توازنات البرلمان تفرض نفسها على تركيبة الحكومة اللبنانية وترسم معالم المرحلة المقبلة

ما يقرب من ٦ سنوات فى كونا

من وسيم حيدر (تحليل سياسي)

بيروت - 5 - 6 (كونا) -- جاءت نتائج الانتخابات النيابية التي شهدها لبنان في السادس من مايو الماضي لترسم مشهدا سياسيا مختلفا يفتتح مرحلة جديدة من تاريخ البلاد ويختتم مرحلة سياسية امتدت من العام 2005 وبدأت معالم نهايتها مع انتخاب الرئيس ميشال عون في نهاية العام 2016.
وبعد دورتين انتخابيتين منذ العام 2005 فاز فيهما تحالف قوى (14 آذار) بالأكثرية ضمن المجلس النيابي ثم تفكك هذا التحالف خلال العامين الأخيرين على وقع التطورات السياسية جاءت انتخابات 2018 بقانونها النسبي لتنهي هذه الأكثرية وتمنح خصومها السياسيين من قوى (8 آذار) سابقا تقدما هو الأكبر منذ العام 2005.
وبالرغم من ان التحالفات الجديدة لم تتضح معالمها تماما فان (حزب الله) يحظى في البرلمان الجديد بأكثرية نسبية تجمع كتلا سياسية وطائفية متنوعة مؤيدة لخياراته السياسية العامة خاصة موضوع السلاح والازمة السورية وان تمايز بعضها في الحرص على تجنيب علاقات لبنان العربية أي اضطراب.
وبعيدا عن السياسة الخارجية والخيارات الاستراتيجية يشهد البرلمان الجديد انقساما واضحا بين الكتل حيال النظرة الى ما وصف بثنائية (عون - الحريري) التي كرستها الحكومة الحالية وادت الى بروز معارضة قوية داخلها جمعت وزراء حركة امل والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المردة.
ومن المتوقع ان ينسحب هذا الانقسام على الكتل النيابية في البرلمان الجديد بعدما حققت هذه الكتل "المعارضة" مجتمعة فوزا انتخابيا وعززت وجودها في الندوة البرلمانية.
ووفق التقسيم الحالي يحتل تكتل (لبنان القوي) الذي يترأسه وزير الخارجية جبران باسيل والداعم للرئيس اللبناني ميشال عون المرتبة الأولى في البرلمان مع 29 نائبا فيما تحتل كتلة (المستقبل) برئاسة رئيس الوزراء سعد الحريري المرتبة الثانية مع 20 نائبا ثم كتلة (التنمية والتحرير) برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري مع 17 نائبا.
وبعدها تبرز كتلة (الجمهورية القوية) التابعة لحزب القوات اللبنانية مع 15 نائبا ثم كتلة (الوفاء للمقاومة) التابعة ل (حزب الله) مع 13 نائبا فكتلة (اللقاء الديمقراطي) برئاسة تيمور وليد جنبلاط مع تسعة نواب ثم (التكتل الوطني) مع سبعة نواب فكتلة (الوسط المستقل) برئاسة رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي مع أربعة نواب وكتلتا (الكتائب) و (القومي السوري الاجتماعي) مع ثلاثة نواب لكل منهما.
ويبقى ثمانية مستقلون فقط في الندوة البرلمانية هم فؤاد مخزومي وعدنان طرابلسي وبولا يعقوبيان وميشال المر واسامة سعد وعبدالرحيم مراد وجميل السيد وادي دمرجيان.
وكانت المحطة الدستورية والسياسية الأولى للمجلس النيابي الجديد إعادة انتخاب نبيه بري رئيسا له كما اعاد المجلس انتخاب النائب ايلي الفرزلي احد ابرز نواب مرحلة ما قبل 2005 لنيابة رئاسته والذي اعتبر في تصريح صحفي ان انتخابه يشكل "تصحيحا لخطأ تاريخي وقع في العام 2005".
وبعد شبه اجماع نيابي على اعادة تكليف سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة ستكون تركيبة هذه الحكومة الانعكاس الابرز للتوازنات السياسية الجديدة في البرلمان.
ورغم ان لبنان دستوريا هو جمهورية ديمقراطية برلمانية فان طبيعة النظام السياسي - الطائفي فيه تحول حكومته الى مجلس مصغر تتمثل فيه ابرز القوى السياسية ضمن الطوائف ويتخطى تشكيلها الانقسام المعتاد في الدول الديمقراطية بين اكثرية برلمانية حاكمة واقلية معارضة.
