سيكولوجيا المقالب في البرامج التلفزيونية

ما يقرب من ٦ سنوات فى المدى

رامز تحت الصفر..إنموذجا
 
د.قاسم حسين صالح
تعود فكرة برامج المقالب الى أكثر من ستين سنة،ويعد برنامج الكاميرا الخفية لمقدمه ألن فونت الذي بث عام 1948 على شاشة( CBS ) هو الأقدم عالمياً،فيما بدأت أول برامج مقالب عربية في التلفزيون المصري في ثمانينيات القرن الماضي مع الفنان فؤاد المهندس الذي حصل على شهرة واسعة لكنه تراجع فيما بعد بسبب (استهلاكها) وسوء إدارة بعض المقالب واكتشاف المشاهد حقيقة ، إن عدداً منها يتم بالاتفاق بين مقدم البرنامج و(الضحية ) في خطة تستهدف اللعب على عواطف المشاهد الذي يستجهن استغفاله.ولهذا السبب تحديداً عمدت برامج المقالب في التلفزيون الفرنسي الى تنفيذ مقالب عفوية تحظى بالمصداقية يستمتع فيها المشاهد والضحية أيضاً،فيما اعتمدت برامج المقالب اللبنانية فكرة خداع الناس في الايقاع بهم وهم يمشون في الطريق .وتحقق برامج المقالب هذه ثلاثة أهداف: مالي بحصول الفضائية على إيرادات كبيرة من خلال الإعلانات، وشهرة واسعة لمقدم البرنامج وكادره والمحطة ايضاً، ومتعة وترفيه وتسلية للمشاهد.
رامز تحت الصفر يحظى هذا البرنامج الذي تبثه محطة (MBC1 ) بمشاهدة عربية وعراقية واسعة،ما دفعنا الى استطلاع عينة من المشاهدين..لهدفين ،الأول كنا أعلنا عنه في الاستطلاع بمعرفة آرائهم ببرنامج (رامز تحت الصفر)، وبنوعية شخصية رامز جلال، وما إذا كانوا يستمتعون بمشاهدة حلقاته التي جرى تصويرها في ثلوج روسيا مستغلاً مشاركة الفريق المصري لكرة القدم في المونديال،والثاني ضمني يستهدف معرفة سيكولوجيا المشاهدين من خلال إجاباتهم.
تحليل الإجابات كان السؤال الموجه هو:(تقوم فكرة برنامج "رامز تحت الصفر" على وضع الضيف في مقلب بهدف إمتاع المشاهدين، فهل امتعك ذلك؟ أم إنك ترى فيه إهانة ومزاحاً ثقيلاً ؟وما رأيك في انعكاساته السيكولوجية على المشاهدين وعليك). بلغ عدد افراد العينة 2003 تنوعت بين أكاديميين ومثقفين وإعلاميين ومتابعي الفيسبوك،وتم تصنيف الاجابات على ثلاثة محاور:البرنامج والمقدم والجمهور، وعلى النحو الآتي:
• البرنامج :وصفت الغالبية المطلقة (أكثر من 90%) من الذين استطلعنا آراءهم،"رامز تحت الصفر" بأنه:(تافه،مفبرك،سخيف،مهين لشخصيات فنية واجتماعية محترمة، إسفاف ومسخرة ، تهريج وعياط وصراخ ،عديم اللون والطعم والرائحة ،مقرف جداً ،مضيعة للوقت ،سطحي وتقليد لبرنامج اجنبي ،ابتذال يفسد الذائقة الفنية، مقالب مؤذية أكثر منها مسلية،معظم مايقوم به مزيف يحاول التغطية عليه بالصراخ والنكات البايخة،انتهاك صارخ لحقوق الانسان ،خطير سايكولوجياً على الاطفال والمراهقين، شكل من أشكال العنف قد يعرّض أحدهم لسكتة قلبية..).
• شخصية رامز جلال: تحدد الهدف الثاني برأي المشاهدين بنوعية شخصية رامز،فوصفته الغالبية المطلقة أيضاً (90%) بأنه شخصية عدائية،لأن الاستهزاء بالآخرين والضحك على متاعبهم من سمات الشخصية العدائية ،وبما يتفق مع رأي الباحثة النفسية الدكتورة هدى جميل غني بأن (رامز شخصية تحاول القيام بما لايستطيع تحقيقه على أرض الواقع وهي أحد اضطرابات الشخصية العدائية hostile personality ).فيما وصفه آخرون بأنه (سيكوباثي،يعاني من مرض نفسي يستهوي ايلام الآخرين وتعريضهم للخطر)،وهو رأي يتفق مع تحليل الإعلامي الدكتور مجيد السامرائي الذي وصفه في رسالة بعث بها لي بأن فيه (ملامح الشخصية السيكوباثية والهستيرية..المتسمة بالاندفاعية والميل لجذب الانتباه والعنف والمبالغة في الأفعال وعدم الاهتمام بمشاعر الآخرين..وانها كامنة فيه من الطفولة.)..