عوالم خفية في دفاتر الحياة المنسية

ما يقرب من ٦ سنوات فى المدى

 ضحى عبدالرؤوف المل
فتح الفنان "عادل أمام" العوالم الخفية للكثير من ملفات الماضي المرتبطة بمافيات الفساد التي تجعلنا نتساءل ألف مرة قبل أن تنتهي كل حلقة ما الهدف ؟ وماذا يريد الفنان "عادل أمام" من انتحار الفنانة التي ألقت بعوالمها الخفية في كتاب قبل أن تنهي الحياة وصراعاتها المتجددة في مجلدات موجودة مع غبار الماضي على رفوف موصودة ولم تمت، بل ! يبدو إنه يعيد مجد الصحافة الذي بدأ ينحسر بنبض الشعب كي لا يفتر، ولتبقى الصحافة محمية بالشعب الذي يحل ألغاز كل مقال أو كل حدث أو كل رؤية يؤمن بها ، كما فتح العام الماضي القراءة وأهميتها ضمن مكتبة وكتب استكملها هذا العام بالصحافة وعالم فك الألغاز. دراما رمضانية محملة بالمواضيع الاجتماعية والسياسية والفنية، وعبر شبكة محاطة بمفاتيح انصهرت مع بعضها، وكأنها تقود الى باب الفساد الكبير أو باب اللغز المعقد بحلوله المستعصية على الفهم . إذ لا تنتهي العقد في كل حلقة، ولا يرضى إلا بالاحتواء حتى لحفيده ومشاكله مع ابنته، ومع ذلك اقترب في كل مرة من الاسرة العربية بكل تفاصيلها في شهر رمضان . إن بمشاكلها البسيطة وعسراتها من دار الايتام الى الانتاج الفني وصولاً الى المخدرات ومشاكل الشباب . فالنص الدرامي الذي كتبه "أمين جمال" و"محمد محرز" إتصف بالسهل الممتنع دون التخلي عن الكوميديا أو الضحكة المرنة التي تبلسم الموقف المؤلم، كما إتصف النص بالمآسي التي وقعت للفنانة مريم رياض ، وإن تخلى عن الوجه الكوميدي نوعاً ما إلا أنه تمسك بالمضحك المبكي الذي استغله كاتب النص لتمرير رسائل ملغزة مرسلة الى مشاهد يرى الكثير من القضايا التي يطرحها من الماضي الى الحاضر، ليحذرنا من مستقبل يجب تنظيفه من تاريخ طويل ، لتكون بمثابة مجتمع يطرح الخير بعد شرور حملتها النفوس المتعلقة بمفاتيح اندفنت في الكثير من الأوراق المطوية، وبجرأة درامية تضحك وتبكي وبتؤدة الفن المعمق بالمغزى والعبرة والمثل، وبواقع بات يعج بالمشكلات الاجتماعية التي تتسبب بها الأنفس المريضة بالجشع والطمع والاجرام. فهل سيحمل "عادل إمام" رسالة الاصلاح من خلال الدراما الرمضانية التي يقدمها كل عام . وهل نحن في السباق الرمضاني أصبحنا ننتظر الفنان "عادل إمام" وقضاياه التي يعالجها بحنكة درامية مغلفة بكوميديا سوداء ساخرة من الوضع الذي وصلت إليه المجتمعات العربية. بلغت رمزية عوالم خفية حيوات مختلفة، ومضامين بلغت فيها جرأة الصحفي هلال معارضة الرأي بنبض الشعب، الجريدة التي حدثت فيها متغيرات في بداية الحلقات، وكأن ما يبهج يحزن وبالعكس، بمهمة حساسة وصلت لحد معالجة قضايا اللواط والمثليين والمخدرات والاتجار بحبوب الهلوسة، وبالاستاذ صاحب المثل الذي ينتهك الأدب بقلة الأدب، وهذه مهمة الصحافة التي مارسها الفنان "عادل إمام" في دراما تعيد