وتحتدم في هذا السياق مع بدء مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة المنافسة بين الكتل لحصد الوزارات الأساسية سياسيا وخدماتيا ما أعاد الخطاب السياسي الى التشنج الذي رافق مرحلة الانتخابات وما سبقها رغم تطمينات الحريري بقدرته على الخروج بصيغة حكومية ترضي الجميع.
ويتوقع في حال تخطي صعوبات تشكيل الحكومة ان يتم التوافق على صيغة ترضي الجميع في البيان الوزاري الذي يحدد سياسات الحكومة العامة وتنال على أساسه ثقة البرلمان الا ان التحدي الأساسي للحكومة الجديدة يكمن في الملفات الخلافية التي ستضطر الى التعامل معها بعد نيلها الثقة.
ويبرز في هذه الاطار ملف النزوح السوري مع إصرار الرئيس اللبناني وقوى سياسية على عودتهم قبل الوصول الى حل سياسي في سوريا خلافا لتوجهات الامم المتحدة والمجتمع الدولي ووسط دعوات متزايدة لعدد من القوى الى التواصل الرسمي مع دمشق لحل هذا الملف رغم استمرار موقف الحريري وعدد من القوى الأخرى المعارض "لاعادة تطبيع" العلاقات مع النظام في سوريا.
وقال عون في تصريح صحفي أخيرا ان "وقت الكلام والتحذيرات من مشكلة النازحين قد انتهى وحان الوقت للانكباب الرسمي على وضع خطة حل عملية تؤدي الى عودة النازحين الى المناطق الآمنة في بلادهم وعدم انتظار الحل النهائي للازمة السورية" كما اكد المدير العام للأمن العام اللبناني عباس ابراهيم وجود تواصل مع السلطات السورية لتسهيل عودة الاف النازحين.
وكذلك يبرز امام الحكومة موضوع الضغوطات الدولية وتصاعد العقوبات المالية الغربية والعربية على (حزب الله) واثاره على القطاع المالي والمصرفي في لبنان علما ان الرئيس اللبناني دعا الى عقد حوار بعد الانتخابات وتشكيل الحكومة حول الاستراتيجية الدفاعية لحماية لبنان والمتعلقة بموضوع سلاح (حزب الله).
واكد (حزب الله) في هذا الصدد انفتاحه على نقاش الاستراتيجية الدفاعية مع تمسكه بما يطلق عليها "المعادلة الثلاثية اي الجيش والشعب والمقاومة" لحماية لبنان والدفاع عنه واصراره على ادراج هذه المعادلة في البيان الوزاري للحكومة المقبلة.
كما ان الحكومة اللبنانية المقبلة تواجه وضعا اقتصاديا وصفه الحريري ب"الخانق والخطير" ما يتطلب منها المضي في تنفيذ إصلاحات تحد من الهدر والفساد في مؤسسات الدولة بتوافق سياسي بين مكوناتها والتزاما بالتعهدات التي اعلن عنها لبنان في مؤتمر (سيدر) الدولي في فرنسا في ابريل الماضي.
ومن المقرر ان تعيد الحكومة المقبلة الالتزام بسياسة "النأي بالنفس" لإبعاد لبنان عن الازمات المتفجرة إقليميا وتأكيد الحرص على علاقات لبنان مع الدول العربية وتوطيدها في كافة المجالات وتخطي أي أزمات شهدتها في السنوات السابقة.
وتعهد الحريري في هذا السياق بأن يحافظ في حكومته الجديدة على "الهوية العربية للبنان والنأي بالنفس عن التدخل في شؤون الاشقاء العرب حفاظا على أفضل العلاقات معهم".
ويبقى ان يتمكن الرئيس المكلف سعد الحريري من تخطي كل العقبات وإنجاز تشكيل حكومته في القريب العاجل لاستكمال الدفع الإيجابي الذي احدثه اجراء الانتخابات النيابية وعودة البلاد الى الانتظام المؤسساتي والمسار الدستوري الطبيعي بعد سنوات من التمديد المستمر والأزمات المتلاحقة.
وكان لبنان شهد في السادس من مايو الماضي انتخابات برلمانية هي الأولى منذ تسعة أعوام انتخب خلالها اللبنانيون مجلسا نيابيا جديدا من 128 نائبا ومع بدء ولاية المجلس الجديد اعتبرت الحكومة مستقيلة وتلتها استشارات نيابية ملزمة أدت الى تكليف الحريري بتشكيل حكومة جديدة. (النهاية) و س م

شارك الخبر على