مياه التأليف الراكدة ورياح أيلول (حبيب البستاني)

أكثر من ٥ سنوات فى تيار

مشكلة تأليف الحكومات في لبنان لم تكن يوماً مشكلة صلاحيات أو تضارب صلاحيات، وخصوصاً بين رئيس الجمهورية من جهة وبين رئيس الحكومة، من جهة أخرى، لا في حكومات قبل الطائف ولا في حكومات ما بعد الطائف. فأزمات التأليف لم تغب يوماً عن المشهد السياسي اللبناني، نظراً لارتباط البعض بالخارج وبإملاءات الخارج، وبدلاً من أن يكون الجميع بعداً للبنان في الخارج كما يريد ويردد فخامة الرئيس أصبح بعداً للخارج في لبنان مع الأسف.
 
فهل أزمة الـتأليف التي نعيشها اليوم تشبه أزمات التأليف السابقة، أم ماذا؟
إن هذه الأزمة التي نعيشها اليوم تشبه في الشكل الأزمات الحكومية السابقة، إن لناحية تعثر الولادة وإن لناحية طول مدة التشكيل، ولكن المضمون مختلف ففي السابق كانت العرقلة تتعلق بتحقيق مطالب سياسية معينة واضحة أكثر مما هي متعلقة بالأمور التقنية وحجم التمثيل ونوعيته، وكانت هذه المطالب يعبر عنها بشكل واضح وصريح. أما اليوم فإننا نعاني من خبث كبير في الإفصاح عن المطالب ومقاصد العرقلة، فيطالب البعض بأعداد ووزارات وذلك بالرغم من خروج البلاد من انتخابات نيابية شفافة ظهرت بشكل واضح وعلمي الأحجام الحقيقية لمختف الأطراف. ولكن هذا البعض يصر على العرقلة ولا يريد الاعتراف لا بالنتائج ولا بالمعيار الواحد للتأليف. من هنا فإن للعرقلة أهدافاً تتجاوز الأرقام والأحجام لتدخل في مفهوم العرقلة للعرقلة.
 
رمي الكرة في ملعب العهد
تدخل البلاد الشهر الرابع بعد التكليف ولم نرى ولادة الحكومة بعد، وهذا قد يعني للبعض أن العهد مأزوم وأنه لا يستطيع مجرد تأليف حكومة؟ وبالتالي فكيف بإمكانه العمل والإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد؟ ربما هذا البعض " الغيور " على سمعة العهد ومصلحة الناس والبلد، نسي أو تناسى أن مهمة الـتأليف هي
 
وقبل كل شيء آخر مشكلة الرئيس المكلف، وبالتالي فإن نجاح التأليف أو فشله هو من يحمل مسؤوليته، وذلك بغض النظر من محاولة بعض الأفرقاء السياسيين رمي الكرة في ملعب الرئيس وتحميله مسؤولية العرقلة.
 
الرئيس وكرة النار
منذ دخوله المعترك السياسي وهو لم يكن بعد إلا رئيساً للحكومة العسكرية، التي سماها رئيس الجمهورية آنذاك أمين الجميل، في الساعات الأخيرة من عهده في ٢٢ أيلول من العام ١٩٨٨، وفخامة الرئيس العماد ميشال عون يحمل بين يديه كرة النار، وهو لم يتخلى أو يتراخى عن حمل المسؤولية حتى في أشد المراحل خطراً التي مرت على لبنان، ومؤخراً وإبان غياب رئيس الحكومة القسري في السعودية لم يتوانى الرئيس عن حمل كرة النار والخروج بالبلاد إلى بر الأمان.
 
والرئيس نفسه اليوم حرك مياه التأليف الراكدة وسرع وتيرة المشاورات التي أدت إلى مشروع تشكيل حكومة، وإن كان هذا المشروع بحاجة إلى روتشة من هنا وتعديل من هناك ليتلاءم والخط البياني الواضح ألذي رسمه الرئيس لتشكيل الحكومة العتيدة ألا وهو احترام نتائج الإنتخابات واعتماد معيار واحد للتأليف. وإذا كان صحيحاً أن رئيس الحكومة المكلف هو من يشكل الحكومة ولكن لا حكومة بدون موافقة الرئيس، فالرئيس المكلف يعرض التشكيلة ورئيس الجمهورية يوافق عليها، فقبل الطائف وبعد الطائف فإن توقيع رئيس الجمهورية على مرسوم التشكيل ضروري وواجب لولادة الحكومة العتيدة.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على