مآس في حياة فايزة أحمد.. عداوة حليم ووردة ومعاناة مع السرطان

أكثر من ٥ سنوات فى التحرير

على مقربة من البحر، في حارة الجامع العمري الكبير في صيدا اللبنانية، ولدت فايزة أحمد الرواس، في 5 ديسمبر 1934، لعائلة تنتمي إلى الطبقة الوسطى، وبعد طلاق والديها تزوجت أمها من السوري أحمد بيكو، وعاشت في حلب مع والدتها، ومن هناك ينطلق صوتها عبر موجات الأثير، لتنتقل إلى عاصمة الفن العربية القاهرة، وسرعان ما تصبح إحدى نجمات الطرب الكبار في الوطن العربي، وتُلقب بـ"كروان الشرق" بأغان لا زال صداها قائما، ومنها "ست الحبايب"، "يامة القمر على الباب"، "حمال الأسية"، "تمر حنة"، و"أنا قلبي إليك ميال"، وغيرها.

وكما أن صوتها الدافئ كان بطلًا دائما لقصص الحب والفراق من خلال مئات الأغنيات، كانت حياتها أيضًا مليئة بالقصص الدرامية والأزمات، ومنها:-

فشل في الموطن

تقدّمت إلى الإذاعة اللبنانية ففشلت، ثم وقفت أمام لجنة لاختيار المطربين في دمشق لكنها لم توفق، سافرت بعدها إلى حلب وتقدمت لإذاعة حلب ونجحت وغنّت وذاع صيتها، فطلبتها إذاعة دمشق، وعادت لتكمل مسيرة نجاحها، وتدربت على يد الملحن محمد النعامي، واعتمدت مطربة في إذاعة دمشق، ويقول عدنان الرواس، ابن شقيقها، إنها "في لبنان فشلت، أو بالأحرى سقّطوها، وقالت لي بإن في إذاعة لبنان شلّة ممنوع أن يخترقها أحد غير فيروز وبعض الأخريات الثانويات، وفي حلب نجحت في النوادي والكازينوهات، وبعد فترة أعجب بصوتها الملحن السوري محمد محسن وقدّمها إلى الإذاعة السورية ونجحت، وفي دمشق تزوجت من عمر نعامي، ومنها إلى الإسكندرية، حيث أحيّت حفلة على الهواء لمناسبة تأسيس الجامعة العربية، ومن هناك انطلقت في مصر"، حسب أرشيف الموسيقى العربية.

"صوت فايزة أحمد مثل الألماس غير قابل للكسر".. عبد الوهاب

عداوة حليم ووردة

يقول ابن شقيقها، إن عبد الحليم حافظ، أول من حاربها في الوسط الفني، ثم وردة الجزائرية، ففي إحدى الحفلات التي كان يقيمها الملك الحسن الثاني في المغرب في عيد تولي العرش، ويدعو الكثير من الفنانين لإحيائها، طالب حليم باستثناء فايزة من الحفل، وفي حفل مشترك في القاهرة قطع عنها التيار الكهربائي، لكنها رغم ذلك استمرت وكان صوتها القوي يعلو في الصالة، وبقيت فترة طويلة لا تغني في حفلة فيها حليم، وهو أيضًا كان يرفض أي حفلة تُغني فيها، إلا أن فايزة كانت لديها طيبة غير عادية، ورغم معرفتها بغيرة وردة منها، إلا أنها في إحدى المرات التقتها في الشيراتون في حفل رأس السنة الذي كان يضم فنانين كثرًا من لبنان ومصر، وجلست معها إلى طاولة واحدة، وفي اليوم التالي أصرّت فايزة على تكريم وردة وعزمتها على حفلة في مناسبة عيد ميلادها في أول السنة الجديدة.

احتكار صوتها

حين تعرف عليها الموسيقار محمد سلطان، في بيت فريد الأطرش، أوائل الستينيات، وجدها تعتزم الرحيل عن مصر، وكانت تعاني من انصراف الملحنين كل واحد إلى صوت معين، فعبد الوهاب لا يُلحن إلا لنجاة الصغيرة، وأم كلثوم، ومحمد الموجي وكمال الطويل يحتكران صوت عبد الحليم حافظ، ولم تجد نفسها وصوتها مع ملحن يستطيع أن يعبر عنه، ولكن سلطان أقنعها بالبقاء فوافقت، وعندما سمعت ألحانه أُعجبت بها ثم غنتها، وتزوجا، وتعاقبت ألحانه لها، ويقول عن احتكاره لصوتها: "كان نجاح ألحاني لها هو سر ارتباطنا الفني الدائم، وليس معنى ذلك أنني احتكرت صوتها، والدليل أنها غنّت من ألحان عبد الوهاب والموجي وبليغ حمدي وسيد مكاوي وغيرهم".

