غياب أدب المذكرات والسيرة من أدبياتنا ..التابوهات والوقوف ضد نزعة الاعتراف حال دون كتابة مذكرات وسير

ما يقرب من ٦ سنوات فى المدى

زينب المشاط
غيابٌ أو نُدرة يُعانيها الأدب العراقي من نوع من الأجناس الادبية وهي "المذكرات" او "السيرة الذاتية" حيث نُلاحظ في أدبيات كثيرة أهتمام المبدعين والكُتاب بأدب السيرة والمذكرات، سواء التي تسرد حكاية الروائي نفسه، أو كُتب تتضمن مذكرات مبدع أو سيرته الذاتية والتي يقدمها هو ذاته، أو يجمعها أحد بعد رحيله ليُقدمها لجمهور القُراء...الأسباب التي تعود وراء تغييب أدب المذكرات أو السيرة في العراق غير واضحة، رغم إن ما يمر به أو ما مرّ به العديد من المثقفين والأدباء العراقيين أهلٌ للتوثيق والتدوين والحديث عنه، لما يتضمنه من قضايا ذات أبعاد سياسية واجتماعية...في موضوع طرحته الكاتبة والروائية العراقية لطفية الدليمي قبل حوالي عام على صفحات الفيس بوك يتعلق بأدب السيرة الذاتية أشارت "أن ضيق الحرية في الوطن العربي والعراق خصوصاً كان عاملاً في غياب هذا النمط من الأدبيات الذي من المفترض ان يكون شجاعاً وكاشفاً، وأن الكاتب العراقي يتجنب هذا النوع من الادبيات لخوفه مما قد يتعرض له بعد كشف بعض الأسرار والأحداث من تشويه اجتماعي وتسقيط سياسي." وذكرت الدليمي في وقتها " أننا مجتمعات جوّانية منطوية على خراب تظنه أفضل ما في الكون، مجتمعات ضد نزعة الكشف والاعتراف، مجتمعات ترتضي بالدعارة المخيفة وتجتنب الحب النقي والمكشوف، فعن أي مجتمع نتحدث؟"في الوقت ذاته نجد أن ثلاثية " اللاجيء العراقي" ، "خلف السدة" ، و "دروب الفقدان" للكاتب العراقي عبد الله صخي تضمنت جانباً مهماً من سيرته الذاتية، ففي هذه الثلاثية كتب الروائي عبد الله صخي عن ذاته من خلال بطل روايته، وقد يكون صخي لم يكشف اسماء حقيقية في ثلاثيته تلك إلا أنه قدم وبكل تأكيد أحداث حقيقية ومهمة جداً للقاريء العراقي، فكان هذا نوع من أدبيات السيرة الذاتية التي قدمها الروائي من خلال روايته، ولابد من الإشارة الى أن صخي قدّم من خلال ثلاثيته تلك حقبة مهمة من تاريخ العراق وكشف عن أحداث مهمة في ذلك الوقت، إلا أن هذا لا يعني إننا نمتلك ادبيات كهذه بشكل واسع وكبير، فلا نملك رواية تتحدث عن شخصية الكاتب، او كتاب مذكرات يتضمن سيرة روائي او كاتب، وقد نجد في سطور بعض الروايات أبطالاً وأحداثاً واختلاجات تعبّر عن الكاتب أو تشير الى جانب منه لكن هذا لا يعني انها تعدّ بمثابة مذكرات للكاتب...معظم الروايات العالمية والعربية تعتمد، بشكل ما، على تجربة ذاتية، أي على شخصيات عايشها الكاتب أو جاءت من وحي تجاربه الشخصية، وأحيانا يسمع بها من خلال البيئة التي عايشها، يذكر الروائي شاكر الانباري أن "هذا النوع من الروايات تتضمن اعتراف أعلام الرواية أنفسهم. فالكاتب عموما يحتاج إلى مادة أولية عند بناء النص، ولا يمكن أن ينحت كل شيء من المخيلة أو يروي أحداثا لا تنتمي إلى واقع بعينه، عدا استثناءات قليلة من ضمنها الأعمال الخيالية أو القصص العلمية والبوليسية. لذلك يضطر الأديب إلى صياغة الأحداث والشخصيات، والأمكنة، لكن ليس بالضرورة كما وجدت أو جرت في الحياة، وهنا تلعب الموهبة، والثقافة، والحساسية الفنية دورا رائدا في تكوين عمل يكون مقنعا للقارئ أولا، ويمتلك الديمومة القافزة على نهر الزمن، متجاوزا الأفق المحلي الذي نشأ فيه ضمن ثقافة سائدة أو حضارة مهيمنة، ليصبح ملكا للإنسانية أجمع."" وفي بعض الأحيان تكون السيرة الذاتية للكاتب مادة استيهامية لإقناع القارئ بما حدث رغم