سعد الحريري رأس حربة لرهانات عبثيّة بوجه العهد (بقلم جورج عبيد)

أكثر من ٥ سنوات فى تيار

بقلم جورج عبيد -
 من زار مؤخّرًا فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وجد لديه الصلابة والعزم في إنهاء الملفّ الحكوميّ وفقًا- وكما قال لزائريه- لمعيار واحدة متكئ ومستند على نتائج الانتخابات الأخيرة. فخامة الرئيس أعلن موقفه قبل ساعة من تقديم الرئيس المكلّف سعد الحريري مسودّة التشكيلة الحكومية الخالية من الأسماء وفيها تحديد للوزارات التي ستتسلمها الأطراف المعنيّة. كان الرئيس يستقرئ النتيجة قبل الحصول عليها، ومن بعد ما تسلّم المسودّة صدر بيان الدائرة الإعلامية لرئاسة الجمهورية مؤكّدًا بأنّ مسودة التشكيلة الحكومية لم يعتمد فيها ايّ معيار منهجيّ ولم تستند البتّة إلى نتائج الانتخابات الأخيرة.
أوساط متابعة اعتبرت بأنّ مسودة الحريري مجرّد مناورة أو طبخة بحص، شاء دولته من خلالها ان يستهلك الوقت الضائع باتجاه وكما قال بيان كتلة لبنان القويّ من أجل رفع العتب، فيما بات واضحًا بأنّ الحريري لا ينطلق في عملية التأليف من المحتوى اللبنانيّ الميثاقيّ الذي كان عليه لبنان خلال بزوغ فجر التسوية قبل انتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية وبعده، ومن بنودها تكليف سعد الحريري بتأليف الحكومة الأولى للعهد. لم ينفصل فخامته عن المحطّة الأولى بدليل أنه برز متشدّدًا في ضرورة إعادة تكليف سعد الحريري لتأليف الحكومة الثانية في العهد وهي حكومة ما بعد الانتخابات، وكالعادة منح النواب أصواتهم لصالح الرئيس سعد الحريري.
تظهر الوقائع بكلّ تفاصيلها وحيثيّاتها بأنّ رئيس الجمهورية تعامل مع رئيس الحكومة المكلّف بكلّ وفاء وحرص على استكمال المسيرة معًا. وانطلق حرصه من أنّ الرئيس الحريري سيستند بالكليّة على البعد الاستراتيجيّ المكنون فيه (أي الرئيس) تجاه لبنان وتجاه الخارج. وقد خبر الحريري ذلك البعد الخلاّق عند فخامته منذ أن استدعي مكرهًا من المسؤولين السعوديين فذاق مرارة الإذلال والقهر نتيجة دسائس خبيثة ووشايات خسيسة. وعند تحرّره كان لا بدّ من أن يفهم بأنّ الدور الخلاّق للرئيس أعاد الاعتبار للكرامة الوطنيّة وحصد إجماع اللبنانيين من كلّ الطوائف والمذاهب والنحل والأحزاب للتعاطف معه، عسى أن يكون رئيس حكومة لجمهورية يترأسها رئيس قويّ وقدير ووفيّ.
لكن ما زيّن حتى الآن مجاف لفهم كان متوقّعًا في سياق العلاقة الطيبة والممتازة الجامعة ما بين التيار الوطنيّ الحرّ وتيار المستقبل، إلى أن تمّت وبقرار سعوديّ إزاحة نادر الحريري الشخصية الذكية والمعتدلة والعاملة على ترسيخ الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله من جهة والتيارين البرتقالي والأزرق من جهة ثانية، وهو الصديق الأقرب إلى الوزير جبران باسيل. وبنتيجة ذلك، فإنّ الرئيس الحريري ومع الانتخابات النيابية وبتحالفاتها، أخلى ذاته من السطوع الوطنيّ وجوّف كيانه من الامتداد السياسيّ الرصين، وراح يتحالف مع من وشوا به وحرّضوا السعوديين عليه، ورموه في الأسر، مذعنًا في كلّ ذلك للشروط السعوديّة من دون أن يسنقبله ايّ مسؤول فيها. "فما هكذا تورد الإبل يا سعد". لقد سقط من قممنا الشمّاء إلى عبثيّة الصحراء، وبدلاً من التصرّف كرجل دولة راح يتصرّف كفريق يضع النقاط على الحروف، مستثيرًا الخطاب الطائفيّ النافر بفم فاغر وخطاب فاجر تقوده شخصيات التبس دورها غير مرّة خلال مراحل ما بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري رحمه الله، تحت ستار التعدّي على صلاحية رئاسة الحكومة ومخالفة اتفاق الطائف، فجعل نفسه مساويًا لفرقاء استلبوا لبنان من ذاتيته إلى ذاتيات أخرى مكابرة ومتشامخة ضمن فراغ قاتل، وجلس مع أقرانه على طاولة عرجاء عليها أوراق سوداء، بأغلفة صفراء، ونسي أنّ له طرحًا قديمًا وهو :لبنان أوّلاً، كان يراد منه أن يكون متراسًا يتلطّى به للانقضاض في لحظة الصفر على سوريا وجعل لبنان ممرًّا للمؤامرات عليها.
