انتصار التجارة الأوروبية

أكثر من ٥ سنوات فى الشبيبة

سيمون جونسونفي الخامس والعشرين من يوليو، عندما ظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام البيت الأبيض مع جان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية، أصاب بيانهما المشترك والتصريحات التي جاءت على لسانهما كثيرين بالدهشة. فقد اتفق الطرفان على «العمل معا نحو إزالة التعريفات الجمركية تماما، وإلغاء إعانات الدعم المقدمة للسلع الصناعية غير السيارات». وبدا الأمر وكأنه تحوّل تام مذهل من قِبَل ترامب، الذي كان حتى وقت قريب يهدد الاتحاد الأوروبي بفرض تعريفات أعلى -ويمجد قيمة التعريفات التجارية (التي هي في الأساس ضرائب على السلع المستوردة) في عموم الأمر. حتى أنه وصف الاتحاد الأوروبي بأنه «عدو» في يونيو الفائت.الواقع أن التنفيذ الحقيقي لهذا البيان المشترك بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من شأنه أن يمثّل تحوّلا سياسيا أكبر من قِبَل إدارة ترامب. لكن هذا ليس انتصارا لترامب، بل يبدو الأمر وكأنه فشل في مناورة الدبلوماسيين الأوروبيين البارعين.من الصعب دوما أن نعرف متى غيّر ترامب سياسته حقا -أو متى قد يغيّرها مرة أخرى. ومع ذلك، يجدر بنا أن نلاحظ أن ما أعلنه ترامب ويونكر كان في الأساس تعهدا بالعمل نحو ذلك النوع من اتفاقيات التجارة التي كانت إدارة أوباما تتفاوض عليها مع الأوروبيين من العام 2013 وحتى نهاية العام 2016. وظل العمل على هذه النسخة السابقة، التي عُرِفَت بمسمى «شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي»، معلّقا في أعقاب تنصيب ترامب.يُعَد استئناف مفاوضات شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي فوزا كبيرا لصالح يونكر، بما يتماشى مع الأهداف الأوروبية القديمة. وسيزيد أيضا من الصعوبات التي قد يواجهها ترامب إذا حاول فرض رسوم جمركية على الواردات من السيارات الأوروبية -وقد سجلت أسعار أسهم شركات السيارات الألمانية ارتفاعا حادا بعد ورود هذا الخبر. ومن الرائع أيضا أن يتمكن يونكر من حمل ترامب على التأكيد على العمل مع منظمة التجارة العالمية من أجل حل قضايا تتعلّق بحقوق الملكية الفكرية. وكانت سيسيليا مالمستروم، مفوضة الاتحاد الأوروبي للشؤون التجارية، تؤكد على هذا النهج على وجه التحديد.ولكن على أي شيء حصل ترامب من الأوروبيين، بخلاف العودة إلى المفاوضات التجارية من عهد أوباما مباشرة؟ زعم ترامب في المؤتمر الصحفي، وفي وقت لاحق، أنه حصل على تعهد من يونكر بشراء المزيد من الغاز الطبيعي، و«الكثير من فول الصويا». حتى أن بعض التغطية الإعلامية اقترحت أن الأوروبيين قدموا تنازلات. لكن هذا التفسير لا يتناسب مع الحقائق.في ما يتعلق بصادرات الولايات المتحدة المحتملة من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، كان الأوروبيون حريصين منذ فترة طويلة على زيادة هذه التجارة. وتتلخص العقبة هنا في القيود الأمريكية المفروضة على صادرات الطاقة. وإذا كان البيان المشترك وعد بأي تنازل، فلا بد أن يكون من جانب إدارة ترامب بشأن هذه القضية. وكان هذا واضحا في صحيفة الوقائع التي أصدرها البيت الأبيض في وقت لاحق: «ستعمل الولايات المتحدة على تسهيل شراء الاتحاد الأوروبي للغاز الطبيعي المسال». في الوقت نفسه، لا يشتري يونكر فول الصويا -ولا تملك المفوضية الأوروبية مثل هذه الميزانية، وأي واردات من هذا القبيل ترجع في نهاية المطاف إلى قرار من القطاع الخاص.سجّل سعر فول الصويا انخفاضا حادا في الأشهر الأخيرة، بسبب الرسوم التي فرضتها الصين على فول الصويا الأمريكي، ردا على زيادة الرسوم الأمريكية على بعض الصادرات الصينية. وكان انخفاض سعر فول الصويا الأمريكي أكبر كثيرا من انخفاض سعر فول الصويا البرازيلي، خاصة أن البرازيل ليست خاضعة للتعريفات الصينية الجديدة. وعلى هذا، فمن المنطقي أن يشتري القطاع الخاص الأوروبي المزيد من فول الصويا الأمريكي، بصرف النظر عن أقوال يونكر أو أفعاله. ويباع فول الصويا الأمريكي بالفعل بدون رسوم جمركية في أوروبا، ولأن الصين تمثّل ثلث صادرات الولايات المتحدة من فول الصويا، فمن الواضح أن هناك وفرة من المتاح من هذا المنتج. الواقع أن تعهد فول الصويا له جاذبية سياسية سطحية، حيث وجد الزراع أنفسهم عالقين في مرمى نيران حرب ترامب التجارية مع الصين. والتكلفة حقيقية، فقد عدت إدارة ترامب مؤخرا بما قيمته 12 بليون دولار لمساعدة الأعمال الزراعية المتضررة.مع ذلك، ترجع هذه التكلفة المحتملة بالكامل إلى سياسات إدارة ترامب المدمّرة وتمثل إهدارا فاضحا مخزيا لأموال دافعي الضرائب -مبلغ يعادل نحو ثلث الميزانية السنوية الكاملة للمعاهد الوطنية الأمريكية للصحة. وكم من الأرواح يمكن إنقاذها من خلال الاستخدام الحكيم لهذه البلايين الإثني عشر، في برامج الصحة العامة على سبيل المثال؟ من ناحية أخرى، نجد أن عجز موازنة الحكومة الفيدرالية مستمر في الزيادة -مما يُوجِد ضغوطا تفرض التقشف المدمّر في المستقبل.يرى ترامب في نفسه مفاوضا لامعا، وينظر أنصاره إلى سياسته التجارية باعتبارها مثالا ممتازا لنجاحه. ولكن في المحادثات الأخيرة مع الأوروبيين، كان من الواضح أن ترامب خارج ملعبه.كبير خبراء الاقتصاد لدى صندوق النقد الدولي سابقا

شارك الخبر على