إدلب.. قصة محافظة تحولت إلى مأوى للإسلاميين في سوريا

ما يقرب من ٦ سنوات فى التحرير

مع كل خسارة جديدة تلحق بالإسلاميين في سوريا، يلجؤون إلى التسوية مع القوى المنتصرة عليهم، وعادة ما يتم الاتفاق على ترحيل أغلب المُسلحين إلى مدينة "إدلب"، لتصبح هذه المدينة هي المأوى الأخير للإسلاميين في سوريا، فلماذا تعتبر مدينة إدلب وجهة مفضلة للإسلاميين؟ وكيف تحولت إلى ملاذ أمن لهم؟ نجاوب عن هذه الأسئلة في متن هذا التقرير.

تاريخ وجغرافية المدينة

تقع مدينة إدلب في شمال سوريا وهي على مقربة من الحدود التركية، ويقع في الشرق منها ريف حلب، وريف اللاذقية غربا، ومحافظة حماة في الجنوب، ويفصل بينها وبين العاصمة دمشق نحو 300 كم2 جنوبا، وهي مسافة قد تقطعها السيارة في مدة زمنية تصل إلى ثلاث ساعات ونصف.

يخبرنا موقع المدينة بالعديد من الأمور، أبرزها هو احتوائها على أغلبية سكان من المُسلمين السُنة، وكذلك قُربها النسبي من منطقة "حلب" و"حماة"، وكلاهما يعد معقلا تاريخيا للحركات الإسلامية في سوريا، ويجمع بينهما وبين نظام الأسد عداوات تاريخية ممتدة، إذا قام حافظ الأسد بقصف مدينة حماة بالطائرات في عام 1982، على خلفية أعمال عنف متبادلة بين النظام وحركة الإخوان المسلمين، استمر القصف لمدة 27 يوما، وتلاه اجتياح عسكري بالمدرعات تحت قيادة رفعت الأسد شقيق حافظ الأسد، ما أسفر عن وفاة عشرات الآلاف من سكان المنطقة، وسُميت هذه العملية فيما بعد بـ"مجزرة حماة".

ويصل إجمالي سكان محافظة "إدلب" إلى نحو مليون ونصف المليون نسمة حسب تعداد 2011، كما تعد المحافظة من أغنى محافظات سوريا، نظرا لأنها تعد حلقة الوصل الرئيسية بين المناطق الزراعية في سوريا وميناء اللاذقية والذي يتم من خلاله التصدير إلى الخارج، وتشتهر المحافظة بالمناطق الزراعية الكثيرة وأشهر الزراعات هناك هي الزيتون.

وتنقسم محافظة إدلب إلى خمس مناطق إدارية هي منطقة إدلب 1504.6 كم2، منطقة أريحا 581.9 كم2، منطقة معرة النعمان 2021.97 كم2، منطقة جسر الشغور 1077.7 كم2، ومنطقة حارم 811.55 كم2.

 

اقرأ أيضا.. لماذا توفر واشنطن غطاءً للمسلحين في سوريا؟

إدلب والربيع العربي

بدأت أولى اشتباكات سكان إدلب مع أحداث الربيع العربي في أبريل 2011، وخرجت وقتذاك مظاهرة كبرى من منطقة جسر الشغور في غرب المحافظة لتطالب بإسقاط النظام السوري، وسرعان ما انتشرت هذه الاحتجاجات في مناطق مختلفة من المحافظة، كان من أبرزها جسر الشغور ومعرة النعمان ومدينة إدلب.

على أثر ذلك قامت قوات الجيش السوري بمهاجمة المتظاهرين وأسقطت منهم العديد من القتلى، ما أسفر عن نزوح الآلاف إلى الحدود التركية السورية بالقرب من المحافظة، ومع تصاعد الأحداث تم الإعلان عن تأسيس الجيش السوري الحر على خلفية انشقاق عدد 19 جنديا من قوات الجيش السوري في إدلب في أكتوبر 2011، واندلعت اشتباكات عسكرية متبادلة بين المُنشقين والقوات التابعة للجيش.

