الصحابية بركة بنت ثعلبة.. مربية النبي محمد

ما يقرب من ٦ سنوات فى التحرير

"هذه بقية أهل بيتي"، عبارة تحمل في طياتها الكثير من الحب والمودة والألفة، ولم يكن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليقولها إلا لمن تستحقها وعن جدارة، فعندما يصف الشاب اليتيم امرأة غير أمه، بأنها أخر ما تبقى له من أسرته، فلابد وأن هذه المرأة أعطته من الحب والحنان والعناية ما يجعله يتعلق بها كل هذا التعلق، إنها الصحابية الجليلة أم ايمن حاضنة النبي ومربيته بعد وفاة أمه السيدة أمنة بنت وهب.

من هي أم أيمن؟

هي بركة بنت ثعلبة الحبشية، وكنيتها أم أيمن نسبة إلى ابنها ايمن بن عبيد، كانت مولاة لعبد الله بن عبد المطلب والد النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

لم تترك أم أيمن النبي محمد وحده بعد أن فقد أبويه وأصبح يتيما، واحتضنته حتى تزوج السيدة خديجة بنت خويلد، أولى زوجاته.

كانت أم أيمن مربية النبي، التي اعتنت به، وعاملته وكأنه ابنها، فأعتقها بعد زواجه، وعندما نزل الوحي عليه، كانت من أوائل من صدقوه من النساء بعد السيدة خديجة، ودخلت الإسلام، ولأن النبي كان هو المسئول الأول عنها كما كانت هي مسئولة عن تربيته حتى بلغ أشدة، فبحث لها عن زوجا، فزوجها عبيد بن الحارث الخزرجي، وأنجبت منه أيمن وأصبحت كنيتها أم أيمن.

أمنت أم أيمن بدعوة النبي، وهاجرت مع المسلمين إلى الحبشة، لتواصل مسيرتها في حب النبي ومساندته، استشهد ابنها أيمن في غزوة حنين وبعد أن توفى زوجها عبيد بن الحارث، زوجها النبي من الصحابي الجليل زيد بن حارثة، وأنجبت منه الصحابي أسامة بن زيد حب رسول الله والذي كان لقبه بين الصحابة "الحب بن الحب"، فكان لابيه مكانة عظيمة لدى النبي حتى ان الناس كانوا ينادونه زيد بن محمد.

دافعت عن الرسول بسيفها

عاشت أم أيمن طفولة النبي، وغمرته بعطفها وحنانها، وبذلك يكون الله قد رزقه بحنان جده عبد المطلب، وحنان حاضنته أم أيمن، وكان جده يوصي أم ايمن عليه دائما وويقول لها "يابركة، لا تغفلي عن ابني، فإني وجدته مع غلمان قريبا من السدرة، وأن أهل الكتاب يزعمون أن ابني هذا نبي هذه الأمة".

ووصفت أم ايمن حزن النبي على وفاة جده قائلة "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ يبكي خلف سرير عبد المطلب".

وشاركت أم أيمن وهي امرأة عجوز في الجهاد مع النبي في سبيل الله، حيث خرجت في غزوة أحد تسقي الجرحى، وتداوي المصابين، وعندما وجدت البعض يفر من حول النبي دافعت عنه بسيفها، وتلقي بالتراب في وجه من فروا، وخرجت أيضا مع النبي في غزوة خيبر.

وكان زوجها زيد بن حارثة يجاهد أيضا في سبيل الله حتى استشهد في سرية مؤتة، واستشهد ابنها أيمن في غزوة حنين، ولكنها كانت صابرة واحتسبتهما شهداء عند الله.

وحزنت ام أيمن حزنا شديدا بعد وفاة النبي، وروي عن أنس رضي الله عنه قال "قال أبو بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انتهينا إليها بكت، فقالا لها ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله، فقالت ما أبكي لأني لا أعلم أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء".

ومن رثاء أم ايمن للنبي قولها " عين جودي فإن بذلك للدمـع .. شفـاء فأكثـري من البكـاء..حين قالوا الرسول أمسى فقيـدا .. ميتـا كان ذاك كل البـلاء".

وروي أنه كلما نظر النبي إلى أم أيمن قال "هذه بقية أهل بيتي"، وكانت تروي عنه أحاديثه.

ونقلت عن النبي الكثير من أخلاقه الحسنة حيث قالت "ما رأيت رسول الله شكا صغيرا ولا كبيرا جوعا ولا عطشا، كان يغدو فيشرب من ماء زمزم، فأعرض عليه الغداء فيقول لا أريده أنا شبع".

وفاتها

لم يمر على وفاة النبي خمسة أو ستة اشهر، إلا وحضرت الوفاة ام أيمن، وصعدت روحها إلى خالقها، لتلتقي الأحبة ممن صبرت على فراقهم.

شارك الخبر على