الترجمة وإيقاع القصة والعقل المعرفي العراقي .!

ما يقرب من ٦ سنوات فى المدى

نعيم عبد مهلهل
في البدء أعترف أنني لم أعي تماماً المقصود الدقيق من مانشيت الندوة وعنوانها ( أثر الترجمة في عالمية القصة العراقية ) وكان بإمكاني أن أسأل عن المعنى الدقيق لهذا العنوان إلا أنني أثرت أن أكتب في مساحة فهمي للمنطوق وهدفه معتقداً انه يحمل رؤيتين الأولى ماذا قدم الأدب القصصي العراقي المترجم للعالم على قلته وندرته ؟والثانية فهم يتحدد برؤية الأثر الذي فعلته التراجم الأخرى للأدب العالمي وتأثيرها على عالمية القصة العراقية في رؤاها .وأعتقد أن الفهم الأول هو الأكثر احتمالاً وسأشتغل عليه من خلال خواطر معرفية تخص ثقافتي وإحساسي بالأمر دون اللجوء إلى مؤرشف تاريخي وإحصائي ، إنما أنا هنا أكتب هاجساً عاماً يلفهُ الكثير من أسى الغموض الذي يرتسم على وجه القارئ الأجنبي والناقد الأدبي الأجنبي لأنه لايعرف الكثير عن القصة العراقية عدا محاولة هنا وأخرى هناك ( وهذا رأي شخصي ) وتلك المحاولات يتحمل عبأها الاسم الأدبي الشهير لأحدهم وآخرين بسبب منطقة العيش في أوروبا خاصة والغرب عموماً .وغير ذلك لأثر لهذه العالمية سوى في فهارس المكتبات العالمية .فمثلاً أثناء مراجعتي لفهارس مكتبة هارفرد عثرت على عناوين لكتبي القصصية . وعندما تحريت عنها من أمين القاعة الشرقية وجدتها بالعربية فقط .الذي اعتقد أنهم حركوا الماء الراكد في آنية القصة العراقية لتعبر حدود الذاكرة العراقية والعربية إلى قارئ أجنبي ( نخبوي ) لايتعدوا عدد الأصابع ومنهم المرحوم فؤاد التكرلي وعالية ممدوح وعبد الرحمن الربيعي ومحمد خضير ونجم والي ، وأسماء لاتحضرني الآن ومنها لمواهب شابة كتبت ولكن ليس بلغتها الأم بل هم عراقيون وكتبوا بالانكليزية مباشرة وربما كل فحوى الفكرة القصصية أو الروائية آتية من تأثير الحضارة الجديدة .هناك بعض الكتاب اليهود من أصل عراقي ممن هجروا في عام 1948 كتبوا بالعربية عن هاجس المكان العراقي وترجمت أعمالهم إلى العبرية والانكليزية .وهناك من هو عراقي وكتب بلغة أقليته كالسريانية والكردية وترجمت أيضاً إلى اللغة الانكليزية في اغلبها .ولكن هذه التراجم لم تنتشر بمساحة الاهتمام ولم تشكل أي منها ظاهرة أدبية عامة بل بقيت حبيسة القارئ المتخصص والنخبوي .وربما رواية مغربية واحدة قد تفعل فعلها في عالمية قصة بلادها أكثر مما يفعله مجمل التراث القصصي العراقي في هذا الجانب ، وذلك مدعاة حزن وألم أن يقبع الحكي العراقي في خانة الصدفة وعدم الجدية ومهما أرادت المؤسسات أن تضع لهذه الرؤية الحضارية المتميزة فأن الأمر يقف عن حدود تلكؤ المشروع والمسؤول .وعندما نرى مجلة جلجامش كواحدة من تلك المشاريع الحضارية فإننا نرى أنها تترجم قصة واحدة في كل عدد شهري أو دوري ، ومساحة توزيعها محدودة وأعدادها قليلة وربما لاتسعى دار المأمون للترجمة المسؤولة عن المجلة لتوزيع هذا المطبوع في أسواق الغرب الأدبية عن طريق السفارات والملحقيات الثقافية وذلك للعلاقة التاريخية المتشنجة والطاردة بين السفارات والثقافة.وأنا شخصياً سألت الملحق الثقافي لواحدة من سفاراتنا العتيدة في الخارج .لماذا لاتقيمون أماسي أدبية وتصدرون مطبوعاً دورياً .