مصائب اليمن!!

ما يقرب من ٦ سنوات فى الشبيبة

علي ناجي الرعويمن يستعرض الأحداث التي شهدها اليمن منذ تسونامي (الربيع العربي) الذي اجتاح المنطقة العام 2011 أول ما سيكتشفه أن المصائب والبلايا التي انهمرت وانصبت على رؤوس اليمنيين كانت بمثابة خليط من النكبات والرزايا والمحن بالغة القسوة فمن أزمة معقدة بين الفرقاء السياسيين رافقها الشبق الدائم إلى السلطة إلى صراع محموم أتى على فكرة الوطن، ومعنى الهوية الوطنية إلى حرب داخلية وخارجية دامية أخذت معها البلاد والعباد إلى كارثة مهولة لم تكتمل عناصرها حتى الآن على الرغم مما خلفته من الدمار والخراب والضحايا والجروح الغائرة التي ستظل مفتوحة زمنا طويلا، وقد يكون من باب المصادفة أيضا أنه وفيما تشتعل دورة هذه الحرب على الساحل الغربي لليمن أن تضرب العاصفة المدارية أو إعصار (مكونو) السواحل الجنوبية والشرقية ليلتهم هذا الإعصار العشب اليابس الذي أبقته الحرب.هي المصائب لا تأتي فرادى كما يقول ويليام شكسبير أو هي (مصائب شتى جمعت في مصيبة ولم يكفها حتى قفتها مصائب) كما قال المتنبي فما حل باليمن خلال السنوات الأخيرة من البلايا والأهوال ربما يراه البعض سوء حظ فيما قد يصفه البعض الآخر بقضاء وقدر وقد يذهب آخرون إلى اعتباره تكفيراً عن أخطاء كثيرة ارتكبها قادته السياسيون الذين مارسوا أدواراً سلبية لا تغتفر في كل الأحداث بما أوصل البلاد إلى هذه الحالة المأساوية التي يقع تحت وطأتها وقسوتها المواطن البسيط الذي تحول بالنسبة لأولئك السياسيين المهووسين بالسلطة والحكم إلى مجرد قطعة رثة لا قيمة لها في حساباتهم ومناوراتهم ومواقفهم المترعة بالفساد، والبعد عن المسؤولية.من السهل إلقاء الاتهامات على تلك القوى الطامحة في السلطة بمختلف مستوياتها واعتبار أنها وراء كل الكوارث التي أحاقت باليمن، ولكن فإن هذه الاتهامات لن تسترجع من سقطوا كضحايا إلى الحياة ولن تعيد منزلاً تهدم أو مرفقاً تخرب ولن تهدئ من روع أطفال فقدوا براءتهم وصاروا وقوداً لموجة الدمار أو شهوداً عليها خصوصاً إذا ما علمنا أن هذه القوى ما زالت حتى اللحظة غير قادرة على التخلص من إرثها وغير مستعدة لمراجعة مواقفها وأخطائها والتي بسببها تشرد الكثير من اليمنيين في اصقاع الارض ومن لم يستطع الهروب من هذا الجحيم ظل يعتصره الألم على وطن إضاعته الأهواء واستلب أحلامه العنف والعداوات ونزعة التغلب.مما لا شك فيه أن الحرب المستعرة اليوم في اليمن ستتوقف بعد أيام أو أسابيع أو اشهر فكل حرب لابد لها من نهاية إلا أن الأحقاد التي فككت الروابط الإنسانية بين اليمنيين لا يمكن لها أن تنتهي في أيام أو أشهر أو حتى سنوات، ولذلك سنجد أنه وحين يتوقف الطيران عن قذف حممه وتصمت المدافع والاسلحة عن اطلاق نيرانها اننا أمام مصيبة آلت البلاد إليها هي اعظم من مصيبة الحرب ومن هول إعصار (مكونو) وأفظع من أي نكبة مر بها اليمن خلال السبع السنوات العجاف الفائتة فالأحقاد إذا ما استشرت داخل أي مجتمع فإنها لا تغادره إلا بعد أن تهلك الحرث والنسل، وتعمل على تمزيقه إلى دويلات وكانتونات متناحرة يأكل بعضها بعضا دون شفقة او رحمة.