أنها لم تكن كذلك." وهذه نقطة هامة يشير اليها الانباري قائلاً " إن هذا ما يمكن ملاحظته في أعمال هنري ميللر وبوكوفسكي، على وجه الدقة، دون نسيان ملحمة الكاتب الفرنسي مارسيل بروست المسماة البحث عن الزمن المفقود، واستخدم بشكل واسع طفولته، وشبابه، وبيئته التي نشأ فيها. نجد ذلك أيضا حتى في روايات نجيب محفوظ التي جسد فيها نبض القاهرة التي يعرفها، وعاش بين أزقتها، وعرف شخصياتها الشعبية، كزقاق المدق وبين القصرين وقصر الشوق والسكرية ثم الحرافيش، وغيرها من أعمال تصاعدت مع حياته القاهرية الملموسة. لكن بشكل عام لم يعتمد الكاتب العربي كتابة سيرته الشخصية لأسباب كثيرة، منها الرقابة الصارمة اجتماعيا وسياسيا ودينياً على أي نص يتكلم بشكل صريح عن المشاعر، وعن المغامرات الشخصية، والتجارب النسائية أو الرجالية. فثمة دائماً من يتربص بالكاتب، أو الكاتبة، لكي يربط ما يكتبه بتجاربه الشخصية، وبالذات مع النساء. ومثالنا هنا الرسائل المتبادلة بين غادة السمان وغسان كنفاني. وهذا المطب تجاوزته الثقافة الأوروبية، والغربية عموماً، بسبب توفر الحرية الشخصية في القول والنقد والاعتراف. والأفق الحضاري المعاصر لم يعد يعبأ، ومنذ قرون تقريباً، لأية رقابة أخلاقية وسياسية ودينية على النصوص." ورغم ان الانباري لم يُشير الى اسباب غياب ادب المذكرات والسيرة من ادبياتنا، الا انه لمحّ وبوضوح أنه نوع ادبي يحتاج الى الوضوح، والمكاشفة وان المجتمعات الغربية استخدمته لانها وفرت جانب من الحريات الشخصية في القول والنقد والاعتراف في مجال الادب، وهذا بالتأكيد ما لم يوفره المجتمع العراقي انها ظاهرة مرصودة من زمن لا في الأدب العراقي فحسب بل في الأدب العربي عموماً. هكذا يجدها الناقد نجم عبد الله كاظم، فهذه ظاهرة ليست عراقية بل عربية ويقول كاظم "حين نقول هذا فإننا لا نعني خلو أدبنا من هذا الشكل من الكتابة تماماً، بل هناك من المذكرات واليوميات والسِيًر شيء، ولعل من أشهر السير الذاتية وليست الغيرية، (الأيام) لطه حسين، ومنها السيرة الذاتية لجبرا إبراهيم جبرا في كتابين "البئر الأولى" و"شارع الأميرات"، وجزئياً بعض كتابات عبد الستار ناصر، وآخرها (أمواج، سيرة عراقية) لعبدالله إبراهيم." ويستدرك د. نجم عبد الله كاظم قائلاً " لكن هذا لا ينفي ظاهرة افتقاد أدبنا لها، كون الموجود قليلاً جداً."أسباب هذا الانعدام والذي يقدمها كاظم لتعليل هذه الظاهرة ذاكراً "تكمن هذه الاسباب في مجموعة عوامل، منها: أننا لا نملك في أدبنا القديم تراثاً في هذا النوع من الكتابة، والأهم أننا نحن العرب، وليس الأدباء فحسب، ليس لدينا اجتماعياً ثقافة كتابة اليوميات والمذكرات، لنفتقد بذلك التقليد والاعتياد اللذين نعتقد أن هكذا كتابة تنشأ وتُمارس بهما، كما هو الحال لدى غالبية شعوب العالم ولاسيما الغربية. "لم ينسى الناقد نجم عبد الله كاظم من الاشارة الى الواقع الاجتماعي الذي يحول بنا لعدم كتابة هذا النوع من الادبيات ويذكر قائلاً " ان اسباب هذا الغياب هو أمر يتعلق بأمور وطبائع وموانع تشكل هي نفسها عوامل أخرى، ونعني بها الضوابط والموانع والعادات الاجتماعية والثقافية التي لا تتيح لنا الكشف عمّا تحيا المذكرات واليوميات والسير به مما يكون مصدر حياء، فإنك مثلاً إذا ما أردت كتابة مذكرات أو يوميات فإنك لا يمكن أن تكون صادقاً فيها تماماً، إن لم تستطع مقاومة أو تجاوز تابوهات المرأة والجنس، والدين، والسياسة، وما أنت بقادر، فماذا يبقى للتكلم عنه إذن؟ ليس بالشيء الكثير والمهم غالباً."

شارك الخبر على