ستائر الحب المنسية

أكثر من ٥ سنوات فى الشبيبة

أعود بعد فترة غياب لأكتب عن سيدة الغناء العربي أم كلثوم، والعودة هذه أسبابها كثيرة بعضها يرجع لي والآخر للأصدقاء الذين تحدثوا معي للكتابة عنها، ربما لتذكيرهم بروائعها وهي كثيرة ومهما كتبنا عنها لن تنضب أبدا، وإذا كنت كتبت عن هذه المطربة العظيمة التي لن تتكرر في زماننا فهذا لعشقي لها ولما تغنيه، فقد كبرنا على أغانيها وقصائدها وحفظنا كل ما تتغنى به وكتبناه في قصاصات ورق لنهديها لمن نحب ونعشق. غابت أم كلثوم عنا بجسدها فقط وبقت روحها وذكراها معنا، وإذا كنت قد كتبت سابقا كثيرا عنها فاليوم أتحدث عن الظاهرة الموسيقية المسماة «بليغ حمدي»، هذه الظاهرة التي هزت مصر عندما بدأ حياته الموسيقية ليتربع على عرش عالم الموسيقى والتلحين وليكون أسطورة بذاته نظرا لموهبته، ويقول شقيقه مرسي سعد الدين الذي تولى أرفع المناصب الإعلامية في مصر أن بليغ وهو طفل طلب من والده شراء عود ليتعلم عليه الموسيقى، فتعجب الأب من طلب ابنه الغريب وخاصة وأنه لا يوجد في العائلة أحد برع في الموسيقى أو امتهنها، إلا أن الوالد رضخ في النهاية لرغبة ابنه ليشتري له عودا، لتبدأ أسطورة بليغ مع عالم الموسيقى حيث لم يترك العود قط إلا أوقات نومه وذهابه للمدرسة واستذكاره دروسه. نعلم أن كثيرا من الملحنين والكتاب اشتهروا بأعمالهم مع أم كلثوم، ومن هؤلاء بليغ حمدي الذي لحن لها وهو شاب صغير حتى يتردد عنها قولها: «هل هذا الشاب أبو شعر بيعرف مزيكا وبيعرف يلحن؟»..لتكون موسيقى بليغ لسيدة الغناء العربي في أغنية «فات الميعاد» بداية لعالم جديد من التعاون بينهما، لنستمتع نحن بالكلمة واللحن والطرب، فكانت «فات الميعاد» أو موعد بينهما مع كلمات الشاعر الكبير مرسي جميل عزيز صاحب أحلى 1000 أغنية في عالم الأغاني المصرية والعربية، فكتب لنا كلمات كلها شجن وحزن من لوعة الفراق ولحظات الندم، وإذا كنا قلنا إن الأغنية مثل الحبكة الدرامية تبدأ بهجر وأحزان لتنتهي بفرح وعودة الحب بين قلبين عطشي للعشق، فإن «فات الميعاد» ابتعدت عن هذا الأسلوب واستمرت علي نفس المنوال من فرقة ولوعة وحزن ورماد حتي آخر الأغنية، ومع ذلك حققت نجاحا منقطع النظير، ليظهر نجم جديد في حياة أم كلثوم ليضاف الي القصبجي ورياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب ومحمود الشريف، لتقتنع بموهبة بليغ حمدي الموسيقية الفذة وليتعاون معها في أغاني أخري منها رائعتهما «بعيد عنك» التي سنتحدث عنها لاحقا، ومن قبلها «حب إيه».وتقول الروايات أن بليغ حمدي الذي كان صديقا للشاعرين مرسي جميل عزيز وعبد الوهاب محمد شريكه في أغنية «حب إيه» لم يغادر شقته بالإسكندرية بمجرد سماع «فات الميعاد» من مرسي جميل عزيز لمدة ثلاثة أسابيع متواصلة حيث اعتكف تماما لتلحينها، ولم يقطع خلوته هذه سوي اتصالاته مع أم كلثوم ليطمئنها علي مسار التلحين، حتي فرغ من ولادة اللحن ليتصل بعازف القانون الأول محمد صالح قائد فرقة أم كلثوم حتي تستعد الفرقة بمجرد كتابة النوتة الموسيقية.. وما هي سوي ساعات قليلة من لقاء أم كلثوم ببليغ لتستمع منه علي مقدمة الأغنية حتي يشعر بانبهارها بالكلمات والموسيقي معا، خاصة مع المقطع المؤثر جدا:» تفيد بإيه يا ندم.. تعمل إيه يا عتاب.. طالت ليالي الألم.. واتفرقوا الأحباب.. وكفاية بقى تعذيب وشقى.. ودموع في فراق ودموع في لقى».لم تنقطع اللقاءات بين أم كلثوم وبليغ حمدي فبعد ساعات طويلة في الأستوديو للتدريب مع الفرقة الموسيقية لإجراء البروفات يذهبان الى فيلتها ليغني لها بعض المقاطع التي ترغب في أن تغنيها معه حتى فوجئت بحسن غناه للكلمات وأعجبت بصوته لتمتد اللقاءات حتى الليل لتستوعب غناء المقاطع بالكامل، لتهل شمس اليوم التالي حتى يذهبان للاستوديو لاستكمال البروفات مع الفرقة، وهي عادة أم كلثوم التي لم تتغير أبدا لإتقان الإلقاء مع اللحن بحضور الملحن ليسجل أي انطباعات لديه.