الاعتزال في زمن الضلال..

أكثر من ٥ سنوات فى الشبيبة

لميس ضيفدخل رجل على الحسن البصري فقال: يا أمام الدين لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفرون أصحاب الكبائر والكبيرة عندهم كفر يخرج به عن الملة، وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر والكبيرة عندهم لا تضر مع الإيمان ولا يضر مع الإيمان معصية. فكيف تحكم لنا في ذلك؟فتفكر الحسن في ذلك وقبل أن يجيب قال واصل بن عطاء: "أنا لا أقول إن صاحب الكبيرة مؤمن مطلقا ولا كافر مطلقا بل هو في منزلة بين المنزلتين لا مؤمن ولا كافر"، ثم قام واعتزل إلى اسطوانة من اسطوانات المسجد فقال الحسن اعتزل عنا "واصل" فسمي هو وأصحابه بالمعتزلة. وهم من أنضج الفرق الفلسفية التي ظهرت وتوسعت في فترة الحكم العباسي. كانوا يؤمنون بأن بين "الحق" و"الباطل" طيف من الدرجات. وأن التصنيفات المطلقة لا تناسب المجتمع الإسلامي الذي أنفتح الآن، بسبب الفتوحات وتوسع رقعة الدولة، على عوالم جديدة وثقافات متباينة. كما وآمنوا بالعقل والمنطق وتقديمه على النص. ونفي ما يتعارض منه مع النصوص غير المثبتة. ويرفضون الأحكام المطلقة التي أوجدت الشقاق في الجسد الإسلامي الذي كان منسجما مترابطا حتى حمل كل طرف فيه سكينا وقطع من يخالفه.نعرف أن الحلال بيّن والحرام بيّن ولكن.. هل ينطبق هذا على الحق والباطل أيضاً؟كم لونا يوجد بين الأبيض والأسود؟ وبين الكفر والإيمان. والفجور والصلاح. وكيف نقيم ما يجري أمامنا وكل المعلومات أداة في حرب إعلامية وجزء من مخطط يستهدف غسل أدمغتنا لتستقبل برمجات جديدة تتناغم وتطلعات "المبرمج"! لقد استوعب المعتزلة منذ قرون، وهم الرعيل الأول من المثقفين العرب، أن اعتزال إطلاق الأحكام هو اعتزال للفتنة والاحتراب.يقول د.محمد الجابري في كتابة "المثقفون في الحضارة العربية":لقد فهموا أن الحرب بين الفرقاء ليست حربا "نظيفة"، وليست جهادا في سبيل الله. بل رأوا فيها حربا غير مشروعة تحركها القبيلة من أجل الغنيمة، ويذكيها التطرف في القول والغلو في الدين وتكفير كل طرف للآخر.إن المتغيرات التي تتوالى علينا اليوم. والقضايا التي يختلط فيها الخير بالشر. ويقال فيها الحق بنية الباطل. تلزمنا جميعا بالعودة لفكر المعتزلة. فالبراءة السياسية نزغ من الشيطان. ولا وجود لها إلا في أحلام العوام الذين يعانون من ضبابية الرؤية – لا لقصر نظرهم أو سطحية فكرهم – بل لأنهم يفتقدون للمعلومات الصحيحة والمعطيات الواضحة التي تمكنهم من اتخاذ موقف مصيب أو رفض وضع فاسد اللب.

شارك الخبر على