لقد كان واضحًا بأنّ فخامة الرئيس سيرفض مسودة التأليف من دون إغلاق باب التشاور مع رئيس الحكومة المكلّف حفاظًا على ما تبقّى من تواصل وتواد. لكنّ القضيّة ليست محصورة ومكنونة فيما سمي اصطلاحًا على المستوى الداخليّ بصراع الأحجام، وقد تمّ الإيضاح غير مرّة بأنّ صراع الأحجام بات جزءًا من صراع مفاهيم استراتيجيّة مرتبطة برهانات لم يدمن عليها رئيس الجمهوريّة، بل أدمن عليها من اتجهوا بخياراتهم إلى قصور وقلاع وهميّة استطابوا الإقامة والمبيت فيها فيما الواقع المطلّ من المساحة السوريّة يجافي الرهانات.
 
على ماذا يراهن سعد الحريري كرئيس حكومة مكلّف، مجاريًا القوات اللبنانية والحزب التقدميّ الاشتراكيّ، وماذا رأى رئيس الجمهورية منذ سنوات بتحليل استراتيجيّ مسهب ودقيق؟
قبل تشخيص رهانات سعد و"حليفيه" وتمحيصها والتدقيق بها، تبدي الأوساط عناية فائقًا واهتمامًا بالغًا برؤية الرئيس عون. ذلك أنّ الرئيس منذ بدء الأحداث في سوريا وتحوّلها إلى حرب كونيّة عليها وفي داخلها رأى أمرين بليغين لم يرهما أحد في سياق القراءة السياسيّة بكلّ ما تملكه من استقراء واستنباط واستخراج للعناوين، وهما:
1-دخول روسيا إلى ديار الشام، أو بلاد المشرق العربيّ. لقد قدّم تحليلاً دقيقًا وعميقًا استنادًا إلى الوقائع التاريخيّة والتحوّلات الجذرية خلال حديث أجراه سنة 2013 مع الإعلاميّ الراقي غسان بن جدّو، كشف بأنّ روسيا ستدخل الحاضرة السوريّة ولن تتوانى عن ذلك لتحمي حديقتها الخلفية ولتحمي ما سمي بطريق الحرير وتبلغ نحو المياه الدافئة. ورأى فخامته بأن روسيا وبنتيجة دخولها ستتحوّل إل قوّة عظمة تفرض شروطها في المنطقة بالتحالف مع الصين وإيران، وهذه الشروط ستحوّلها إلى راعية للتسويتين السورية الداخليّة والصراع العربيّ-الإسرائيليّ.
2-صمود الرئيس بشار الأسد وانتصاره في الحرب على سوريا. وقد رأى في حقيقة الأمر بأن الحلّ في سوريا تنطقه الوقائع الميدانيّة بتجلياتها المطلقة، وقد كانت لمصلحة الجيش السوريّ بقيادة الرئيس الأسد ورأى تاليًا بأن لا حلّ في سوريا من دون الرئيس الأسد الذي تحوّل إلى حجر زاوية للعنارة السوريّة أو حجر الغلق للعقد السوريّ وقد سلّم بنتيجة انتصاراته مفاتيح الحلول في سوريا والشرق الأوسط. وللأمانة، فإن رئيس لبنان بقي على علاقة شخصيّة مع رئيس سوريا، هذا كان عليه قبل الرئاسة وبقي خلال الرئاسة، والعلاقة متجليّة باحترام الرئيسين لبعضهما البعض وكان الرئيس عون مساندًا لحرب سوريا على الإرهاب، وبارك دخول حزب الله أرض المعركة واستبشر خيرًا مع التحولات الجذرية من معركة القصير وصولاً إلى معركة درعا والغوطة والسويداء. وعلى هذا، فالرئيس مقتنع، وبنتيجة الحالة التواصلية خلال الأحداث مع الأرض السوريّة واستباطه للنتائج الميدانية قبل تحقيقها وخلاله، وبإحساسه المشرقيّ الصافي والصادق بضرورة إعادة الاعتبار للعلاقة اللبنانيّة-السوريّة، وفيها إعادة النازحين إلى سوريا وفتح معبر النصيب وعدم تحويل لبنان إلى ممر للمؤامرات على سوريا، وعدم حكم لبنان من سوريا. فلا يمكن للبنان أن ينفصل عن سوريا فالجغرافيا والتاريخ متلاحمان ومتلاصقان ومنسابان في العلاقات الطبيعية والعائليّة بين اللبنانيين والسوريين.