الى الشباب صورة الصحفي الراضي بشرف المهنة خدمة لمجتمع ، وبقناعة المواطن العربي قبل المصري، أيضاً بتناقض جريء وتلقائي في كوميديا ساخرة بمواقفها البسيطة. ليكون محبباً من خلال التأثير النفسي على مشاهد ينتظر الضحكة من فنان يستنكر ما يحدث على أرض الواقع بالدراما، مؤكداً على الغمامة السوداء التي يجب أن يزيلها الأفراد كل من موقعه ومسؤولياته، متمسكاً بالضرورة الهزلية للشخصيات دون مبالغة تحيط بها، كالضابط الجدي الذي يقاتل ليحصل على زوجته السابقة، والضابط الذي يمازح زوجته المتحمسة للزواج الذي يتعارض مع قيامه بمسؤولياته . فلماذا أراد الفنان "عادل إمام " أن يدمج الماضي بالعالم المعاصر؟ ولماذا منح الشباب معالجة درامية تعيد لهم أوليتهم في الوجود الحياتي المعافى من سموم ماضٍ لم ينتبه له الجيل السابق؟ أو ربما كانت مخاوفه أكبر من تحدياته للظروف الأخرى التي مر بها ، وكأن حداثة الزمن في خدمة الشباب على عكس الزمن القديم وغرابة أطواره في عوالم مخفية أعطانا عدة أسباب مقنعة لرؤيته من خلال كتاب" مريم رياض" وألغازها المحبوكة التي دفعت الصحفي هلال لاستكشاف السلوك الانساني المنحرف الذي أودى بحياتها . فهل يريد القول من خلال المسلسل أن ما يتم دفنه في زمن ما سيتم كشفه في أزمنة أخرى وما من حقيقة تموت ؟ عوالم خفية في دفاتر الحياة المنسية وابتسامة ساخرة أو احتواء بضحكة أو دعابة تمر لتخفف من ثقل الواقع الذي جعل من ابنة "مريم رياض " ضحية كأمها، كما جعلت من ابنة مندور ضحية أخرى، وابن الصحفي هلال الذي لم يستطع الاحتفاظ بابنه لأنه من حق أمّه الروسية والكثير الكثير من المواضيع المتشابكة بعضها نجد له الحلول وبعضها الآخر معلق في زوايا القوانين المحتاجة لتحديث، لتتناسب مع الزمن الحديث الذي باتت فيه المعلومة عبر الانترنت أسرع من صحفي يحتاج للشباب من حوله، ليضخ للصحافة الدم الجديد الذي تحتاجه. وهذا ما قعله عندما ترك لنهى كتابة مقالها عن دار الأيتام ، وما بين التسامح والمحبة فسحة من أوجاع أحصاها اجتماعياً وسياسياً بحقيقة مرة لا يمكن تجاهلها، بل! فتحت الابواب على مصاريعها. لندخل في شهر الانسانية على واقع حافل بمشاهد لا يمكن أن ينكرها كل عقل راشد ومتابع لواقع نعيش فيه، وبسخرية اختلطت بتحفيز الذهن على تحليل كل حدث نراه، وفهم خلفياته دون الاستهزاء به . وهذا ما جعل من عوالم خفية شبكة معقدة من قضايا سلط الزعيم عادل إمام الضوء عليها بفن انساني بالدرجة الاولى، ومن ثم درامي لا يخلو من السخرية والضحكة المبطنة . فهل سيكمل "عادل إمام " رسالاته في كل شهر رمضاني ليعيد للأدب والفن المجد الذي يخدم الواقع؟ وهل الإخراج في مسلسلاته بات يحمل نكهة خاصة به تميل الى المشهد المفتوح على مساحة خاصة بالوجوه الشبابية التي يمنحها من خبرته ما يضفي عليها الثقة ؟

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على