بفضل فخامة رئيس الجمهورية لبنان مركز للمنظمة الفراكفونية وسيكون قريبًا مركزًا دوليًّا لحوار الحضارات والأديان (بقلم جورج عبيد)

أكثر من ٥ سنوات فى تيار

بقلم جورج عبيد-
الصديق الحبيب وزير العدل سليم جريصاتي اتصل بي مهلّلاً وفرحًا، "رئيسنا نائب الرئيس الأوّل للقمة الفراكفونية في العالم، ولبنان مركز للمنظة الفراكفونيّة، وسيكون في الوقت عينه مركزًا لحوار الثقافات والحضارات، هل تصدّق يا عزيزي كما كسبنا بحضور فخامة الرئيس ميشال عون القمّة، أليس هذا إنجازًا كبيرًا يجذبنا لمواسم الفرح والنشوة والنصر؟" أجبته وأنا ذواقة لعمق فكره وواسعة ثقافته وحصافة رؤيته منذ زمن بعيد: "يستحقّ لبنان أن يتربّع على عرش الفراكفونيّة، إنها جزء من ثقافتنا وتراثنا، وفخامة الرئيس أعادنا إلى هذا البهاء الذي ألفناه وكنّا روّادًا فيه ومبشرين به ورسلاً لانبثاثه وإشعاعه.
كلام معاليه قادني لأستنبط من التاريخ المعاصر والحديث موقع لبنان من الفراكفونيّة والأنكلوسكسونية في آن. كان لبنان جزءًا لا يتجزّأ منهما عن طريق اللغة واللغة المنسابة بالقلم والقول وجه متكلم ومتحرّك، كما عن طريق المدارس والجامعات، وعن طريق شعراء وأدباء ومسرحيين ومفكرين أضاءوا العالم بما أبدعوا وأنتجوا. فشارل مالك رائد كبير من رواد الأنكلوسكسونيّة، والرئيس شارل حلو رائد كبير من رواد الفراكفونيّة، من دون أن ننسى أنّ ميشال إده، وشارل قرم، وصلاح ستيتيّة وفينوس خوري غاتا، وهيكتور خلاط، وناديا تويني، وأمين معلوف، أندره حايك، وجورج شحاده، وجورج نقاش، ووليد عقل، هم من أدخلوا لبنان بشعرهم وكتاباتهم والمسرح والموسيقى المدى الفراكفونيّ، وجعلوا الفراكفونية جزءًا من تكوينه الثقافيّ والفكريّ والتربويّ مع وجود الرهبنة اليسوعيّة على أرضه والبعثة العلمانية الفرنسيّة، بمدارسها وجامعتها اليسوعيّة العريقة في بيروت. ولا يمكن أيضًا غغفال بأن دستوره الذي كتيه ميشال شيحا سنة 1926 مستوحى من الدستور الفرنسيّ، والاجتهادات الدستوريّة عند إدمون ربّاط وحسن الرفاعي تستنبط حضورها مع مونتسكيو بالدرجة الأولى ومن ثمّ مع فوديل وهوريو ودالّوز. في المقابل، لاننسى بأنّ الانكلوسكسونية بوجود الجامعة الأميركية في بيروت ومدارس ناطقة باللغة الإنكليزيّة كمدرسة برمانا العالية باتت أيضًا جزءًا من تكوينه التراثيّ والثقافيّ. لبنان منعدّد الثقافات، وهنا تكمن أهميته، إذ بهذه التعدديّة أمسى رسالة كونيّة، غير منغلق في قوالب جامدة، من دون أن تفقد التعدديّة لبنان هويته المتأصّلة والمتجذّرة في جوف الأرض والتاريخ. لبنان فريد بتعدديته المبيحة لكل انفتاح حضاري وثقافيّ يغتني به، وقوي بهويته المعبّرة عن سيادته وكرامته، ومشرقيّته وعروبته. فرادة الخصوصية اللبنانيّة تتجلّى بعمق التزاوج بين الانتماء الذاتيّ بلا حروفيات نافرة، والانفتاح على الحضارات والثقافات لكونه متكوّنًا بها وساعيًا ليكون مركزًا لحوارها وتفاعلها وتكاملها.
حفظ فخامة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون هذا الإرث الكبير وحافظ عليه بقوّة كمنطلق تجديديّ لكي يكون لبنان مركزًا دوليًّا لحوار الحضارات والثقافات والأديان. السفير الراحل فؤاد الترك وللأمانة التاريخيّ هو من أطلق هذه الرؤية وناقشها مليًّا مع الراحل الاخر غسان تويني، وكنت أحد الاذين ناقشوا معه أبعادها الخصيبة وما يمكن أن نكسب منها من نتائج تثري لبنان وتطلقه نحو النور، واهتمّ فؤاد رحمه الله ليكوت لبنان بفرادة تكوينه مركزًا دوليًّا لحوار الحضارات والثقافات والأديان. رحل فؤاد صاحب تلك الرؤية وغسان عن دنيانا وبقيت الرؤية راسخة إلى أن تبنّاها فخامة الرئيس العماد ميشال عون وتمسّك بها كمسرى حياة جديدة لوطن جديد يحيا بها وينطلق منها. أهمية ميشال عون أنه بالتماسه لتلك الآفاق فاق رئيسًا فراكفونيًّا كبيرًا كشارل حلو، وتمسّك بثلاثة أمور:
