في استذكار حركة الثالث من تموز ١٩٦٣..بيت ( المدى ) يستعيد ذكرى المناضل حسن سريع

ما يقرب من ٦ سنوات فى المدى

  زينب المشّاط عدسة/ محمود رؤوف
ما أكثر الحكايات والحركات العسكرية في هذه البلاد، وما أكثر الوجع الذي يُغلّف نهاياتها، فهي تلتهم الأبطال، وتبقي على رموز الاحتيال والخديعة، وما إن تشتعل ثورة حتى تلّف كل شيء من حولنا دون أن تُحقق مُبتغاها، إلا ان هنالك ثورات تبقى خالدة ويبقى أبطالها عالقين في أذهاننا كما علق النائب عريف حسن سريع في قيادته لانتفاضة 3 تموز 1963....
المدى تستذكر مناضلي الوطن، وتمنحهم تكريمهم وخلودهم الذي يستحقونه، فكيف لنا نراهم يمرّون هكذا مرور الكرام دون ردّ الجميل بالذكرى، في جلسة أقيمت صباح يوم الجمعة الفائت على قاعة بيت المدى في شارع المتنبي لاستذكار المناضل حسن سريع وحركته الثورية بحضور كبير رغم ما شهده الطقس من حرارة إلا أن مشاعر الحاضرين أكثر حرارة بل وأعمق إضافة الى الحضور الإعلامي الذي شهدته الجلسة ....
الانتفاضة المُعتّم عليهاالاحتفاء بالانتفاضة المنسية والمعتم عليها على مدى أكثر من 40 عاماً لم يكُن عابراً بل هو واجب نعترف من خلاله بحركة صادقة ونضالية، ونذكر أحداثاً وأشخاصاً يستحقون منا الذكر، المؤرخ والباحث توفيق التميمي يتحدث عن الجلسة من خلال إدارته لها ويقول "إن هذه الانتفاضة عُتّمت ولم يذكر أحد شيئاً عنها فالمفكر الاقتصادي سليم الوردي يذكر أنها انتفاضة لمعسكر الرشيد في تموز 1963، وللأسف تواطأ الجميع على تعتيمها من الخصوم والموالين." فمفكر مثل حنا بطاطو كتب عن تاريخ العراق بثلاثة أجزاء يذكر ثورة كهذه بسطر واحد فقط . ويشير التميمي إلى أن " الطامة الكبرى أنّ الحزب الشيوعي العراقي لم يذكر الانتفاضة إلا بخمسة سطور فقط، ليؤرخها شخص بعثي وهو الدكتور علي كريم سعيد." فهذا أول انقلاب يحدث بقيادة نائب عريف ،لأن كل الانقلابات تحدث من قبل ضباط أصحاب رتب عالية ومعروفة في الجيس وهنا المفارقة...
انتفاضة بحروف ذهبيّة شاهد من ذلك الزمان وهو الكاتب محمد جاسم اللبان يتحدث عن حجم المؤامرة وأسباب فشل ثورة كهذه ويقول "لا أظن أن أحداً لا يتذكر حجم تآمر سلط على ثورة 14 تموز من قبل طيف واسع من أعداء الثورة وأعداء الحرية من دول أجنبية وإقليمية وأعداء داخليين وطبقات مرتبطة بالنظام الملكي اضافة الى الحزب البعثي العربي الاشتراكي والدول القومية التي تكالبت بحلف غير مقدس منذ لحظة نجاحها في 14 تموز الى اغتيالها في 8 شباط الأسود."أما عن دور الحزب الشيوعي بعد اغتيال ثورة 14 تموز، فيتحدث اللبنان قائلاً " لولا اغتيال هذه الثورة لما استطاع احد أن يمس الحزب الشيوعي وما يؤكد حديثي هو ما تم نشره في جريدة حزب البعث العربي الاشتراكي قبل 4 أشهر من انقلاب 8 شباط الذي تضمن "أن الأيدي التي تمتد للشيوعيين سوف تقطع ." وهذا يعني ان الخطة مبيتة..."وتحدث اللبان عن فضائل الثورة ومحاسنها وعمّا مارسه الحرس القومي ومتبعوهم من أساليب وصفها بالجهنمية لقمع هذه الثورة وقمع كل متبعيها.وبعد تلك 8 شباط صفيّ أكثر من 5000 شيوعي في أول الايام في طليعتهم سلام عادل، ومحمد العبلّي وغيرهم من الاسماء القيادية في الحزب الشيوعي بقائمة طويلة.