الاستثمار في كرة القدم العربية.. دروس من كأس العالم

أكثر من ٥ سنوات فى الشبيبة

محمد بن محفوظ العارضييبدو أن إثارة ومتعة وتشويق كرة القدم لن تتوقف عند حد إلهاب حماس العشاق والجماهير والمتابعين، ولكنها تمتد أيضاً إلى قاعات التداول في البورصات وأسواق المال، وفي أروقة شركات إدارة صناديق الاستثمار، وصولاً إلى المساهمة بنسب معتبرة في الناتج المحلي الإجمالي لعدد من الدول حول العالم، مروراً بفتح آفاق استثمارية جديدة تدر عوائد مالية قياسية مقارنة بالمجالات التقليدية.في بطولة كأس العالم الأخيرة روسيا 2018 كانت الإثارة حاضرة، ليس فقط بسبب المفاجآت المدهشة والخروج المبكر لعدد من الفرق العريقة، وظهور قوى كروية جديدة، وما تبع ذلك من تغيرات في الخريطة الكروية العالمية، ولكن أيضاً بسبب التغيرات الحادة في القيم السوقية لبعض اللاعبين أثناء البطولة والتي وصلت إلى أرقام فلكية، وحولتهم إلى أصول متزايدة القيمة تدر أرباحاً طائلة بالنسبة للأندية المتعاقدة معهم.وليس بعيداً عن كأس العالم، ورغم خروج بلاده من دور الـ16، إلا أن النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو كان حديث المجالس في أروقة أسواق المال، عندما ربح سهم "يوفنتوس" نحو 40 في المئة، وفقاً لوكالة "بلومبيرج"، عقب سريان أنباء انتقال "الدون" إلى صفوف النادي الإيطالي الموسم المقبل قادماً من ريال مدريد في صفقة تاريخية بلغت قيمتها 132 مليون دولار، بل إن بعض التقديرات ذهبت إلى القول أن "يوفنتوس" تمكن من استعادة نصف ما دفعه لكريستيانو رونالدو، حيث باع ما قيمته 60 مليون دولار من قمصان النجم البرتغالي، حتى قبل أن يلمس الأخير الكرة مع فريقه الجديد، كما حققت مبيعات تذاكر النادي خلال الموسم الجديد مبيعات قياسية وسجلت ارتفاعات غير مسبوقة في أسعارها في ظل الزيادة التاريخية في الطلب عليها.ويمكن في ضوء هذه الأرقام الفلكية القياس على ما سيعود على الخزينة الإيطالية من عوائد مباشرة من الضرائب والرسوم، بالإضافة إلى العوائد غير المباشرة الأخرى من السياحة وحقوق النقل التليفزيوني والإعلانات وغيرها. والأمر نفسه بالنسبة لكل الدول المتقدمة كروياً أو التي تمتلك دوريات قوية مثل إنجلترا وأسبانيا وفرنسا وغيرها.وليس مستغرباً أن تحقق روسيا، التي احتضنت واحدة من أفضل دورات كأس العالم تنظيماً، إيرادات تقدر بنحو 13.5 مليار دولار، حسب بيان صادر من اتحاد السياحة الروسي، أي ما يعادل 1% من حجم الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، واستقطبت المدن الروسية، التي استضافت المونديال، قرابة 5.7 ملايين مشجع، نصفهم أجانب، وبحسب مصرف "سبير بنك" الروسي فإن إنفاق السياح الأجانب خلال المونديال بلغ 5.1 مليار دولار.إذاً، كرة القدم تعزز مع كل جولة جديدة من جولات المونديال مكانتها كصناعة تفتح مجالات استثمارية واسعة على الصعد كافة، وهو الأمر الذي لم نستفد منه بالشكل المطلوب بعد في دولنا العربية، فعلى الرغم من التجارب الاستثمارية الناجحة لرؤوس أموال عربية في عدد من أكبر أندية العالم مثل مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان وغيرهما، وكذلك بعض التجارب المحلية في عدد من الدول العربية التي شهدت تأسيس القطاع الخاص لأندية أو شراء فرق كروية تلعب في الدوري الممتاز، إلا أن الأمر مازال يدور في فلك المبادرات ولم يحظ بالاهتمام اللازم تشريعياً واستثمارياً بعد.وبالنظر إلى الجزء المملوء من الكوب، فإن حالة عدم النضج الاستثماري الكامل في سوق كرة القدم العربية تتيح مجالات جيدة لرؤوس الأموال الباحثة عن اقتناص فرص استثمارية حقيقية، على أن يتوازى ذلك - أو بالأحرى يسبقه - إصدار الجهات المعنية للتشريعات والقرارات التنظيمية اللازمة لتحويل الأوساط الكروية إلى الاحتراف الكامل الحقيقي، والضرورية لحفظ حقوق الرعاية، والمنظمة لانتقالات اللاعبين وكذلك لتأسيس أو شراء الأندية وتدشين أكاديميات كرة القدم لاستقطاب المواهب الكروية التي تزخر بها بلادنا في سن صغيرة.وبمد الخط على استقامته، يجب المسارعة إلى تفعيل قرارات تحويل الأندية إلى شركات مساهمة (خاصة أو عامة) وهي الخطوة التي اتخذتها بعض الدول العربية، ولكن تجربتها لم تنضج بعد بالشكل الكافي، وذلك وصولاً إلى إدراج الشركات الناجحة منها في الأسواق المالية، وإتاحة الاستثمار فيها للصناديق والمحافظ الاستثمارية.إن دولنا العربية غنية بالمواهب في المجالات كافة، خصوصاً الرياضية، ولدينا حالياً سفراء فوق العادة من نجوم كرة القدم العالمية مثل محمد صلاح ورياض محرز وأشرف حكيمي ومهدي بن عطية وغيرهم، وبالتأكيد هناك العديد من المواهب العربية الصغيرة المغمورة التي تبحث عن فرص مثيلة لما حظي به هؤلاء، وهذا لن يحدث إلا بإحداث تغيرات جذرية في المنظومة الرياضية العربية، وحينها لن تكون المشاركة العربية باهتة كما كانت في مونديال 2018.

شارك الخبر على