كان جوابه : إن هذا ليس من اختصاصه . فعمله فقط هو تصديق الوثائق الدراسية وتنظيم أمور طلبة البعثات الدراسية .ولأننا لانملك مراكز ثقافية ، وكان لنا مثلها في باريس ولندن ومدريد واختفت الآن بسبب وضعها المخابراتي والأمني أيام صدام ، فلقد انقطعت الصلة بين وزارة الثقافة والعالم الخارجي .وحتى معارضنا الخارجية التي يشارك فيها العراق ممثلاً بدار الشؤون الثقافية لاتفعل شيئا يذكر ، وربما لمست هذا جلياً في فقر العناوين المشاركة ورداءة جودة المطبوع أثناء زيارتي لمعرض فرانكفورت للكتاب عام 2009. وهالني ما رأيت من أن الفتاتين اللتين جلبتا من بغداد بإيفاد دسم لم يفقها أي معنى لثقافة التعريف بالكتاب العراقي للزائر الأجنبي ــ الألماني .نعود إلى المقارنة بين عالمية القصة المغربية والقصة العراقية وبعيداً عن تأثير الجغرافية الحضارية في هذا الأمر فسأكون شاهد عيان للهوة الهائلة بين القصتين في جانبها العولمي .في تموز 2006 زرت بيت الروائي المغربي المعروف محمد شكري الواقع في شارع تولستوي في مدينة طنجة برفقة واحد من أصدقائه المقربين . وأثار انتباهي إلى وجود أربعين نسخة مترجمة من روايته الشهيرة ( الخبز الحافي ) وكل ترجمة صادرة بلغة حتى بعض الترجمات بلغات محلية فإضافة إلى إن الرواية ترجمت إلى كل اللغات الأوروبية فقد ترجمت أيضا إلى الصينية واليابانية والكورية والتايلندية وهناك ترجمة مختصرة لها باللغة الكمبودية والفيتنامية واللاوسية.هذا المثل يرينا القصور العولمي في مساحة انتشار القصة العراقية بالرغم من أن الأدب القصصي العالمي كان له التأثير الكبير في تطور الفن القصصي العراقي وتنوع التجارب الإبداعية للأجيال عديدة ابتدأت ملامحها من بدايات القرن العشرين وحتى اليوم .وربما تكاد فترة السبيعنيات وتأسيس دار المأمون للترجمة والوارد من مطابع بيروت وأغلبها في الإصدارات المترجمة الأثر الكبير في تطور هذا الفن في ملامحه وتجاربه الجديدة على مستوى الرواية والقصة .وبالرغم من هذا في كلا الفهمين لعنوان الندوة الرصينة هذه .اختصر الأمر بأن أريكم وجهة نظر وخاطرة عابرة .وربما ضيق الوقت والمحدود من الكلام يوقفني عند فهم نشترك فيه كلنا من أن للترجمة الأثر الكبير في جعل القصة العراقية قصة كونية وليست قصة محلية . وربما مثال غابريل ماركيز خير مثال عندما امتلكت قصته وروايته كونية أسطورية في عدد القراء على مساحة الكرة الأرضية كلها . وقد جاء من بلد تشكيلته الحضارية الحديثة هجينة بين الهندي الأحمر والأوروبي وهو بلد ثلث أراضيه مزارع للحشيشة ومعامل الهيروين .وجزء من تركيبته السكانية تهيمن عليها عصابات تهريب المخدرات وبالرغم من هذا فأن قصته التي تدعى ( أثار دمك على الثلج ) والمترجمة في كتاب قصص عالمية صدر عن دار المأمون منحت الكثير من قصاصي العراق آفاق التخيل الجديد لبناء قصة ممتعة في حداثتها .وطبعاً كولومبيا التي منحت العولمة ماركيز والمغنية العالمية شاكيرا ليست بعراقة وإرث تاريخ وحضارة العراق ونحن منذ أول الحكي صنعنا القصص الأولى من خلال أساطيرنا المدهشة ولكلنا توقفنا عن تصدير هذه الدهشة منذ احتراق أور وتهديم بابل ونينوى وحتى اليوم..أقول إن العالمية لكي تسكننا تحتاج إلى رؤية ومشروع حضاري مدروس.وليس لي سوى أن أصنع الأمل والتفاؤل من أجل هذا وأقول :إن غداً لناظره قريب .!

شارك الخبر على