الفرح الدائم

أكثر من ٥ سنوات فى الشبيبة

أحمد المرشدلعلي وأنا اكتب عن السعادة موضوع مقالي اليوم أتمنى أن يشعر الجميع بها، فالسعادة هي سر الوجود والحياة بدونها مستحيلة، حتى لو قال قائل: إن الحياة عبارة عن مسرات وأحزان، ولكننا قادرون بإذن الله تغليب الأفراح على غيرها من الأتراح، ونخص السعادة التي إن امتلأت بها القلوب لعاش البشر حياة الملائكة. فالسعادة قرار إنساني ينبع من دواخلنا، ثم يتحول هذا القرار إلى سلوك أو نمط حياة، فنجد البعض يسير مهموماً وحزيناً طوال الوقت رغم ما نعلمه عن نعم كثيرة منحها له المولى عز وجل ولكنهم لا يشعرون بقيمة هذه العطايا الربانية، فيما نرى آخرين سعيدين طوال الوقت مع علمنا التام بما ألم بهم من مآسي ومعاناة ولكن رغم كل هذه الظروف الصعبة تجدهم والابتسامة لا تفارق شفاهم والبشاشة سمة دائمة لوجوههم.جزء كبير من السعادة تقرره الشخصية نفسها، فأفكارنا وسلوكياتنا تحدد مدى سعادتنا ومدى شعورنا بها في حياتنا، فالسعادة لا ترتبط بغنى وفقر كما يعتقد البعض والأمثلة لدينا كثيرة على ذلك، فربما كان الإنسان سعيداً وهو يعيش فقيراً ولكنه يشعر مع فقره بسعادة يفتقدها غيره، هذا لأن الشخص الفقير يسعد بما حباه الله من نعم ولكنها ليست مالاً وفيراً وأرصدة لا تعد ولا تحصى بالبنوك، وربما تتجسد هذه النعم في راحة بال وصحة وصحبة صادقة وأشقاء وعائلة متحدة تعيش كأصدقاء، مقابل آخرين أثرياء وناس لا يعانون قط من ضغوط الحياة وشظفها، وهؤلاء ليسوا هم الأكثر سعادة من الذين لا يفتقرون للثراء. فالسعادة هي مجموع ما نتخذه نحن من قرارات لنحول شعورنا في الحياة الى بهجة وفرح. ولهذا لا يجب أن نؤجل استمتاعنا بأي يوم تقل فيه مشاكلنا وضغوطنا الحياتية، ولننعم بأسباب السعادة مهما تضاءلت أو قلت ولنركز على الإيجابيات في وقتنا الراهن ولننهي الحديث عن أمجاد الماضي ولننظر إنجازاتنا في الحاضر والمستقبل الذي لا يجب أبداً القلق منه لأنه بيد الله. ولهذا، علينا أن نبتسم ونسعد بصحتنا وأن ندعو لغيرنا من المرضى بالشفاء وهم الذين يضحون بكل غال ونفيس من أجل استعادة صحتهم، ولنسعد لأننا أحياء نرزق وأمامنا الفرصة لندعوه سبحانه وتعالى بالرحمة والمغفرة والجنات العلي لأن من فارق الحياة يتمنى لو عاد للحياة للحظة ليعمل صالحا ينفعه، ولنكن مثل الذي يجلس على الشاطئ ويرى نتوءات وأعوجاجات البحر تضيق وتتسع من موقع لآخر، وموجاته لا تنتهي ما بين قوية وعنيفة وأخرى ضعيفة وهينة، فهكذا هي الحياة تسير بنا بين ضيق واتساع، تأخذ وتعطي، فلنسعد بعطاياها ولا نضيق بما أخذت، فما أخذته هو ماض وما هو آت يأتينا من المستقبل..هكذا الشخص الذي يسعد بنجاحاته بعد صراعات وإخفاقات، ليأتيه النصر فرحاً ولينسيه أوقاتا حزينة أو كئيبة مر بها، وهنا علينا أن نتذكر تلك اللحظات التي نجحنا فيها وحققنا انتصارات علي مشكلاتنا وأزماتنا. ولعل السعادة تكون في لحظة نتقرب فيها من الله بعد أن يستجيب لدعواتنا.ولا أكشف سراً إذا قلت إن الذي دفعني لكتابة موضوعي عن السعادة «بوست» جاءني من صديق في صباح أحد الأيام عبارة عن بحر يشق عبابه قارب صغير وقت الشروق وقد استدار قرص الشمس تماماً، وكان هذا مشفوعاً بجملة رائعة تقول: «قد يؤلمك العالم أجمع ويسعدك شخص واحد..