طريق الدبلوماسية السعودية

ما يقرب من ٦ سنوات فى الشبيبة

احمد المرشدمن يتطرق لتطورات السياسة الخارجية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان وقائد هذه الدبلوماسية الجديدة وزير الخارجية في هذا العهد عادل الجبير، يرصد جملة من التغيرات الجوهرية علي هذه السياسة، خاصة في ظل القراءة المستقبلية للسعودية. ونحن في منتصف العام 2018 نستطيع أن نلقي الضوء على مضامين الدبلوماسية السعودية اعتماداً على الملفات والقضايا الدولية التي تصدت لها الرياض وأنهتها بنجاح لا نظير له، فالسعودية لم تعد تنتظر أداء دورها في ظل سياسات إقليمية ودولية، ولكنها استطاعت في العهد الجديد أن تبادر إلى فرض دورها على كل اللاعبين الإقليميين والدوليين، حتى وإن اتسعت دائرة مشاغل الخارجية السعودية، بدءاً من مشكلات الإقليم وتشمل اليمن وسوريا والعراق ولبنان، والكل يشهد بدور الدبلوماسية السعودية في هذه الملفات،ويبدو في المستقبل القريب أن اهتمامات الدبلوماسية السعودية الجديدة وملفاتها المحورية ستبقى كما هي في ظل استمرار مشكلات المنطقة تحديداً، وإن كانت التدخلات السعودية في الملف اليمني تحديداً قد حد كثيراً من دور جماعة أنصار الله ليساعد الشرعية في السيطرة على معظم الأراضي اليمنية وتحول دفة القوة من أنصار الله إلى الرئيس عبد ربه منصور هادي. وهذا يرجع في مجمله إلى نجاحات السياسة الخارجية السعودية التي يقودها الوزير عادل الجبير باقتدار، وهي تمثل ما يمكن تسميته بـ»نقطة ارتكاز رئيسية» لتحركاتها في محيطها الإقليمي والدولي، ولكن لا ننسى أن هذه السياسة تظل أيضا جزءاً من خريطة أوسع إذ تعمل في إطار «رؤية السعودية 2030» التي تضمنت سياسة خارجية جديدة مغايرة تماما لما كانت عليه في الماضي القريب. فالدبلوماسية السعودية الجديدة تنطلق في إطار «خريطة الحضارات» التي أعلنتها المملكة لتستفيد من مرتكزات القوة الكامنة فيها، وتتمثل في الحضارتين العربية والإسلامية بالإضافة الى إشراف المملكة على أهم ثلاثة ممرات مائية في العالم. كما أن هذه الدبلوماسية الجديدة تنطلق بالمملكة من هوية ضيقة حاول البعض إلصاقها بها الى كونها قوي إقليمية ودولية تشارك في القرار العالمي بإمكانياتها السياسية والاقتصادية لتتمكن في النهاية من تحقيق كافة النجاحات أثناء القيام بدورها الاستراتيجي.وقد أركز هنا على مجال مهم للغاية برزت فيه السعودية في الفترة الفائتة، وهو مجال مكافحة الإرهاب، حيث سطرت الدبلوماسية السعودية نجاحات جمة، مما جعل دورها رائدا في مكافحة هذا الإرهاب. وللتذكير فقط، تجلت هذه النجاحات في إنشاء مركز مكافحة التطرف وتجفيف منابعه، ودعم المملكة للأمن الإقليمي والدولي، حيث جاء تشكيل التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب بقيادة المملكة، وكذلك تأسيس مركز عمليات مشتركة بالرياض لتنسيق ودعم العمليات العسكرية لمحاربة الإرهاب ولتطوير البرامج والآليات اللازمة لدعم تلك الجهود، واستمرار المشاركة الفاعلة في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم «داعش»الإرهابي، وتعزيز قدرة وكفاءة الأجهزة الأمنية حتى تقوم بدورها عبر عمليات استباقية وملاحقة وتفكيك شبكات وخلايا إرهابية. ويقودنا هذا إلى أن الدور السعودي في مواجهة الإرهاب مستمر خلال الفترة المقبلة، وسيشهد مزيدا من التحركات إقليميا ودوليا في مواجهة كافة قوي الشر التي تدعم الإرهاب في المنطقة والعالم.