«دعوة الأزهري لزيارة الأقصى».. إحراج للطيب أم تغيير لموقف الدولة؟

أكثر من ٥ سنوات فى التحرير

من جديد تعود قضية زيارة المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين، إلى ساحة الجدل ما بين القبول والرفض، خاصة بعدما وجه الدكتور أسامة الأزهري، مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية، وكيل لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب، الدعوة لإعادة النظر في الزيارة الرشيدة إلى المسجد الأقصى، وذلك بألا تكون عبر تل أبيب أو استخدام مقار إقامتهم، وإنما يتم بالنزول في بيوت الفلسطينيين وتناول الأطعمة الفلسطينية، مما ينعش حركة التجارة الفلسطينية، مطالبًا فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر، والرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، بالتضامن مع هذه القضية.

الأزهر يلتزم الصمت

دعوة الأزهري، التي جاءت خلال جلسة محاربة أفكار التطرّف من خلال التعليم والثقافة وسيادة القانون، ضمن فعاليات ندوة الاتحاد البرلمانى العربى حول الوضع العربى الراهن، أثارت العديد من ردود الأفعال ما بين مؤيد ومعارض لقيام شيخ الأزهر بزيارة الأقصى، غير أن مشيخة الأزهر الشريف، تلقت الدعوة، بالتجاهل التام، حيث التزمت المشيخة الصمت وفضلت عدم التعليق على الدعوة لا من قريب ولا من بعيد.

وكشفت مصادر بالمشيخة أسباب التجاهل، مؤكدين أن السبب الرئيسي في تجاهل الأزهر دعوة الدكتور أسامة الأزهري، تكمن في أن المشيخة رأت بالدعوة تربصا بشيخ الأزهر، ومحاولة إحراجه أمام الرأي العام، بمعنى أنه إذا قبل الدعوة وسافر يكون من أنصار التطبيع مع تل أبيب، وإذا رفض بشكل معلن يفهم لدى البعض أنه تخلى عن القضية الفلسطينية.

على جمعة كلمة السر

أضافت المصادر، التى فضلت عدم ذكر أسمائها لـ"التحرير"، أن الأزهري، يعد تلميذا للدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق، والذي سبق أن زار القدس خلال الأعوام الماضية، الأمر الذي يجعل من الدعوة محل شك وريبة لدى الأزهر، خاصة أن هناك خلافا بين الطيب وجمعة حول بعض القضايا الفقهية.

وأوضحت المصادر، أن هناك خلافا قديما بين الأزهري ومؤسسة الأزهر الشريف، الأمر الذى يجعل أى أطروحات من قبل الأول، تكون فى معزل وبعيدة كل البعد عن دوائر التفكير وصنع القرار بالأزهر الشريف.

شواهد للخلاف بين الإمام والمستشار

سجل الدكتور أسامة الأزهري، العديد من وقائع الخلاف مع مشيخة الأزهر الشريف، ومواقف الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، فى بعض المسائل والقضايا الشائكة، خلال الفترة الماضية، الأمر الذى ظهر جليا فيما أثارته قضیة "الطلاق" الذي دعا الرئيس عبد الفتاح السیسي، إلى إلغائه شفویًّا، مما سماه البعض "خلافًا" بین الأزھر والرئاسة، فدخل "الأزھري" على خط الأزمة، ما قاد البعض إلى اتهامه بأنه يؤجج الخلاف عمدا بين الطرفين لمصالح شخصية.

ففي احتفالیة عید الشرطة، ینایر قبل الماضي، تحدث الرئیس أمام كبرى العمائم الأزھریة عن "الطلاق الشفوي"، ویومھا طالب بتوثیق الطلاق، ما یعني عدم جوازه "بالنطق"، وهو توجه أحدث جدلا واسعا بین القطاعات الدینیة، فخرج الأزھري، مھاجما الطیب، وكتب مقالا بعنوان: "أمر یدع اللبیب حائرا"، وفیه قال: "الوطن یستنجد بالأزھر، ویلح علیه، ویطالبه، ویلمح ویصرح، ویستنھض ویشیر، ویتألم ویستغیث، ویبقى الأزھر عند مستوى واحد من تسییر أموره وقوافله وجولاته وأجنحته في معرض الكتاب، دون القفز إلى مستوى الحساسیة والجد والخطر الذي یحیط بالوطن"، متسائلا: "ما الذى تریده حتى تنھض؟ ونحن جمیعا مسخرون لخدمتك".

