إيطاليا تنقلب على أوروبا

أكثر من ٥ سنوات فى الشبيبة

لوكريزيا رايكلينلقد مضى أقل من شهرين منذ أن شكّلت حركة النجوم الخمسة الشعبوية وحزب الرابطة اليميني حكومة إيطالية جديدة، لذلك من السابق لأوانه أن نعرف كيف سيُحوِّل التحالف خطاب حملته الانتخابية إلى سياسات ملموسة. في الواقع، ربما تُقيّد تناقضات التحالف الداخلية نطاق عمله التشريعي، أو حتى تتسبب في انهياره – وربما حتى قبل انتخابات البرلمان الأوروبي المقرر عقدها في مايو 2019. ومع ذلك، ليس من السابق لأوانه أن نرى ما يعنيه موقف الحكومة الإيطالية المُعادي لأوروبا بالنسبة إلى أوروبا. فيرى قادة الاتحاد الأوروبي الذين يراقبون الوضع من بروكسل أن الديناميكية السياسية التي أطلقها تحالف حركة النجوم الخمسة وحزب الرابطة يمكن أن تكون أهم بكثير من أي مبادرات سياسيات محددة. ويُعدّ تحالف حركة النجوم الخمسة وحزب الرابطة أول حكومة مناهضة للاتحاد الأوروبي صراحةً تصل إلى السلطة في إحدى الدول الأعضاء المؤسسة للاتحاد. ورغم أن تطرفها يُعدّ في جزء منه ردا على الأداء السيئ للاقتصاد الإيطالي على مدار العقدين الفائتين، فإن نوعا مشابها من السياسة المناهضة للمؤسسات قد ضرب بجذوره في البلدان الأوروبية الأحسن حالا. ولأن إيطاليا أبعد ما تكون عن الشذوذ، فإنها يمكن أن تكون نذيرا لما ينتظر كثيرا من البلدان الأخرى، لا سيما بعد انتخابات الاتحاد الأوروبي. لم تتوانَ الحكومة الإيطالية الجديدة في اتخاذ موقف متشدد بشأن الهجرة. وحتى الآن، أجبر طعن إيطاليا في الاتحاد الأوروبي بسبب الهجرة دولا أعضاء «أساسية» مثل ألمانيا على البدء في النظر في حلول تفاوضية للمشكلة. لكن اتباع نهج تعاوني مُجد حقا لا يزال يبدو أمرا بعيد المنال.ويعني ذلك أن الحكومات التي تتعاطف مع موقف سالفيني ستواصل على الأرجح اتباع سياسات انفرادية، وهو ما قد يهدد نظام شنغن للسفر بدون جواز سفر داخل معظم دول الاتحاد الأوروبي. وتدمير هذه المؤسسة الأوروبية الأساسية قد لا يكون هدف سلفيني المعلن، لكن من الواضح أنه ينحو بالأمر في هذا الاتجاه.وفي الوقت نفسه، على صعيد السياسات الاقتصادية، استحدثت الحكومة الإيطالية الجديدة «قانون الكرامة» (decreto dignita)، الذي سينقض بعض إصلاحات سوق العمل التي سنّتها حكومة اليسار المعتدل برئاسة ماتيو رينزي، رئيس الوزراء الأسبق. فهذا القانون، على وجه التحديد، سيزيد من صعوبة فصل الشركات للعمال ذوي العقود الدائمة، أو توظيف عمال بعقود مؤقتة على المدى الطويل. ويتوقع تحليل تقني أجرته وكالة التأمين الوطنية التابعة للدولة أن القانون الجديد سيؤدي إلى حدوث انخفاض عام في التوظيف، وأن ذلك سيؤثر سلبا على الميزانية الوطنية. وردّا على هذه النتائج، هددت الحكومة بإقالة رئيس وكالة التأمين الوطنية.إن هجوم حكومة تحالف حركة النجوم الخمسة وحزب الرابطة على استقلال الخدمة المدنية يُقدِّم عينةً مما هو آت في المستقبل. ويدور حاليا صراع أوسع نطاقا داخل الائتلاف حول كيفية التوفيق بين أجندات السياسة الاقتصادية اليسارية واليمينية في حدود قيود القواعد المالية للاتحاد الأوروبي – التي يقول وزير المالية الحالي جيوفاني تريا إنه يريد التمسك بها. ويمكن أن يتأزم هذا الصراع إذا مضى الائتلاف في تنفيذ مقترحاته الخاصة ببرنامج الدخل المضمون، وإصلاحات المعاشات التقاعدية، والتخفيضات الضريبية.ورغم أن أهداف الحكومة العاجلة تركز على أمور داخلية، فإن سياساتها قد تكون لها تأثيرات بالغة على الاتحاد الأوروبي بوجه عام. والحكومة، كما رأينا بالفعل في حالة سياسة اللاجئين، ستتخذ على الأرجح موقفا تصادميا تجاه الاتحاد الأوروبي كلما أمكنها ذلك. وعلى كل حال، فإن الطعن في الاتحاد الأوروبي يترك أثرا جيدا على كلٍّ من القاعدتين الانتخابيتين لحركة النجوم الخمسة وحزب الرابطة، والحكومات الأخرى – لا سيما حكومتا المجر وبولندا – قد أثبتت بالفعل فعالية تحميل بروكسل ذنب إخفاقات محلية.ولكن ما هي نهاية المطاف؟ يمكن، من ناحية، تفسير موقف الحكومة الإيطالية العدواني على أنه مناورة تفاوضية ضد الاتحاد الأوروبي، ويمكن، من ناحية أخرى، أن يكون استراتيجية سياسية من أجل انتخابات الاتحاد الأوروبي المقبلة. وقد يكون تحالف حركة النجوم الخمسة وحزب الرابطة يحاول، مثل الأحزاب القومية المُنبعِثة في دول أعضاء أخرى، أن يدفع الاتحاد الأوروبي نحو اتحاد أكثر انفتاحا تُعاد فيه صلاحيات السياسات العامة الرئيسية إلى الحكومات الوطنية.ولكن هذه النتيجة، بالنسبة إلى بلدان منطقة اليورو، ستؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار. وفي غياب سياسات ميزنة وقواعد موحدة متوافقة، لا تكون أي عملة موحدة مستدامة. ورغم أن حركة النجوم الخمسة وحزب الرابطة لا يطالبان بالانسحاب من منطقة اليورو، ناهيك عن الاتحاد الأوروبي، فإن أجندتهم الداخلية ظاهريا من شأنها أن تؤدي لا محالة إلى الإضرار بأساسات الاتحاد.يجب على الاتحاد الأوروبي أن يستجمع قواه. فنحن على وشك رؤية الضرر الذي يمكن أن يحدث حينما تتّبع إحدى الدول الأعضاء الكبيرة برنامجا مناهضا للاتحاد الأوروبي. وتثبت إيطاليا أنه من دون إحراز تقدم نحو جعل «الاتحاد أوثق من أي وقت مضى»، يمكن أن يحدث التفكك الهادئ في القريب العاجل.المديرة السابقة للبحوث في البنك المركزيالأوروبي وأستاذة الاقتصاد في كلية لندن للأعمال.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على