حينما سبها عبد الوهاب

رغم الألحان التي قدّمها لها، إلا أن فايزة كانت تصرح باضطهاد الموسيقار محمد عبد الوهاب لها منذ بداياتها الفنية، حيث صرحت في حوار تليفزيوني نادر لبرنامج "نجوم على الأرض" أن موسيقار الأجيال تجنب التحلين لها لفترات طويلة، واقتصر على التلحين لنجاة الصغيرة، والسيدة أم كلثوم، ما دفع فايزة أحمد إلى اللجوء لمحمد سلطان، وذات مرة أثناء تسجيل "وقدرت تهجر" من كلمات حسين السيد، وبحضور عبد الوهاب في الاستوديو، حدث ما لم يتوقعه أعضاء فرقة الدكتور سامي نصير، ويروي الملحن عمار الشريعي هذا الموقف الذي شهده حينما كان عازفًا لـ "الأورج" في الفرقة، حينها، فقال: "عملنا 35 يوم بروفات على الأغنية دي، وجه يوم التسجيل، وعزفنا المقدمة الموسيقية، وطبعا لا مجال للخطأ لأن الوقت ده مكنش فيه التراكات زي دلوقتي، ودخلت مدام فايزة بصوتها وقالت (وقُدرت تهجر)، بدل (وقِدرت تهجر) بسبب لهجتها السورية، فلاحظ عبد الوهاب، وقال لها: (فيوزة، وقِدرت يا حبيبتي)، لترد عليه: (آسفة يا أستاذ)، تكرر خطأ فايزة خمس مرات، وفي كل مرة يتحدث لها عبد الوهاب، وفي المرة السادسة سبها عبد الوهاب بلفظ خارج، أول مرة وآخر مرة سمعنا فيها عبد الوهاب بيشتم، وتم إلغاء التسجيل يومها، وذهبت المطربة لتسجيلها مع الفرقة الماسية بعد أن تصالحت معها، وذهب جهد بروفات 35 يومًا هباءً".

النحافة وكرهها التمثيل

كانت لها مشاركات ملفتة في ستة أفلام هي: "تمر حنة" (1957)، "امسك حرامي" (1958)، "المليونير الفقير" (1959)، "ليلى بنت الشاطئ" (1959)، "عريس مراتي" (1959)،  وكان أنجح حضور سينمائي لها في فيلم "أنا وبناتي" (1961)، أما آخر أفلامها فكان "منتهى الفرح" (1963)، ويسجل لها في المسرح قيامها بدور البطولة في أوبريت "مصر بلدنا" على مسرح البالون، ويقول ابن شقيقها، إنها "كانت تكره التمثيل، بل كانت تكره نفسها ولا تحب رؤية الأفلام التي تُعرض لها، خاصةً أنها كانت تشكو من نحافة زائدة، 40 كيلو جرامًا فقط في تلك الفترة، حتى أنها كانت تلف القماش على خصرها لتبدو أكثر وزنًا مما هي عليه".

الحب والطلاق والمرض

تعددت زيجات فايزة، إلا أن الوحيد الذي أحبته فايزة وأحبها وعاشا معًا فترة طويلة قاربت السبعة عشر عامًا هو محمد سلطان، قبل أن يتسلل ضابط المرور عادل عبد الرحمن إلى حياة الأسرة ويدمرها، لتنفصل عن زوجها في 22 مايو 1981، وتتزوج عبد الرحمن، الذي كان يصغرها بعشر سنوات، وبمرور الوقت اعتاد ضربها وإهانتها، وفي إحدى المرات كاد يُلقيها من الدور السابع لولا تدخل حماتها، وبالطبع انتهى ذلك بالطلاق مقابل منحه 35 ألف جنيه وسيارة مرسيدس حتى يوافق على منحها حريتها، قبل أن تعود إلى عصمة سلطان بعد معاناتها مع السرطان بعد إجرائها عملية تجميل لتكبير الخدود، وقبل رحيلها بشهر واحد تحقيقًا لآخر أمنياتها.

يقول ابن شقيقها: "أذكر أنها حين أحست بالمرض قالت لوالدتي، إنها تحس بشيء في صدرها، فحثتها والدتي على إجراء فحص عند الدكتور، لكنها كانت تخاف، وحتى آخر لحظة قبل وفاتها لم تكن تؤمن إنها ستموت، كانت تجلس على البحر، تُغطي جسدها بالرمل الساخن، وتعرض جسدها للشمس لعل الأشعة تشفي مرض الروماتيزم الذي اعتقدته لديها، حين كانت تسمع بأن أحد مريض بالسرطان الذي توفيت به، كانت تقفز فزعة وتقول، مع إشارة بيدها: يا لطيف.. كشّ برّه وبعيد.. ما حدا يجيب سيرة".

خلاف الأبناء على الميراث

نُشرت تقارير تُفيد بأن هناك خلافًا بين أبنائها الأربعة على ميراثها وحجم ثروتها الحقيقي، إلا أن سلطان نفى مؤخرًا ذلك، وقال: "فايزة تزوجت في بداية حياتها من ضابط في الجيش السوري وأنجبت منه (تاني وأكرم) واشترت لكل منهما شقة في لبنان، وعندما تزوجتها رزقنا الله بولدين  توأم هما (طارق وعمرو)، ويعملان في الطب بفرنسا، والحديث عن خلاف الأبناء الأربعة حول ما تركته فايزة من أموال وعقارات ليس صحيحًا ولا يمت للواقع بصلة، أنا شخصيًا لم أرث عنها أي شيء، كان رصيدها في البنك صغيرا جدًا ولا يليق بحجم فنانة ملأت الدنيا وشغلت الناس".

ظلت فايزة، هكذا تعاني وتكتب مزيدًا من القصص الدرامية، حتى إن آخر أغنياتها "لا يروح قلبي" مات رياض السنباطي قبل أن يُكمل ألحانها، ومات حسين السيد قبل أن تُسجلها، وبعدما قدّمتها بعد معاناة ورحلة علاج إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تدهورت صحتها ودخلت على إثرها العناية المركزة بمستشفى القوات المسلحة بالمعادي إلى أن رحلت هي الأخرى عن عالمنا في 21 سبتمبر 1983، تاركةً من خلفها إرثًا فنيًا كبيرًا.

شارك الخبر على