العراق والمنطقة في عيون الآخرين

أكثر من ٧ سنوات فى المدى

د. أحمد عبد الرزاق شكارة
عقد المؤتمر في مدينة جميلة تسمى برزبن في غربي أستراليا على الساحل الباسفيكي الجنوبي حيث أجواء مواتية تنمي روح البحث العلمي والمناقشات العلمية الاكاديمية بصورة لامثيل لها مقارنة بمنطقتنا العربية أو الشرق أوسطية من طرح لمختلف وجهات النظر وتبادل للاراء والاستماع للنقد الموضوعي دون تشنجن أو توتر . تم الاستعداد للمؤتمر منذ عامين سبقت الحدث ومنذ ذاك الوقت تم اختيار المنطقة والوقت المناسب مع تهيئة كافة المستلزمات اللوجستية للإعداد وللتنفيذ بصورة سليمة مريحة لكل من حضر المؤتمر. علما بإن أوراق المقترحات تم غربلتها من أكثر من 4500 ورقة بحث الى 700 ورقة تقريباً ، وعلى ضوء ذلك حضر للمؤتمر المشاركين والمستمعين للمؤتمر في الفترة بين 21-25 من شهر تموز 2018 في مدينة برزبن الاسترالية الذي تمييز بدرجات معتدلة وصلت إلى 25 مئوية قياساً على درجات الحرارة العالية في العالم وفي العراق بوجه الخصوص ما أشعرني بإنني مرفه وربما مذنب جداً لوجودي في منطقة سياحية جميلة ولكن العزاء إنني جئت لهدف أساسي مهم وهو تقديم ورقة بحث عن العراق عنوانها : العراق بين الاندماج والتشتت (وجهة تحليل شخصية وتحليلية معا) . إن عدد المشاركين الكلي بلغ قرابة 2700 وعدد الجلسات حددت 400 منها جلسات تخص مختلف مناطق العالم في الامريكتين الشمالية والجنوبية ، القارة الأوروبية بكل دولها ومناطقها واقاليمها وكذلك القارتين الآسيوية والافريقية وأخيراً القارة الباسفيكية التي تضم أستراليا ونيوزلندة وغيرها من مناطق العالم. غطت الأوراق منطقة الشرق الأوسط ومن ضمنه العراق باعتباره محوراً مهماً في أمن واستقرارالمنطقة. من خلال عرض ورقتي ومناقشة الأوراق التي تعرضت لمنطقة الشرق الاوسط كنت حريصا أن اوضح مدى أهمية دور العراق الحيوي في ترتيبات وخريطة الشرق الأوسط الكبير وسيناريوهات التغيير المستقبلي وهو أمر أخذ بعين الاعتبار ما أثار اهتمام الحاضرين بطروحات الامن بصورته الشاملة والامن الانساني بشكل خاص. لعل من الموضوعات الاساسية المهمة ما يلي : ازمات النزوح للمهاجرين العرب من مناطقهم إلى مناطق اخرى من العالم بضمنها العراق .مناطق تتراوح أجوائها بين التوتر والعنف الشديد كمنطتنا العربية عموما أو أخرى أمنة ومستقرة نسبيا . ولعل من توفرت له جرأة خاصة وإمكانية مناسبة ماديا ذهب لدول اخرى بعيدة عن مناطقتنا في اوروبا ، امريكا بشقيها الشمالي والجنوبي ، أو الى مناطق القارة الاسيوية – الباسيفيكية (إستراليا ونيوزلندة تحديداً). ركزت الأوراق على نزوح اللاجئين من سوريا بإعداد كبيرة فارين من حومة القتال الدامي إلى الدول المجاورة أولا (تركيا ، الأردن ، لبنان والعراق أيضاً الذي ذاته في موقف لايحسد عليه إنسانياً) وثانياً الدول التي استقطبت اللاجئين خاصة في القارة الأوروبية برغم التحديات التي تجابهها وقلقها من أن يكون بين هؤلاء الاشخاص من لايكون وجوده مريحاً من الناحية الأمنية مع كل ما يثار من تداعيات الارهاب أو من منظور ايجابي يتمثل بمدى إمكانية استفادة دول المهجر من خبرات وإمكانات البعض الاقتصادية والتجارية كما إن جزءاً آخر كبير نسبياً خاصة من هؤلاء اللاجئين ليست لديهم مستويات تعليم أو بحث علمي عال القيمة ما يشعر الدول المستضيفة إنها مثل هذه الهجرات ستمثل مخاطر وأعباء إجتماعية واقتصادية بل وأمنية . حقيقة إن تداعيات النزوح داخل البلاد العربية أو الهجرة خارج حدود الوطن العربي لها تداعيات كبيرة جداً إذا لم تعالج بحنكة ستزيد من مشكلات وأزمات الدول المستقطبة. العراق لايقارن بسوريا من حيث أعداد المهاجرين الى الدول الأوروبية وغيرها من دول العالم ولكن لديه أيضاً مشكلة هجرة تفاقمت منذ عهود سابقة آخرها عهد صدام حسين مع خروج الكثير من الكفاءات العراقية حيث استمرت الهجرة وبمعدلات كبيرة إلى دول أكثر أمناً واستقراراً وربما مستقبلاً أفضل هذا إذا تم التخطيط والإعداد