لا ادري كيف أصف ما نزل باليمن من بؤس كبير وكيف أثرت الحرب على سلوكيات اليمنيين وعلاقاتهم لكن ما استطيع قوله إن هذه الحرب قد أحدثت انقساماً مفصلياً في البنية المجتمعية وعلى نحو لا مثيل له من قبل، وأن هذا الانقسام تجاوز الانقسام المناطقي والطائفي والسلالي والمذهبي الى الانقسام داخل الأسرة الواحدة ومن يتصفح المواقع الإلكترونية ويتابع ما يكتب فيها يصطدم بما يقرأ من القصص والحكايات المؤلمة على القلب والتي يصل الأمر في بعضها إلى أن يقتل الأخ أخاه بعد أن انقسم هذا المجتمع بين من يقاتل إلى جانب حركة أنصار الله وبين من يقاتل إلى جانب الشرعية، وبفعل هذا التشظي الملتهب انهارت كل قيم التعايش والتسامح والتفاهم وتدنى مستوى التخاطب بشكل مخيف بحيث صار كل طرف يدعي امتلاك الحقيقة ويبني على هذا الادعاء مواقفه وعلاقاته ومع استمرار الحرب اكتسبت هذه الظاهرة مزيداً من الحدة إلى درجة أصبح داخل كل يمني دكتاتورا يعبر عن نفسه كلما تهيأت له الظروف.لقد كان عميد الدبلوماسية العربية معالي يوسف بن علوي محقاً حينما حذر في وقت مبكر من تبعات وعواقب الحرب في اليمن وكأن الرجل بخبرته الطويلة ونباهته السياسية قد أدرك قبل غيره بأن الحرب بمجملها وفلسفتها وفعلها وتأثيراتها وتجلياتها وإفرازاتها لن تؤدي سوى الى انقسام اليمنيين وتمترسهم في خنادق متجابهة وقد رأينا ذلك فعلا ورأينا أيضا أن من كانوا ينتقدون موقف عمان الداعي إلى السلام وحسم أي خلاف على طاولة الحوار أنهم الذين لم يضعوا في حسبانهم أن الحروب حتى وإن جرى حسمها عسكرياً في الميدان فإن التخلص من آثارها وتداعياتها ستكون كلفته عالية ربما بأكثر من كلفة الحرب نفسها أوردت هذا المثال لتوجيه الانتباه الى المدى الزمني الذي يحتاجه اليمنيون لتجاوز أهوال هذه الحرب الملعونة عوضا عن ترميم الشروخ التي احدثتها الصراعات الداخلية في جدار النسيج الاجتماعي.لم يبالغ الذين قالوا إن الطريق إلى جهنم محفوف بالنوايا الحسنة ولابد أن اغلبنا أن لم يكن جميعنا قد سمع أو قرأ قصة الدب وما فعله بصاحبه حين اراد ان يبعد الذبابة عن وجهه وهذا الامر ينطبق على بعض القوى اليمنية التي لم تستشعر وبعد كل المصائب والمحن التي نزلت باليمن انما يصدر عنها من افعال وردود افعال انفعالية قد أضرت باليمن وأبقت الباب مفتوحاً لتحويل الصراع الداخلي الى صراع إقليمي الخاسر الأكبر فيه هو الشعب اليمني الذي يدفع ثمن فاتورة ذلك الصراع وخسائره الباهظة بل ان الخطيئة الكبرى لتلك القوى انها التي جعلت مصالحها الانانية تدفع بها بحسن نية الى التماهي مع المصالح الخارجية وصراعاتها دون الالتفات لخطورة هذا الفعل.لن يخرج اليمن من هذا الوضع الكارثي وما يدور على ساحته من صراعات وحروب دامية دون أن يستعيد أبناؤه رشدهم ويحتكمون إلى العقل بدلاً من الرصاص ومن دون أن يقتنع أصحاب الرؤوس الحامية من أن التسامح والتفاهم قد لا يكلفان شيئاً وأن عكسهما يكلف الكثير وانه حان الوقت لكي يتنازل اليمنيون لبعضهم البعض في سبيل المصلحة الوطنية والتفرغ لإنجاز التدابير التي يمكن أن تنقذ بلداً مدمراً من الضياع.كاتب يمني

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على