منطقة محررة بين رؤوساء حكوماتنا ورؤساء حكوماتهم

over 5 years in المدى

 نجم والي
ليس من المبالغة إذا قلت أن اللقاء الذي جمعني مع رئيسة الحكومة الألمانية أنجيلا ميركل يدخل في خانة اللقاءات الاستثنائية التي جمعتني بقائد (ة) دولة. ليس لأن هذه المرأة هي شخصية إستثنائية رسخت نمطاً بالقيادة، ونمطاً ناحجاً حقيقة، سيحسدها عليه العديد من قادة الدول في العالم من أصحاب الشوارب من الرجال والمصلعين معاً، وليس لأنها إمرأة وان إمرأة ما لابد وأن تتصرف في السياسة على غير طريقة تصرف زملائها الرجال، كما تقول الكليشة، بل لأنني تذكرت ومباشرة بعد لقائي بها لقاءً سابقاً جمعني برئيس دولة، لقاء مختلفاً بكل شيء وبكل ما جرى فيه من مفارقات وألاعيب وخديعة وغش.لقائي بالمستشارة الألمانية السيدة أنجيلا ميركل كان هو اللقاء الثاني لي الذي جمعني بقائد دولة.المرة الأولى التي التقيت بها بقائدة دولة حدثت في ديسمبر/كانون الأول عام 2002 عندما كنت في حينه أحد أعضاء وفد الكتّاب الألمان الذي زار العاصمة اليمنية صنعاء، وكان لي الشرف المضاف في ذلك الوقت أن أقوم بدور المترجم الرسمي لصاحب النوبل الألماني غونتر غراس (بعد أن سرح غراس نفسه مترجمه الرسمي للأخطاء التي وقع فيها بالترجمة، وأصر أن أترجم أنا له!) وبين الرئيس اليمني السابق علي عبداللة صالح، وشتان ما بين الإثنين، بين الرجل الذي اطلقوا عليه في زمانه لقب صدام الصغير وبين أنجيلا ميركل التي يلقبونها بقائدة أوروبا!حديثي السلس مع أنجيلا ميركل خلال لقائي الاستثنائي بها، هو مناسبة ملائمة جداً لعقد مقارنة بين حاكم عربي (على عبدالله صالح نموذجاً) لا يفكر إلا بنفسه، قائد أناني يتوقف العالم كله تحت قدميه، لا يفكر أبعد من أرنبة أنفه، أنفه الذي لن يتردد بالنبش به (كما فعل علي عبدالله صالح)، دون مبالاة أن هناك أناس أخرون جالسون، وأن لا من اللياقة بإنسان أن ينبش في أنفه في حضرتهم، فكيف إذا كان رئيس دولة. في ذلك اللقاء وفي كل ما حدث فيه من ملابسات بسبب قضية الروائي اليمني وجدي الأهذل الذي كان محكوماً عليه بالموت بسبب روايته "قوارب جبلية"، والذي شجعت غونتر غراس على طرح قضيته على علي عبداللة صالح، (بعد أن أحضرت له مع صحفيين ألمان في الوفد ملفاً كبيراً عن القضية) في ذلك اللقاء تصرف الرئيس اليمني كما لو كان ملكا أو خليفة عربي قادماً من أزمان غابرة، السلطان يجلس على عرشه، والباقون يأتون للحصول على عطاياه، لم يعرف حتى إذا كان غونتر غراس شاعراً أم روائياً، لم يقرأ حرفاً واحداً له، كل ما أراده من غونتر غراس، هو أن تخدم زيارته للدعاية لليمن في ذلك الوقت الذي توقفت فيه زيارة السواح الاجانب (الألمان خاصة) بسبب حوادث الاختطاف والارهاب، لكي لا أتحدث عن الخديعة التي قام بها علي عبدالله صالح، من ناحية إصدار العفو عن وجدي الأهدل أمام غونتر غراس، ومن ناحية ثانية، فعل كل شيء لكي لا يصل الأهذل في طائرته من دمشق إلى صنعاء، أوقفه بدمشق بحجة تجاوزه المدة القانونية للإقامة، وأن عليه في هذه الحالة دفع غرامة أكثر من ألف دولار، مبلغاً لم يكن في حوزة الروائي الأهذل!لا أظن أن حاكماً عربياً قادراً على التصرف بطريقة أخرى، لا صدام حسين ولا معمر القذافي، لا حسني مبارك ولا علي زين العابدين، ولا الحكام الجدد الذين حلوا في مكانهم في هذه البلدان، ولا قبلهم أو بعدهم حكام الخليج، كلهم بالنسبة لهم الأديب موجود ومهم إذا كان خادماً لهم، أنظروا إلى أيين إنتهى الأدب العربي اليوم، كتّاب بأسماء كبيرة، تحولوا إلى لاعقين جزمات في الخليج، عدد المتملقين والانتهازيين يفوق اليوم عدد قطيع إبل أو خراف، ثم: في بلدان وزراء ثقافتها أميون كيف نطلب من رؤساء حكوماتهم التصرف كمثقفين؟ فهل هناك حاجة الآن لعقد مقارنة بالفعل بين رؤساء حكوماتنا من أبطال الأمة الأشاوس ، لكن المهزومين فعلاً ورغم ذلك تتغنى بهم الجماهير، وبين رؤساء حكوماتهم "الغربيين" الذين إذا ليس كلهم، فعلى الأقل القسم الأعظم منهم ينظر للثقافة وقراءة الكتاب واجباً له يُضاف لمهمته السياسية؟ الجواب أتركه لك أيها القارئ الكريم!

Share it on