المناسب لها . الموضوع الآخر الذي استقطب الاهتمام مسألة الفساد وهي حرب من المفترض أن تكون أوارها مستعرة كثيراً خاصة عقب الانتهاء الكلي من النفوذ العسكري لداعش ليس في العراق بل في عموم منطقة الشرق الأوسط وافريقيا. ولكن كما تنقل الانباء أن بعض الذيول أو الخلايا السرية مازالت موجودة في عدد من دول العالم ليس فقط في منطقتنا ولكن في مناطق أخرى بعيدة عنا في أوروبا ، آسيا وفي الولايات المتحدة الاميركية ما يضيف للموضوع حيوية تستدعي معالجة الآثار والتداعيات الإنسانية والقانونية والأمنية بصورة شمولية وواقعية . نوقشت أيضاً مسألة أنظمة الحكم السياسية في العالم وفي منطقتنا تحديداً حيث أكدت من خلال ورقتي على أهمية بل وضرورة الحكم الرشيد بعيدا عن كل المسميات والأشكال المعروفة مثل الأنظمة الرئاسية والبرلمانية أو شبة الرئاسية وغيرها التي تميزت بها دول العالم. إذ ما يحتاجه المواطن العراقي وكل من يقطن هذه البقعة الغالية مستلزمات إنسانية واضحة بسيطة من أمن مستتبب ، سكن لائق ومريح وغذاء وماء صحي وبنى تحتية أبرزها توفرشبكات نقل الكهرباء والمياه والاتصالات والنقل الى كل مناطق العراق دون تمييز من أي نوع كان اللهم إلا على أساس أولوية الحرمان الكبير جداً الذي تعان منه الكثير من مناطق العراق ضمن إطار التخطيط العمراني الحديث للمدن وللاقاليم وفقاً للنمط المميز حضارياً وإجتماعياً لها . إن مشكلة العراق وأزماته ليست بعيدة عن الأزمات في عالمنا الذي يعرف ب"الثالث" أو "المتخلف" أو في بعض الدراسات "النامي دون تحديد لدرجة النمو". ولكن العراق وبرغم إمكاناته الضخمة جدا خاصة من الموارد الطبيعية - النفط ، الغاز ، الكبريت ، الفوسفات وغيرها من موارد حيوية - إضافة إلى قدراته البشرية المتخصصة سواء منها في الداخل والأكثر منها في الدول المستقطبة للعمالة وللخبرات المتخصصة والمعترف بها عالميا مازال قوة غير مؤثرة في مسار الأحداث وتوازنات القوى الاقليمية والدولية ما يسترعي الانتباه لضرورة تغيير مثل هذه الواقع المتردي أو ربما أيضاً في عرف البعض واقع يدل على فشل الدولة في توفير أبسط المستلزمات الأساسية لمواطنيها من حقوق وحريات. الوضع الطبيعي أن تكون كل أنواع الطيف العراقي مهما كانت مصادرها ومرجعياتها جزءاً من بناء عراق جديد مندمج إجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وأمنياً متمكن من حماية أراضيه وأقاليمه من كل التدخلات الإقليمية خاصة تلك التي تؤثر سلباً على سيادته الوطنية وحماية أمن سكانه في كل مناطقه العراق. هذا وعند النظر من خارج نافذة قاعة المؤتمر أجد أن سكان هذه المدينة الاسترالية يتابعون يومياً حياتهم الطبيعية دون خوف أو وجل من أي خطر محدق بهم ولعل درجات الأمن والاستقرار والرفاه الذي تعيشه برزبن مدينة المؤتمر هذه يماثل أو ربما قد يتفوق نسبيا على كل الكثير من مناطق العالم التي هي الأخرى تتحمل مسؤوليات الجسام من أبرزها إحترام إرادات ومطالب شعوبها المشروعة . ما يؤدي في نهاية المطاف لنجاح وتفوق دول العالم المتقدم إضافة إلى الدول التي تعد صاعدة إنسانيا رغم استمرار التحديات التي تجابهها وهي الأخرى كثيرة ولكن عزاؤها – جميعاً - إن انظمتها السياسية تحت مجهر الشعوب ولاتخرج سلوكيات حكوماتها على إحترام القانون وتطبيق العدل الاجتماعي . الأهم ليس وجود أفضل الأنظمة السياسية والدساتير المنظمة للسلطات المشروعة على الورق ولكن ضرورة توفر أفضل الأداء والممارسة الانسانية "سميها الديمقراطية أو الحكم الرشيد" أياً كانت التسمية المهمة فعلياً هوحماية الإنسان من كل العواقب والتهديدات التي تؤثر على حياته ومستقبل أجياله الصاعدة وعلى رأسها شرائح الأطفال والشباب الذين عانوا الكثير من إدارات سياسية متصارعة على الحكم ولكنها لم تنجح في تلبية الآمال العريضة إنسانياً لشعوبها في معرفة المفيد من تجارب الآخرين ما يوفر فرصاً حيوية لتحقيق التقدم الفعلي لشعوبنا ودولنا وعلى رأسها العراق.

شارك الخبر على