ولهذه الاسباب انطلقت حركة حسن سريع البطولية وهو نائب عريف لم يكن له سوى التزامه بواجبه تجاه الشعب ودفاعه عن الكادحين ومعرفته ان هذا النظام " البعثي الذي قام بانقلاب 8شباط" هو نظام تخريبي، ليقود سريع كما ذكر اللبان ويخطط" لانتفاضة بطولية كتبت بأحرف من ذهب في السفر النضالي للحزب الشيوعي وجمع من حوله مئات الشباب لهذه الانتفاضة وكانوا بمراتب بسيطة وللاسف لم تنجح الانتفاضة لعدة أسباب، منها عدم وجود كوادر عسكرية من ضباط قادرين على التخطيط والتنفيذ، وعدم التنسيق للحركة بالشكل الصحيح، إضافة الى عدم وجود خطط بديلة و لعدم التكافؤ بين أبطال الانتفاضة والحكم الفاشي بقيادة البعثيين ."ورغم ما تميّزت به الانتفاضة من ميزات عسكرية إلا أنها اتسمت بسمات إنسانية، وليست ثورية فحسب .الحركة اعتمدت جانبين الاول تنظيمي عسكري والثاني مدني، يتحدث عباس حسن وهو ممن كتبوا عن هذه الانتفاضة وشهدوا أحداثها وهو من المناضلين الشيوعيين قائلا " سأتحدث عن الحركة التي اعتمدت جانبين الاول تنظيمي عسكري والثاني مدني، فبعد 8 شباط وما حصل الشيوعيون جميعهم انشطروا والبعض للاسف تعاونوا مع البعثيين لإلقاء القبض على بقية الزملاء ولعبوا دوراً مؤثراً في عدم التآم الحزب مرة أخرى." أقيمت حركات عديدة في ذلك الوقت من قبل الحزب الشيوعي وكانت من ضمن تلك الحركات حركة حسن سريع، التي يذكر عباس حسن "أنها حركة غير مخطط لها بشكل جيد ، فكان يتوجب وكما نعرف بجميع الحركات احتلال الإذاعة وإذاعة بيان الحركة وفرض منع التجوال، ولكنهم لم يقوموا بذلك ولم يضعوا الخطط البديلة."كما تحدث حسن عن قصة معسكر الوشاش، الذي كان مُهيأًّ للحركة ولكنه فجأة لم يتحرك وقال: طلب مني أن أحضر خمسين شارة في معسكر الوشاش يكتب عليها م.ش. أي مقاومة شعبية، ولكننا فوجئنا بعدم انطلاق الثورة ذلك أن المسؤول عن المعسكر كان قد أُخبر مسبقاً ان الحركة ستنطلق يوم خمسة إلا أنهم أطلقوها يوم 3 ولا نعرف لأسباب كل هذه الخبايا."في الردّ على المؤتمرالعشرينكان مُعلماً آن ذاك، وما إن سقطت في يده ورقة كتب بها أسماء أشخاص من المشاركين في هذه الحركة ليلتقيهم في ما بعد ويخبروه أنهم سيقيمون بهذه الحركة، السيد عدنان البياتي يتحدث عن الحادثة آنذاك ويقول "ظاهر علي الدليمي شقيق مظهر علي الدليمي ومعه نصر رحيم هؤلاء التقيا بي وأخبراني عن قيام الحركة وعلى انها ستكون في اليوم الخامس من تموز، في الوقت الذي قررت فيه مغادرة المدينة لأنتقل الى منطقة أخرى."ما قام به حسن سريع عمل بطولي بحسب وجهة نظر عدنان البياتي فهو يجدها ردّاً على قرارات المؤتمر العشرين للاتحاد السوفيتي الذي أقرّ فيه أن من الافضل ان تكون ممارسات الحزب الشيوعي النظالية سلمية وخالية من السلاح ،وهذا أمر غير منطقي لتأتي ثورة سريع بالرد على هذه الهرطقات، كما ان حركة سريع جاءت للرد على مجازر حزب البعث في شباط الاسود، وهي ثورة كادت ان تكون ناجحة لولا إخفاق التخطيط."
الخديعة أفشلت الحركةالجلسة تضمنت بعض المداخلات منها للمؤرخ هادي الطائي الذي يحاول غالباً أن يسلط الضوء على أحداث ثورة الراحل عبد الكريم قاسم، وربط الطائي الحركة التي قام بها سريع بثورة قاسم على أنها امتداد لتلك الثورة التي واجهت قمعاً كما ذكر الطائي " بسبب خداع بعض العسكريين من المقربين من قاسم حين أقسموا له بشرفهم العسكري والمدني أن ليس هنالك ما يُقلق وكانت النتيجة تغيير نظام الحكم القاسمي بمجزرة بشعة .ويذكر الطائي أن حركة سريع كان مُهيّأ لها عسكرياً ولكن ما حدث أيضاً تآمر وخداع ومد يدّ المخادعين لإفشال هذه الحركة التي كانت بحاجة الى دعم عسكري أكبر وأكثر صدقاً.

شارك الخبر على