أمّا سعد ورفيقاه أو حليفاه فعلى ماذا يراهنان؟تقول بعض المعلومات بأنّ هذا الفريق يراهن على تموضع تركيّ جديد خارج السياق الروسيّ-الإيرانيّ لصالح الحلف الأميركيّ-السعوديّ بسبب الضغط الماليّ على تركيا، وفي الوقت عينه يراهن على استعداد أميركيّ لقصف مواقع حساسة للجيش السوريّ قبل معركة إدلب وخلالها كما حصل البارحة خلال القصف الإسرائيليّ على منطقة جسر الشغور ومواقع في بانياس وقسم من محافظة حماه في سوريا، وهي محاولة يراد بها قلب النتائج، ويراهن على تشديد العقوبات الأميركيّة على إيران وجعلها موصولة بالساحات الملتهبة وبالتحديد بالساحات العراقية والسورية والفلسطينية من دون نسيان الساحة اليمنيّة. ويبدو بأنّ هذا الفريق بات يراقب حراكًا أميركيًّا سعوديًّا متعدّد الأضلاع متنوّع التوجهات، يهدف إلى:1-تطويق إيران من إيران إلى المتوسط. وهذا لن يتم وفقًا لمعلومات بتشديد العقوبات بل بانتزاع ورقة القضية الفلسطينية منها بدءًا من عدم تمويل وكالة الإنوروا وصولاً إلى القبول بتهويد القدس وترجيل الفلسطينيين باتجاه الأردن من الضفة الغربية وباتجاه قسم كبير من سيناء من قطاع عزّة، وقد ظهرت في الآونة الأخيرة مجموعة تفاصيل حول هذه المسألة، مع إغراءات مالية للأردن ومصر والعراق.
2-إستمرار إغلاق معبر النصيب ما بين سوريا والأردن، ويسعى السعوديون والأوروبيون بإغلاق المعبر إلى التضييق على النتائج المحققة سوريًّا، ومن هذا المعبر وصولاً إلى الحراك اللبنانيّ الموالي تتم محاولة تطويق العهد ورئيسه ومحاولة منع التواصل اللبنانيّ-السوريّ.
3-إستغلال عدم تأليف الحكومة بعدم تمويل وكالة الأونروا لإحداث المزيد من الإرباكات وقد أعطيت التعليمات من الجانب السعوديّ للفريق الموالي لهم بعدم إثارة هذه المسألة وعدم التسريع بتأليف الحكومة حتى تنجلي بعض النتائج المرتبط بتلك النقاط الأساسية والجوهريّة.
هذا الرهان وكما تظهر بعض التحليلات سيفقد معناه في لحظة في طرفة عين. فروسيا موجودة ودورها تأسيسيّ ووحدويّ وراسخ. فوجودها سيقود المنطقة نحو مزيد من التوازن على حساب آحاديات كانت سببًا لانسياب الفوضى الخلاّقة إلى حاضرتنا. وقد بات أكيدًا بأنّ الدور الروسيّ مع وزير الخارجية سيرغي لافروف ونائبه ميخائيل بوغدانوف قد دخل على خطّ إعادة النازحين وتأليف الحكومة في لبنان. وفي كلّ ها سيستند فخامة رئيس الجمهوريّة على حقّه الدستوريّ حينما يجد بأنّ الأمور آيلة إلى تحويل الأزمة من أزمة نظام وحكم إلى أزمة وجود وكيان إلى استعمال حقه الدستوريّ وعرض القضيّة امام المجلس النيابيّ ليجرى على الشيء المقتضى. يستند في ذلك إلى حقّه الدستوريّ ودعم حزب الله بإخلاص وطيد لمسيرته، ليبقى لبنان برئاسته مضيئًا في العالم أجمع.

شارك الخبر على