يؤيده في ذلك استاذ علم النفس الدكتور عبد الحافظ الغامري من اليمن والدكتورة محاسن البياتي التي وصفته بأنه (معتوه ومريض ويحتاج لكورسات من العلاج النفسي)،.وأنه شخص يشعر بالنقص فيعوضه بالانتقام من النجوم ويسد فشله بالوصول الى النجومية بتعذيب ضيوفه ليشفي غليله،كما يرى آخرون.فيما ذهبت الدكتورة انتصار كرمان من السعودية الى أبعد من ذلك بوصفها له بأنه (مجرم خطير مكانه السجن بين القتلة والمنحرفين أخلاقياً وانسانياً، اعطته التكنولوجيا الاعلامية فرصة تحويل ميوله الاجرامية عبر الإعلاء والتسامي بها بصورة مغلفة بالكوميديا والكاريزما بينما هو في الحقيقة ينهش في صحة وعقل وجسد ضحاياه بكل وحشية ودموية). وكان لآخرين الرأي النقيض مستشهدين بأن بدايات رامز الفنية وأدواره كلها كانت في لعب الولد المحبوب صديق البطل الفكاهي وهذه بعيده كل البعد عّن شخصية السيكوباثي ،وأن البرنامج لايعدو كونه مزاحاً ثقيلاً،وأن( تصنيفه ضمن المجرمين والمرضى العقليين..تهمة ظالمة).
تحليل سيكولوجي هدفان يسعى فنان برامج المقالب التلفزيونية الى تحقيقهما،هما:المال والشهرة..وكلاهما بلغهما الشاب رامز جلال بزمن قياسي.ففي أقل من خمس سنوات حقق رامز جلال من الشهرة ما لم يبلغه فنان عربي آخر بضمنهم شقيقه الفنان الملتزم ياسر جلال بطل مسلسل (ظل الريس)..وصار يعدّ من أصحاب الملايين بين قلة من الفنانين. ورامز يمتلك موهبة عالية في تقديم برامج المقالب لا يمتلكها في فن التمثيل برغم انه أسندت إليه بطولة وأدوار رئيسة في عدد من الأفلام.وله قدرة على تحمل الاهانات والضرب والشتيمة التي يجد فيها نوعين من المتع المتضادة: تعاطف مشاهدين معه ،وتشّفي آخرين بما يحصل له!.فضلاً عن متعة شخصية له في ترضيته للضحية بعد اكتشاف المقلب. وسيكولوجياً،تقوم فكرة المقلب على تصنيف البشر الى نوعين:شرير يمثله رامز جلال،وخيّر يمثله الضحية..وأن ما يشغل الشرير هو نصب فخ للايقاع بالضحية التي تمثل الانسان الطيب (وعلى نياته). والواقع إن اراء العينة التي جرى استطلاعها بضمنهم اكاديميون وصفوا رامز بانه شخصية (عدوانية،سيكوباثية، مريضه نفسيا..)، فيها مبالغة..ما لم تكن تصرفات رامز وسلوكه العام مع أفراد عائلته والناس الآخرين..عدوانية وسيكوباثية فعلاً..وليس لدينا ما يثبت ذلك. والمفارقة ،إن معظم الذين وصفوا البرنامج بـ(التافه،السخيف..) ووصفوا رامز بـ(المريض نفسياً ،والمعتوه،والسيكوباثي..) يتابعون مشاهدة حلقاته! ،ما يعني إننا جميعاً لدينا دافع غريزي للعدوان وإن بيننا من يستمتع بالتنفيس عن عدوانه المكبوت بمشاهدة ما يقع للضحية من أذى نفسي أو جسمي. على أن الأهم من كل هذا هو أن الخطورة في مثل هذه المقالب التي يشاهدها الملايين، ليس على مجتمع الكبار بل على الاطفال والمراهقين،لأنهم ينفردون بصفتين:تقليد الفنانين النجوم،وأخذهم فكرة أن الواقع الاجتماعي هو هكذا( أشرار وأخيار، أذكياء وأغبياء، شطّار وغشمة..) وإن على الطفل أو المراهق أن يكون شريراً وذكياً وشاطراً ليعيش وإلا فإنه سيكون مغفلاً وفاشلاً واضحوكة للآخرين. ولأننا لا توجد لدينا ثقافة منع أطفالنا من مشاهدة برامج تؤثر سلبا في تشكيل شخصياتهم بعد أن أصبح التلفزيون (الأب الثالث) للطفل ، فان مهمة الأسرة تكون إما بعدم مشاهدة برامج المقالب التلفزيونية المسيئة عن قناعة، وإما مشاهدتها مصحوبة بثقافة تحصن الاطفال عما يسيء الى شخصياتهم..مع إن رامز جلال لن تروه في رمضان القادم ..لا تحت الثلج ولا فوق الجبال..لأن استنفد كل حيله..إلا إذا استوردت (MBC ) أو وجدت له فكرة جديدة كفيلة بسد نفقات برنامج تكفي لأطعام آلاف الفقراء وإكساء آلاف الأطفال سيتحسرون على ثوب جديد في العيد.

شارك الخبر على