سياسة الترقيع لن تُجدي..

ما يقرب من ٦ سنوات فى المدى

 د. أثير ناظم الجاسور
دون أدنى شك يمر العراق في هذه الأيام أصعب مرحلة في عمر الدولة الناشئة بعد عام ٢٠٠٣ بعد أن كبر الشرخ في حائط الثقة بين المواطنين والحكومة. الأوضاع الحالية تنذر بخطر كبير في المستقبل القريب، فحتى لو افترضنا أن التظاهرات التي تجتاح المحافظات الجنوبية والوسطى ستهدأ في الأيام القادمة فان ذلك سيكون الى إشعار آخر، خصوصاً وان الإجراءات المتبعة في التعامل مع المتظاهرين لا تعطي انطباعاً بوجود نوايا طيبة لاحتوائهم، وسياسة الترقيع المتبعة سيكون عمرها قصيراً مقارنة بالإخفاقات الكبيرة وسوء الإدارة المبنية على الوعود الكاذبة ورسم صور من الخيال للمواطنين. بالتاكيد إن الأصوات التي تعالت للمطالبة بحقوقها أربكت الطبقة الحزبية وأدخلتها في حالات من الخوف إذا ما أردنا أن نسميها صدمة، لأن مكانتهم داخل المجتمع معرضة للزوال اذا ما استمر هذا الغضب الشعبي. علمياً تسمى ردود الأفعال الشعبية بالمدخلات وهي تعد مجموعة من المطالَب التي ينادي بها المواطنون من أجل تحسين أحوالهم المعيشية وتوفير أبسط متطلبات الحياة الانسانية، وما تصدره الحكومة يعرف بالمخرجات التي تعتبر ترجمة لمطالب الجماهير وتكون على شكل قرارات تساعد بعض الشيء من التخفيف من حدة الغضب الحاصل، لكن مخرجات الحكومة جاءت بشكل مغاير فقطع خدمة الانترنت كي لا يتواصل المواطنون ولا يشاهدوا قدر الإمكان ما يحصل في المحافظات الجنوبية كانت خطوة غير مدروسة، لأن الحكومة يجب أن تعلم أن المعاناة واحدة واجتاحت الجميع دون تمييز وكان أول مُخرج خطأ. في الحقيقة لم يعانِ مواطن في العالم مثلما عانى المواطن العراقي مع أن بلده من أغنى بلدان العالم ويطفو على بحر من الخيرات والموارد الطبيعية التي من الممكن أن تغنيه لغاية مماته، لكن الكارثة التي يعيشها العراقي قد أوصلته الى الشعور بالغربة وهو داخل بلده. وطيلة هذه الفترة من سياسات الفشل المتبعة والمواطن ينتظر دون كلل على الأقل أن تأتي مرحلة يشعر معها بإنسانيته، لغاية ما توصل اليه الْيَوْمَ من إنه يعيش في وادٍ والحكومة في وادٍ آخر، بل أن ما زاد الطين بلة تعامل القوات الأمنية معه بهذه الطريقة التعسفية، وهذا ثاني مُخرج خطأ. منذ العام ٢٠١٤ والدولة العراقية تحمل تركة بائسة من حكم الفساد والمحاصصة إبتداءً من تبديد ميزانيات الدولة وصفقة اجهزة كشف المتفجرات التي أنتجت أياماً دامية تناثرت فيها مئات الأجساد المظلومة ودخول جماعات داعش الإرهابية وسقوط الموصل وجريمة سبايكر الخ .. من الأنكسارات، لكن حتى بعد تلك الإخفاقات لم يستغل رئيس الوزراء حيدر العبادي غضب الشعب على هذه الشريحة الحزبية المتهالكة، بل استمر بترقيع ما خربه غريمه وشريكه الحزبي، واستمر بالوعود التي لم يمتلك القدرة على تحقيقها وأهمها مشروع الإصلاح الذي نادى به لضرب الفاسدين ومحاسبتهم، وترك الشعب يعاني البطالة والفقر وسوء التعليم والصحة والخدمات، وانتهت بضرب المتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي وخراطيم المياه وهذا ثالث مُخرج خطأ.أما الْيَوْمَ فكل الأدوات المستخدمة في احتواء الغضب الشعبي الذي انقطعت بهم السبل تفتقر للحكمة والصدق، فصرف ٣.٥ ترليون دينار لمحافظة البصرة والوعود بإطلاق الآلاف من الدرجات الوظيفية لأبنائها تبقى في دائرة الحلول الترقيعية، لأن هذه الخطوة غير المحسوبة ستكلف الدولة والسيد العبادي غالياً لأن الحكومة غير قادرة على تلبية ما وعدت به، بالتالي فان الحكومة ستفتح على نفسها أبواباً لا تقفل وستزيد من السخط الشعبي، وهذا رابع مُخرج خطأ بل غير منطقي لأن الحياة الكريمة التي ينادي بها المواطنون لا تقتصر على رصف طريق وتأمين وظيفة.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على