يوسف داوود.. مسيحي ألقى خطبة الجمعة وأنهى حياته بـ«قصص القرآن»

ما يقرب من ٦ سنوات فى التحرير

يوسف داوود.. صاحب الملامح الحادة، وطول القامة، والصوت الجهوري، والنبرة الضاحكة الباسمة التي يصعب أن يختلط على من يسمعها هوية صاحبها، مهندس كهرباء مدة 25 عامًا دفعه حبه للفن أن يرتحل إليه ويترك مهنته وراء ظهره بعدما تخطى الأربعين من عمره ليُصبح مهندسًا للكوميديا، رحل قبل 8 سنوات بهدوء بعيدًا عن الأضواء ليتذكره محبوه بشوشًا كما كان، تاركًا وراءه قرابة 100 عمل فني ما بين المسرح والدراما والسينما، كان فيها أحد أبرز أبطال الأدوار الثانية التي لا نزال نتذكرها.

النشأة

هو يوسف جرجس صليب، المولود في 10 مارس 1938، في منطقة السيوف بمحافظة الإسكندرية، ونشأ في أسرة قبطية متوسطة، وكان تلميذًا مجتدهًا طوال فترته الدراسية، ليلتحق بعد ذلك بكلية الهندسة بجامعة القاهرة قسم الكهرباء، وأحب التمثيل كثيرًا أثناء وجوده في الجامعة وشارك في العديد من الأعمال على مسارحها، وتخرج منها في العام 1960، ليقضي بعدها فترة خدمته العسكرية التي امتدت لأكثر من سبع سنوات، حيث كانت البلاد آنذاك في حالة حرب.

التجنيد

من المفارقات الكبيرة التي حدثت في فترة تجنيده، أنه رغم كونه مسيحي الديانة، إلا أنه قام بإلقاء خطبة الجمعة للجنود في الجيش، ففي أحد المواقع الحصينة بعد نكسة 67 تمركزت كتيبة من الكتائب خلف خطوط العدو، في هذه الكتيبة كان يوسف داوود جنديًا، يرابط على الحدود للحفاظ على تراب الوطن، وفي يوم جمعة، ذهب كل من في المعسكر لـتأدية الصلاة، وبعد انتهاء قرآن ما قبل الجمعة ظل الجميع يترقب من يصعد للمنبر للخطبة، كان أغلب من في الكتيبة يعرفون قدرة يوسف على الكلام، دعاه بعض الزملاء لإلقاء الخطبة، لا يعرف ماذا يفعل، بعد قليل قرر أن يتصدى للخطبة وقد كان، وبدأ يتكلم عن التماسك بين أبناء الوطن والوحدة.

بينما يُلقي يوسف الخطبة دخل قائد الكتيبة ليُصلي، أصابه الذهول، من هذا الذي يخطب على المنبر؟ القائد يتقدم نحو الخطيب، يوسف رآه وعرف ما يدور في ذهنه، فهو الشخص الوحيد في الكتيبة الذي يعرف أنه مسيحي، القائد دعاه للنزول وهو يبتسم، يوسف قال: "أنا قلت أنقذ الموقف يا أفندم"، رد القائد: "وأنت إيه اللي دخلك الجامع أصلًا؟ يا يوسف أنا أعرف أن عقلك وقلبك متعلق بالله، بصرف النظر عن الديانة، وأعرف حبك لتقمص الشخصيات، لكن يجب ألا يصل هذا، إلى تقمصك لدور خطيب وتصعد لتخطب في المصلين وأنت مسيحي"، يبتسم يوسف، ويرد: "عندك حق يا أفندم"، نظر له القائد وقال: "موعد إجازتك بكرة.. أنت محروم من الإجازة عقابًا لك على ما فعلته".

مهندس الكوميديا

عمل يوسف داوود في بداية حياته مهندسًا بـوزارة الكهرباء، إلا أنه آثر التفرغ للفن وشارك في أعمال صغيرة وكانت بدايته في مسرحية "زقاق المدق" بعد أن تجاوز الأربعين من عمره، ولكن حبه للفن جعله يتفرغ له، رغم أن شهرته تأخرت كثيرًا وكانت بدايةً من العام 1985، بعدما شارك في أفلام "زوج تحت الطلب، السيد قشطة، ملف في الآداب"، ومسرحية "الواد سيد الشغال".

تعددت أعماله بين السينما والمسرح والتليفزيون لتصل إلى أكثر من مائة عمل، ومن الأفلام التي شارك فيها: "كراكون في الشارع، بطل من ورق، النمر والأنثى، السادة الرجال، الإرهاب والكباب، سيداتي آنساتي، أمير الظلام، عسل أسود، عمارة يعقوبيان"، ومن المسلسلات: "أنا وأنت وبابا في المشمش، حكايات زوج معاصر، يوميات ونيس، تامر وشوقية"، ومن المسرحيات: "الزعيم، بودي جارد، ‬حباك عوضين تامر‮، مراتي زعيمة عصابة".

عُرف يوسف داوود بأدواره الكوميدية الشهيرة في الكثير من الأعمال الهامة مع معظم نجوم الفن المصري أمثال عادل إمام ويحيى الفخراني ومحمد صبحي وأحمد زكي وكمال الشناوي وعمر الشريف ومحمود عبد العزيز، كما عمل مع الغالبية العظمى من نجوم السينما المصرية الشباب أمثال محمد هنيدي وأحمد حلمي ومحمد سعد وهاني رمزي.

الحياة الخاصة

يوسف داوود كان متزوجًا من السيدة مارجريت مراد، وأنجب منها ابنته "دينا"، وكانت تجمعه علاقة قوية مع الزعيم عادل إمام، حيث إنه شارك في عدد كبير من أعماله، وكانا يجتمعان معًا بالإسكندرية من أجل لعب "الطاولة" في الصباح والذهاب للمسرح بالمساء.

وفقًا لما ذكرته ابنته في حوار لها ببرنامج "مساء DMC"، ديسمبر 2017، كان صوته في المنزل عاليًا للغاية كما هو في أعماله الفنية، وهو ما أثر على قدرة أسرته السمعية، وحاولوا كثيرًا علاج هذا الأمر لدى والدها، لكنهم فشلوا في النهاية، وظل صوته مرتفعًا كما هو.

الختام.. والرحيل

رغم أنه مسيحي الديانة، لم يتردد في أواخر حياته في الموافقة على لعب صوت إحدى الشخصيات بمسلسل الكارتون "قصص الإنسان في القرآن" مع الفنان يحيى الفخراني، وذلك لإيمانه الشديد بالوحدة الوطنية وعدم وجود أية فوارق بين المسلم والمسيحي، وحاز طوال مسيرته الفنية على العديد من الجوائز الفنية في مهرجانات سينمائية ومسرحية كان آخرها قبل أقل من شهر على رحيله من مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما عن مجمل أعماله.

توفي في 24 يونيو 2012، بعد صراع مع المرض عن عمر يناهز 74 عامًا، وأٌُقيم قداسه في الإسكندرية بـالكنيسة المرقسية، وسط غياب تام للفنانين والممثلين، على غير المتوقع، فيما اقتصر الحضور على زوجته، وابنته دينا، وأبناء عمومته، وأفراد أسرته فقط، ودُفن جثمان الراحل، في مقابر الأسرة بمنطقة الشاطبي.

شارك الخبر على