المطران بولس مطر في وداع والد المطران بول مروان تابت الصمت الذي لجأ اليه في سنواته الأخيرة فلقد كان من اجل محاكاة الله وشكره الدائم له والامتثال أمام حضرته الإلهية

أكثر من ٥ سنوات فى تيار

ترأس راعي أبرشيّة بيروت المارونيّة المطران بولس مطر ممثلّا البطريرك الماروني نيافة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي صلاة الجناز لراحة نفس المرحوم الياس تابت والد راعي أبرشيّة كندا للموارنة المطران بول- مروان تابت، في كنيسة القديسة ريتا في سن الفيل، والتي شارك فيها لفيف من المطارنة والكهنة والرهبان والراهبات وشخصيات سياسيّة وحزبيّة وعسكريّة واجتماعيّة وآكاديميّة. وبعد الإنجيل المقدس ألقى المطران مطر كلمة جاء فيها:
 
 
 
أيها الأحباء،
 
أولاني صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بطريرك إنطاكية وسائر المشرق الكلي الطوبى شرف تمثيله في هذه الصلاة التي نقيمها وإياكم في وداع عزيزنا المرحوم الياس، والد سيادة أخينا المطران مروان تابت راعي الأبرشية المارونية في كندا السامي الاحترام. وقد كلفني أن أنقل اليكم جميعًا وبخاصة الى عائلة الفقيد وذويه الأحباء تعزياته القلبية وبركاته الأبوية، ومشاركته معهم في الصلاة لراحة نفسه في الأخدار السماوية.
 
        وإننا  لنحيط اليوم جميعنا سيادة أخينا المطران مروان بمحبتنا له، مقدمين معه الصلوات لراحة نفس المرحوم والده ومعربين له عن تقديرنا الكبير للتضحية التي يقدمها في المناسبة، بعدم مجيئه الى لبنان ليلقي على والده نظرة الوداع الأخير، وذلك كي يبقى الى جانب غبطته في دار المطرانية في كندا حيث يرئس الاجتماع الدوري لأساقفتنا الموارنة المتواجدين في دنيا الانتشار، من استراليا الى الأميركتَين والى اوروبا وأفريقيا. وهو لقاء يعقد كل سنتَين، وقد تقرر أن يعقد لهذا العام في كندا بالذات وبضيافة سيادة أخينا المطران مروان، رجل الواجب بامتياز حتى في أقسى الظروف العائلية كمثل  هذا الظرف الذي يمرُّ به اليوم. وإننا لنخاطبه من هذه الكنيسة وأمام نعش المرحوم والده العزيز لنقول له بكل صدق ومحبة: نحن هنا أخوتك ومع والدتك الثكلى وشقيقَيكَ الحبيبَين نؤلف وإياك عائلة واحدة بالرب يسوع المسيح له المجد الى الأبد.
 
لقد ولد المرحوم الياس في بلدة بحمدون العزيزة التي كانت قبل الأحداث الأليمة التي عصفت بلبنان «بيروت الثانية» صيفًا وأم المصايف اللبنانية التي فتحت أبوابها للضيوف زايريها مقدمة لهم ما تقدمه لأهلها من طقس جميل ونسيم عليل. وقد عرفت منذ أكثر من مئة عام بمن قدمت للوطن والكنيسة من رجال كبار وخدام لهما صالحين. فمن هذه البلدة وهذه العائلة برز على ساحة الوطن رئيس للجمهورية هو المرحوم ايوب تابت الذي عرف بأخلاقه العالية وبنزاهةٍ في التعامل بلغت معه حدها الأقصى. ومن هذه البلدة ومن هذه العائلة كان البيت المعروف في زمن الحرب العالمية الأولى وهو اليوم بيت سعادة السفير جوي تابت، الذي استقبل غبطة البطريرك الياس الحويك على مدى ثلاثة ايام كانت كافية بالاتصالات التي أجريت في خلالها ليعود غبطته مكرمًا الى بكركي بدل أن ينقل عنوة الى المنفى من قبل السلطة العثمانية التي مات في آخر سنوات حكمها للبنان ثلث شعبه جوعًا بعد أن وقع على قرون أربعة سابقة ضحية لمظالمها واستبدادها.
 
وقد اقترن المرحوم الياس بزوجة صالحة تضاهيه تُقًى ومحبة لله وانفتاحًا على الناس. ورزقا معًا في العائلة ثلاثة شبان محبوبين من الله والناس هم إبراهيم ومارون ومروان الذي دعاه الرب الى خدمته في الكهنوت وفي الأسقفية الجليلين. وقد ربياهم جميعًا التربية الصالحة وزرعا في قلب كل منهم خشية الله ومحبة الناس، وأمَّنا لهم العلوم العالية في المدارس والجامعات، ليشق كل منهم طريقه في الحياة ويصيروا في المجتمعات التي سيندمجون فيها نسمات خير ورجال بناء صالحين.
  