وفى رسالة سماها: "یا أیھا المزایدون"، رد شيخ الأزهر الشريف، على الأزھري، قائلا: "كنا نتمنى من بعض المنتسبین للأزھر ألا یقحموا أنفسھم في القضایا الفقھیة الشائكة، وأن یتركوا للمجامع والھیئات المتخصصة في الأزھر الشریف، بیان الحكم الشرعي في قضیة الطلاق الشفھي، ولدینا وثائق علمیة حتى لا یزاید علینا في الصحف ولا في القنوات".

التطبيع ليس مبررًا شرعيًا

يقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن الموقف الإيجابي والعملي والموضوعى لحماية القدس، يتبلور فى الذهاب إلى القدس ورحاب المسجد الأقصى المبارك، وأنه آن الأوان للتحرك الفعلي لحماية القدس والأقصى، وذلك بالزيارة التى يصاحبها انتعاش للاقتصاد الفلسطينى وإثبات قدرة المسلمين على الوجود على أرض المعركة.

وتابع كريمة، بأن "التعلل بأن زيارة القدس تعد تطبيعا للعلاقات مع تل أبيب، أمر ليس صحيحا على الإطلاق، سواء شرعا أو سياسة، وأن هناك أصواتا تنادى بذلك من باب غسيل الأيدي من المسئولية تجاه الأقصى، وأن زيارة الأقصى والقدس واجب دينى وشرعى، ولا حرج فى ذلك، إعمالا لقول الله تعالى في سورة الإسراء: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، فالنبي أسرى به من مكة، وهى كانت تحت ولاية قريش الوثنية، وعرج به من القدس، وكانت تحت الولاية البيزنطية، فكلتاهما كانت تحت ولاية غير إسلامية، ومع ذلك قام النبي عليه السلام برحلة الإسراء والمعراج، أى أن وجود الأقصى تحت يد قوات الاحتلال ليس مبررا شرعيا لعدم زيارته".

الزيارة فرض عين

طالب السفير بركات الفرا، السفير السابق لفلسطين بالقاهرة، المعارضين لزيارة الأقصي، بضرورة إعادة النظر فى تلك الرؤية، مؤكدا أن زيارة القدس والمقدسات الإسلامية كالأقصى والمسيحية ككنيسة القيامة، ليست تطبيعا مع الكيان الصهيونى، قائلا: "بل كما يقال زيارتك للسجين ليست رضا للسجان".

وأكد الفرا، لـ"التحرير"، أن ممارسات تهويد القدس والقضاء على عروبتها، باتت واضحة للجميع وعلى مرأى ومسمع من الجميع، ولعل القرار الأخير الظالم للرئيس الأمريكى بتنقل السفارة، خير شاهد على تهويد عروبة القدس، وبالتالى لا يليق أن يكون هناك خلاف على زيارة الأقصى، مشددا على أن الدفاع عن القدس والمقدسات ليست مسئولية الفلسطينيين بحسب، بل واجب وفرض على كل المسلمين والمسيحيين.

وتابع: "للأسف هذا الموضوع نال جدلا ونقاشا طويلا جدا، الزيارة تطبيع مع إسرائيل أو دعم للقضية الفلسطينية، فزيارة الأقصى ستزيد من خدمة القضية الفلسطينية، وتنعش الحركة الاقتصادية بالقدس، خصوصًا أن الوضع الاقتصادي بات يعانى ويتدهور وبشدة".

ووجه الفرا برسالة للمعارضين لزيارة الأقصى، قائلا: "لكل من يرى زيارة الأقصى فى الوقت الراهن تطبيع، عليك أن تحتفظ برؤيتك لنفسك، ولا تحكم على من يرغب فى زيارة الأقصى أنه يريد التطبيع، بل هو من يحاول أن يقدم الدعم الحقيقي للأقصي، بتواجده فى ساحة المعركة".

الطيب يرفض الزيارة

سجل الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، موقفا ثابتا، لم يتغير مع وتيرة الأحداث التى تلتهب بالقدس من حين لآخر، حيث أعلن الإمام الأكبر فى وقت سابق، تعالت فيه الأصوات تطالب الأزهر بزيارة الأقصى، قائلا: "إن زيارة المسلمين والمسيحيين للقدس بتأشيرة إسرائيلية مرفوض جملة وتفصيلا، وأن المسلمين لن يزوروا القدس إلا تحت العلم الفلسطيني، وبخلاف ذلك فلن تتم أي زيارات للأقصى رغم شوق مليار ونصف المليار مسلم لتلك الزيارة، لكن زيارتها وهي تحت العلم الصهيوني تعني أن العرب والمسلمين سلموا بالأمر الواقع".

شارك الخبر على