيع النفط الشريان الحيوي للاقتصاد الإيراني. لكن قبل أن يصفق أحد لهذه العقوبات كنوع من الشماتة بإيران، لا بد أن يتساءل: ألا تخضع إيران للعقوبات الأمريكية والغربية منذ عام 1979؟ متى ارتاحت إيران من بعض العقوبات إلا بعد الاتفاق النووي مع الغرب قبل مدة وجيزة فقط، ثم ما لبثت أمريكا أن أعادت بعض العقوبات؟ هل يا ترى تأثر النظام بالعقوبات المفروضة عليه منذ حوالي أربعين عاماً، أم إنه استطاع تحت العقوبات أن يقيم مشروعاً نووياً وبرامج عسكرية عملاقة؟لا شك أن الشعب الإيراني عانى كثيراً في لقمة عيشه بسبب العقوبات الأمريكية منذ عقود. ولا شك أنه سيعاني أكثر جراء العقوبات الجديدة التي دمرت العملة الإيرانية، وخفضت من قيمتها بنسبة تفوق الثمانين بالمائة، بحيث أصبحت مدخرات الشعب الإيراني بلا قيمة إذا ما أراد أحد أن يستبدلها بعملات صعبة كاليورو والدولار. لا شك في ذلك مطلقاً. من الضحية إذاً في العقوبات الغربية على مدى التاريخ الحديث؟ الشعب أولاً وأخيراً.ألم تفرض أمريكا عقوبات أقسى ألف مرة على العراق بعد غزو الكويت؟ ألم تمنع عنه حتى أقلام الرصاص والأدوات المدرسية على مدى ثلاثة عشر عاماً؟ ألم تستخدم برنامج النفط مقابل الغذاء لتركيع العراق وإسقاط نظامه؟ لكنها مع كل تلك العقوبات الشيطانية، ظل النظام صامداً، وظلت القيادة تدخن السيجار الكوبي الفاخر، بينما كان الشعب يموت من الفقر والجوع. لقد فشلت العقوبات في تركيع النظام، لهذا تدخلت أمريكا وبريطانيا عسكرياً بكل قواتهما البرية والجوية لإزاحة صدام حسين العام 2003 بعد ثلاثة عشر عاماً من التعذيب المنظم للشعب العراقي دون غيره.هل تأثر النظام الليبي بقيادة القذافي من العقوبات الأمريكية على مدى سنوات وسنوات؟ بالطبع لا، فقد ظل القذافي وحكومته تنعم بما لذ وطاب من الملذات، بينما تضرر الشعب كالعادة. وعندما قررت أمريكا وشركاؤها إسقاط النظام، تدخلوا بمئات الطائرات. وهذا يعني أن العقوبات كان لإيذاء الشعب فقط.هل تضرر النظام السوداني من العقوبات الأمريكية على المستوى الرسمي؟ بالطبع لا، لا بل بقي النظام. أما السودانيون كشعب فقد عانوا الأمرين جراء العقوبات على المستوى المعيشي والاقتصادي.هل توقف النظام السوري عن تناول أغلى أنواع الأسماك واللحوم والكافيار على مدى الثمان سنوات الفائتة بسبب العقوبات على نظامه؟ بالطبع لا، لا بل إن الرئيس السوري كان يتفاخر بأنه يمارس حياته الطبيعية، ويستمتع بها على أكمل وجه، بينما كان الشعب السوري يدفع ثلاثة أرباع راتبه على الأكل والشرب بسبب ارتفاع الأسعار وندرة السلع بسبب الحصار على سوريا.هل أسقطت العقوبات النظام الكوبي بقيادة فيديل كاسترو على بعد ضربة حجر من الحدود الأمريكية، أم ظل نظام كاسترو صامداً حتى الآن رغم مئات العقوبات التي لم يتضرر منها سوى الكوبيين كشعب، بينما ظل النظام يتحدى أمريكا ويتبجح بمواجهتها.ما فائدة العقوبات الغربية إذاً على الأنظمة؟ لا شيء أبداً، فلا يتضرر من العقوبات سوى الشعوب والأوطان، بينما يستمر الحكام والحكومات في ممارسة حياتها الاعتيادية وطغيانهم على الناس، وكأن شيئاً لم يحدث. والسؤال الأهم: لماذا تفرض أمريكا عقوبات لعشرات السنوات على بعض الأنظمة، ثم تتدخل عسكرياً بعد طول انتظار لإسقاطها بالقوة؟ ألم يكن من الأفضل أن تفعل ذلك في وقت مبكر كي توفر العذاب والمعاناة على الشعوب إذا كانت فعلاً تريد معاقبة الأنظمة وليس الشعوب، أم إن العقاب الحقيقي ليس للطغاة، بل للشعوب والدول، وأن هؤلاء الطواغيت ما هم سوى أدوات في عملية التدمير الغربي المنظم لبلادنا؟ إذا كانت أمريكا والغرب عموماً جاداً في معاقبة الأنظمة التي يعتبرها مارقة وديكتاتورية، أليس التخلص منها بالقوة واستبدالها بأنظمة ديمقراطية أقل تكلفة بكثير على الشعوب والدول من العقوبات الشاملة التي تدمر حياة الناس والبلدان، بينما يبقى الطواغيت جاثمين على صدور الشعوب، فتصبح الشعوب بين مطرقة عقوبات الخارج وسندان الطغيان الداخلي.هـــل فعلاً تعادي أمريكـا الأنظمــة المستبدة وتعاقبها، أم إنها تستخدمها كأدوات تدمير وابتـــزاز لأوطاننا فقط، ولا تتخلص منها إلا بعد أن تكون قد أدت مهمتها التدميرية والتخريبية على أكمل وجه؟إعلامي ومقدم برنامج الاتجاه المعاكس في قناة الجزيرة

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على