ذلك الشخص هو الذي قد يؤلمك يوماً ويعجز العالم كله أن يسعدك.. صباح الخير والسعادة دون ألم». ولا أكشف سراً إذا قلت إنني فرحت بما جاءني وربما أفرح أحيانا ببوست من صديق وأرى فيه حلا لهم وغم آلم بي أو دعاء غاب عني، وهنا أشعر بسعادة غامرة..هل تعرفون لماذا..لأنني أشعر وأنا في هذه الحالة بأن المولى سبحانه وتعالى بجانبي وألهم غيري بأن يرسل لي ما يشعرني بقرب الله مني، وهذا في حد ذاته رضاء من الرب، ومن كان الرب بجانبه فلا يحزن أبداً.. وفي نفس اليوم تقريباً جاءني من صديق آخر «بوست» يقول: «لا تضيع عمرك بالانتظار لتبدأ أن تعيش حياتك»، ليلهمني هذا القول بضرورة العمل والسعي إليه وعدم الركون للراحة، وقد يجعلني هذا أفكر فيما لدي من أفكار، ونعم، ومشاعر..ويكفي أن أشعر بالتفاؤل والأمل لأعيش يومي سعيداً، أو أتذكر أن موعدي مع أصدقائي وقد اقترب حتى أشعر بالسعادة، أو أدرك ما لدي من أهداف حققتها وأخرى في طريقي لتحقيقها حتى أشعر بالسعادة، فمجرد تفكيري في كل ما سبق كفيل بإسعادي على الأقل باللحظة الراهنة. فالسعادة تسكن بدواخلنا وفي أعماقنا، فعندما نحب نشعر بالسعادة، وعندما نحل أزماتنا ونتجاوز فترات صعبة في حياتنا نشعر بالسعادة، لأن السعادة شعور كامن ويلازمنا طوال حياتنا ولكن يجب أن نستلهم هذا الشعور ونجعله شعارا لنا ولا نجعل أحزاننا تسيطر على داخلنا.وهل لدينا معنى للسعادة أكثر مما جاء بسورة (ص):{إنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ..}. فالغني لم يسعد بما لديه من نعاج كثيرة ليطمع بنعجة صاحبه، ولكن صاحب النعجة الواحدة لم يكن شقيا وحزينا بنعجة واحدة، ولهذا نرى كثيراً من الأثرياء لا يشعرون بما لديهم من نعيم وعز وجاه وسلطة، فهم لا يرون ما تمتلئ بها خزائنهم من مال وذهب وما تحتويه حدائقهم من زهور ورائحة وألوان خلابة، وتراهم يبكون من كثرة إفراطهم في الحزن والهموم، وفقدان راحة البال والسعادة والرضا بما يملكون، لأنهم غير قانعين بما لديهم فهم غير سعداء. وربما ترى هؤلاء يتساءلون عن سر سعادة إنسان فقير يضحك ويغني ويمرح مع أطفاله ويداعبهم ليشعرون جميعاً بالسعادة، فهذا الإنسان يرى نفسه وحياته بمنظور آخر مفاده: «هذه هي حياتي ولن أغيرها فلنسعد بها وبما لدينا». فمثل هذا الرجل لسان حاله يقول: «ليس لدينا سوى ربنا فهو يهتم بنا ويرعانا ويقف بجانبنا وعندما ندعوه يستجب لدعائنا، فلماذا لا أكون سعيداً وراضياً بما لدي فرب اليوم هو رب الغد وما أسعدني اليوم يسعدني غداً وأنا راضٍ بحالي».. وهنا نتذكر حديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتعود بطانا». فالسعادة نصيب، ونصيب الإنسان منها يتوقف على رغبته في أن يكون سعيداً، والسعادة قريبة منا ويجب أن نبحث عنها بداخلنا فنحن الذين نزرعها، فقط علينا أن ننظر إلى هؤلاء الذين أقل منا حظاً في المال والولد والأهل والخلان، وأولئك الأكثر منا في البلاء والضراء. فلنحيا حياة سعيدة فنحن لسنا أقل من الطير الذي يغدو خماصاً ويعود بطانا.كاتب ومحلل سياسي بحريني

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على