وبمناسبة أن بليغ حمدي كان أصغر من لحن لأم كلثوم تقريبا، فقد فاجأها بتحفة فنية أخرى وهي عازف الساكسفون سمير سرور الذي اشترك في الفرقة الموسيقية لأول مرة ليشارك مع آلات الجيتار والكمان والقانون والأكورديون لأول مرة في ابتكار جديد ليضيف للحن مذاقا خاصة خلف أسطورة الغناء آنذاك لتبدأ الأغنية وتصل أم كلثوم لقمة الأداء والاندماج في المقطع «»ستاير النسيان.. نزلت بقى لها زمان.. وإن كان على الحب القديم وآساه.. أنا نسيته أنا يا ريت كمان تنساه» حتى يتراقص معها الجمهور الحاضر في الحفل ويطلب إعادة هذا المقطع أكثر من مرة، وتستجيب أم كلثوم وتعيده بالفعل حتى كادت تصل الأغنية لنهايتها لتبدع أم كلثوم مع لحن بليغ وكلمات مرسى جميل عزيز وتردد المقطع:» بيني وبينك هجر وغدر وجرح في قلب داريته.. بيني وبينك ليل وفراق وطريق أنت اللي بديته.. تفيد بإيه يا ندم وتعمل إيه يا عتاب..طالت ليالي الألم واتفرقوا الأحباب»، وهو المقطع الذي أرهق أم كلثوم فعلا لأن الجمهور طلب إعادته كثيراً جداً.. وبمجرد إذاعة «فات الميعاد» كشف عبد الحليم حافظ الصديق الصدوق لبليغ حمدي أن إبداع اللحن كان نتيجة قصة حب فاشلة لبليغ جعلته يضع كل همومه في اللحن حتي خرج لنا بهذه الروعة.لقد صاغ بليغ حمدي أجمل جمله الموسيقية لأم كلثوم حسب رأى نقاد الموسيقى فكان شديد الذكاء عندما نافس الموسيقار محمد عبد الوهاب واستخدم نفس أسلحته في تلحينه لأم كلثوم حيث اهتم هو الآخر بالمقدمة الموسيقية ومنها أغنية «بعيد عنك» التي لم تترك قلبا محبا إلا ومسته بالمشاعر والأحاسيس والذكريات.. ففيها وإن تراقصت أم كلثوم وتمايلت خلافا لعادتها وهي تغني ثابتة، كان الشوق يتراقص هو الآخر والقلوب المحبة تتمايل حتى تصل لنهاية الأغنية: «بخاف عليك وبخاف تنساني والشوق إليك على طول صحاني..غلبني الشوق وغلّبني وليل البعد دوبني.. ومهما السهد حيرني ومهما الشوق يسهرني..لا طول بعدك يغيرني ولا الأيام بتبعدني..بعيد عنك.قبل الأخير..اهتز المجتمع البحريني بسبب الجريمة البشعة بمقتل إمام مسجد بن شده بالمحرق الأسبوع الفائت، هذا الشيخ المسالم الذي يشهد له الجميع بحسن الخلق والمعشر، ووفقا لما تداولته مواقع التواصل الاجتماعي فإن الجاني هو مؤذن المسجد من الجنسية الآسيوية وقد قام بجريمته بعد علمه بأن الإمام المغدور به أخطر إدارة الأوقاف بتجاوزاته، وهو سبب لا يرقى بالطبع إلى قيام المؤذن بقتله..وأنا هنا أتضامن مع كل الذي أصابهم هذا التصرف العنيف بالاستياء وأشارك الجميع تساؤلاتهم ومنها:كيف يعود هذا الشخص إلى المملكة باسم آخر وقد سبق طرده من البلاد؟ لماذا الإصرار على توظيف آسيويين كمؤذنين وقيمين على المساجد؟..خاصة أن ببعضها «زوايا» لتحفيظ القرآن للبنات والأولاد وكم من قصص تحرش سمعنا بها من قبل هؤلاء الأجانب! لماذا لا يتم تعديل سلم رواتب المؤذنين والأئمة ليقبل المواطنون ممن تنطبق عليهم شروط شغل هذه الوظائف الدينية؟.. وبالتالي يشغل خريجو المعهد الديني تلك الوظائف.لماذا لا يطبق الآذان الموحد - ونحن في قمة استخدامات التكنولوجيا الحديقة - أسوة بما هو مطبق في عدد من الدول ليضاف رفع الآذان إلى مسؤوليات الإمام. وإذا كان هناك عزوف عن هذا أو ذاك كما يتردد، فلماذا لا يستعاض عن القوى العاملة الآسيوية بإخواننا من الدول العربية؟ مجرد أسئلة تشغل بال المواطنين بالبحرين بعد هذه الجريمة النكراء التي يجب أن ينال مرتكبوها أشد القصاص ليكونوا عبرة لمن توسوس له نفسه أن يروع الأبرياء.. فهل من جواب؟كاتب ومحلل سياسي بحريني

شارك الخبر على