شاعر بالصدفة

أكثر من ٥ سنوات فى الشبيبة

أحمد المرشدنتابع اليوم حديثنا عن الفن، ولكننا سنخرج عن مشاهيره العظام أمثال كوكب الشرق أم كلثوم وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، لنحكي حكاية شاعر ولد مغموراً بائساً لينتهي به شاعراً مرموقاً رغم حظه الضعيف في التعليم حيث اضطرته ظروفه المعيشية الصعبة إلى أن يبدأ حياته «مكوجي» إلى أن قاده الحب ومن بعده الصدفة إلى المجد والشهرة ومجالسة المطربين والمطربات وكبار الملحنين والشعراء في عصره. فقصة الشاعر سيد مرسي جديرة بأن تروي حقا لنخرج منها بحكمة بالغة وهي أن «لكل مجتهد نصيب»، فشاعرنا الذي كتب لشادية ونجاة ومحرم فؤاد ووردة ومها صبري وعفاف راضي تم اكتشافه بالصدفة البحتة، عندما وضع الشاعر الكبير مأمون الشناوي يده في جيب معطفه ذات ليوم لتستوقفه ورقة وما أن أخرجها وقرأها فوجئ بأنها عبارة عن كلمات رائعة تصلح أغنية عاطفية جميلة، المفاجأة أن الشناوي اجتهد في تذكر متى كتب مثل هذه الأبيات ولكنه تأكد أن هذا الأسلوب غريب عليه وليس أسلوبه فكان سؤاله لنفسه:»كيف وصلت هذه الورقة لجيب معطفه؟». وهداه تفكيره لسؤال شغالته لتعترف بأنها تعيش قصة حب كبيرة مع المكوجي وأنه اعتاد أن يضع لها وريقات بها بعض أبيات من يكتبه من شعر في جيوب جاكتات الشاعر مأمون الشناوي، وبما أنهما – الخادمة والمكوجي – كانا متخاصمين في المرة الأخيرة فلم تبالي بتفتيش جيب الجاكت لتقع الورقة في يد مأمون الشناوي الذي استدعي سيد مرسي واستفسر منه عن الأبيات والكلمات فأكد له أنه الذي كتبها كنوع من التودد للشغالة التي يحبها.ونحن نتحدث عن تاريخ فناني مصر، نستدل إلى أي مدي كان هؤلاء عظام في تعاملاتهم، فشاعر في قامة مأمون الشناوي لم يكن يستهزأ بـ»مكوجي» أيا كان مستوى كتاباته، إلا أن هذا الشاعر الذي كتب أروع قصائد الحب لأم كلثوم وشادية ونجاة وغيرهم أصر على أن يكون سلما لمجد وشهرة الكاتب المغمور سيد مرسي، حيث سرعان ما اتصل بالملحن الكبير محمود الشريف وصديقهما المشترك نجم الغناء في هذا الوقت «عبد الغني السيد» لتخرج للناس أغنية من أروع الأغاني المصرية وهي «على الحلوة والمرة»، حتى أن الشاعر سيد مرسي لقبوه فيما بعد بـ»سيد مرة» تأسيا بعنوان أول أغنية اشتهر بها، فكانت الكلمات رقيقة ومعبرة وهي التي أراد أن يتودد بها لحبيبته الشغالة التي هجرته وطلب من خلالها الصلح. وتقول الكلمات: «ع الحلوة والمرة.. مش كنا متعاهدين.. ليه تنسى بالمرة.. عشرة بقالها سنين.. ع الحلوة والمرة» «نسيت خلاص عهدنا ونسيت ليالينا..ونسيت كمان ودنا ونسيت أمانينا.. كان املي فيك غير كده ليه تنسى ماضينا.. حرام عليك كل ده شمتهّم فينا..راح تنسى كام مرة.. رح تنسى كام مره وتفرح اللايمين.. ع الحلوة والمرة.. مش كنا متعاهدين.. ليه تنسى بالمرة.. عشره بقالها سنين.. ع الحلوة والمرة».لم يتوقف جهد مأمون الشناوي مع الشاعر الجديد الى أن تمت إذاعة الأغنية بالإذاعة المصرية آنذاك في اعتراف بنجاحه وأن الله يهب الموهبة لمن يشاء من خلقه. ومن بين من غنوا له من مشاهير مصر المطربة شادية في أغنية «خليك هنا خليك بلاش تفارق» التي حققت نجاحاً كبيراً وقتها، وكذلك محرم فؤاد في «كله ماشي» وقال فيها: «ماشي وسلمت أمري ضيعت يا قلبي عمري علشان نلقى حبايب يستاهلو مالقيناش».‏كما اشتهر سيد مرسي بأسلوب جميل في سرد أغانيه ومن هنا نفذ بسهولة الى حناجر عشرات المطربين، لدرجة أن المؤرخين الموسيقيين يحكون أن بليغ حمدي قربه منه بشدة ليكتب أغاني كثيرة لوردة منها أغنية «وحشتوني» التي كانت ضمن أغاني فيلم «حكايتي مع الزمان» ثم اشتركا معا في أكثر من أغنية مثل «اسمعوني» التي حققت بها وردة نجاحا منقطع النظير..ولأغنية «وحشتوني» حكاية تستحق أن تروي وهي أن سيد مرسي كان في سيارة بليغ حمدي الذي كان يسير بلا وعي فاصطدم بسيارة أخري حتى أصيب سيد مرسي إصابة خطيرة ألزمته العلاج بالمستشفى لمدة أربعة أشهر كاملة، فكتب عن افتقاده لناسه وأحبائه وعائلته فكانت «وحشتوني». كما أن سيد مرسي هو كاتب أغنية «احضنوا الأيام» لوردة وعبر بها عن الغدر، ولم تكن عفاف راضي تغيب عنه حيث غنت له «ردوا السلام « وهي من أروع أغانيها التي لحنها مكتشفها بليغ حمدي وهو الذي جمع هذا الثنائي الناجح – مرسي وراضي – في أكثر من عمل ومنهم أغاني فيلم «مولد يا دنيا» الفيلم الوحيد لعفاف راضي وعرف فيه الجمهور ممثلة استعراضية.ثم كتب أغاني كثيرة لفايزة أحمد ومنها «خليكو شاهدين على حبايبنا»، كما لم يكن بعيداً عن ميادة الحناوي حديثة العهد بمصر وقتذاك لتكون «وأنا اعمل إيه» بداية التعاون بينهما ثم «أول وآخر حبيب» و»فاتت سنة».كان الشاعر سيد مرسي صاحب العمر المديد (1887 - 1995) خير من عبر بكلماته الرقيقة عن الفراق والغربة، ووصفه محبوه وعشاقه بأنه واحداً من أنبل شعراء الأغنية في مصر حيث لم تغيره الشهرة والمجد والمال واستقر في مقر سكنه بحي «بولاق» الشعبي بوسط القاهرة طوال حياته حتى بعد أن ذاع صيته واشتهر واكتسب الكثير من المال.كاتب ومحلل سياسي بحريني

شارك الخبر على