1-أن يكون لبنان مشرقيّ الحضور وعربيّ الانتماء وميثاقيّ الجوهر، وقد أعاد فخامته الاعتبار لتلك المسلّمات المتحرّكة من خلالنا والمتجليّ بميراثنا، ويجهد فخامته ليكون لبنان بالفعل والقول، مركزًا للتلاقي المشرقيّ-العربيّ. "فالعروبة البيضاء" والتسمية للمطران جورج خضر، تولد من تزاوج المسيحيّة المشرقيّة والإسلام القرآنيّ كما صرّح الرئيس الدكتور سليم الحصّ لجريدة السفير مرّة. 2-أن بعترف بلبنان مركزًا دوليًّا كبيرًا لحوار الحضارات والثقافات والأديان. وبالنسبة للرئيس، فإنّ الهوية اللبنانية ومشرقيته وعروبته بالإضافة إلى أنّه جزء أساسيّ من العالمين الفراكفونيّ والأنكلوسكسونيّ، تبيح له أن يكون مركزًا دوليًا لحوار الحضارات، وهذا ما لم يفقهه الأسلاف من قبل ويعملوا له. ميزة ميشال عون المفكر والمثقف والرائيّ، أنّه أدرك استراتيجيًّا أن قوة لبنان ليست بضعفه الهشّ بل بتعدديّته الثقافيّة المتلاقحة بنيويًّا والمتناضحة في الوجود، فهذا ما يجعله قويًّا متينًا، ويقوّي العلاقة تحديدًا بين المسيحيين والمسلمين بحوار فعليّ يكتشف الواحد الآخر من مصادره ويقبل إلى معرفته منها ويقبله بهم كبير أنّ الله لا يتمزّق بصراع الحضارات والأديان بل يتكامل بها، وهذا كاف لمواجهة الآحاديات ومحاول حصر العالم بها وحشر الناس بتوجهاتها، كما يحدث في مواقع كثيرة من العالم.3-أن يكون لبنان مركزًا لمنظمة الدول الفرانكفونيّة. وهذا ما قد حصل عليه بالإضافة إلى انتخاب رئيسه نائبًا أوّلاُ لرئيس القمّة الفراكفونية. للمرّة الأولى يحدث ذلك في تاريخه، وأعطي للبنان بفضل رئيسه ونضاله، وبسبب اندراجه التاريخيّ في العالم الفراكفونيّ. لا ننسى أنّ لبنان خلال عهد الرئيس السابق العماد إميل لحود، وكان غسان سلامة وزيرًا للثقافة استضاف القمّة الفراكفونيّة المنعقدة في بيروت من 18 إلى 22 تشرين الأول من سنة 2002، وقد تبنّن أوراقًا عدّة واحدة للدكتور زهيد درويش جبور وأخرى لي وهي كناية عن محاضرة ألقيتها فيما سمي Lundi Fransiscaine وكانت بعنوان لبنان وحوار الحضارات رددت فيها على أطروحتي صموييل هانتنغتون وفرانسيس فوكوياما القائلتين يصدام الحضارات وظهور النظام الجديد، وموت التاريخ كحتميّ تبيح النظام الجديد. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ لبنان بات بفضل رئيسه وعماده ميشال عون مركزًا للمنظمة الفرانكفونية، وسيكون مركزًا دوليًّا لحوار الحضارات والأديان.
وفي الختام لقد أكّد فخامة الرئيس في القمّة الرفاكفونيّة والإتجازات التي حقّقها وهي قيد التحقيق، بأن للبنان دعوة أرقى بكثير من الرقص الأعمى في حلبة صراع المصالح والأحجام. يستحقّ للبنان بما يحويه من مضامين حضارية وثقافية راقية، وما يوجد في باطن أرضه من ثروات نفطيّة تعود بالفائدة عليه، أن تكون له حكومة منتجة ومتفاعلة وليست متناحرة ومتمزّقة. لم يعد التأليف هامًّا بل الأهم أن يتضمّن بيان الحكومة المقبلة مسلّمات سياسية تحافظ على توازنه السياسيّ، ومسلّمات حضاريّة تجعله مركزًا لحوار الحضارات والثقافات وللتلاقي بين هويتنا الجذوريّة والعالمين الفراكفونيّ والأنكلوسكسونيّ، فيبقى لبنان رسالة خير وحق وجمال للإنسانية جمعاء.
فخامة الرئيس ليس هذا حلمًا تلك هي الحقيقة وقد جسدت جزءًا كبيرًا منها والبقيّة آتية لا محال.
 

شارك الخبر على