وكان للأبناء الأعزاء أن يتطلع كل منهم إلى آفاق جديدة، بعد أن أصاب التهجير بلدة بحمدون وسائر بلدات الجبل، مما اضطر العائلة إلى أن تغادر الدار والأرض ومرابع الأحلام. لكن الله بقدرته ومحبته الوافرة قد حلَّ بنعمته على الوالد والوالدة العزيزين فأسَّسا لهما وللعائلة انطلاقة جديدة في المناطق الآمنة من الوطن وباركا مقاصد الأولاد عندما انتقل كبيرهم ابراهيم الى الولايات المتحدة الأميركية وأوسطهم مارون الى ألمانيا، والأصغر من بينهم سيادة أخينا مروان ملبيًا دعوة الرب له في صفوف جمعية الآباء المرسلين في غسطا وجونيه، ليصبح كاهن الرب، وليقع عليه الاختيار بالروح القدس من قبل سينودس كنيستنا المارونية المقدس أسقفًا وراعيًا للموارنة في بلاد كندا الرحبة في وسعها كما في ضيافتها. وقد قيض لي أن اتعرف على سيادته طالبًا في جامعة الروح القدس – الكسليك وبرفقته أخ له هو سيادة أخينا المطران عبدالله زيدان وكانا من ألمع الطلاب ومن أغناهم وعودًا للخدمة السامية التي دُعيا لاحقًا اليها. كما عرفت سيادته مرسلاً غيورًا في بلاد أفريقيا الجنوبية حيث ساهم بإنشاء الكنائس الجديدة، ووَضَع في الجالية روحًا عالية من المحبة لوطنهم ومن الالتزام بالبلاد التي استضافتهم. وهو اليوم راعٍ لأبرشية من أكبر أبرشياتنا المارونية في العالم ينظم صفوفها ويلم شملها في تلك الأطراف الواسعة التي استوطنها أبناؤها. فاذا به يقوم بمهماته خير قيام ويقود الجماعة بحكمة ومحبة، عرفناها فيه منذ أن كان مسؤولاً عن الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية في لبنان.
 
       
كل هذه النعم التي سكبها الله على عزيزنا الياس الراحل، كانت على الدوام تلاقي عنده الشكر المستمر لربه الذي عوض عليه بعد آلام تهجيره مع زوجته الصالحة بالمراتب العليا لأولاده كما لأحفاده الذين أصابوا كلهم نجاحًا مميزًا سواء في أميركا حيث طلع من بينهم أطباء مشهورون أمْ في ألمانيا حيث دخل أحدهم في جيش تلك البلاد وانضوت شقيقة له في رسالة التربية والتعليم. إلا أن عزاءه الأكبر كان في ابنه المطران الذي صرف آخر سنوات عمره يصلي من أجله ويضرع الى الله ليكون موفقًا في رسالته الأسقفية وفي رعايته لأبناء أبرشيته بما يحسن أمام عينَي الرب ويُكسب له ولعائلته في لبنان والمهجر أنعامه ورضاه.
 
       
أما الصمت الذي لجأ اليه المرحوم الياس في سنواته الأخيرة والى جانبه شريكة حياته السيدة وداد فلقد كان من اجل محاكاة الله وشكره الدائم له والامتثال أمام حضرته الالهية على رجاء الغفوة بين يديه عن هذا العالم الزائل إيذانًا بوصوله الى العالم الذي لا يزول، حيث تحسن السكنى الى جوار الرب في بيت لم تصنعه أيدي بشر. فكانت له هذه الصلاة التي طالما رددها في سره وفي العلن ومن دون انقطاع، عبر أربع كلمات ينادي بها ربه قائلاً: «مع آلامك يا يسوع».
 
       
ومن حيث أننا مدعوون جميعًا لأن نكون شركاء في مجد المسيح بعد أن نكون شاركنا بآلامه، فإن رجاءنا وطيدً بأن المرحوم الياس سيدخل اليوم الى هذا المجد مصحوبًا بدعاء زوجته وأولاده وبخاصة ابنه المطران الحبيب مروان، فنقدم اليهم جميعًا باسم غبطته وباسم الأساقفة أخواننا وأخوته، أطيب مشاعر المحبة والمواساة راجين للمرحوم الياس إكليل مجد يعده الله لأصفيائه، مع الراحة الكبرى في دار النعيم، ولزوجته الفاضلة مع كل أفراد العائلة في الوطن والمهجر بلسم الصبر والعزاء.
 
       
وليرحمه الله برحمته الواسعة ولتبقوا مشمولين جميعًا بفيض من نعم الله وبركاته. آمين

شارك الخبر على