ما هي الأسباب الحقيقية للتّوتر بين واشنطن وأنقرة؟ د. علا بطرس

أكثر من ٥ سنوات فى تيار

ما هي الأسباب الحقيقية للتّوتر بين واشنطن وأنقرة؟ د. علا بطرس
        في 15 تموز من العام 2016، أحبطت تركيا محاولة انقلابية كادت تطيح بالرئيس رجب طيّب أردوغان من الحكم ومعه حزب العدالة والتنمية، بعدما عبّر الرئيس الأميركي في حينه باراك أوباما عن خيبته من آداء الأخير الذي فشل في تقديم نموذج الإسلام المعتدل كرافعة للمنطقة العربية. ولا شكّ، تعتبر التّحولات التي شهدتها مصر بإسقاط التجربة الإخوانية التي عجزت عن بلوغ امتحان الحكم، وانحراف الإسلام السياسي الى الإرهاب في سوريا وفكّ الإرتباط بين المملكة العربية السعودية مع قطر لصالح التقارب مع الإمارات العربية المتحدة ومصر ووصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى البيت الأبيض من أبرز عوامل التّحول من دعم الإسلام السياسي الى محاصرته.
        في المملكة العربية السعودية، تحوّل كبير يحصل يقوده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان نحو مملكة عصرية جديدة، وهذا يتلاءم مع السياسة الأميركية التي نراها متشدّدة مع الجمهورية الإسلامية في إيران بفرض العقوبات والإنسحاب من الإتفاق النووي والتهديد بإشهار سلاح العقوبات على الشركات الأوروبية نفسها المستثمرة في طهران. ولا يختلف الأمر مع تركيا، والتي هي حليفة استراتيجية للولايات المتحدة وعضو في حلف شمال الأطلسي الذي ينصّ أحد بنوده أن أي دولة عضو تتعرّض لإعتداء تكون في حماية الحلف نفسه، إلا أن الحماية السياسية الأميركية لم تعد قائمة بل العقوبات والضّغوط الإقتصادية، كما أن موقف أردوغان نفسه يتّسم بالتّحدي وهذا شبيه بالحالة العراقية مع صدام حسين بعد العام 1990. فهل ستخرج تركيا من الأزمة أم أن الأسباب عميقة لا تسمح بالمساومة لأنّ الهدف هو إسقاط الحكم بذاته؟
        اتهمت تركيا الداعية الإسلامي المقيم في واشنطن فتح الله غولن بالمحاولة الإنقلابية طالبة من واشنطن تسليمه للمحاكمة. لم تذعن الولايات المتحدة للطلب التركي. وقامت السلطات التركية باعتقال القسّ الأميركي اندرو برانسون الذي يرعى كنيسة إنجيلية واضعة إياه بالإقامة الجبرية في منزله في إزمير منذ سنتين متهمة إياه بالإرهاب ومساعدة غولن وحزب العمال الكردستاني. طالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإطلاق سراحه الفوري مهدّداً بفرض العقوبات قائلاً: "ستفرض الولايات المتحدة عقوبات كبيرة على تركيا بسبب احتجازها لفترة طويلة للقسّ أندرو برانسون، وهو مسيحي عظيم وإنسان رائع وربّ أسرة". وكان الرئيس ترامب بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" قد بعث برسالة لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو للإفراج عن الأسيرة التركية إبرو أوزكان المتهمة بالتورط مع حركة "حماس"، وفي حين التزمت إسرائيل والولايات المتحدة بالإتفاق فقد راوغت تركيا بحسب الصحيفة، وهذا ما دفع بالرئيس ترامب الى مضاعفة الرّسوم الجمركية المستوردة من تركيا على الصّلب والألومينيوم والتي تبلغ قيمتها سنوياً مليار ومئة مليون دولار وهذا ما أدى الى تراجع قيمة الليرة التركية في يوم واحد بنحو 19%.
        وبدلاً من أن تعمد تركيا الى حلّ الأزمة سياسياً، فقد طلب الرئيس أردوغان من المواطنين الأتراك استبدال الذهب والدولار بالليرة التركية معلناً عن تفعيل التعاون الإقتصادي مع روسيا والصين وإيران والتعامل مع عملات هذه الدول كرسالة للولايات المتحدة أن الدولار لن يبقى طويلاً العملة التجارية المتداول بها عالمياً. فأين ستذهب الأمور وعقدة الرئيس ترامب الإقتصادية تبقى أساس علاقاته الدولية وهو الذي فتح صفحة جديدة مع كوريا الشمالية لتطويق الصّين؟ 
        ختاماً، منذ الإنقلاب في العام 2016، تعتمد واشنطن سياسة الضّغط على تركيا وروسيا تستميلها، فهل ستكون روسيا الرابح الأكبر في الشرق الأوسط بدءاً من إقفال ملف إدلب ومعه الأزمة السورية؟
         

شارك الخبر على