وشهدت المحافظة بعد ذلك العديد من المعارك بين قوات الجيش السوري الحر والجيش السوري الحكومي، وذلك مع محاولة الأول فرض سيطرته على محافظة إدلب بالكامل وإخراج القوات النظامية منها، واستطاعوا الصمود لفترة أمام محاولة الجيش النظامي الدخول إلى المدينة الأخرى خلال عام 2012، إلا أنهم فشلوا في النهاية وقاموا بالانسحاب من مدينة إدلب، وهي الأحداث التي عُرفت بـ"معركة إدلب الأولى".

بينما قامت قوات المعارضة السورية ومن بينها جبهة النصرة الإرهابية بتكرار الهجوم على المدينة في عام 2015، ونجحوا في هذه المرة في طرد قوات الجيش السوري النظامي من المدينة، لتصبح منطقة إدلب أكبر منطقة تتجمع بها فصائل مسلحة مناوئة للنظام السوري، وهو ما مهد لاستقبالها موجات متتالية من الفصائل المسلحة المهزومة في باقي المعارك العسكرية بمحافظات سوريا الأخرى.

اقرأ أيضا.. الدور العربي في سوريا.. هل يوقف نزيف الدم وتدخلات الغرب؟

موجات النزوح إلى إدلب

يمكن القول إن أغلب موجات النزوح في سوريا خلال الحرب الأهلية قد تركزت نحو منطقة إدلب وخصوصا موجات نزوح المُسلحين، وبدأت أولى هذه الموجات في مايو 2014 وهو توقيت أول اتفاق بين الجيش السوري والمُسلحين على توفير ملاذ آمن، وحدث هذا الاتفاق مع الفصائل المسلحة في منطقة "حمص"، وتبع هذا الاتفاق اتفاقات أخرى، كان منها الاتفاق في عام 2016 مع مقاتلي منطقة "درايا" بالخروج من المدينة إلى إدلب، وجاءت أكبر هذه الموجات في أبريل 2017 حيث أجلي نحو 11 ألف مدني ومقاتل من أربع بلدات محاصرة هي الفوعة وكفريا ومضايا والزبداني، بموجب اتفاق جمع بين الجيش السوري النظامي والجيش السوري الحر، وبصفة عامة استقبلت إدلب آلاف المقاتلين والمدنيين من مختلف مناطق سوريا، ومن أبرزها العاصمة دمشق وريفها.

ولجأ عدد كبير من النازحين إلى دولة تركيا، نظرا لقرب حدودها من إدلب، وقادت هذه الموجات المحافظة للتحول إلى معقل للإسلاميين على اختلاف معتقداتهم السُنية، خصوصا الوهابيين والإخوان المسلمين، وانعكس هذا الاختلاف في وقوع اشتباكات مسلحة بين الفصائل المعارضة وبعضها البعض بغرض فرض السيطرة على بعض المناطق، وكان من أبرز هذه الاشتباكات ما حدث بين قوات "جند الأقصى" التابعة لتنظيم داعش وتنظيم "أحرار الشام".

اقرأ أيضا.. الغرب يتآمر على سوريا.. ويضع شرطًا للسلام
 

وعلى أي حال فقد تحولت بهذا محافظة إدلب إلى مُستقر أخير للإسلاميين في سوريا، ويعد مستقبل المحافظة وسكانها غير واضح بالمرة، فهل تشهد المحافظة حدوث معارك أخرى بين مُسلحيها والجيش النظامي السوري؟ أم سيتم التوصل لتسوية يتم بمقتضاها التعايش السلمي بين سكانها دون وقوع اشتباكات عسكرية أخرى سواء بين الفصائل المسلحة بالداخل أو مع قوات الجيش السوري النظامي؛ لا أحد يستطيع الجزم بما ينتظر إدلب في الفترة المقبلة.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على