ولنترك المنطقة قليلا، لنشير الى ما شهدته الدبلوماسية السعودية من نشاط كبير لتنويع العلاقات الدولية، وعدم الاكتفاء بسياسة الحليف الأوحد، فكان التوجه شرقا حيث دشنت المملكة مرحلة جديدة من العلاقات مع روسيا والصين واليابان ودول آسيا. وبتوضيح أكثر، يستطيع أي مراقب لتطورات الدبلوماسية السعودية أن يرصد بسهولة التوجه السلس الى تنوع العلاقات مع القوى الكبرى وعدم الاكتفاء بحليف استراتيجي أوحد، فرأينا انفتاحا دوليا تمثل في تحقيق توازن في العلاقات الدولية السعودية، فتطورات تلك العلاقات مع روسيا من انعدام روابط سياسية واقتصادية أو رؤى مشتركة أو أهداف محددة إلى علاقات إستراتيجية تدعمها حجم الصفقات والشراكات الاقتصادية المتبادلة. فالعلاقات الدولية يدعمها الاقتصاد في الوقت الراهن، ومثلما تطور الحال مع موسكو، شهدت العلاقات السعودية – الصينية، تناميا كبيرا منذ العام 2016 بتوقيع بيان مشترك لإقامة علاقات الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين. كما شمل التحرك الدبلوماسي السعودي بالإضافة إلى تنمية العلاقات مع مع القوى الكبرى، ترسيخاً لمكانة المملكة ودورها عبر تكثيف جهودها في حل النزاعات، وقد اتسق هذا الدور مع ميثاق الأمم المتحدة، لتوظف المملكة من خلاله دبلوماسيتها الاستباقية لمنع تفاقم هذه الأزمات وتحولها إلى صراعات عسكرية تنتج عنها كوارث. ولهذا شاركت المملكة مهام المنظمات الدولية والدول المؤمنة بالعمل الجماعي في تحقيق السلم والأمن الدوليين.إجمالاً، تقوم السياسة الخارجية السعودية التاريخية على أسس ومبادئ وثوابت محددة وهي: حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتعزيز العلاقات الخليجية العربية والإسلامية بما يخدم المصالح المشتركة، وانتهاج سياسة عدم الانحياز، وتأدية دور فاعل في إطار المنظمات الإقليمية والدولية. ولكن مع تعدد ملفات السياسة الخارجية السعودية وتنوع القضايا وتشعبها وتداخلها، يتأكد للجميع أن الدبلوماسية السعودية الجديدة تتحمل مسؤولية في تحركاتها الإقليمية والعربية والإسلامية والدولية، وقد فرضت حالة الفراغ الإقليمي التي المنطقة خلال السنوات الفائتة على السعودية الانغماس في كثير من أزمات المنطقة ومشكلاتها، وهو ما أثقل الدبلوماسية السعودية بأعباء كثيرة تتطلب التعامل معها بحرفية وكفاءة. وهو ما تم بالفعل حيث كانت المواجهات سريعة لكل التحولات الخطيرة، وتم إعادة تحديد الرؤية بناء على ما حدث من تغيرات.ربما اعتقد بعض المراقبين إبان تولي الملك سلمان بن عبد العزيز حكمه، أن المملكة لن تتغير وستواصل نفس سياساتها الخارجية المعهودة، ولكن سرعان ما تبدلت وجهة نظر هؤلاء ليكتشفوا بعد مرور وقت قليل التطور المذهل في تنوع الدبلوماسية السعودية لتساير حركة التاريخ وتشهد نقلة نوعية في اتجاه المستقبل.كاتب ومحلل سياسي بحريني

شارك الخبر على