أميركا وإيران، عداء ملائم ومفيد (الدكتور فريد الخازن)

ما يقرب من ٦ سنوات فى تيار

بين اميركا وايران عداء مستحكم منذ نحو اربعة عقود. فبعد اكثر من نصف قرن من العلاقات الوثيقة بين واشنطن وطهران في زمن الشاه، وقع الصدام وجاءت القطيعة كاملة مع الثورة الاسلامية. العلاقات الاميركية- الايرانية هي من اكثر حالات العداء حدّة بين الدول، وان اتاح الاتفاق النووي في عهد باراك اوباما هدنة ظرفية. الرئيس الاميركي دونالد ترامب اعاد العداء الى حقبة الثمانينات، الا ان الزمن تغير ومعه ركائز السياسة الدولية وموازين القوى. فايران اليوم بيدها "سلاح" تخصيب اليورانيوم واميركا بيدها "سلاح" العقوبات. وبين الطرفين، الدول الموقعة على اتفاق فيينا مربَكة، تتفهّم هواجس واشنطن وتعارض سياستها. إيران جارة روسيا واوروبا، بينما اميركا في قارة اخرى. 
 
لم تخفِ ايران طموحاتها الاقليمية منذ الثورة الاسلامية، موظفة قدراتها الذاتية ومستفيدة من اخطاء الغير. نسجت ايران مع سوريا علاقات استراتيجية منذ الثمانينات، وفي لبنان دعمت حزب الله لاسيما بعد الاجتياح الاسرائيلي في 1982. وفي فلسطين ساندت طهران الحركات الاسلامية ولم تفوّت فرصة للتمدّد في البحرين واليمن. ولعل "الفضل" الاكبر للنفوذ الايراني في عراق ما بعد صدام حسين يعود الى تقلبات السياسة الاميركية منذ العام 2003. 
 
ثمة من يراهن في واشنطن على تغيير النظام في ايران، بينما طهران ترى ان عامل الوقت لمصلحتها وقد تراهن على احتمال التغيير في الادارة الاميركية في ظل التجاذبات الداخلية المتواصلة. ترامب باق في الحكم مبدئيا الى حين انتهاء ولايته الرئاسية وقد يُنتخب لولاية ثانية، اما سلطة القرار في ايران فباقية ومتماسكة على رغم التنافس بين مراكز القوى النافذة في البلاد. وتزداد الامور تعقيدا جراء النزاعات الدائرة في المنطقة، وخصوصا في سوريا، حيث لروسيا وايران واميركا واسرائيل مصالح وطموحات، فضلا عن النظام واطراف المعارضة. 
 
صحيح ان اتفاق فيينا اراح ايران اقتصاديا وفي علاقاتها الدولية، الا ان بعض المسائل التي تطرحها واشنطن لا تمت الى الاتفاق بصلة، لاسيما وان الوكالة الدولية للطاقة الذرية تؤكد ان طهران تتقيّد ببنود الاتفاق. اميركا واسرائيل تسعيان الى وضع حدّ لنفوذ ايران الاقليمي وتعتبران هذا الهدف جزءا من الاتفاق النووي، بينما نفوذ ايران في المنطقة ليس مصدره القدرات النووية. وتأتي اميركا اليوم متسلحة بدعم اقليمي لفرض العقوبات، الا ان للدول الموقعة على اتفاق فيينا مصالح اقتصادية وازنة مع ايران. مصالح اميركا الاقتصادية فوق كل اعتبار من وجهة نظر ترامب، ولو ادى ذلك الى زعزعة أسس التجارة العالمية التي ساهمت اميركا في صنعها. توجهات ترامب من خارج السياق المعهود في السياسة الدولية، وكأن العالم في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية.
 
لكن بمعزل عن اتفاق فيينا، لا مبالغة في القول ان الصدام لا بد انه آتٍ بين اميركا ترامب وايران، إن بتشجيع من اسرائيل أو كردّ فعل على سياسة باراك اوباما. وعندما تشهد العلاقات بين اميركا وكندا توترا ملحوظا ويزداد التباعد مع الاتحاد الاوروبي ومع مجموعة الدول السبع، فلا غرابة عندئذ ان يقع الصدام بين اميركا وايران، مصدر الارهاب الاول في العالم بحسب واشنطن والرياض وتل ابيب. وبعد الاتفاق مع كوريا الشمالية بلا شروط شبيهة باتفاق فيينا، لم يبق في الميدان سوى ايران،لا بسبب الخطر الداهم على امن اميركا واقتصادها، بل لان العداء مع ايران ملائم ومفيد في المرحلة الراهنة، لاسيما وان الاشتباك، ساحة وربما تمويلا، مصدره الشرق الاوسط وليس اميركا.

شارك الخبر على